مراجعة فيلم After the dark استخدام ذكائنا للنجاة في حياتنا
في هذا المقال سنتحدث عن فيلم After the dark ما بعد الظلام وهو من إخراج وتأليف جون هودلز، وقد ظهر الفيلم بعنوانين هما الفلاسفة The philosopher وما بعد الظلام .
يحكى فيلم After the dark عن تجربة ذهنية يجريها مجموعة من طلبة الفلسفة يقترحها عليهم مدرسهم، تدور التجربة الذهنية حول توقع نهاية العالم بسبب حرب نووية، يوجد مخبأ لا يحتمل أكثر من عشرة أشخاص فقط لمدة عام واحد، عدد الطلاب 20 طالب مع المدرس يصبح العدد الكلي 21 شخص وكل شخص منهم يحمل وظيفة ومواصفات معينة، يقوم الطلاب بتوجيه المدرس بمحاولة اختيار عشرة شخصيات فقط من أنفسهم والتضحية بالباقي.
فكرة فيلم After the dark
لتوضيح الفكرة المبينة عليها الفيلم يجب أن نبين أن الفلسفة تتكون من ثلاثة مباحث رئيسية الأنطولوجي ( علم الوجود )، والأبستمولوجي ( نظرية المعرفة )، والقيم ( الأخلاق )، في الفرع الخاص بالقيم أو الأخلاق توجد مدارس تحاول تحديد كيفية إتخاذ الحكم الأخلاقي ومن هذه المدارس أخلاق الواجب، وأخلاق المنفعة ( البرجماتية )، وأخلاق العناية ( الرعاية ).
أخلاق الواجب تحدد لنا مسبقا الأحكام الأخلاقية، بمعنى أن كل ما هو أخلاقي معروف مسبقا كالصدق والعدل وخلافه ، ويندرج تحت هذه المدرسة الأمر الإلهي وحقوق الإنسان، ومن المعروف أن أكبر فلاسفة أخلاق الواجب هو كانط، ومما هو واضح فإن أخلاق الواجب مطلقة وليست نسبية كالمنفعة وأخلاق العناية، وفي الفيلم ركز المخرج على أخلاق المنفعة في صورة البطل وأخلاق العناية في صورة البطلة.
البرجماتية والعناية
كما ذكرنا سابقا يمثل بطل فيلم After the dark أخلاق البرجماتية ( المنفعة ) وهي أكبر مدرسة في أخلاق العواقبية، والتي يتضح من إسمها أن الفعل الأخلاقي يتحدد بناءا على نتائج أو عواقب هذا الفعل وليس على الفعل نفسه، وهدف هذه المدرسة هو تعظيم المنفعة ولذلك نجد المثال المشهور الذي تم ذكره في الفيلم والذي يستخدمه دائما فلاسفة المنفعة لتأكيد نظريتهم وهو مثال العربة ” يوجد عربة قطار تسير على قضيب وبه 5 أشخاص مربوطين ويوجد مسار آخر عليه شخص واحد ، توجد عصا لتحويل المسار ، فماذا يكون قرارك الأخلاقي هنا؟ هل تترك القطار ليدهس الخمسة أشخاص أم تحول المسار ليدهس شخصا واحدا ” طبعا إجابة فلاسفة المنفعة أن نحول القطار وهو القرار الذي نعظم به المنفعة. لذلك نجد أن أهم أسلحة فلاسفة المنفعة والذي ركز عليه الفيلم هو المنطق والتفكير العملي بناءا على معطيات علمية وواقعية، وهذا ما نراه في قرارات بطل الفيلم عندما يختار الشخصيات التي يجب أن تعيش، فهو دائما يقتل الشاعر ويستبعد الوظائف الغير مفيدة من وجهة نظره كعازف القيثارة ومغنية الأوبرا ومربي الأطفال، ونجد دائما في هذا الاختيار أنه لا ينظر بنظرة تساوي للبشر ولا يعامل الإنسان كإنسان، ولكن ينظر للمنفعة التي تكمن خلف مهارات البشر من وجهة نظر منطقية علمية.
أخلاق العناية
نأتي للطرف الثاني وهي أخلاق الرعاية ( العناية ) التي تمثلها البطلة، أخلاق الرعاية هي نظرة نسوية لموضوع الأخلاق انبثق عن الحركة النسوية، كارل جيليجان واحدة من أهم فلاسفة أخلاق الرعاية وأحد أهم النسويين المعاصرين تنتقد النظرة الأخلاقية الذكورية وتقول أن المرأة تفكر بشكل مختلف عن الرجل، المرأة تكون علاقات بسرعة وتستخدم عواطف مثل التعاطف والمواساة كجزء من طريقة تفكيرهم، وترفض المرأة التفكير بشكل مجرد لأن هذا يفصلها عن علاقاتها الشخصية، أما الرجل يستطيع عزل نفسه عن الآخرين خلال تفكيره، كما أنه يبنى طريقة تفكيره على القواعد وبالتالي يضع قيمة كبيرة على التفكير المجرد عندما يحلل المواقف، وهو يحاول دائما تعميم الفكرة على كل الناس، ويرى الرجل عواطف مثل التعاطف والمواساة فيها نوع من التحيز يقف في طريق التفكير الأخلاقي السليم، وبالتالي لا تهتم أخلاق الرعاية بالعدالة والحق ولكن تهتم بكيفية الحفاظ على الترابط في المجتمع وأشهر مثال لتقديم أخلاق الرعاية هي الأحكام الأخلاقية التي تتخذها في أسرتك، فعندما يتشاجر طفلان في الأسرة فإن أفراد الأسرة لا يهتمون بقيم الحق والعدل ولكن يهتمون بإنهاء المشكلة للخروج بالروابط الأسرية سليمة، نجد القرارات الأخلاقية لأخلاق العناية في الفيلم موجودة في التجربة الذهنية الثالثة والتي قامت بها البطلة، وكان اختيارها للأشخاص غير مبني على أسس منطقية عملية ولكن مبنيه على العلاقات بين الأشخاص، ولذلك نجد ظهور أخلاق مثل الإيثار والتضحية وحب الذات في تصرفات وقرارات الأفراد.
كما تخبرنا المناقشة بين البطلين في نهاية الفيلم بعد انتهاء الحصة أثناء حديثهما عن أحد الطلاب ( طالب ضعيف دراسيا ) ولكن تحبه البطلة ( وهي متفوقة )، فتكون وجهة نظر البطل التي قالها للبطلة أنه لا يستحقك ( وهي وجهة نظر منطقية تخضع للبرجماتية )، وكانت إجابة البطلة ولكني أحبه ( وجهة نظر مبنية على الرابطة والمشاعر تتبع أخلاق العناية ).
الوضعية المنطقية في فيلم After the dark
وضع مخرج الفيلم خلطة في تصرفات وقرارات بطل الفيلم ( مدرس الفلسفة ) تجمع مابين الفلسفة البرجماتية كنظرية أخلاقية والوضعية المنطقية كنظرية أبستمولوجية، ولفهم ذلك نتحدث عن مدرسة الوضعية المنطقية التي ظهرت حينما اجتمع فلاسفة مهتمين بالعلوم بعد الحرب العالمية الثانية لتجاوز ضبابية الفلسفة السابقة وخصوصا لهيغل وهايدغر ولمواكبة التطور الهائل في العلوم، وعرفت إجتماعات هؤلاء الفلاسفة بحلقة فيينا وضمت مورتس شيليك وأوتو نيوراث وهانز هان وفيليب فرانك ورودلف كارناب، وما يهمنا في هذه المدرسة هنا نظرتها للفلسفة ودورها، فهي ترى دور الفلسفة مهمتها تحليلية وعلمية، فمهمة الفلسفة فقط الأهتمام باللغة وتحليلاتها للتخلص مما يشوب التعبيرات اللغوية من لبس وغموض وزيف وخلط، ومهمة الفلسفة أيضا علمية ولذلك يجب أن تلتزم بحدود المنطق، ولا ننسى أن الوضعية المنطقية تقول أن الميتافيزيقيا لغو، ولذلك نجد البطل دائما مايقتل الشاعر مباشرة عند اختيار الشخصيات في التجارب الذهنية لأن الشعر يعبر عن لغة مجازية غير واضحة وهو ما يكرهه الوضعيون المناطقة، كما أن بطل الفيلم بعد التجربة الذهنية الثالثة و الاختيارات الغير مبنية على المنطق غضب وسأل الطلبة اعتراضا على اختياراتهم ( هل هذه فلسفة ؟ )، وفي هذا الإطار نجد ذكر العبارة التي أوردها كارل ماركي وفريدريك انجلز في مخطوطات الأيديولوجية الألمانية عام 1846م وهي ” الفلسفة وهي تدرس العالم الواقعي، مثل الاستمناء بالنسبة للحب الجنسي ” وذكر هذه العبارة جاء ردا على محاولة توضيح أهمية الفلسفة في الفيلم وهي تهاجم طريقة تعامل المدارس الفلسفية القديمة مع الواقع وخصوصا الفلسفة المثالية.
يوجهنا الفيلم بعدم المبالغة في التفكير المنطقي الذي يؤثر على قراراتنا الأخلاقية وعلى جودة حياتنا وخصوصا أن التفكير المنطقي يقودنا كثيرا لتخيل نهاية العالم والخوف المرضي من ذلك ومحاولة تجنب هذه النهاية وهذا ما يصرفنا عن التمتع بالحياة كما هي، وكما يقول نعوم تشومسكي في كتابه الربح فوق الشعب ” أن نهاية العالم تكررت كثيرا ” وهو يهاجم فلاسفة نهاية العالم والابتذال الذي لحق بالعبارة لكثرة تكرارها.
وأخيرا يطرح هذا الفليم أهمية التجارب الذهنية التي تعتمد على الخيال في العملية التعليمية، وهذا ما يوجهنا له ميشيو كاكو في كتابه مستقبل العقل حينما ناقش عملية الذكاء والعبقرية وأشار لعملية تشريح دماغ آينشتاين وأن العلماء لم يتوصلوا لسبب مادي لذكائه وقال أن سبب ذكاء آينشتاين قدرته على إجراء التجارب الذهنية، وقد قال آينشتاين مره ” الدليل الحقيقي على العبقرية ليس المعرفة بل الخيال.