كيف هربت المثلية الجنسية من الانتقاء الطبيعي إذا كانت سببًا في توقف النسل البشري؟
يُطرح السؤال دائمًا بهذا الشكل: إذا كانت المثلية مشكلة جينية، فكيف هربت من الانتقاء الطبيعي على مدار السنين مع أنها سمة توقف النسل البشري؟
وفق دراسةٍ أُجريت في الولايات المتحدة عام 2013 قام بها جاري جيتس، وهو خبير في ديموغرافيا المثلية الجنسية، 37% من المثليين جنسيًّا (من الذكور والإناث) لديهم أطفال، و60% من هؤلاء الأطفال هم أطفال نسيلين من الأبوين، وتشير الدراسة أن المثلين جنسيًّا لديهم في المتوسط طفلين.
لذا فيمكننا القول أن هذا السبب الأساسي؛ المثليون جنسيًّا لديهم أولاد من نسلهم أنفسهم، ويستطيعون إنجاب أولاد اخرين. رغم ذلك، هناك تفسيرات تطورية عديدة حول المثلية الجنسية.
على سبيل المثال، تم ملاحظة السلوك المثلي في مئات من الأنواع، من حيوان البيسون إلى طائر البطريق. وبالطبع، ليومنا هذا لا يزال الأمر غير واضحٍ تمامًا حول مدى ترابط المثلية الجنسية في البشر أو الحيوانات بالوراثة. وفي مقالي هذا، سأستبعد التطرف الهرموني الذي قد يحدث أثناء الأطوار الجينية، وسأحاول التركيز على الأسباب التي يمكن أن تفسر السبب في الحفاظ على المتغيرات الجينية المرتبطة بالمثلية بين السكان.
وكما نرى في السؤال الذي في الأعلى عندما نذكر المثلية الجنسية، فإذًا نحن نعني عدم إنجاب الأطفال، وبالطبع هذا ليس ضروريًّا في حياة المثلي، العديد من المثليين كان لهم شركاء مغايرون الجنس. وفي بعض المجتمعات التقليدية القديمة، كان يوجد أشكال كثيرة مختلفة من المثلية الجنسية غير الشكل المعاصر حاليًا.
في بعض الحيوانات، لا يكون السلوك المثلي محصورًا على الفرد. على سبيل المثال، في بعض المجموعات من قرود المكاك اليابانية، تفضل الإناث الشريكات الإناث على الشركاء الذكور، لكنهم بالطبع يتزاوجون مع الذكور.
اُقترح كذلك أن المثلية تعزز الانتقاء الإيجابي للأفراد؛ فمثلًا، يرى البعض أنها تساهم في أن يصل الشركاء من نفس الجنس إلى أعلى تسلسل في السلم الهرمي الاجتماعي، ووجدت دراسات أخرى أنه في بعض أنواع النورس تتواجد المثلية الجنسية استجابةً لنقص الذكور، فبدلًا من انعدام الذرية، تقوم بعض الإناث بتربية ذريتهم معًا بعد تزاوج كليهما من ذكور.
ويوجد احتمال آخر، وهو أن المثلية الجنسية تتطور وتستمر لأنها تفيد الجماعات والأقارب. في البونوبو على سبيل المثال، يكون لسلوك المثليين فوائد على المجموعات من خلال تعزيز التماسك الاجتماعي. ووجدت دراسة أُجريت في دولة ساموا أن الرجال المثليين يخصصون المزيد من الوقت لأبناء أختهم أو أبناء أخيهم.
ويمكننا القول أن المثلية قد تكون سلوكًا محايدًا لا يقلل ولا يرفع من بنية الإنسان أو مستوى لياقته العامة، فقد فشلت محاولات العثور على تفسير التكيف لسلوك المثليين في قرود المكاك مما أدى لظهور اقتراحات أنهم يفعلون ذلك فقط لأجل المتعة.
وأنا شخصيًّا أميل لتفسير أنها تفيد الجماعات والأقارب، فالعديد من الدراسات تُشير إلى أن وجود توائم في الأسرة قد يزيد من معدل تواجد المثليين في تلك الاسرة.
كذلك يدعم تفسير إفادة الجماعات والأقارب تلك الدراسة التي نُشرت عام 2004، والتي تؤكد أن الإناث الموجودات في العائلات المثلية جنسيًّا يكونون على قدرٍ أعلى من الخصوبة، مقارنةً بالإناث الموجودات في عائلة مُغايرة جنسيًّا. بالطبع لا يمكننا تحديد الجين المسؤول عن حدوث هذا، لكن هذه الدراسة تؤكد أن هناك علاقة جينية، فالخصوبة تزداد بوجود مثلي في الأسرة. ويمكننا ربط هذا بالدراسة في الأعلى التي أُجريت في دولة ساموا، والتي تقول أن الرجال المثليين يخصصون المزيد من الوقت لأبناء أختهم؛ فالأخت هنا حصلت على مُعدل خصوبة أعلى، وعلى اهتمام أكثر بالنسل الذي جاء منها.
وأعتقد أن الدراسة حول مستوى الخصوبة قد تساعدنا في التعرف على سلوك المثلي، هل هو سلوك جيني أم مكتسب؟ فالعديد من أسباب المثلية- وفقًا للدراسات (راجع: هنا، وهنا وهنا)- لم تكن أسبابًا وراثية، وهذا كذلك يدعم فكرة أنها لا تتأثر بالانتقاء الطبيعي في هذه الحالة، بالطبع إن استبعدنا احتمالية أنها تعزز بقاء الأفراد.
الخلاصة
- المثليون جنسيًّا لديهم أطفال، أو قادرون على إنجاب أطفال؛ فتوجه المثلية الجنسية لا يعني بالضرورة توقف النسل.
- تُشير الدراسات إلى أن المثلية لها سبب ما، عنصر وراثي، ولكن تظل معظم أسبابها غير جينية فلا يؤثر عليها الانتقاء.
- قد تكون الجينات المثلية مفيدة للمجتمعات، مثلما حدث في شمبانزي بونومو، وبالطبع التماسك الاجتماعي هو الوظيفية الرئيسية للجنس عند البشر.
- تُشير الدراسات إلى أن العوامل الوراثية المرتبطة بالمثلية الجنسية للرجال تعزز الخصوبة عند النساء من نفس العائلة.
- الدراسات المثليّة لا تُجرى على البشر وحسب، بل تشير الدراسات لوجودها عند مئات الأنواع الأخرى غير البشر.