من هو الجوكر؟

من المتوقع بل قد يكون من المؤكد، أن طوفان الكتابة عن جوكر خواكين فينكس Joaquin Phoenix سيبدأ عندما تعرض شاشات السينما الفيلم المنتظر بشدة (Joker 2019) في أول أكتوبر القادم، والمتوقع أيضًا أن ينسخ بعضهم ما يقال ويتردد من فترة على مواقع الأفلام العالمية وفيديوهات اليوتيوب التي لم تترك تفصيله أو مقارنة وقامت بتحليلها وهذا بالتأكيد سيؤثر على؛ أولًا  نجاح ومبيعات الفيلم السينمائي، وثانيًا على فرص فوزه بأوسكار في السباق السينمائي الأمريكي والعالمي.

بدأ الجوكر في سباق المهرجانات بحصد جائزة الأسد الذهبى في مهرجان فينسيا الدولى، وهى أكبر جوائز المهرجان، والذى حازها قبلًا  فيلم روما Roma للمخرج المكسيكي ألفونس كوران Cuaron Alfonso.
وبدلًا  من المتوقع والمفترض والحتمى الكتابة عنه، سأخوض أولًا  للإجابة على أبسط وأعقد سؤال عن ماهيّة الجوكر.

مَن هو الجوكر؟

إنه العدو اللدود لفارس الظلام dark knight وأمير الجريمة the Clown Prince of Crime، ولقب برنس الجريمة لم يأت من فراغ، فكلمة prince مشتقة من الكلمة اللاتينية القديمة primus capere بمعنى “أن تكون الأول” والتي تم تخفيفها princeps وأصبحت تعنى in the first في المكان والمكانة، والبرنس ليس فقط ابن الملك أو الوريث الشرعى، ولكنها تطلق أيضًا على الحاكم.

مدينة جوثام

فكل المجرمين من أول البطريق Penguin (الذى يحب ان يصف نفسة Gentleman of crime) وذو الوجهين Two Face (المدعى العام السابق للمدينة قبل التحول الى مجرم) الى بين Bane (الألم؛ المصارع الذى يكسر ظهر باتمان حرفيًا)؛ يخشونه ويقدرون مهابته في عالم الجريمة، حتى ليكس لوثر Lex Luthor يتحدث معه باحترام يليق ببرنس عالم جوثام السفلى.

وحين تم إطلاق اسم أمير الجريمة على الجوكر، فهذا يعنى أنه أول ورائد المجرمين كلهم في مدينة جوثام، والبعض يعتقد أنه ظهر قبل وجود باتمان نفسه، فنحن لا نعرف أى أصل أو هوية لهذا المجرم إطلاقًا.

إعلان

حتى قرر الين مور Alan Moore أن يقول لنا عن أصل قصة هذا المهرج في الجرافيك نوفيل المزحة القاتلة The Killing Joke عام 1988 والملاحظ في هذه الرواية أن تاريخ المهرج المحكي هو فلاش باك للقراء فقط، فما زال عالم باتمان لا يعرف من هو، فحتى هذا التاريخ المفترض لا نعرف اسم الجوكر الحقيقي.

المزحة القاتلة

لم تتجرأ أي خط قصصي storyline على التطرق لأصل قصة أمير الجريمة بعد ذلك أبدًا، إلا مؤخرًا. فالكاتب لم يتوقف في رواية المزحة القاتلة عند أصل قصة origin story لأمير الجريمة، ولكنه أراد بيان التشابهات بين البطلين، فالدافع وراء كتابة رواية المزحة القاتلة “أن باتمان وجوكر هم وجهين لعملة واحدة“، فيوم واحد فقط one bad day عانى منه الجوكر وباتمان ليتحول الأول الى أمير الجريمة والثانى إلى فارس الظلام (لاحظ ان dark في لقب باتمان ليس كناية عن اللون الأسود للرداء والعباءة، ولم يُقصد به أن شخصية باتمان تعمل في الظلام، لكنها تشير إلى روح الفارس السوداء، وإلى ما يحمله من ظلام وعبء نفسي أكبر مما يُحتمل)

ما هي أوجه التشابه بين باتمان والجوكر؟

جوكر وباتمان ابنا المدينة؛ باتمان سافر وتعلم وعاد يقاتل في المدينة التي ساهم والده في بنائها، والجوكر صعد وكافح من وحلها وأزقتها وسوادها. يقضي باتمان حياته في البحث عن معنى للمأساة العشوائية التي حدثت لوالدية بمحاربته الجريمة، في حين أن جوكر يعكس عبثية الحياة وكل ظلمها العشوائي بارتكابه الجريمة.

يستخدم كلاهما الخوف كقوة، يستخدم باتمان الخوف لنزع الاعترافات من المجرمين وخصوصًا الخوف من السقوط، والجوكر يستخدم نفس تلك القوة التي بحد تعبيره “التي لا يمكن شراءها بالمال”. فمشهد النهاية في رواية المزحة القاتلة هو أنهم الاثنان يضحكان على مزحة قالها الجوكر، وهى المرة الأولى والأخيرة التي نرى فيها باتمان يضحك.

لن تكون هناك قصة للجوكر بدون باتمان، يجب أن تكون متأكدًا من هذا، ويجب أن تكون متأكدًا أيضًا من أن الجوكر مجرم وقاتل وهذا تحديدًا السبب في تجنّب خلق أى سردية له، حتى لا تتعاطف معه، بإمكانك احترامه وتقديره والإعجاب به، ولكن لا يوجد أي فرصة لفهمه أو التعاطف معه.

العجيب أن باتمان لا يعرف هوية الجوكر (ولا يعرف الجوكر هوية باتمان!) ولكنه دائمًا ما لدية أمل في علاجه أو إصلاحه، فلو نجح في القبض عليه، فيودعه في مصحة آركام Arkham Asylum وهى أقرب للمستشفى للجرائم النفسية منها الى سجن. ومن هنا نشأ ثاني سؤال سنحاول أن نجاوب عليه.

لماذا لا يقتل باتمان الجوكر؟ لماذا لا يخلصنا منه ومن جرائمه؟

جرائم القتل لا تتوقف وتصل إلى الدائرة المقربة لفارس الظلام؛ جيسون تود Jason Toddروبن الثانى في جرافيك نوفيل “موت في العائلة” A Death in the Family، ويسبب في شلل باربرا جوردن Barbara Gordon باتجيرل السابقة في جرافيك نوفيل “المزحة القاتلة”، وأيضا معظم مواطنى جوثام وحتى مساعديه وأتباعه، ورغم ذلك لا يقتص باتمان (الملقب بفارس الاقتصاص (The Caped Crusaderمن الجوكر!)

الحجة في صالح قتل الجوكر واضحة وصريحة، فلو قتل “باتمان” الجوكر، فهو بالتأكيد سيمنع كل الجرائم التي سيرتكبها الجوكر في المستقبل، هذا لو سلمنا انه مريض نفسى وغير مسؤول عن جرائم ارتكبها سابقا، بمعنى ان قتله ليس عقوبة على الجرائم السابقة، بل أيضا التخلص منه وبدرجة معقوله من النفعية، وقاية للمجتمع وللمصلحة العامة!

الرد التقليدي عند باتمان هو أنه لو قَتل، لن يمنعه هذا الفعل من أن يكون في نفس سوء أو فساد المجرمين الذى يقاتلهم، أو أنه سيعبر خط أحمر لن يستطيع أن يرجع عنه، وهو ما يعتبر البعض إن مقاومة قتل الجوكر في حد ذاتها قوة خارقة. فمن سخرية القدر أن موت الجوكر يأتي على يد سوبرمان وليس باتمان. ففريق العدالة المكون من سبعة أبطال خارقون، باتمان هو الوحيد الذى لا يمتلك قوى خارقة، وسوبرمان هو أقوى الأبطال الخارقين على الأرض.

نعرف أن باتمان يرفض القتل واستخدام الأسلحة النارية بكل أنواعها، وقد نجد مبرر لذلك للقصة المشهورة التي صنعت هويته نفسها، وهى حادثة قتل والديه التي شاهدها بعينة وهو صغير على يد مجرم متشرد بمسدس. ولكننا لا نعرف قصة أو أصل أو هوية للجوكر فهل نستطيع تفهم أعماله الإجرامية أو نقدم لها مبرر أو هدف أو غرض؟ فهو لا يسعى للمال أو النفوذ! أو تلك الأشياء التقليدية التي يسعى إليها المجرمون العاديون.

جنون الجوكر

كل ما نعرفه عن الجوكر أن يتصرف بجنون أو بالتعبير الأمريكي “”Not playing with a full deck وبالرغم من ذلك يضع خطط محكمة غير تقليدية، فهل نستسلم باتهامه بالجنون كدافع ومحرك لجرائمه؟ ما يتصل بقضايا الجنون معقد ويحمل كثير من الأوجه ووجهات النظر، وقد يقع في منطقة التحليل النفسي والمرض العقلي.

من الطريف ان نحكى قصة الطبيبة النفسية هالرين كوينزل Dr. Harleen Quinzel التي استطاع الجوكر التلاعب بعقلها اثناء جلسات التحليل النفسى في مصحة آركام وحولها الى تابع له باسم هارلى كوين Harley Quinn ولهذا أقول ان الاقتراب من منطقة جنون الجوكر من خلال التحليل النفسى والمرض العقلى له مخاطره التي كشفها ظهور تلك الشخصية.

دعنا نقترب من جنون الجوكر من ناحية الفلسفة، وبالتحديد نقاشات الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو (1926 – 1984)، فله إسهامات واضحة في حقل تعريض مجموعات من الناس المهمشة ووصمهم بالجنون.

الاشتباك مع تحليلات فوكو جعلت كثير من الناس تتساءل هل هناك جنون حقًا؟ وعشاق الجوكر سيتساءلون هل الجوكر مجنون حقًا؟ ولكننا سنقر أن هناك أنواع من الاختلال العقلى التي يعاني منها شخصًا ما يقال وقتها أنه مجنون. فقد قال فوكو في كتابة الهام تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي:

“إنّ الجنون هو المرآة التي دون أن تعكس شيئًا واقعيًا، فهي تعكس سرًا”

وعليه سنفترض أن الجوكر، رغم أنه يحمل سرًا وقدرًا من العبقرية، لكنه يعاني من واحد أو أكثر من حالات الاختلال العقلي، يمكن معها أن نصفه أنه مجنون.

 ما هي مظاهر الاختلال العقلي التي يعاني منها الجوكر؟

أولًا: هو يعامل البشر على أنهم أشياء، فهو ببساطة يقتل شخصًا ما لمجرد إثبات وجهة نظره، ليس أقل أو أكثر، فهو لا يحمل أي ضغينة أو كراهية لضحاياه.

ثانيًا: ليس هناك أفضل من مقولة ألفريد بينيوورث (Alfred Pennyworth) لباتمان في فيلم فارس الظلام The Dark Knight (2008):

“بعض الرجال لا يبحثون عن أي شيء منطقي، مثل المال. فلا يمكن شرائهم أو تخويفهم أو حتى التجادل والتفاوض معهم. بعض الرجال يريدون مشاهدة العالم يحترق فقط.”

البعض، ومنهم أنا، يعتقد أن جنون الجوكر مستمد من جنون باتمان. فمن المؤكد أننا سوف نجد بعض أنواع الاختلال العقلي عند بروس وين Bruce Wayne نفسه أيضًا.

نظام باتمان يقابله فوضى الجوكر، سخرية الجوكر تقابلها سوداوية باتمان، تجنب استخدام الأسلحة النارية يقابله استخدام الجوكر مسدسة اللعبة الشهير الذى يطلق علم مكتوب عليه صوت طلقة، تكنولوجيا باتمان تقابلها أكثر الوسائل بدائية كالجازولين والديناميت عند الجوكر.

أحدث قصص باتمان سمت الجوكر باسم الفارس الأبيض White Knight، تدور القصة في عالم موازي منفصل عن العالم الأصلي الذى تدور فيه قصص باتمان الذى أتم منذ عدة شهور عامه الثمانون، وفيها جوكر هو البطل وباتمان هو الشرير. ورغم القصة الطويلة فنكتشف دواء يفشى الجوكر من جنونه، ويتحول إلى رجل صالح عبقرى يقنع اهل مدينة جوثام ببراءته ومساوئ طرق وأساليب باتمان، فينقلب الكل حتى الشرطة وعائلته ضده. نرى وجهة نظر مختلفة للأعمال الاجرامية التي ارتكبها الجوكر الذى أصبح اسمة الأصلي جاك نيبر Jack Napier (بدون الدخول في أصله أو هويته) وتصفح عنه مدينة جوثام وتؤيده ليكون نائبها في الحكومة.
الجوكر لن ينتهي، وسيظل يصنع سرديات متنوعة ولكنه في كل مرة يحافظ على هويته المجهولة.

 

قد يهمك أيضًا:

طبقات المعنى ومتاهات الزمن في سينما كريستوفر نولان

 

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: طه عبد المنعم

تدقيق لغوي: مريم زهرا

تحرير/تنسيق: دعاء أبو عصبة

اترك تعليقا