مَسرَحيَّة “جاز” لـ مارسيل بانيول ومَخْطُوطَة أفلاطون
ألأنَّ عاملًا بالبلدية سجَّل ميلادك في تاريخٍ ما، أنت مجبر على اعتبار نفسك شيخًا؟
على نحو غير متوقَّع يعيش أستاذ النحو الإغريقيّ “جان بليز” في مسرحية جاز لمارسيل بانيول حالةً من الاغتراب والاضطراب العمريّ، فهو رجلٌ محرومٌ من عدَّة تَجارِب اجتماعية تجعله سعيدًا، أو ذكريات يعيدها تلذُّذًا إلى حياته الرتيبة. فـ لا حبيبة ترافقه في صقيع أيامه، ولا زوجة وأطفالًا يخلِّدون اسمه ويشغلون وقته. غير أنَّنا نجده في نهاية حياته يستميت في محاولةٍ أخيرة لتَجرِبة الحُبّ مع إحدى طالباته، ولكن بعد وقوع كارثة جعلت كل زهده في الماضي وجهوده تبوء بالفشل وتُنبِأ بالعبث. فهو الآن ومثل “شاب يعيش كشيخٍ، شيخ يعيش كشاب” يعاني من أزمةً نفسيَّة لا حلَّ لها، ولا توجد أيّ فتاة تستطيع أن تقبله زوجًا حتى لو أرادَ الإيمان بأنَّنا نحنُ من نُحدِّد أعمارنا!
لقد أثبت “بليز” لنفسه أنَّه مختلفٌ عن أولئك الكبار في السن، فهؤلاء يخوضون عَلاقات جنسيَّة مع الصغيرات بعيدًا عن المشاعر النبيلة بعدما عاشوا الكثير من التجارب، على عكسه هو الذي يعرف الحُبّ جيدًا، نتيجة انعدام خوضه لأيِّ علاقة حب من قبل؛ وبذلك فإنَّه سيقبل عليه مثل فتى شاب من دون أن يملَّ منه مثلما يفعل اليوم نظرائه. وبسبب هذا نحن نراه يستميت في طلب الزواج من محبوبته بل ويُهدِّد بالانتحار في وضعٍ مثيرٍ للشفقة ترتَّب عنه شيوع أقاويل على ألسنة الناس عن مغامرته معها، إلَّا أنَّ الواقع شيءٌ آخر، فالرغبة الجنسيَّة كانت تومِضُ في عينيه، وليس الحُبّ فحسب الذي وصَفَهُ في أحد الأوقات بأنَّه مرضٌ.
فكيف وصل هذا الأستاذ المحترم إلى ما هو عليه الآن؟
فايتون! إنَّه اسم المخطوطة التي تسبَّبت في إفساد حياته كلِّها، فلقد عثَر عليها في سنوات شبابه ونسَبَها إلى أفلاطون. وقد تخلَّى بسببها عن جميع ملذَّاته في سبيل دراستها، وأنفق أعوامه في تأليف الكُتُب والأبحاث لأجل إكمالها وشرحها، وقد كسب تقديرَ الوسط العلميّ وصار أستاذًا وباحثًا مرموقًا في إحدى كُليَّات فرنسا، وحَظِيَ بتكريماتٍ كثيرة، لكن كلّ هذا توقف حين وصل إلى سنّهِ السابعة والخمسين، فاختفى عصره الذهبي كأنَّما لم يكن.
لقد تبيَّن أنَّ مجده المؤسِّس لحياته لم يكن إلَّا زيفًا ووهمًا، فالمخطوطة ليست لأفلاطون، وإنَّما لأستاذٍ عاديّ عاش في القرن الأول الميلادي وعُرِفَ عنه النَسْخ والتقليد.
وعلى إثر هذا نرى كيف تتهاوى ذات “بليز” وكبرياءه في المسرحية دفعةً واحدة من دون أخذ نفَس، مع سعادة بعض أعدائه الذين يشاركوه المهنة. فيستقيل ويُعلن بليز -كما أعلن نيتشه وغيره موتَ أشياءٍ كثيرة- موتَ الأستاذيَّة والمفكِّر، فيقول لطالبته: “أستاذ!.. أستاذك لا يستطيع أن يجاوبك، لقد مات! لقد علَّقتُه مع روب الأستاذيَّة الخاص بي…”.
وعلاوة على ذلك، نراهُ يعلن موت الفِكْر أيضًا، فقد اعترف لِعميد الكُليَّة بأنه لم يُعَد مؤمنًا بالفِكْر والعلوم الإنسانيَّة. كما ألقى درسه الأخير على طلبته وشرحَ فيه نفاق الفلاسفة والباحثين، هؤلاء الذين كانوا يثنون على مخطوطته ويصفونها بالعظمة، لكن بمجرد اكتشافهم لحقيقتها حتى صارت مُجرَّد نَص عاديٍّ جدًا بل رديئ.
يختصر بليز ذلك بقوله: “الأثر الجيِّد إذا أمضاه هوميروس أو أفلاطون، لكن هذا الأثر نفسه سيُهمَل ويُرَّد إذا كان مؤلِّفه هو بليز … لعبة، نعم يا أصدقائي، هذا هو حال الدراسات، وأعتقد أنَّه ينبغي تعميم النتيجة على كلّ أعمال العقل”.
وهو الأمر الذي يحثُّنا على استحضار ما كتبه غوستاف لوبون في أحد مؤلِّفاته حول الموضوع ذاته، فقد تحدَّث عن أنَّ نفوذ النظريات والعلوم يرجع إلى نفوذ علمائها ومنظّريها وليس مضمونها. يقول: “لو نظرنا إلى الآراء العلميَّة لرأينا أنَّها في الغالب لا تمثِّل سوى نفوذ قائلها… ولذلك يحق لنا أن نقول: إنَّ نفوذ الأستاذ في الوقت الحاضر هو كما كان في زمن أرسطوطاليس…”.
أما “بليز” فيتساءل فلسفيًّا مثلما سأل “سقراط” في (معضلة يوثيفرو) عن قضية الخير، عما إذا كانت الأعمال القديمة قيِّمة في ذاتها أم أنَّها قيمة لأنَّها قديمة؟ فما الذي يجعل للأشياءِ قيمة حقًا؟ أصحابها، أم قِدَمها وعدد الدراسات حولها؟ إنَّها أسئِلةٌ جريئة تُلقيها مسرحية جاز.
يؤكِّد الأستاذ “بليز” أيضًا منظوريَّة الفِكْر ونسبيته، وأنَّ التعصُّب لنظريَّاتٍ وتحويلها إلى حياة هو الفشل بعينه كما فعل هو، وبوسعنا أن نقرأ لـ “نيتشه” انتقاده لهذا النفوذ والتعصُّب، حيث يكتب عن العلماء المتخصِّصين في العلوم الوضعيَّة والتقنيَّة ما يلي: “يكفيهم أن يعثروا على فرضيَّة بخصوص موضوع ما فيتعلَّقون بها.. متخيِّلين بذلك أنَّ كل شيء قد قيل.. معناه أن يتعصَّبوا له ويعتنوا به منذ ذلك الحين عناية خاصة تكون بمثابة عقيدة”.
إنَّ ما سبق يتطابق مع ما قامت به الشخصية الرئيسية للمسرحية المتمثِّلة في شخصِ بليز، ولم يتوقَّف الأمر عند هذا الحدِّ فقد جعل كلّ جهده ومخطوطته التي وصفتها خادمته بأنَّها مثل امرأة يحبها، بمثابة ديانة يعيش لسببها، بل ولطالما تباهى بروب الأستاذيَّة الذي اعتاد على ارتداءه، ووسام الشرف الذي يُعلِّقه مثل رجال الكهنوت، ويكاد ينتقل إلى عبادة الشخصيات التاريخيَّة من مثل “أفلاطون” الذي يَجِلَّه.
لقد خصَّص “نيتشه” فقرة في كتابه “إنساني مفرط في إنسانيته” عَنوَنها بـ”مخاطر وإيجابيات عبادة العبقري”، تحدَّث فيها عن ذلك العقل العظيم الذي يعبده الجمهور من عوام أو نخبة، فالعبقري ومن يرى ذاته في هذه المنزلة بإمكانه عبادة نفسه، وهكذا سيختفي حسّه النقدي، وتتملَّكه نزعة من تأليهِ نفسه حتى اليوم الذي يُدمِّر فيه كلّ ما صنعه بإيمانه وثقته، وقد تصرَّف “بليز” بنفس السلوك تقريبًا مع أفلاطونه، وأيضًا في رؤيته لصورته المشرِّفة.
بإمكاننا أن ندرك النزعة التقديسيَّة للعلم ولنفسه ليس عَبْر هذه المَشاهِد فحسب، وإنَّما في حواره مع صديقه القديم “باريكان” بائع الخرداوات. إنَّ “بليز” يحاول جاهدًا تقريبه من روحانيَّة اكتشافه وتحقيره لمهنة صديقه الذي حاول إثبات أنَّ حياته لا تقوم على مجرَّد مخطوطة لم تسعده أساسًا، ولهذا يقترح عليه الزواج، ليرد “بليز” بنبرةٍ قاسيةٍ بأنَّ صديقه لم يُقدِّم للإنسانية شيئًا يُستَحق بزواجهِ وإنجابه.
يجيب “باريكان” أنَّ لديه أولادًا، وهذا كافٍ، فيرد “بليز” مجددًا: “أولادك! هذا يعني أنَّك تركت للعالم ثلاثة أطفال صغار من عائلة باريكان عوضًا عن واحد. أتعتقد أنَّ العالم كان سيربح شيئًا ما؟ إنَّ الاطفال الصغار من نوع (أطفال باريكان) يتزايدون كلّ يوم بكثرة وهم متواجدون في كلّ مكان … لأيِّ شيء يصلح أطفال باريكان؟ لبيع المسامير وأعمدة الستائر؟”
غير أنَّ صديقه “باريكان” يدافع عن نفسه باخباره أنَّ عمله في التجارة يعتبر من المهام الأساسية لتحقيق ضروريات الحياة مثل جميع المهن الأخرى التي لا تقل أهميَّة عن عمل “بليز”، هذا الأخير الذي كان يراه في الحقيقة إنجازًا عظيمًا، بل (حياته وكلّ شيء) كما يصف “فايتون”.
يُصِّر “باريكان” على أنّ المخطوطة ليست مهمة، حتى يذكِّره “بليز” بإحدى المرَّات التي وقفوا فيها إلى جانب تمثال المسيح، ويكمل قائلًا: “اعتقدت للحظة أنَّك فهمت شيئًا ما لأنَّك كنت تنظر إليه باهتمام. أتعرف ما الذي آثار انتباهك حينها؟ شكل المسامير. وكنت ترى حينها أنَّها ليست بالعدد الكافٍ؟ .. هذا الذي يصلح له أناس مثلك! يلدون أطفالًا صغارًا، ويقدِّمون مساميرًا لصلب الأنبياء!”
ثُمَّ مع إكمال الحوار يؤكِّد “بليز” أنَّ بعمله هذا قد منح الإنسانيَّة فائدة عظيمة خالدة كما خلَّد اسمه، على عكس رفيقه صاحب الخردة. فذهنيته بليز ممتلئة بالكبرياء والغرور مع احتقار العامة، وهذا اعتقاد تشاركه فيه ربَّما فئة من العلماء والأكاديميِّين، ولقد ضحى بسعادته من أجل المساهمة في شيءٍ مهم في عينه يخدم البشريَّة، غير أنَّه حين عَلِمَ بمحتوى فايتون الحقيقيّ، هُدِمت كل منجزاته وتغيَّرت كلّ قناعاته، ليطلب من الجميع ترك مقاعد الدراسة ومهنة التدريس، وأن يمارسوا مهَنًا أنفع تدرُّ المال والفائدة، بعد أن كان لا يعير ذلك اهتمامًا.
نرى في المسرحية انقلابًا ذاتيًا عنيفًا يهزُّ “بليز” ويجعله يستخف بكلّ معتقداته التي كان يحيا داخلها ولأجلها من دون النظر إلى العالم الخارجي. إنَّه تحرُّكٌ مفاجئ سيهزُّ كل من يقرأ المسرحية، ويثير فيه بعض الشَكّ في مبادئ حياته.
يصرِّح “بليز” أنَّ العقل والذكاء أمورٌ منحناها قيمةً أكثر مما تستحقه، فهي مجرَّد وسيلة لا غير، ليقوم بتمجيد الجسَد، الجسد نفسه الذي احتقره في سنوات دراسته وتدريسه، يعلن قائلًا: “إنَّ بعَقِب العذراء من الذكاء والشاعريَّة أكثر مما هو موجود منها في الجمجمة المنتفخة لسيلي بريدوم”.
ثُمَّ يشرع في إلقاء أوصاف سَرْديَّة وشعريَّة حول أجساد الشباب لينصح تلاميذه بعدها بأنَّ عليهم الاستمتاع بالحياة وأخذ تلك النصيحة منه، هو الرجل الذي فشل في حياته. ويزعزع الاقتباس السابق حول الشاعر “سيلي برودوم” والعذراء الكليَّةَ، فيصبح بمثابة خطر يداهمها، حتى لتبدو وكأنَّها كنيسة تنفِّذ أيّ جُرْم أو عقوبة ضد كلّ من يحاول تفسير نظرته عن الإله بطريقته. إنَّ الكليَّة تعبد العلم والعقل، أما هو فلم يَعُد يفعل ذلك.
والاحتفاء بالجسد والتقليل من عظمة العقل ومعالم التنوير والذات، صفة عرفناها سابقًا مع “فريدريك نيتشه” ومن بعده من الذين أولوا الجسد أهميَّة بالغة. وبالرغم من اختلاف منطلقاتهم عن منطلقات بليز إلَّا أنَّ نقدهم انغمس في مدح الجسد وهِجاء العقل مثله لكن في سبيل البناء واِحداث التوازن لا الهدم فحسب مثلما سعى إليه هذا الأستاذ وجعله الغاية الوحيدة، فهو لا يظهر عليه أنَّه ذاتٌ مفكِّرة تدرك نفسها والعالم، وإنما روحًا تخلق أوهامها العاطفيَّة لا التأمُّلية لتعبدها بشغفٍ محاوِلَةً التأثير على غيرها، فهو تعبيرٌ عن أحادية التفكير التي لا تعرف شيئًا يدعى بالمناطق الرمادية وتنتقل من تطرُّف إلى آخر.
وعلى أيِّ حال، يُجسِّد العجوز بليز شخصيةَ كلّ قارئ يُماهي نفسه معه، فيتعلَّم من أخطائه وما حصل معه، ويُسقِط حالته على وضعه الحالي وطقوس حياته وعواقب أفعاله الآنية، فهل سنجدُ أنفسنا في أحد الأيام مثل “بليز”؟ هل ستنهار الأعمدة التي أسَّسنا عليها حياتنا يومًا ما؟ وهل نحن مخطئين مثله؟ أنحن سعداء بما نفعله أم أنَّ الندم سيسرع إلينا؟
ليس هناك أفضل من هذه المسرحية التي باستطاعتها مواجهة معتقداتنا الحاليَّة ورؤيتنا للحياة، فهي مسرحيَّة وجوديَّة ولو تضَمَّنت العبث والطيش وفقدان المعنى.
كما يستعمل الكاتب ثيمة خياليَّة سيكولوجيَّة تتمثَّل في ظهور شخصية “بليز” لبليز نفسه وهو شاب. إنَّ هذه الروح التي تظهر، أو الصورة الناتجة من مجرَّد هلوسات تنتاب رجلًا بائسًا، تنتقده بعنفٍ، وهو العجوز الذي أخذ من ذلك الشاب القديم حيويته وقمَعَ رغباته وسعادته من أجل تلك الدراسات المضلّلة.
فالشاب بليز الذي ظهر لبليز العجوز لأوَّل مرة بعد اكتشاف تلك الفضيحة الأكاديمية سرعان ما يلومه على حرمانه من السعادة، إلَّا أنَّه يحاول حثَّه على أن يعيش الحُبّ والجنس وتعويض ما فاته. ورغم أنَّ الأوان قد فات على استرداد حياة الشباب التي يستحيل رجعتها غير أنَّ بعد إعلان “بليز” لوفاة الفِكْر فإنَّه يعود إليه في الختام ويحييه من جديد بجملةٍ واحدة تتركنا حيارى! فهل سنَصِفُ هذه المسرحية بفقدان المعنى والعبث، أم نجعلها مُنجزًَا متفائلًا يضع العالَم على أرضية مستقرة رغم جميع التناقضات؟
ومن المثير للاهتمام أنَّ اسم المخطوطة يرتبط مع الميثولوجيا والفِكْر الإغريقي الذي تحتل بعض شخصياته مكانًا بالمسرحية في بعض الحوارات، ففي النهاية بليز هو أستاذ نحو إغريقي. فالمخطوطة المعنونة بـ فايتون يتقاطع اسمها مع فايتون ابن إله الشمس “هيليوس” الذي يحمل الاسم ذاته، هذا الإله الذي استعار في إحدى المرَّات (عربة الشمس) الخاصة بوالده، لتهوي به في الأخير نتيجة طيشه.
فدلالة الاسم الذي أرادَهُ الكاتب عُنْوَانًا في البداية ينقلنا إلى الموضوع ذاته، فمخطوطة “فايتون” ليست لـ أفلاطون، بالقدر نفسه الذي نرى فيه أنَّ عربة “هيليوس” تخصه هو بدل ابنه. والقصة مع المسرحية تنتهيان القِصَّة بسقوطِ كلٍّ من الإله ابن الشمس والأستاذ، نتيجة استعمالهما لـ شيئين ليس لهما أي عَلاقة بِمن نُسِبا إليهما. فكلّ معرفة أو مِلكيَّة هي قَيِّمَة وعظيمة ما دامت بين يدي صاحبها وليس في (ذاتها)، تمامًا كما استنتج “بليز” في ثَّوْرَة غضبه ويأسه.
وبعيدًا عن الموضوع السابق، تأخذ المرأة دورًا كبيرًا في المسرحية، غير أنَّها دائمًا ما تكون عنصرًا ساكنًا أكثر منه فاعلًا، ومرآة تعكس ما يريده الرجل إضافة إلى أحكامه الجماليَّة عنها التي تعترف المسرحية بها فقط من جانبها الأحادي، ناهيك أنَّ العمل في نهايته ينتصر للشباب والرغبات المحمومة؛ شباب “بليز” الضائع الذي كبحه لأجل سراب، ها هو الآن يظهر عند طلبته.
أما الصِّحافة الفرنسيَّة المكتوبة فقد بدت سخيفة باستغلالها ما حصل لـ “بليز”، فتهاطلت المقالات في الجرائد على القرَّاء تنتقد شخصه وتسخر منه، وقد وتعدَّى الأمر ذلك إلى محاولتها تقديم سلسلة من الفضائح الجنسيَّة التي زعمت أنَّها تحدث في كليَّته، ولا يقِلَُ الناس عنها جهلًا وسوءًا إذ يؤمنون بمزاعمها. إنَّ الصِّحافة الفرنسيَّة هنا تحتل مكانة هامة في المجتمع الفرنسيّ، بحيث من المستحيل التغاضي عن تأثيرها حتى في الأعمال الأدبيَّة.
ولا تخلو المسرحية من الحوارات الساخرة المثيرة للضحك، ولا من الأوصاف الشعريَّة الفاتنة أو العمق في الرؤيَة والحوارات، وتداخل الموسيقى في عِدَّة مشاهِد، كما أنَّها تفتح بابًا واسعًا لمناقشة قضايا قد تخفى علينا، مثل موضوع العلوم ومتخصِّصيها، هؤلاء الذين نراهم في نطاق مجالهم الأكاديمي داخل الكليَّات التي يعملون ويعلِّمون فيها، دون محاولتنا التفكير في أمور حياتهم الخاصة أو ما يحدث بين بعضهم بعضًا.