هل تتواجد الحاسة السادسة في الأمعاء؟
اكتشاف دائرة عصبية تربط الأمعاء بالدماغ مباشرة
ربما شعرت يومًا وأنت تجلس أمام ورقة الامتحان بقرقعات في بطنك. أو أنك أحسست بثقل في رأسك بعد وجبة طعامٍ دسمة.
أمعاء الإنسان فيها أكثر من مائة مليون خلية عصبية، ما يجعلهم يطلقون عليها اسم “الدماغ الثاني”. وهناك العديد من الاعتلالات التي يعتقد العلماء أنها تبدأ في الأمعاء، مثل اضطرابات الشهية والسمنة والتهاب المفاصل وحتى الاكتئاب.
كيف يحدث التواصل بين الأمعاء والدماغ
ليس واضحًا تمامًا. كان يُعتقَد إلى الآن أن ذلك يحدث عبر الهرمونات التي تفرزها الأمعاء وتنتقل عبر الدم إلى الدماغ لتشكل صلة الوصل غير المباشرة بينهما. وهو ما يستغرق وقتًا. فمثلًا تحتاج عشر دقائق لتدرك أنك قد أتخمت بصحن الفول الذي التهمته.
لكن دراسة نشرت في مجلة Journal of Clinical Investigation في 2015، بينت أن هناك اتصالًا عصبيًا بين الأمعاء والدماغ يسمح بوصول المنبهات بسرعة أجزاء من الثانية.
في العام 2010 اكتشف الدكتور دييجو بوهوركيز، عالم الأعصاب في جامعة ديوك في أمريكا، شيئًا لافتًا أثناء فحصه بالمجهر الإلكتروني لنوع من الخلايا المعوية تدعى Enteroendocrine. وجد أن هذه الخلايا تمتلك زوائد كالأقدام الطويلة تشبه المشابك العصبية في العصبونات (الخلايا العصبية)، والتي تستخدمها للتواصل فيما بينها.
خلايا Enteroendocrine هي خلايا تتواجد في بطانة القناة الهضمية (والبنكرياس). وتنتج الهرمونات المسؤولة عن تحفيز عملية الهضم وتلك التي تكبح الشعور بالجوع.
ما لاحظه بوهوركيز حول هذه الخلايا جعله يتساءل إن كانت قادرة ليس فقط على التواصل الهرموني مع الدماغ، بل أيضًا على استخدام الإشارات الكهربائية كما الخلايا العصبية. وإن كان هذا ما يحصل، فإن الطريق العصبي الواصل بين الأمعاء والدماغ سيكون العصب المبهم (Vagus Nerve).
لفحص هذه الفرضية، قام بوهوركيز وفريقه بحقن فأر بفيروسات مرض الكلَب محملة بعلامات فلوروسنتية خضراء. وبمتابعة هذه الفيروسات، ظهر أنها قد انتقلت من خلايا Enteroendocrine المعوية إلى العصب المبهم ومن ثم وصلت إلى جذع الدماغ. ما أكد وجود الرابط العصبي المباشر بين القولون والدماغ.
بعدها قام الفريق بوضع خلايا Enteroendocrine المعوية مع عصبونات من العصب المُبهم في صحن مخبري، ليكتشفوا تكون تشابكات عصبية ما بينها بدأت بإطلاق الإشارات العصبية. كما وجدوا أن الخلايا المعوية أطلقت “الجلوتاميت”؛ وهو ناقل عصبي مسؤول عن نقل الإشارات العصبية في الشم والتذوق. وكانت سرعة انتقال الجلوتاميت حوالي 100 ميلي/ثانية. وهي أسرع بكثير من سرعة وصول الهرمونات المعوية إلى الدماغ عبر الدم.
يقول د. بوهوركيز
أنهم يعتقدون، بناءً على معطيات لديهم، أن نفس تركيب ووظيفة الدائرة العصبية هذه موجودة لدى الإنسان. ويعتقد أن الفشل الذي يلحق بالعديد من أدوية كبح الشهية يعود لبطء حركة الهرمونات التي تعمل عليها. ويضيف
“إن هذا يعطي مصداقية لاعتبار الإحساس الداخلي (gut feeling)، هو الحاسة السادسة”.
الخطوة التالية هي دراسة فيما إن كان هذا التواصل العصبي المعوي الدماغي يزود الدماغ بمعلومات هامة حول المحتوى الغذائي والحراري للطعام الذي نتناوله، إضافةً لأهمية هذا الاتصال في استشعار السموم في الجهاز الهضمي.
هذا الاكتشاف سيعود بالنفع على أساليب معالجة السمنة واضطرابات الأكل وحتى التوحد والاكتئاب. والتي ترتبط جميعًا بخلل وظيفي في الأمعاء.