ما لم تعرفه عن الضرير.. كيف تتعامل معه؟
في ليلةٍ عاصفةٍ عندما انطفأت الأنوار ولم تستَطِع عيناي تحمّلَ الظلام الدّامس لوهلة، أيقنتُ حينها معنى العيش برؤيةٍ مشوهة جزئيًا، بينَ تعقبٍ للأصوات واعتمادٍ على لمس الأشياء. لقد مررتُ بتجربة فريدة من نوعها صدقًا. عندئذ، أصبحتُ مهتمةً كثيرًا في معرفة كيفية عيش المكفوفين وماذا يعني محيطهم لهم.
إليكم ثلاث عشرة معلومة من الممكن ألّا تعرفها عن الأضرّاء وستساعدك على كيفية التعامل مع غرابتِك في التعامل معهم.
1- امتلاكُهم لشكلٍ من أشكال الإدراك الحسيّ
إنّ الإعاقة البصرية لا تعني فقدان الرؤية بشكلٍ كاملٍ، ولكنّها في الحقيقة وطبقًا لمنظمة الصحة العالمية “WHO” أنّه ما يقارب 15.88% من الأشخاص الذين يعانون من الإعاقة البصرية يعانون من انعدامٍ تامٍ في الرؤية. أمّا قرابة 84.12% فلديهم رؤية جزئية أو ما يسمى بالضرارة الجزئية مثل إدراك اللون، أو الضوء أو الحركة، أو حتى إدراك الحواس، فهم قادرون على الرؤية بدرجاتٍ متفاوتةٍ من التشويش مع وجود بعض المواضع التي يكون فيها العمى كامل، وكما ترى فهناك العديد من الأنماط المختلفة لضعفِ البصر وليس هناك نظام ثنائي بين الظلمة والإبصار.
2- لا يشعرون بالخجلِ كونُهم يعانون مِن تلفٍ بصريّ
العديد من المكفوفين يتحدثون عن ضعفهم البصريّ على أنه مجرد تحدٍ جسديّ، وفي أيّ حالٍ من الأحوال لا يرونه أمرًا مُنهكًا أو أنّه نهايةٌ لشعورهم بالفرح، ولا يعتقدون أنّ عدم القدرة على الرؤية تشكّل هويّتهم كأشخاص أكفّاء. هؤلاء ليسوا مختلفين عن أيّ أحد، فهم أقوياء ورائعون. وإنّما تقع المسؤولية علينا لإجراء تغيير في مواقفنا تجاههم. لذلك، في المرة القادمة، إذا نظرتَ مشفقًا على الشخص المقابل كونه ضريرًا، راجع نفسك وابحث عن طريقة يمكنك بها تغيير بعض الأفكار المتأصّلة التي تفترضها عند التعامل مع الأشخاص ذوي القدرات المختلفة.
3- ليس للمكفوفين حاجة إلى مرشد لمساعدتهم
دائمًا ما يعتبر الأكفّاء أكثر إدراكًا وإلماماً لبيئتهم. مما يمنحهم اكتفاءًا ذاتيًا بأنفسهم حتى يتأقلموا مع أيّ مكانٍ جديد أو ليتعلموا أي أمر جديد يخصُّ التكنولوجيا مثلًا. ولكنّ الكفيفين لا يعتمدون بشكل دائم على الآخرين في حياتهم ولذلك أودّ أن أحثّكم على الاقتراب منهم مع الأخذ بعين الاعتبار أنّهم إذا كانوا بحاجة إلى المساعدة فسيطلبونها بأنفسهم.
4- شعورهم بالإهانة من قبل الناس إذا تلقوا لطفًا زائدًا عن حدّه كنوع من الشفقة
إنّ الأشخاص المكفوفين يتمنون لو يُعاملوا بطريقة طبيعية مثل أيّ إنسان آخر، لذلك تنقلب المساعدات الكثيرة وغير المطلوبة إلى شرّ يجعلهم يشعرون بالنقص. فعلى سبيل المثال.. مساعدتهم في قطع الشارع وتوصيلهم إلى المكان المطلوب عندما يسألون عن وجهة الطريق فقط أو شراء الحاجيات لهم وعدّ النقود نيابة عنهم وحتى التقاط شيء قد سقط منهم سهوًا وحمل أشيائهم، هذه كلها أمور تعتبر من الشفقة حيث إن الكثير من المكفوفين يعتبرونها نوع من الإهانة لذلك عليك أن تسألهم أولًا إن أرادوا المساعدة وعليك التقبل إن تم رفضها.
5- يفتقرون لقوّة استشعارية أو حسية عالية
من تصورات الثقافات الشعبية أنّ الإنسان إذا فقد حاسّة من حواسّه فإنّ بقية الحواسّ ستصبح أكثر دقة وحدّة، ولكنَّ هذا الأمر ليس بالضرورة أن يكون صحيحًا، مع ذلك فإنّ الضريرين يعتمدون بشكل أكبر على بقية حواسهم ويعملونَ على تطوير ذاكرة قوية أو على الإشارات السمعية.. وتشير الأدلة إلى أنّ المكفوفين يستخدمون عملية تسمى “Echolocation” والتي تعرف بتحديد الموقع بالصدى، إذ يستخدمون الأمواج الصوتية لتحديد الموقع وحجم الأشياء داخل منطقة معينة. حيث قال الدكتور جيفين باكينغهام:
أنّهم إمّا يطقطقون أصابعهم أو ينقرون لسانهم حتى ترتد الموجات الصوتية عن الأشياء، وهذه المهارة غالبًا ما توجد عند الخفافيش حيث تستخدمها عند الطيران.
6- شعورهم بالسعادة عند التكلّم معهم بلغةٍ طبيعية
لا تتجنب استخدام بعض الألفاظ مثل انظر، شاهد، وغيرها من الكلمات المماثلة. تكلّم معهم بشكل طبيعي فهم لا يعتبرونها إهانة بل على العكس تمامًا، سيشعرون بالغرابة إذا شعروا بأنك تتجنب استخدام بعض الألفاظ معهم وتبذل مجهودًا كبيرًا للتكلّم معهم. لذا اجعلهم جزءًا من تجربتك، كما جعلوك جزءًا من تجربتهم.
7- لديهم القدرة على الاستجابة والانخراط مع المجتمع كأي إنسان آخر
نعم، إن الأشخاص المكفوفين يحبون اكتشاف الأماكن الجديدة، والذهاب للسينما، والحفلات الموسيقية وتجربة مطعم جديد، وحتى المشاركة في المغامرات الرياضية كالسباق والتزلج على الجليد والقفز المظلي، إضافةً إلى الرحلات، فمحيطُهم إمّا أن يحمّسهم لمثلِ هذه الأمور أو يعيقهم عن فعلها. وكأي شخصٍ آخر، هذا الميول وبالدرجة الأولى يعتمد على شخصية الفرد فالبعض منهم انطوائييّن ويفضلون العزلة والبيئة المسيطر عليها، والبعض الآخر إجتماعي ويسعى بشكلٍ استباقي إلى تجربة الكثير من الأمور.
8- يحلمون أثناء نومهم
تَظهَرُ أحلامُهم بطريقة حياتهم اليومية، مع مزيجٍ غني من الإشارات الحسية، إذ أجريت دراسة دينيماركية عام 2014 لخمسين شخص بالغ ضرير حيث وُجِدَ 18% منهم- سواء أكانت ضرارة بدأت منذ الولادة أو أنها أتت لاحقًا- فهم ذكروا التذوق في حلم واحد على الأقل، مقارنة مع 7% من المشاركين المبصرين، وما يقارب 30% ذكروا حاسة الشم في حلم واحد أيضًا على الأقل وحوالي 70% أقروا بإحساس اللمس و 86% بالسمع ومع هذا فإن العواطف والمواضيع في أحلامهم مماثلة للمبصرين.
9- يفهمون الألوان بطريقةٍ فريدة من نوعها
إنّ بعض الأشخاص الذين أصابتهم الضرارة في وقتٍ لاحقٍ من حياتهم قادرون على ربط الألوان كالأشخاص المبصرين تمامًا، أما الذين لم يسبق لهم أن عرفوا الألوان من قبل فيربطوها ببعض المفاهيم فمثلًا النار صفراء والسماء زرقاء. وأيضًا يربطون الألوان مع الطاقة فمثلًا الأزرق= البرد، والأبيض= التجمد، والأحمر= السخونة، وفي بعض الأحيان من الممكن أن يذكروا فقط الألوان الفاقعة أو من الممكن أن يجدوا الصعوبة في وصف الأزرق والأسود والبني أو تمييز الزهريّ من الأبيض، أيًا كانت الحالة فالألوان لها معان لكل الناس والأضراء يستطيعون فهم هذه المفاهيم.
10- هم أكثر عرضة للكوابيس من الناس المبصرين
هذه نتيجة الانطباعات الذهنية لديهم أو تفسيرًا للمواقف المؤسفة والمحزنة التي يتعرضون لها، وذلك لأنّ الأضرّاء أكثر عرضةً للقلق من غيرهم، حيث يجدون تحديًا كبيرًا لتجنب الضغوطات، فالبتالي تعتبر كوابيسهم قريبة جدًا من الواقع، كالوقوع في حفرة، والتعرض للدهس من قبل سيارة، والاصطدام في شجرة، والتعرض للمطاردة. حيث قالت الدكتورة أماني ميادي التي درست هذه الظاهرة جيدًا: “أنّ الكوابيس لا تؤثر على جودة حياة المكفوفين ولكنّها تُعتبر مؤشِرًا واقعيًا لتجارب حياتهم”.
11- العكازة ليست مستخدمة من قبل جميع المكفوفين
في حين أن هناك درجات مختلفة في ضعف البصر والضرارة، إلّا أن بعض الأفراد يسعون إلى استخدام عكازة بيضاء أو عكازات ذوات قصاصات حمراء ترمز إلى درجة الضعف البصريّ لدى الشخص المقابل، والكثير منهم يفضّلون استخدام كلاب مدربة لمساعدتهم في التنقل عبر الأبواب، أو ممرات المشاة، حيث أنّ الكلاب تراقب الكتف الأيمن لمالكهم لحمايته من الاصطدامات.
12- لديهم رحابة صدر تجاه فضول واستفسارات بعض الناس
من الممكن أنّك لا تعرف كيفَ تتعامل مع الشخص الضرير، أو أنّك لا تستطيع فهمه جيدًا، لذلك من الأفضل أن تسألهم عن حياتهم وعن كيفية سير تجاربهم. فالفكرة هنا هي أنْ تكونَ فضوليًا ولديك الرغبة في معرفة واحترام الطابع الفريد الذي يلازمهم، وكما ذكرتُ سابقًا أنّ العديد من المكفوفين لا يرون وضعهم على أنّه أمرٌ مُقَيِّد وبإمكانهم تقديم رؤىً جميلة إذا سألتهم فقط.
13- نجاحهم يتوقف على كيفية نظرة الناس لهم
أفاد علماء النفس بأنّ نجاح المكفوفين في الحياة والتعليم والعمل يتناسب طرديًا مع توقعات الناس التي يمتلكونها حولهم، وعلى كمية الإيجابية التي يمنحونهم إيّاها، فكلّما ظننت بهم ظنًا جيدًا وآمنت بقدراتهم، ازدادوا إيمانً، وثقةً، وعطاءً. فطالما سمحتَ لهذهِ الفكرة بأنْ تستقرّ في ذهنك، تذكر بأنّ الضرارة ليست بوصمة عار إنّما هي سمةٌ مثلها مثلُ الإبصار تمامًا.
حيث صَوّرت هيلين كيلير هذه الحقيقة بكلماتٍ جميلة فقالت:
أستطيع أن أرى، وهذا هو السبب في استطاعتي بأنْ أكونَ سعيدة، في ما تسميه عالمُ الظلام ولكنّه بالنسبة لي عالمٌ ذهبيٌّ، أستطيع أن أرى من خلالهِ العالم الذي صنعه الله وليس عالمًا من صنعِ الإنسان.
تدقيق: فاطمة المّلاح