أراهن على هؤلاء في معرض القاهرة الدولي للكتاب
كنت أتمنّى أن أبدأ المقال بجملة من نوع: “بناءً على طلّب قرّائي الأعزاء…” غير أنّ أحدًا لم يطلب مني أيّ ترشيح لكتب، ولا أعتقد أنّ الـ “15 نفرًا” الذين يقرأون مقالاتي يمكن أن يُحدِثوا انقلابًا في موازين السّوق فيدفعوا بالكتب التي أرشّحها إلى قائمة الأكثر مبيعًا، كلّ ما في الأمر أنّ الحزن يحيط بي، وأحتاج إلى أن أكتب، وأحتاج إلى أن أهرب، وعليه فهذا المقال ليس ملتزمًا بمعايير نقدية واضحة ولا بترتيب جيد للكلمات، ولم يُراجَع، ولا يعرف كاتبه كيف سينتهي… كلّ ما يعرفه أنّه سيتحدّث عن كتب لـ 4 أدباء موهوبين للغاية أوقعَهم حظّهم العثِر هنا.
1- انشطار الطير … في طريقي لأصبح عرابًا
“انشطار الطير” هي المجموعة القصصيّة الأولى لأحمد عبد العاطي، وكونها المجموعة القصصيّة الأولى، وكوني أرشّحها الآن، يفتح الطّريق أمامي خلال سنوات قليلة لأحصل على لقب من هذه الألقاب التي عادة ما يطلقها المثقفون على بعضهم البعض من باب “المجاملة المردودة”، فهذا عرّابٌ، وذاك مولانا، وهؤلاء يكتبون على الضفّة الأخرى من النهر، الجميل هنا أنّ هذه المجموعة القصصية حصلت في وقت سابق على جائزة أخبار الأدب للقصّة القصيرة، أي أنّ لجنةً فيها نقّاد بارزون اتفقت سابقًا على جودتها، غير أنّ هذا لن يمنع لاحقًا -حين يلمع نجم عبد العاطي- من أن يشير أحدهم إلى نظرتي الثاقبة، استشرافي للمستقبل، وقدرتي على اكتشاف وتشجيع الشباب، وربما سأردّ حينها بحكمة بالغة وبسخرية بالغة أيضًا “كان هذا واجبنا يا بني”.
المهم -وبعيدًا عن تطلعاتي المستقبلية- فأنا أراهن على “عبد العاطي” وعلى ما يكتب، ليس فقط لأنّ ما اطّلعت عليه من قصص المجموعة مميّز على مستوى السّرد وعلى مستوى الأفكار، ولكن لأنّ الرّجُل يعرف ما يريد، ويجتهد على طريق الأدب، ويكتب وفق جداول منظمة ودقيقة للغاية، تجعل المسألة أكبر من “انشطار الطير” وتجعل الرهان يمتد إلى قدرته على التطوّر والتأثير أكثر في السنوات القادمة، اقرأوا “انشطار الطير” إذًا لأنها عمل ممتاز أولًا، ولأنّ عمله الثاني حين يصدر سيحمل تطوّرًا مذهلًا يجعلكم تستمتعون بمقارنة العملين، وبأنّكم كنتم هناك منذ بداية الرحلة.
2- سلمى أنور .. ستعيد طروادة إلى أهلها ثم تحبك
لم أقرأ لسلمى أنور سوى كتابها البديع “الصعيد في بوح نسائه”، أسرني هذا الكتاب، أعطيته العلامة الكاملة، كتبت عنه مقالًا، ولأجله أرشّح كتابها “ماتريوشكا” وديوانها الشعري “سأعيد طروادة إلى أهلها ثم أحبك” للقراءة، والحقيقة هي أنّني حين أرشّح هذين الكتابين إنما أبيعك عزيزي القارئ “سمكًا في مَيّة”، لأنّني لم اطّلع إلا على قصيدة واحدة من الديوان الشعري، في حين لا أعرف عن “ماتريوشكا” إلا أنّه كتاب عن النساء، ولكنّي، ورغم عدم اطّلاعي على المحتوى، أستطيع التجرّؤ وترشيح الكتابين، لأنّ سلمى تعرف جيّدًا كيف تكتب عن نساء حقيقيات، وكيف تستخدم قلمها في الحديث عن قضايا حسّاسة دون أن تكون ثقيلة على القلب، ودون أن تمسك طبلة وربابة تدور بهما البلد في بكائيّة طويلة عن المرأة المقهورة، هي ببساطة تأخذك من يدك إلى حيث تريد، دون أن تجرّك. وجملة القول هنا أنّك أمام كاتبة تستحق أن تجرّب القراءة لها إن لم تكن قد فعلت من قبل، وأن تواصل القراءة لها إن كنت فعلت.
3- محمد القليني .. شيء سقط من شيء
أنا أحبّ هذا الرجل، ومنحاز له ولشعره ولتجربته، السطور القادمة كلها غير موضوعية -نظريًا- لأنّها متأثرة بالمودّة، ولكنّها -عمليًا- قمة الموضوعية، لأنّني أحببت الرجل أولًا من خلال شعره، ولم ألتقه في حياتي سوى مرّةً واحدة، والشعر الذي يجعلك تحبّ قائلَه شعرٌ حقيقيّ ويستحقّ القراءة.
العجيب أنّ الديوان الوحيد للقليني صدر العام الماضي وهو في الرابعة والثلاثين من عمره، أين كان كلّ هذه المدة؟ كيف تأخّر كلّ هذا الوقت؟ لا أحد يعلم، المهمّ هو أنّه حين وصل جاء وصولُه صاخبًا يليق بحجم موهبته، فحصد ديوانه الأول “أركض طاويًا العالم تحت إبطي” جائزةَ أخبار الأدب، ثم جائزة أفضل ديوان شعري في معرض القاهرة الدولي للكتاب، ثم اختير عضوًا بلجنة الشِّعر في المجلس الأعلى للثقافة قبل أن يستقيل بعد الجلسة الأولى! كأنّ الرّجل يعوّض كلّ ما فاته؛ يكتب الشعر، يفوز بالجوائز، يحصل على المناصب الأدبية، ويستقيل، ويتبقّى له صدور كتاب يضم أعماله الكاملة وننقله بعدها من خانة الكاتب الشّابّ إلى خانة الكاتب القدير، ويصبح عرّابًا مثلي في أوّل المقال، أو مبدعًا “ضخمًا” أو أيّ لقب آخر يختاره.
ورغم أنّني كتبت من قبل عن ديوان القليني الأول، إلا أني في انتظار ديوانه الثاني “سقط شيء من شيء” لأكتب عنه أيضًا، وليبهرني مرة أخرى، ولنلتقي مرّة أخرى، ونلتقط صورًا يعلّق عليها صديق مشترك “يعني متصوّر مع محمود درويش؟”
-ملحوظة: غلاف ديوان القليني الجديد بديع للغاية لكنّ ناشره “محلّفه” ألا ينشره قبلهم، وأنا سأتحلّى بالأخلاق القويمة ولن أنشر الغلاف الجديد احترامًا لقَسَمه، وسأكتفي بغلاف ديوانه السابق.
4- هالة ربيع .. ليلة سقوط الشمس
رأيت هالة ربيع للمرة الأولى والأخيرة عام 2016، تلقي الشعر في إطار مسابقة “إبداع 4″، ومن يومها وأنا أعرف أنّ هذه الفتاة موهوبة، وأنّ لديها شيء تقدّمه، ورغم أنّها لم تفز وقتها بجائزة المسابقة، إلا أنها تعود بعد عامين فقط فائزة بجائزة دار “الرواق للنشر والتوزيع” وناشرة لديوانها الأول لديهم. شعر “هالة” رقيق للغاية، صوره بديعة، وهو قصصيّ جدًا، ويستحقّ أن يُقرأ، لأنّه يعلَق بالذهن طويلًا، هكذا بكل بساطة.