مسلسل Lost وشيفرة الأسماء وصراع الخير والشر

لم تكن صدفة أبدًا أن مسلسل Lost قاد ثورةً في مواقع التواصل الاجتماعي. وفتح الباب على مصراعيه أمام تأويلات ونظريات الجمهور، فقد تعمد صناع المسلسل وضع ألغاز وتلميحات في الأحداث. لم يتم شرحها أو التركيز عليها، وتم تركها للجمهور حتى يحاول الوصول إليها، فمثلا هنالك معنى خفي وراء أسماء الأبطال. وسببٌ خلف سلسلة الأرقام الشهيرة في المسلسل، ونظريات مثل الخير والشر وأصل الجزيرة.

شيفرة الأسماء

يمكن اعتبار أنه غالبًا ما يتم اختيار أسماء شخصيات الأعمال الفنية بشكل عشوائي، أو على حسب الأسماء الشهيرة أو الرائجة بتلك الفترة، لكنّ قليلًا من الأعمال الفنية لا يدخر مجهودًا في انتقاء أسماء معبرة، ذات معانٍ لها علاقة بدور الشخصية، أو تمثل تلميحا لأحداث قادمة، أو مصير تلك الشخصية، كما فعل مسلسل Lost.

لاحظتُ بعد الانتهاء من مشاهدة الموسم الأول، أن كلًّا من الأبطال الرئيسين -تقريبًا- يملكون اسمًا يدل على دورهم في المسلسل، أو على الأقل ما قاموا أو سيقومون به في الموسم الأول بالأخص.

مثلا جاك شيبارد، اسم عائلته Shepard ويأتي من Shepherd الراعي الذي يقوم على خدمة القطيع، والحفاظ على سلامته. كما يقوده إلى بر الأمان، كذلك جاك في المسلسل، منذ سقوط الطائرة ووصول الناجين للجزيرة. تم تنصيبه بشكل أو بآخر راعيًا لهم، وقام على خدمة المصابين ومساعدة الجميع. واكتسب مكانة القائد، وتنظر المجموعة إليه عند اتخاذ القرارات.

وكايت أو كاثرين من معاني الاسم: الطاهرة والبريئة، والأصل يأتي من إحدى آلهة اليونان القديمة Hecate. والتي ارتبطت بالسحر والشر، وتم الإساءة لسمعتها، رغم أنها لم تكن شريرة في الأساس، واتهمت زورًا بالشر. وكايت في المسلسل أيضا متهمة بالقتل والتخريب، وتنتظرها فترة طويلة من السجن، رغم أنها تعد بريئة، فقد تخلصت من زوج أمها العنيف الفاسد، حتى تنقذ والدتها من أذاه، لكن لا أحد يستمع لها، ويتم التعامل معها كشريرة ومجرمة.

أما John Locke فهو فيلسوف إنجليزي، له نظرية تنص على أن الإنسان يولد بلا فطرة أو هوية. ومع الوقت وخلال التجارب يكتسب صفاته، ويكون شخصيته طبقا لما يخوضه من تحديات؛ كما تفعل الشخصية. يمثل وصول جون للجزيرة مرحلة جديدة من حياته، كأنه ولد من جديد وتغيرت طباعه وشخصيته، وتطور من قعيد بائس، إلى رجل غامض يهابه الجميع، وأصبح شخصا جديدًا بفضل تجاربه وخبراته على الجزيرة.

والعراقي سعيد جراح، يمكن افتراض أن اسمه قادم من ماضيه وعمله السابق، عندما كان يتولى مهمة استجواب المعتقلين، واستخدام طرق التعذيب للحصول على المعلومات؛ فيسبب جروحًا للناس، أو (سعيد) كون هدفه في الحياة البحث عن السعادة، وكان على الطائرة من البداية في طريقه لمقابلة محبوبته ناديا، التي سيجد معها السعادة كما نرى في المسلسل بعد ذلك.

بالنسبة لشانون، فالاسم قادم من الآلهة الإيرلندية Shannon. المرتبطة بالمياه والأنهار، وأطول نهر في أيرلندا يحمل نفس الاسم، ويتم تصويرها كشابة جميلة تجلس على حافة النهر أو البحر، كما تفعل شانون في معظم أحداث الموسم الأول، وعندما حاولت التمرد على واقعها والبحث عن الحب، بعد أن تخلت عن شقيقها بون، سقطت قتيلة، كما حدث مع الآلهة عندما تجاهلت عائلتها وحاولت الشرب من بئر الحكمة.

وديزموند عائلته Hume على اسم الفيلسوف والمؤرخ David Hume. وله نظريةٌ أن أي إنسان يعيش في بيئة محكومة من كيان آخر يتم التحكم بكل نواحيها، هذا الشخص لا يمكنه تكوين رأي خاص به، أو تقرير مصيره. وهو نفس موقف ديزموند بعدما قضى 3سنوات تحت الأرض، بلا إرادة حقيقية ويعيش تحت إمرة شيء آخر لايفهم ماهيته!

أما صوير، فالاسم قادم من الرواية الشهيرة The Adventures of Tom Sawyer. وبطلها الطفل المشاغب توم صوير، والمتمرد على الأعراف، ولديه مشكلة مع تقبل سلطة الآخرين عليه، كما يحب تملك الأشياء ومقايضتها مع أصحابه، كما يفعل صوير في مسلسل Lost، فقد عكف على جمع ما يستطيع من حطام الطائرة، فور الاستقرار على الجزيرة، وأخذ في مقايضة ذلك من أجل ما يريد، وهو دائم التمرد على قيادة جاك أو غيره.

الصراع بين الخير والشر

يقوم مسلسل Lost في الأساس على فكرة رئيسية عن الصراع بين الخير أو الإله والشر المتمثل في الشيطان. وتدور حول ذلك بقية الأحداث، ويتم التلاعب بالأبطال خلالها كبيادق في الاختبار الأعظم، وهو الحياة على الأرض، ألا وهي الجزيرة في المسلسل.

منذ النطق باسمه ومعرفة وجوده، وجاكوب -حامي الجزيرة والمتحكم في سكانها- غامض لا يراه أحد ولم يسبق لأي من سكان الجزيرة رؤيته من قبل، فقط يستمعون لأوامره التي يرسلها عبر رسوله، بينجامين قائد السكان، الذي يتضح بعد ذلك أنه لم يرَ جاكوب أبدًا هو الآخر.

على الجانب المقابل، الدخان الأسود أو أطلق عليه وحش الدخان، دائم الظهور والتلون، ولاعب مؤثر في الأحداث، نجح في فرض الرعب في نفوس الجميع والتأثير عليهم، وظل غامضا هو الآخر، خاصة مع قدرته على التخفي في هيئة الموتى، لكنه متواجد بشكل مادي يمكن رؤيته.

لكن مع ظهور كلاهما معا في نهاية موسم مسلسل Lost الخامس، تبدأ الأمور في الوضوح، ومع ذلك يمكن أن يفوتك الكثير ولا تنتبه لحقيقة الصراع بينهما، وطبيعة كلٍّ منهما أو المفترض أن يمثلا، كما فات الجميع تقريبا.

جاكوب بالرداء الأبيض ورجل آخر يرتدي الأسود، يعيشان معا على الجزيرة المهجورة، ويتضح وجود خلاف بينهما، عند ظهور سفينة قادمة من البحر، يغضب صاحب الرداء الأسود، ويعنف جاكوب لأنه أحضرهم، ويقول ساخطا:

“لماذا أحضرتهم، إنهم سيأتون ثم يتقاتلون ثم ينشرون الخراب والفساد، دائما ما ينتهي الأمر بنفس الشكل”

فيرد عليه جاكوب مدافعا عن قراره في تفضيل البشر، بأن ذلك يحدث في البداية فقط، ثم يتغير الوضع، لكنه يعاود الرد “أتدرك كم أود قتلك؟ يوما ما سأجد الثغرة وأفعل”.

يمكن رؤية الأمر من ناحية الصراع الأبدي بين الإله والشيطان، وبينهما الإنسان موضع الخلاف، طالما كان كلاهما معا على الجزيرة؛ كان كل شيء على ما يرام نظريا، لكن مع ظهور البشر، يجد الخلاف طريقه بينهما، ويتوعد الشيطان بالانتقام، وأنه سيجد الثغرة عند الإنسان، ومنها ينتصر على الإله.

وبالعودة إلى أصل الجزيرة في الموسم السادس، نجد أن جاكوب وصاحب الرداء الأسود، إخوة توأم ولدا بعد أن تخلصت سيدة من والدتهما، وقامت على رعاية الطفلين حتى المراهقة، حينها ظهر البشر الأوائل على الجزيرة، وبدأ التمرد والخلاف بين جاكوب وشقيقه، ورغبة الشقيق في الهرب من الجزيرة، وعصيان والدته بالتبني، حتى يقتلها ويصبح الدخان الأسود عند محاولة جاكوب الانتقام منه، هنا كان البشر أيضا سبب المشاكل.

ما يدعم تلك النظرية، وجود الشيطان طوال مسلسل Lost تحت الأرض، على هيئة الدخان الأسود ويصعد في أوقات قليلة، كما يتم تصويره في الأساطير القديمة، على هيئة ثعبان أسود تحت الأرض، ووصف جاكوب الجزيرة بأنها المكان الذي يثبت فيه خطأ الشيطان، وأن الإنسان ليس خاطئا أو عاصيا بطبعه.

ويكتمل صراع الإله والشيطان بوجود سكان الجزيرة أو Others أو Hostiles، الذين يمثلون الملائكة أو تابعي الإله المخلصين، وشخصية ريتشارد يمكن اعتباره الملاك جبريل، الذي يقوم على نقل الأوامر للرسل، والرسل هم قادة الجزيرة مثل بنجامين.

أما هدف الشيطان في المسلسل، فلم يكن أن يتخلص من الخير او الإله، بل أن يفعل الإنسان ذلك، فهو لا يستطيع إيذاء جاكوب بنفسه، لكن الانتصار العظيم يأتي في قلب البشر والوسوسة إليهم، فقد عرض منطقه أثناء الوسوسة لبينجامين فقال:

 قضيت طوال حياتك في تلقي الأوامر وتنفيذها، وسخرت نفسك لخدمة الجزيرة، وفي المقابل ابتليت بالسرطان وقُتلت ابنتك أمامك، من أجل ماذا؟ شخص لم تره ولا تعرفه؟”.

أما بنجامين فقد تخلى عن رسالته عندما قتل جاكوب، ونجح الشيطان في مهمته بإثباته أن البشر فاسدون مثله، وخرج بينجامين بصورته الحقيقية، وهو الإنسان المعذب الذي يفقد إيمانه بالتدريج، مع شدة الاختبارات والبلاء، وسقط ضحية للغيرة والحسد، فيعاتب جاكوب أمام الشيطان:

“قضيت 35 عاما على هذه الجزيرة، أذكرك كل يوم، وريتشارد يصلني بتعاليمك، ولم أسأل أو أشكك قط، وقمت بما طلبته مني، وعندما تجرأت وأردت رؤيتك، قيل لي تحلى بالصبر، لكنك أخيرا قررت التوقف عن تجاهلي، أما هو فقد رأيته مباشرة”

لماذا الرقم 108؟

بعد اكتشاف جون لوك وبون ملجأ تحت الأرض، وتمكنت المجموعة بعد ذلك من اختراق الفوهة والنزول للأسفل، اكتشفوا مركزًا للعزل الصحي يعيش فيه ديزموند وحيدًا منذ ثلاثة أعوام، على أن يقوم بإدخال سلسلة أرقام معينة خلال 108 دقيقة، لإنقاذ العالم، لكن لماذا الرقم 108؟ وهل هي صدفة؟

في البداية الرقم 108 هو مجموع سلسلة الأعداد الشهيرة في الفيلم:

 4 + 8 + 15 + 16 + 23 + 42 = 108، كذلك في شريط الإرشادات الخاص بالملجأ أو المحطة، من المفترض أن يصل بديل ديزموند أو المسئول عن المحطة خلال 540 يوما، و108 * 5 = 540!

وفي مخزن الأسلحة في المحطة، يوجد قُفلا أمان بكلمتي سر، مجموعهما 108، 7 + 33 + 18, 18 + 1 + 31، ومع أول ظهور للملجأ حيث كان ديزموند يعيش حياته، كانت أغنية Make your own kind of music في الخلفية، وتوقفت في الدقيقة 1:08، بعد تفجير الفوهة!

و108*3= 324، وهو عدد الركاب على رحلة الطائرة التي أحضرتهم إلى الجزيرة. و108 أيام كانت الفترة التي قضاها الأبطال قبل مغادرة الجزيرة وإنقاذهم لأول مرة.

كذلك طلب جاكوب من هيرلي ضبط مرآة المنارة على 108 درجة. وأيضًا شخصية دوجين الياباني في المعبد، يلعب دائما بكرة بايسبول، ومن المعروف أنها تحتوي على 108 غرزة أو stitches.