شاب مصري يجعل للآلة عقلًا يفكر (كنجن Kngine)
“مهما كانت حياتك تدعو إلى التشاؤم ومهما بدا المستقبل مظلما تمسّك بأحلامك، وعندها لابدّ لها أن تتحقّق .”
في مجتمعاتنا العربية عندما نسمع عن قصص النجاح التي حققها أبطالها فإننا نصاب بحالة من اليأس والإحباط، وذلك لأنّ هناك فكرة مغلوطة زُرعت في عقولنا وهي أنّ الأشخاص الذين يحققون النجاح ويصلون إلى أهدافهم لديهم بيئة مشجعة وحاضنة للأفكار والإبداعات، لكنّ بيئتنا العربية بيئة هدامة تولد الفكرة فيها وتموت من دون أن ترى النور، وتصطدم الأحلام والأمنيات بواقع مرير يقتل الطموح ويقضي على الأمل.
أنا أراهن على أننا جميعًا لدينا هذه الفكرة المسمومة التي تسيطر على تفكيرنا بين الحين والآخر، بالطبع مع اختلاف حدتها من شخص لآخر، لكن ما رأيكم هذه المرة بأنّ هناك قصة نجاح عربية بطلها عاش في نفس البيئة والمجتمع الذي نعيش فيه.. نعم هي حكاية مصرية لشاب آمن بحلمه وأطلق العنان لفكرته حتى أبصرت النور.
إنه الشاب هيثم الفضيل مؤسس شركة (Kngine) المصرية والتي بدأت عملها في مجال الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات ومن مشروع محرك بحث إلى شركة محلية ناشئة ووصولًا إلى العالمية بعد أن أثارت إعجاب شركة سامسونج لتقرر من دون أي تردّد الاستحواذ عليها وضمها إلى عالمها الإبداعي. وإليكم التفاصيل:
ما الذي يمكن أن يحدث عندما يجتمع عشق البرمجة مع دراسة التجارة:
“علّمت نفسي البرمجة منذ كنت في العاشرة من العمر ”
– هيثم الفضيل
عشق هيثم الفضيل البرمجة منذ كان طفلًا ولكنه لم يتوفق في دراسة علوم الكومبيوتر والبرمجة، حيث شاءت له الأقدار أن يدرس في كلية التجارة. لكنّ ذلك الشاب الطموح لم يستسلم لقدره ويقف مكتوف الأيدي ليندب حظة الذي حال بينة وبين دراسة ما يحب، ولكنه عوضًا عن ذلك، وإلى جانب دراستة في كلية التجارة، كان يتعلم البرمجة بشكل ذاتي بكل عزيمة وإصرار حتى أصبح مهندسًا في مجال البرمجة.
وعلى الرغم من دراسة هيثم للتجارة إلا أنه اتّبع حلمه وعمل في مجالات ليس لها أي علاقة بتخصصة الدراسي هذا، إنما اختار العمل في المجالات التي تعتمد على البرمجة والذكاء الاصطناعي. واستعان هيثم في رحلته إلى عالم الذكاء الاصطناعي بأخيه أشرف ليبدآ معًا أول خطوة في عالم النجاح والشهرة.
كيف استطاع هيثم الفضيل أن يجعل للمكينة عقلًا يفكّر :
“كيف أمكن أن اجعل الآلة تفكر؟”
هذه كانت الفكرة التي راودت هيثم الفضيل منذ كان طفلًا، وهي أن يجعل الآلة قادرة على فهم البشر. وبالفعل بدأ هيثم بتصميم محرك بحثي على شبكة الانترنت أطلق عليه إسم (Kngine)، وهو اختصار ل (محرك المعرفة أو Knowledge Engine). ومع النجاح المبدئي الذي حققه محرك البحث كنجن قرر الأخوان فضيل تركيز جهودهما بشكل أكبر على هذا المشروع والتفرغ بشكل كامل له. وتحديدًا في العام 2009 استطاع الأخوان المصريان تحويل هذا المشروع البحثي إلى شركة ناشئة عاملة في مجال تحليل البيانات.
وعلى الرغم من الأوضاع الصعبة التي كانت تعيشها مصر خلال فترة قيام الثورة الشبابية في العام 2011، إلا أنّ هذه الظروف لم تكن معيقة لمسيرة هيثم وشقيقه أشرف، بل كانت الحافز الأكبر لهما؛ فقد استطاعا تغيير الواقع وتحويل الحلم إلى حقيقة، فبعد أشهر قليلة فقط من بدء الثورة فاز مشروعهما في مسابقة “برنامج الريادة العالمي” التي أجريت في القاهرة خلال تلك الفترة، ثم حصلا على تمويل من صندوق “سواري فينتشرز” لرأس المال المخاطر .
بعدها انتقل الفضيل في العام 2012 إلى مدينة “بالو ألتو” في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، وفتحا مكتبًا خاصًا بشركة “كنجن ” في “دوغ باتش لابز”، وهذه كانت البداية الأولى للانتقال من المحلية إلى العالمية، حيث كوّنا فريق عمل متميز وأطلاقا نسختهما الأولى من تطبيق “Kngine” على أجهزة الأندرويد والأيفون.
ما الذي يميز محرك البحث “كنجن” “Kngine” عن غيرة من المحركات:
” خليت المكينة تفهم الإنترنت وتفهمني ”
– هيثم الفضيل
هناك الكثير من محركات البحث المتواجدة على شبكة الإنترنت لعل أبرزها محرك البحث التابع ل “جوجل“، لكن من منكم لم يشعر بالملل بينما هو يبحث عن إجابة لتساؤل أو استفسار معين يشغل باله وتفكيرة، فعندما تبدأ بالبحث في محرك البحث جوجل فإن ما يفعله هو إعطائك مجموعة واسعة من الروابط والتي غالبًا ما تكون ليس لها علاقة بما تعنية في العبارة التي أدخلتها في سجلّ البحث، فمحرك البحث جوجل يقوم فقط بتجميع كل الروابط والصفحات و المواقع التي وردت فيها العبارة أو نص السؤال الذي طرحته.
وفي هذا الصدد يقول هيثم الفضيل عن Kngine:
“كنجن يفهم الماضي والحاضر والمستقبل وإجاباته أكثر دقة ب 25% من جوجل .”
وتحت شعار “الروابط ليست إجابات” الذي يقوم على أساسه محرك المعرفة “كنجن”، فإنّ الأمر مختلف تمامًا؛ فبمجرد أن تطرح تساؤلك أو استفسارك على كنجن فإنه أولًا سيقوم بفهم سؤالك جيدًا من خلال البحث في مواقع الإنترنت وقراءة الكتب والوثائق وكل شيء موجود في شبكة الانترنت وله علاقة بالعبارة التي أدخلتها بعدها سيقوم بإعطائك إجابة محددة ودقيقة وأقرب إلى المنطق.
“كنجن” ليس فقط محرك بحث سيعطيني إجابات محددة ودقيقة عما أبحث عنه، ولكنه سوف يساعدني في اتخاذ القرارات التي تتناسب معي فهو يتعامل مع سؤالي بذكاء خارق كما لو كنت أخاطب عقلًا بشريًا.
بالإضافة إلى ذلك فإنّ كنجن بإمكانه أن يجيب على الأسئلة العادية المتعلقة بتلبية إحتياجاتك اليومية، كما أنه يمكن استخدامة من قبل الشركات في تلبية خدمة العملاء بصورة أوتوماتيكية.
لماذا اختارت شركة عملاقة كسامسونج الاستحواذ على الشركة الناشئة كنجن
النجاح والشهرة التي حققتها الشركة المصرية الأصل “كنجن” وبشهادة الكثيرين جعلت منها محطًّا لأنظار الجميع، فمنذ أن كان هذا المشروع صغيرًا وفي بدايته تلقى الكثير من الثناء ونال استحسان شريحة واسعة من الناس حتى أنّ جامعة “سياتل الأمريكية” وصفته بأنه أفضل محرك تمّ ابتكاره للإجابة عن الأسئلة.”
وبعد كل هذه الضجة التي أحدثها محرك البحث “كنجن” والذي استطاع أن يكون في المقدمة ويتغلب على الكثير من التطبيقات التي تعمل في نفس مجاله، كان من الطبيعي جدًّا على شركة كسامسونج أن لا تضيّع فرصة الاستثمار في هذا المشروع المبتكر.
وهذا الذي حصل فعليًّا على أرض الواقع؛ حيث بدأت سامسونج الاستثمار في هذه الشركة الناشئة بواسطة شركة تابعة لها تدعى “سامسونج ريسيرش أمريكا” حتى قررت في العام الماضي الاستحواذ بشكل كامل عليها، وتمّ الإعلان بشكل رسمي عن هذه الصفقة في شهر مارس الجاري من هذا العام.
يذكر أنّ الغرض الأساسي من قيام سامسونج بالاستحواذ على كنجن هو لتطوير مساعدها الشخصي “bixby بكسبي” المستخدم في الإجابة عن الأسئلة والتي كانت سامسونج قد أطلقته العام الماضي في هاتفها الذكي “جالكسي S8″، وتعمل خدمة “Bixby” على إتاحة ميزة الحصول على الإجابات الصوتية لاستفسارات مستخدميها، بالإضافة إلى أنّ هذه الخدمة الموجودة في الإصدارين الآخرين من أجهزة سامسونج الذكية (جالاكسي S8 وجالاكسي S9)، تنفّذ العديد من الأوامر الصوتية الأخرى كحفظ الملاحظات والتنبيهات والعديد من المزايا الأخرى.
أخيرًا
استطاع هيثم تحقيق حلمه والوصول إلى هدفه، وبنجاحه هذا أعطى بصيص أمل للكثير من الشباب العرب الذين يمتلكون حجمًا هائلًا من الأفكار التي حتمًا ستغيّر العالم إذا خرجت للنّور.