متلازمة الامبراطور: عندما يكون ابنك طاغية
بقلم: فرانسيسك ميراييس
لا ينفكّ عدد الحالات عن النّمو، وفي كل مرّة في أعمار أصغر: تُسمّى “متلازمة الامبراطور“، وهي تحدّد وتصف الأطفال والمراهقين الذّين يسيؤون معاملة والديهم بدون أدنى وازع من ضمير. عادة ما تكون الأم الضّحية الأولى والرّئيسة للطّاغية الصّغير، الذّي سيوسّع نطاق سوء المعاملة إلى أعضاء آخرين في الأسرة في وقت لاحق، ما لم يتم علاجه، وفقاً لما يقوله عالم النّفس خوسيه انتونيو رامادان José Antonio Ramadán. وقد اشتهر الحكم الذّي أصدرته المحكمة الجنائية الثانية في أكورونيا A Coruña (اسبانيا) وبرّأت فيه إحدى الأمّهات المتهمّة بسوء المعاملة من قِبَل ابنها ذي الأحد عشر عامًا، جرَّاء صفعة تلقّاها منها. لكن، ما هي أسباب هذا الدّاء الذّي يحوّل الحياة الأسرية إلى جحيم؟
وفقاً للخبراء، ثمة عوامل مختلفة يمكن أن تتوج امبراطوراً في البيت:
*القليل من الوقت الذّي يكرِّسه الوالدان: يكمن أصل المشكلة في العديد من المرّات في والدين غائبين، وهما يخفّفان من شعورهما بالذّنب جرَّاء هذا الغياب بالاستجابة لجميع أهواء الابن . وبذلك ينقلون إليه رسالةً فحواها أنّه، على الرّغم من وحدته العاطفيّة، مركز الكون وأنّ الكبار موجودون هنا بغية تلبية جميع متطلّباته.
*غياب الحدود: المنبثق في كثير من الأحوال عن السّبب الأول، فإذا لم يخصّص الوالدان الوقت الكافي للتّربية، وذلك بتفويضها لطرف ثالث، فإنّه لن يكون لديهما الوقت لتعليم ولدهما قواعد السلوك، الأمر الذّي سيشعر معه ملك المنزل بأنه يتمتّع بحصانة تامّة. يؤكّد عالم النفس خابيير أورّا Javier Urra أنه لا وجود لطفل يولد طاغية، وإنّما هناك والدان لا يتصرّفان تصرف الكبار المربّين، ذلك أنهما “يقدّمان جميع أنواع التنازلات للتّخلّص من المشكلات وفي النهاية إن ما يتمخّض عن فعلهما هو المشكلة”. قاضي الأحداث اميليو كالاتايود Emilio Calatayud المعروف جداً بأحكامه المتَّزنة بشأن الشباب المضطربين، لخّص هذا الوضع المعقد في مقابلة منشورة في صحيفة الباييس El País عام ٢٠٠٦ بقوله: “لقد منحناهم الكثير من الحقوق، لكنّنا لم ننقل إليهم الواجبات. لقد أضعنا مبدأ السّلطة authority. أردنا أن نكون أصدقاء لأبنائنا“.
*الولد الوحيد: إنّ عدم وجود إخوة للطّفل لا يؤدي بالضّرورة إلى التّحوّل إلى ديكتاتور صغير إذا كان الوالدان واعيين بوظيفتهما التّربوية، لكنّه يمكن أن يسهم في أن يشعر الطّفل بأنّه ملك وحيد. من المثير جداً للاهتمام تحليل الآثار التّي تركتها سياسة الصين بشأن الطفل الوحيد على الحالة النفسية لجيل كامل. ففي مقالة في صحيفة The Independent البريطانية تحدّث الصحفي ستيف كونور Steve Connor عن “جيش صيني من الأباطرة الصغار”، ثمرةً للحماية المفرطة للسليل الوحيد من قِبَل الآباء والأجداد، الذّين يريدون أن يقدّموا له كل مظاهر الرّفاهية والامتيازات التي حُرِمُوا منها. وهذا، بالإضافة إلي الزّيادة في الدخل الفردي للأُسر الصينية، ما ضاعف من عدد “الطغاة الصغار” إلى حدود غير متوقعة. يؤكد كونور أن الأطفال الصينيين في الزّمن الرّاهن هم “أقل إيثاراً وثقة، وأكثر خجلاً، وأقل قدرة على التّنافس، وأكثر تشاؤماً، وأقل اعتباراً للآخرين“.
باستثناء الاضطرابات النفسية، فإن متلازمة الامبراطور هي نتاج خلل تربوي يمكن تصحيحه. يقترح الاختصاصي النفسي بيسنتي غاريدو Vicente Garrido ، مؤلف كتاب الأبناء الطغاة Los hijos tiranos ، ثلاث نقاط عمل:
- تشجيع تنمية الذّكاء العاطفيّ والضّمير: في سبيل ذلك، على الوالدين مساعدة أبنائهم في التّعرف على عواطفهم وعواطف الآخرين، والتأكيد على التّعاطف، ودعوتهم الى ممارسة أعمال إيثارية لكي يلمسوا آثارها على الآخرين.
- تعليمهم على تنمية وصقل قدرات غير عنفية: في بيت يصرخ فيه الكبار ويهدّدون، سيكون من الصعوبة بمكان أن نتمكّن من جعل الصغار يتواصلون على نحو هادئ. على الوالدين أن يكونا مثالاً يُحتذى وأن يمارسا مع أبنائهم الحوار القائم على الاحترام والإنصات.
- وضع حواجز واضحة: ينبغي على الآباء عدم التسامح مع العنف أو الغش. إنّها خطوط حمراء على الطّفل أن يعلم أنّه لا يمكن تجاوزها، مهما كانت الاستراتيجيات التي يستخدمها لاختبارنا.
في هذا الصّدد، تقول التربوية مونتسه دومينتش Montse Domènech :”تمنح الحدودُ الأمانَ للأطفال الذيّن يشعرون بالضّياع، ما لم تكن هناك معايير للسلوك في المنزل. يحتاج الآباء إلى استلام زمام السلطة وإلى عدم الاستسلام لمحاولات الطفل للإفلات من العقاب”. تشير دومينيش، مؤلّفة العديد من الكتب عن الأطفال والمراهقين، إلى أن الآباء يستسلمون في كثير من الأحيان جرَّاء الخوف من أن تخرج الأمور عن السيطرة. والحلّ، وفقاً لما تشير إليه، يمر عبر تبيان الحدود وتعزيز الجوانب الإيجابية عند الصغير. إن الوضوح بشأن هذه الحواجز، والتعزيز الإيجابي، وتكريس وقتنا لهم في المقام الأول، سوف يمنحهم الأمان بغية تطوير أنفسهم بوصفهم أشخاصاً مستقلين وسعداء.
نرشح لك: بناء تقدير الذات لدى الأطفال
المصدر: https://elpais.com/elpais/2018/01/29/eps/1517241117_174147.html