تشيرنوبل: تأثير ما بعد التجسيد الدرامي للكارثة النووية الأعظم
معاهد نووية تهدأ روع المشاهدين. وتهافت سياحي على زيارة الموقع.
لا يختلف أحد على القيمة الفنية الرفيعة لتحفة شبكة HBO مسلسل “تشيرنوبل”، والذي وصل إلى مستويات قياسية من الإبداع في جوانبه الفنية، ولكنه وصل أيضًا إلى مناطق غير مألوفة في نفس المشاهد، جذب انتباهه وأقلق حواسه، حول ماهية تلك الأخطار النووية، تاركًا المتلقي مع كم هائل من المخاوف والهواجس غير المحسومة رغم انتهاء أحداث المسلسل.
من النادر أن تجد عملًا فنيًا يتسبب في إثارة نقاش علمي متخصص حول فرع دقيق كالطاقة النووية، ولكن تشيرنوبل فعل ذلك، وسنحاول أن نرصد “التبعات” غير الفنية عن المسلسل، فالكثيرون قد تطرقوا للبراعة في الأداء أو الإخراج أو الموسيقى الخاصة بالعمل، ولكن “غبار المسلسل” امتد لما هو أبعد من ذلك.
جرافيت فني
تأثير المسلسل يشبه إلى حد كبير قطع الجرافيت المبعثرة في موقع الانفجار، والتي كانت تبدو في ظاهرها مجرد قطع صخرية، ولكن في حقيقتها تملك تأثيرًا مشعًا ومتواصلًا ومدمرًا، هكذا كان المسلسل في ظاهره مجرد عمل فني، إلا أنه تسبب في موجة من ردود الفعل عليه وبسببه.
مجلة Vanityfair الشهرية الأمريكية، أفردت مقالًا للناقدة التليفزيونية Sonia Saraiya، أكدت فيه أن المسلسل تسبب في زيادة نسبة البحث على موقع جوجل حول الكارثة، ورفع نسبة تبادل الرسائل والتحذيرات والتوعية حول الكوارث النووية.
وأضافت أن المسلسل زاد من نسب البحث عن جميع محطات الطاقة النووية النشطة في الولايات المتحدة تحديدًا، وأنه تم رصد زيادة النقاشات الجديدة حول طبيعة الطاقة النووية، وأن البحث على جوجل تخطّى مجرد البحث عن كلمة “تشيرنوبل”، وإنما زادت مرات البحث عن مصطلحات بعينها كـ”جرافيت المفاعلات النووية” الـ RBMK، برابيت المدينة الأوكرانية التي لقبت بـ”مدينة الأشباح” بسبب الحادث، وبالطبع التعرف أكثر على شخصية البطل الحقيقي للقصة فاليري ليجاسوف.
وواصلت: “حتى إن معهد الطاقة النووية الأمريكي ومقره واشنطن، اضطر إلى إصدار “بيان تطمين” حول امتثال المفاعلات الأمريكية للشروط القياسية وسلامتها تمامًا”.
تشيرنوبل يتحول إلى وجهة سياحية
موقع يورو نيوز، نشر تقريرًا جزم فيه بأن المسلسل شهد نجاحًا ملموسًا وصل إلى أنه قد ساهم في زيادة عدد السياح الذين يزورون الموقع، ورفع تلك النسب 40% مرة واحدة، منذ بِدء العرض الخاص بـ HBO، وأصبح متوسط سعر الجولة للفرد الواحد 100 دولار.
ومن اللافت للنظر أن بعض الوكالات السياحية الخاصة قررت استثمار الحدث الكارثي، وعقدت اتفاقيات مع السلطات الأوكرانية على تنظيم رحلة تستغرق يومًا واحدًا فقط، داخل المنطقة المحظورة بعد تنظيف جزء كبير منها وتأمينها تمامًا.
وذكر بعض الزوار أن بعض الأماكن درجة الإشعاع فيها ضئيلة بمعنى مرتين أو ثلاث أكثر من المعدل الطبيعي، لكن على بُعد عدة أمتار من هذه الأماكن يجدون أن نسبة الإشعاع قد تزيد عن المعدل الطبيعي بألف مرة ويستحسن في هذه الحالة عدم لمس الأرض أو النباتات.
وتشمل تلك الجولة عبور نقطة تفتيش مهيبة على رأس المنطقة المحظورة، والتقاط صور تذكارية أمام المفاعل الرابع الذي تسبب في الكارثة، وأخيرًا زيارة “الغابة الحمراء” التي اكتسبت هذا الاسم بعد أن أعطاها الإشعاع هذا اللون المتوهج.
“تشيرنوبل” لم يتوقف عن قتلنا
أعاد مغردون ونشطاء تداول التحقيق الموسع الذي أجرته معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، كيت براون، عمّا إذا كان هناك ارتباط وثيق بين حادث “تشيرنوبل” وانتشار مرض السرطان، حيث رصدت في بحثها العلمي أن تلك الكارثة يمكن أن تكون مسؤولة عن الارتفاع العالمي في إصابات السرطان والأمراض الأخرى، وقد وثّقت ذلك في كتاب لها.
وذكرت براون في كتابها أن علماء بارزين وممثلي الأمم المتحدة والصليب الأحمر ومنظمة الصحة العالمية، ضللوا العالم بخصوص أدلة تربط بين استمرار وفاة الأشخاص في يومنا هذا نتيجة الانفجار النووي في عام 1986.
وركز المغردون في تداولهم لنصوص الكتاب، على تلك الجزئيات التي جزمت فيها براون بأن زيادة معدلات الإصابة بالسرطان يمكن أن تكون مرتبطة بكارثة تشيرنوبل، وأن الحكومات وكبار المسؤولين لم يرغبوا في تحمل المسؤولية أو التحقيق في الحوادث الإشعاعية الأخرى.
وأجرت براون أبحاثها على مدار أربع سنوات، واعتمدت على سبعة وعشرين أرشيفًا للمعلومات من أوروبا والولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي سابقًا.
أعمال إبداعية بعدد المفاعلات النووية
مثلما تيقّن المشاهدون من أن العالم لا يحتوي على مجرد مفاعل نووي واحد، وأنه حتى منطقة الكارثة في أوكرانيا كان يجاورها عدد من المحطات والمشروعات النووية الأخرى، شأن كل دولة تملك تلك المفاعلات في العالم، فإن “مسلسل تشيرنوبل” ليس العمل الإبداعي الوحيد الذي تناول تلك الظاهرة، وأن على بعد خطوات فنية في مراحل زمنية مختلفة منه، هناك تحف أخرى تتحدث عن تلك الكارثة.
يأتي في مقدمة تلك الأعمال ستة أفلام سينمائية ووثائقية، تناولت كارثة تشرنوبل وأسبابها ونتائجها والقصص الإنسانية المرتبطة بها، أمثال: فيلم The Russian Woodpecker والذي رصد المأساة بعيون فيدور إليكسندروفيتش، الذي تأثر بالإشعاع الناجم عن التفجير، ويجادل حول الكارثة وأنها لم تكن حادثًا عرضيًا ويطرح تساؤلًا جديدًا: “ماذا لو كانت الكارثة النووية جريمة مدبرة؟”
و Chernobyl Diaries فيلم خرج للنور في العام 2012 عن ستة سائحين من الشباب تجاهلوا التحذيرات بعدم الذهاب إلى مدينة (بريبيات) التي ظلت مهجورةً طوال 25 عامًا منذ انفجار مفاعل تشيرنوبيل النووي، ليصطدموا بحقائق مرعبة هناك.
وأفلام أخرى مميزة كـ: Chernobyl Heart 2003 ،White Horse 2008 ،The Battle Of Chernobyl 2006 ،Chernobyl 3828 إنتاج العام 2006.
مصادر: زيارات لموقع الحادث ناقدة تليفزيونية ترصد زيادة نسب البحث حول الكوارث النووية.
قد يعجبك أيضًا: رعب تشـيرنوبل الذي فاق خيال البشر