كيف يعمل الدماغ على حل المشاكل من خلال دمج الذاكرة؟
يمتلك البشر قدرة على دمج ذكرياتهم بطريقة خلاقة لحل المشاكل ورسم رؤىً جديدة، فهي عملية تعتمد على الذكريات المتعلقة بأحداث معينة والتي تعرف بالذاكرة العرضية.
اليوم معنا بحث جديد يسلط الضوء على كيفية ربط الدماغ البشري لأحداث الذاكرة العرضية لحل المشاكل.
تخيل على سبيل المثال أنك رأيت امرأةً تقود سيارة في شارعكم وفي اليوم التالي رأيت رجلًا يقود السيارة ذاتها في الشارع ذاته فإن رؤيتك لرجل في السيارة ذاتها قد يعمل على تحفيز ذاكرتك لاسترجاع صورة المرأة التي شاهدتَها في اليوم السابق وحينها تفترض منطقيًا أن الاثنين يعيشان معًا لأنهما يتشاركان السيارة نفسها.
وتكشف الأبحاث عن آليةً حديثة في الدماغ تسمح للذكريات المسترجعة بتحفيز استرجاع المزيد من الذكريات ذات الصلة. تسمح هذه الآلية باسترجاع العديد من الذكريات المترابطة والتي تمكن الدماغ في ما بعد من خلق أنواع جديدة من الأفكار المشابهة لها.
ومثل النظريات القياسية للذاكرة العرضية، يشير المؤلفون إلى أن الذكريات المنفردة يتم تجميعها كذاكرة منفصلة في منطقة من الدماغ والتي تدعى الحصين (بنية تشريحية في الدماغ).
ويقول رافيل كوستير، باحث لدى Deep mind: “الذاكرة العرضية تستطيع إخبارك ما إذا قد كنت قابلت شخصًا ما من قبل أو أين قمت بركن سيارتك” ويقول أيضًا: “إن النظام الحصيني يدعم هذا النوع من الذاكرة والذي يعتبر أمرًا حتميًا للتعلم السريع”.
وعلى عكس النظريات الأخرى، فإن النظرية الجديدة تكشف عن ارتباط تشريحي مهمل والذي يخرج من الحصين إلى القشرة الداخلية المجاورة ويعاود المرور مباشرةً إلى حيث كان. وكما يظن العلماء فإن هذا هو الارتباط الحديث والذي يسمح للذكريات المسترجعة من الحصين بتحفيز استدعاء المزيد من الذكريات ذات الصلة.
ابتكر العلماء طريقة للتأكد من صحة هذه النظرية من خلال اعتماد جهاز رنين مغناطيسي عالي الدقة بقوة 7.0 تسلا والذي قام بالمسح ل 26 شابًا و شابةً خلال قيامهم بمهمة تتطلب نفاذ البصيرة لاستحضار أفكار خلال أحداث منفصلة. تم عرض أزواج من الصور على المتطوعين: صورة لوجه والأخرى لمكان أو شيء ما. كل مكان أو غرض قد تم عرضه على اثنين من أزواج صور منفصلة وكل منها احتوى على وجه مختلف مما يعني أن كل زوج من الصور كان مرتبطًا بزوج آخر من خلال ارتباطهم بنفس صورة المكان أو ذاك الغرض.
وفي المرحلة الثانية من التجربة اختبر الباحثون ما إذا كان المشاركون قادرين على تفسير أو فهم الارتباط غير المباشر ما بين أزواج الصور المترابطة من خلال عرض وجه عليهم ومن ثم القيام بسؤالهم للاختيار ما بين وجهين آخرين. واحد من الخيارات كان هو الخيار الصحيح والذي ارتبط بنفس صورة المكان أو الشيء، أما الخيار الآخر فكان خاطئًا. واقترح الباحثون أن الوجه الذي تم عرضه لربما حفز استدعاء أو تذكر الشيء أو المكان المرتبط به وبالتالي تحفيز النشاط الدماغي الذي يمر من الحصين باتجاه القشرة الشمية الداخلية.
وقد توقع الباحثون أساسًا الحصول على دليل على أن هذا النشاط قد يعاود المرور إلى الحصين لتحفيز استدعاء الوجه الصحيح المرتبط بالمكان أو الغرض.
ويقول Yi Chen، وهو باحث في جامعة اوتو فون غريكي: “لقد استطعنا فصل أجزاء من القشرة الشمية الداخلية والتي تزود الحصين بالمدخلات باستخدام تقنيات مختصة ومطورة في مختبرنا بجامعة ماغديبورغ حيث سمح لنا هذا بقياس دقيق لأنماط التنشيط في مدخلات الحصين ومخرجاته بشكل منفصل.”
قام الباحثون ببرمجة خوارزمية على الحاسوب لتميز ما بين عملية التحفيز للمشاهد والأشياء خلال مناطق المدخلات والمخرجات. وتم تطبيق هذه الخوارزمية عندما تم عرض الوجوه فقط على الشاشة.
فإذا أشارت الخوارزمية إلى وجود معلومات المشهد أو الغرض في هذه التجارب، يمكن أن يكون هذا مدفوعًا بالذكريات المسترجعة ذات الصلة بصور الغرض أو المشهد.
يقول ديشان كومار باحث لدى Deep mind: “ينظر الباحثون إلى الخوارزمية على أنها توحيد يجمع ما بين النظريات القديمة والحديثة. ويضيف قائلًا “ويمكن النظر إلى النتائج على أنها أفضل ما في جزئي النظريات القديم والحديث بحيث يمكّنك من الحفاظ على القدرة على تذكر تجارب منفردة من خلال بقائها منفصلة وفي ذات الوقت السماح بدمج الذكريات المترابطة عند نقطة الاسترجاع أو التذكر.”
“هذه القدرة مفيدة لفهم كيفية اجتماع أجزاء القصة المختلفة مع بعضها البعض. وعليه فإنه من غير الممكن أن تقوم بتذكر واحدة من الذكريات على حِدة، إذ لا بد أن تكون مصحوبة بغيرها”.
يعتقد الباحثون أن نتائج دراستهم قد تساعد الذكاء الاصطناعي (AI) على التعلم أسرع في المستقبل.
يقول مارتن تشارلوك وهو باحث آخر في Deep Mind: “هنالك مجالات عديدة يتفوق فيها الذكاء الصناعي، إلا أنه يظل لدى البشر أفضلية وخاصة عندما ترتكز المهام على الاستخدام المرن لذاكرة العرضية”.
ويضيف قائلًا: “إذا كان باستطاعتنا فهم الآليات التي تسمح للناس بفعل هذا، فإن هنالك بصيص أمل على أنه باستطاعتنا تقليد واستنساخ هذه الآليات في أنظمة الذكاء الاصطناعي وتزويدها بطاقة استيعابية أكبر لحلول أسرع للتحديات والمشكلات الجديدة”.