نساء بمناصب ذكورية
كثيراً ما نلتقي ببعض العناوين الإخبارية التي تبدأ بـ «وصرَّحت النائب (اسم فتاة ) برفضها لبعض البنود في الجلسة النيابية، أو أبدت وزير المالية (اسم فتاة ) بضرورة إيجاد حل لتضخُّم المديونية مثلا ً ..الخ.»
إنَّ المصطلحات التي دلَّت على مناصب سياسية فيما سبق كانت مُذكَّرة لغوياً مع أن من يستلم تلك المناصب يكن من الإناث، لكن الاستخدام المتداول لتلك العبارات التي تدل على المناصب هي التذكير فعند ذكرنا لشيوع استخدام نمط إجتماعي ننفي أي شبهات مُلصَقة باللغة فيما يخص فرضها استخدام التذكير في مواضع أنثوية لأن هذا الأمر لا علاقة له بأي قواعد نحوية أو صرفية بل له ارتباط مباشر في الشخص الذي اعتاد المجتمع على تَسَّلمُه للمنصب .
فإذا كان أغلب متسلمي المناصب السياسية ذكور، فسوف يلتصق بهم هذا الدور الإجتماعي بكل ما يرافقه من صفات أو كلمات تعريفية تدل على افتراض وجود الذكور في منصب سياسي، وأنَّ الأفراد في ذاك المجتمع سوف يعتقدون أن هذا هو الوضع الطبيعي.
وتبدأ الفجوة عندما يمر المجتمع بمرحلة تحولية متطورة تفرض عليه بعض التغييرات فيه مثل مشاركة الاناث في السياسة، فحتى بعد استلام الاناث لتلك المناصب تظل هذه المكانات السياسية مُلتصقة بالذكور فنصبح نستخدم القالب الذكوري لمحتوى أنثوي للدلالة على الافتراض التلقائي والطبيعي بالنسبة لنا أن يستلم هذا المنصب ذكر.
فإن أردنا تسليط الضوء على الرأي اللغوي الذي نجده في كتب النحو في اللغة العربية فمثلاً عند ابن الأنباري في كتابه (المذكر والمؤنث) فيقول «أنَّ الألفاظ المختصة غالباً بالمذكر تُعامَل مُعاملة المذكر حتى لو كان المقصود بها امرأة ومما وصفوا به الأنثى ولم يُدخلو فيه علامة التأنيث – لأن أكثر ما يوصَف به المذكر – قولهم : أمير بني فلان امرأة وفلانة وصي فلان واذا أدخلو الهاء على أميرة لكنه استبعد ذلك لأن تلك الالفاظ بالعادة تكون للذكور.»
إنَّ هذا الرأي يشير أنَّ الإستخدام اللغوي يتأثَّر بالأنماط الإجتماعية السائدة في المجتمع أو الأدوار التي ترسمها وتحددها وتسيطر عليها الثقافة المجتمعية في ذلك الوقت، فمن الممكن أن تُشاع بعض الأخطاء النحوية حتى على حساب ذلك، فاللغة كمجال حالها كحال أي مجال مرتبط بالثقافة بشكل وثيق ما قد يؤدي أحيانا إلى تغيير قواعد ومبادئ هذا المجال لكي يلائم تلك الثقافة المجتمعية الراكدة أو النامية بشكل بطيئ.
لكن المشكلة تتعمَّق عندما لا يقتصر ذلك الإستخدام الخاطئ فقط على المحادثات بين الأفراد بل يمتد ليشمل الكتب الرسمية أو المراسلات الحكومية والإعلام الرسمي، فتلك المؤسسات من المفترض أن تكون على مستوى عال من التوظيف اللغوي لمفرداتها، فمثل هذه الأخطاء على المستوى الرسمي قد تساهم في تعمق المشكلة والتصاق المناصب بالذكور أكثر من قبل .
في محض تحوُّل وتطوُّر واتسَّاع في مشاركة المرأة بمجالات عديدة منها السياسة فلا بد أن نعطي تلك المشاركة حقها الكامل كحق مشاركة الذكور في السياسة أيضاً ومن أبسط تلك الحقوق هو إعطائها المسمى المنصبي كما يجب ويلائم وجودها ككيان أنثوي .
والبدء بحل تلك المشكلة يبدأ في الأصل من التصحيح الاعلامي لتلك المفردات والتصحيح الحكومي أيضاً لجميع المسميات الوظيفية الأنثوية المغطاة بالوصف الذكوري، ولأن هذا قد يكون خطوة مهمة في سبيل تقويم الكثير من المجالات المُحتَكرة اجتماعياً لفئة معينة من المجتمع .. حتى بعيداً عن احتكار الذكور لبعض المجالات فان العديد من المجالات عالمياً وتاريخياً احتُكِرَت من قِبل فئة مُعينة عرقياً أو دينياً أو جنسياً، فالتصاق هذه الفئات بمجال معين أدى لتغيير مفاهيم خاصة بذلك المجال
فالعامل الذي يلعب الدور الأساسي هنا هو توزيع الأدوار اجتماعياً وجندرياً ومرونة الثقافة وقدرتها على تغيير عناصرها لتتوائم مع التغيير الحاصل عليها وبالتالي تعديل استخدامنا للغة أو التعبير الدقيق عن الوضع الجديد فبالنهاية لا نريد واقع أو حاضر تتمسك به الأشلاء أو البقايا القديمة من واقعنا القديم الذي طالما سعينا لتغييره.
فقد يكون علينا تقبل مفاهيم جديدة تتناسب مع تطور الوضع الإجتماعي في مختلف المجالات فهذه المفاهيم لا يمكن أن تحل محلها أية بدائل لأنها سوف تتعارض مع الفكرة والهدف الأساسي وتنقلب ضده لتضعنا في مشكلة جديدة وهي وجود النساء في قالب ذكوري فلما لا يكون قالب واحد يجمعهما معاً على نفس المجال والهدف .