جميعنا نُصاب بالعمى كلّ يوم.. كيف ذلك؟ وما هي ظاهرة الإخفاء الرمشي؟
قف ثابتًا أمام المرآة دون حراك. انظر حولك محرّكًا عينيك فقط. انظر للأعلى، للأسفل، يمينًا ويسارًا. استخدم عينًا واحدة، ثم استخدم الأخرى.. في كلّ المحاولات السابقة، سترى انعكاسهما على المرآة بشكل طبيعي. ولكن مهما حاولت فإنك لن تستطيع مطلقًا رؤيتهما تتحركان. وذلك لأنه حينما تكون عيناك في وضع الحركة، تُصابان بعمى لحظيّ أو مؤقّت أنت نفسك لا تشعر به. وتُعرف هذه الظاهرة باسم ظاهرة الإخفاء الرمشي.
نقطة ضعف العين
لا تجتمع الحركة والرؤية البشرية معًا بشكل جيد، حيث تبدو الأشياء المتحركة -مثل القطارات أو أرجل خيول السباق- وكأنها ضباب أو صورة مُشوشة. عندما تتحرك بسرعة، ترى العالم من حولك ضبابيًا ومُشوشًا أيضًا. لذلك نظريًا، لا بد أن يصبح العالم من حولك مشوشًا وغير واضح في كل مرة تتحرك فيها عيناك. ومهما يكن من أمر، فعمليًا سيكون هذا فوضويًًا إذ ستصاب بدوار طوال الوقت.
ولذلك فقد تطور العقل البشري بشكل يمنع عدم وضوح الصورة المستمر، حيث يقوم الدماغ بإغلاق المعالجة البصرية وعملياتها في وضع حركة العينين، ويعيدها مجددًا في حالة السكون. ففي الرمش والذي يعتبر نافذة حركة العين القصيرة، تستغرق كل حركة حوالي 50 جزءًا من الألف من الثانية مما يتسبب بتضييع استيعابنا لكثير من الأحداث المرئية الرئيسة كوميض الضوء. وعلى الرغم من أنّ العمى لمدة تقلّ عن الثانية الواحدة لا يبدو أمرًا جديًا، فإنه يجب أن نضع في اعتبارنا أنّ عمليات العمى هذه تحدث آلاف المرات في اليوم. تعني ظاهرة الإخفاء الرمشي أننا نفقد البصر لمدة 40 دقيقة في اليوم تقريبًا. لقد تجنّبنا دوار الحركة المزمنة، ولكن دفعنا الثمن.
لماذا لا نعرف أننا نِصْفُ مكفوفين؟
عندما يقول أحد ما “رأيت ذلك بأم عيني”، فهم يقصدون “أنه حدث بالتأكيد،” ولا” يمكن أن يكون مخطئًا، فالرؤية معقدة ونحن نثق بأعيننا كثيرًا. من المؤكد أنهم في بعض الأحيان، يخذلوننا عندما يتعلق الأمر بالأوهام البصرية، ولكن من الصعب تصديق أن رؤيتنا اليومية، التي نعتبرها عالية الدقة ومستمرة، مليئة بالثغرات والأوهام بشكل سري.
ومع ذلك، ضع في اعتبارك أنّ هناك فجوة ثابتة بين ما تراه عيناك “الرؤية” والبيانات البصرية الخام التي تدخل إلى مُقل العيون. فقبل أن “ترى” أيّ شيء، يقوم دماغك بدمج البيانات من كلتا العينين في صورة واحدة، والتعويض عن البقع العمياء الطبيعية في عينيك وعن كون الرؤية في المركز أفضل بكثير منها على جانبي عينيك.
أما في حالة الإخفاء الرمشي فلا يتوقف دماغك عن السيطرة على ما تراه، بل على العكس فإنه يقوم بجهد إضافي؛ إذ أنه وبالإضافة إلى الإدراك البصري، يقوم دماغك بتعديل إدراكك للوقت أيضًا. إنّ ساعتك الداخلية مرنة بما فيه الكفاية.. عندما تستأنف الأعصاب البصرية عملها بعد أن ترمش، يعدّل دماغك إحساسك بالوقت.
يعود علينا كلّ هذا بالفائدة عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على وضوح رؤيتنا. ولكن يمكن أن يكون الأمر خطيرًا، خاصةً في هذه الأيام عندما نقود بسرعة عالية. على الطريق السريع، يمكن أن يظهر الخطر في غمضة عين – أو في رمشة عين.
نعم، إنّك قد لا ترى الأشياء التي تحدث أمامك مباشرة.. وهذا ليس خطؤك أبدًا!