مواجهةُ مخاوف التعاطف في حالاتِ القلق والاكتئاب
بحث جديد يحدد العقبات التي تعترض المشاركة العلاجية
ابذلْ قصارى جهدك حتى تعرف أكثر. وعندما تعرف أكثر، سيتحسن أداؤك أكثر.
-مايا أنجيلو
يهدف البحث عن الاكتئاب واضطرابات القلق إلى تسليط الضوء على العلاقة بين التعاطف والشعور بالسعادة. كما يوجد أدلة جيدة تُفيد بأن التدرُّب على التعـاطف يمكن أن يَزيدَ من السعادة ويخفّفَ من الأعراض ويعالج نقاط الضعف الكامنة.
الخوف من التعاطف
ومع ذلك، تتساءل بعض الأبحاث عما إذا كان الخوف من التعاطف مرتبطًا بالاكتئاب والقلق السريريين.
قد يجعل الخوفُ من التعاطف الناسَ أكثرَ ميلًا لرفض المساعدة؛ حتى أنهم يعجزون عن إدراك حاجتهم للمساعدة في البداية. وغالبًا ما يَتخذُ الخوفُ من التعاطف شكلَ الصلابة؛ إذ يميل الشخص إلى التصرُّف بقوة لأن الحساسية يعتبرها بمثابة ضعف، كما يعتقد أن إظهار الضعف سيؤدي حتمًا إلى الاستغلال من قِبل الآخرين.
إن الخوف من التعاطف ولا سيما الشعور بتعاطف الآخرين، قد يجعل من الصعب على الأشخاص المنعزلين التواصل مع غيرهم، مما يؤدي إلى غياب “الأمان الاجتماعي”، وهي حالة شعورية أساسية إلى جانب الإيجابية والسلبية.
فَهمُ الدور الذي يلعبه الخوف من التعاطف في الحالات السريرية
لفهم كيفية تجنب الناس للتعاطف بشكل أفضل، طور الباحثون مقياس الخوف من التعاطف. حيث يُغطِّي هذا المقياس ثلاثَ حالات رئيسية قد يخشى فيها الناس من التعاطف كالخوف من:
- إظهار التعاطف للآخرين
- الشعور بتعاطف الآخرين
- الشعور بالتعاطف (أو الشفقة) على الذات
تتعلق تلك الحالات بمشكلات مضمرة وشائعة، مثل القلق من أن يُنظر للشخص على أنه ضعيف أو أن يُستغَل، والخوف من الحميمية أو الخيانة أو الإحراج. إضافة إلى مشاكل أخرى تتعلق بالاعتمادية. وقد ارتبط الخوف من التعاطف بصعوبة تحديد المرء لعواطفه والمعتقدات التي رسخت خطورة الانفتاح والتعبير عن المشاعر، وانخفاض كلي لوظيفة الانعكاس الذاتي*.
دراسةُ تأثير الخوف من التعاطُّف في حالات اضطرابات القلق والاكتئاب
نظرًا لقلة الدراسات حول هذا الموضوع، فقد قام كلٌّ من عالمي النفس أوليفيا ميريت وكريستين بوردون بدراسة تأثير الخوف من التعاطف في حالات الاكتئاب واضطراب القلق العام والقلق الاجتماعي والوسواس القهري، مقارنةً بأشخاص ليس لديهم اضطرابات سريرية.
ومن بين 407 مشاركًا في البحث، شُخِّصَ 34 منهم بالاكتئاب السريري و27 باضطراب الوسواس القهري و91 شخصًا يعاني من اضطراب القلق الاجتماعي أو ما يُسمَّى بـ “الرُهاب الاجتماعي” و43 شخصًا يُعاني من اضطراب القلق العام.
مقارنةً بالحالات الطبيعية (control – المقارن بها) والتي كان عددها 212 حالة، لم يتم تشخيصهم بأي اضطرابات سريرية.
أكمل المشاركون اختبارات تتضمن مقياس الخوف من التعاطف ومقياس ضغط القلق الاكتئابي ومقياس الوسواس القهري ومقياس الرُهاب الاجتماعي. وقد استُخدِمت هذه المقاييس السريرية في الدراسة لتتبع جوانب مختلفة من شدة الأعراض للمشاركين الذين شُخِّصوا مسبقًا.
نتائج الدراسة
سَجّلت المجموعات السريرية على المقياس العام للخوف من التعاطف درجاتٍ أعلى بكثير من المجموعة الطبيعية. فيما يتعلق بإظهار التعاطف للآخرين، لم تكن هناك اختلافات بين أي من المجموعات. أما بالنسبة للخوف من تعاطف الآخرين، كان لدى المجموعة الطبيعية درجات أقل بكثير من جميع المجموعات السريرية.
كان لدى المشاركين الذين يعانون الاكتئاب والمجموعات التي تعاني اضطراب القلق الاجتماعي خوفٌ أكبر من تعاطف الآخرين من المجموعة التي تعاني اضطراب القلق العام، كما أن للمجموعة التي تعاني الوسواس القهري مخاوفَ مماثلة من تعاطف الآخرين مثل المجموعات السريرية الأخرى.
وفيما يتعلق بالخوف من التعاطف الذاتي، سجلت جميع المجموعات السريرية درجاتٍ أعلى من المجموعة الطبيعية، وأظهرت المجموعة التي تعاني الاكتئاب مخاوف أكبر من التعاطف الذاتي من المجموعة التي تعاني اضطراب القلق العام تحديدًا.
نتائج اضطرابات القلق بعيدًا عن الاكتئاب
للنظر في مدى الترابط بين اضطرابات القلق والخوف من التعاطف أثناء السيطرة على الاكتئاب، قام الباحثون أولًا باحتساب العلاقة بين الاكتئاب ومقياس الخوف من التعاطف ووجدوا أن الأعراض الاكتئابية متصلة بكلٍّ من الخوف من تعاطف الآخرين والخوف من التعاطف الذاتي.
وحتى بعد استبعاد علاقة الاكتئاب بالخوف من التعاطف، فقد وُجِد أنه لا يزال لاضطرابات القلق علاقات قوية.
أظهرت كل من مجموعات اضطراب القلق الاجتماعي واضطراب القلق العام واضطراب الوسواس القهري مخاوف أكبر من تعاطف الآخرين والتعاطف الذاتي من المجموعة الطبيعية.
أما المجموعة التي تعاني اضطراب القلق الاجتماعي فأظهرت مخاوف أكبر من تعاطف الآخرين من المجموعة التي تعاني اضطراب القلق العام، وهو أمر منطقي نظرًا لأن الأشخاص الذين يعانون من القلق الاجتماعي يخافون النقد والثناء من الآخرين، ويتحاشون التركيز عمومًا بغض النظر عن طبيعة الاهتمام.
وأظهرت المجموعة التي تعاني اضطراب القلق العام خوفًا أقل من تعاطف الآخرين والتعاطف الذاتي من المجموعة التي تعاني الاكتئاب، حيث تتناسب مع النماذج النفسية التي تشير إلى أن الأفكار السلبية عن الذات هي سمة أساسية للاكتئاب والقلق الاجتماعي، أما الأفكار السلبية عن الكون فتعتبر سمة من سمات القلق العام، ويصاحب ذلك قلق أكبر بشأن الظروف والأحداث الخارجية عوضًا عن الشعور بالعيوب الشخصية.
يعكس الاكتئاب والقلق الاجتماعي صعوبة أكبر في علاقة الإنسان مع نفسه، لأن الأشخاص الذين يعانون من هذه الظروف غالبًا ما يشعرون بأنهم أقل استحقاقًا للتعاطف، مما يجعل من الصعب الحصول على المساعدة اللازمة والاعتماد على الذات.
بعد السيطرة على أعراض الاكتئاب في المجموعة التي تعاني الوسواس القهري، فإن لأولئك الذين لديهم مخاوف عالية من التعاطف الذاتي أعراض أشد من غيرهم حسب توقعات مقياس الخوف من إظهار التعـاطف للآخرين. على الرغم من أن التأثير كان ضعيفًا ويحتاج لاستكشاف، يشير مؤلفو الدراسة إلى أن الأشخاص الذين يعانون الوسواس القهري غالبًا ما عانوا من تربية أبوية قاسية وناقدة، مما قد يجعلهم أقل استيعابًا لمواقف التعاطف تجاه النفس وتجاه الآخرين.
قد تتجلى هذه الحقيقة في صعوبة مواجهة البالغين للتعاطف، حيث أظهر التحليل أن اثنين من عناصر مقياس الخوف من التعاطف تبرزان في اضطراب الوسواس القهري: “سيستغلني الناس إذا رأوني شخصًا متعاطفًا جدًا” و”التعاطف مع أشخاص ارتكبوا أخطاءً يعني التغاضي عن فعلتهم”. كلاهما يشكل حاجزًا إزاء إظهار التعاطف للآخرين، وقد يعكس هذا الأمر درجةً من الجمود الأخلاقي الذي كثيرًا ما يكون حاضرًا في الوسواس القهري.
اعتبارات أخرى
هذه هي الدراسة الأولى التي تلقي نظرة فاحصة على كيفية ارتباط الخوف من التعاطـف -وليس التعاطف بحد ذاته- بالاكتئاب والقلق لدى المرضى مقارنةً بأشخاص طبيعيين.
في حين يخلق الاكتئاب حاجزًا أساسيًّا أمام التعاطف الذاتي وتقبُّل المساعدة، فإن الخوف من التعاطف يبدو حاضرًا في اضطرابات القلق المختلفة بشكل فريد بعيدًا عن الاكتئاب.
إن الدور المحدود الذي يلعبه الخوف من إظهار التعـاطف للآخرين، وربما العامل الأكبر حيث توجد علاقة وألفة، قد يسهل على البعض الابتعاد عن مشاكلهم أثناء مساعدة الآخرين، على سبيل المثال، إيجاد المغزى والمعنى من خلال الإيثار.
إن النظر بمزيد من التفصيل لدور صدمات الطفولة والصدمات عند الكِبر أمر مهم في فهم أسباب الخوف من التعاطف. تُشير الأبحاث أنه إلى جانب عدم المرونة النفسية، يرتبط الخوف من التعاطف الذاتي بارتفاع حدة أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، وبما أن الصدمة عامل أساسي مشترك غالبًا ما يُغفَل عنها عند التفكير في القلق والاكتئاب؛ فإنّ أخذَ هذا العامل بعين الاعتبار أمرٌ بالغُ الأهمية لفهم الأهمية السريرية للخوف من التعـاطف.
من المرجَّح أن يكون استهداف جوانب معينة من مخاوف التعاطف أداة مهمة في تحسين نتائج العلاج. على سبيل المثال، يشير بحث حول العلاج إلى أن العلاج كالمعتاد قد يفتقر إلى التركيز على بناء التعاطف. أين قد تتوافق مخاوف التعاطف؟
إن العمل الذي استُعرِض هنا يدعم التركيز على أن الخوف من التـعاطف قد يكون عنصرًا ضروريًّا أُهمِل ويتطلب اهتمامًا مبكرًا. قد يكون تقييم الخوف من التعاطف مفيدًا جدًا بالنسبة للأشخاص الذين يجدون فكرة تَلَقِّي المساعدة أمرًا صعبًا، ولأولئك الذين يجدون صعوبة في سلوكهم الأساسي تجاه رعاية أنفسهم. وكون أن التجاهل هو وسيلة شائعة، وإن كانت غير فعالة في نهاية المطاف في التعامل مع الرُهاب، ولأن الخوف من تعاطف الآخرين، والتعاطف الذاتي يشكل تحديات أمام المشاركة العلاجية الكاملة، فإن تحديد مثل هذه المخاوف ليس سوى خطوة أولى، وقد تستغرق معالجة هذه المشاكل بفعالية بعض الوقت والمثابرة والتعاون والإبداع.
نرشح لك: الاكتئاب المبتسم/ أخطر أنواع الاكتئاب
*الانعكاس الذاتي (التفكير الذاتي): هو قدرة الإنسان على ممارسة مطالعة النفس واستعداده لتعلم المزيد عن الطبيعة الأساسية والغرض والجوهر.
المصدر