كيف تساعد طفلاً يعاني من اضطراب القلق
عندما يكون القلق عائقًا يحول بين الطفل وأداء وظائفه الطبيعية فهنا يجب على الآباء أن يطلبوا المساعدة من المختصين بدلًا من تهيئة حياة الطفل لتجنب حالات القلق.
يُتَجاهل علاج اضطراب القلق غالبًا عندما يصاب به الأطفال، فهو يعد من أكثر مشاكل الصحة النفسية شيوعًا بين الأطفال والمراهقين على الرغم من توفر العلاجات الفعّالة. وقد لا يُلحظ القلق، ذلك أنه لا يعلن بالضرورة عن نفسه بسلوكيات لافتة للانتباه؛ فهناك أعراض تبقي بعض الأطفال في حالة هدوء وتثبيط . ولكن عند أطفال آخرين قد تفسر تصرفاتهم بوصفها سلوكيات معاكسة، وذلك وفقًا لتقرير جديد عن القلق عند الأطفال والمراهقين من معهد تشايلد مايند في نيويورك.
وقد يفترض البالغون أيضًا أن اضطراب القلق هو مجرد مرحلة في حياة الطفل ويجب تجاوزها، فهناك قدر معين من القلق يعدّ جانبًا طبيعيًا من نمو الأطفال مثل قلق الانفصال. كما أن القلق قد يكون وقائيًّا إذ لا بد للأطفال أن يحتاجوا إلى تعلم كيفية الحفاظ على سلامتهم وتوقّع أنواع معينة من الأذى. ولكن عندما يعرقل القلق أو تجنب التهديدات المحتملة أداء واستمتاع الطفل فيجب أن يكون ذلك إشارة للآباء إلى أن هناك حاجة ماسّة لتلقي المساعدة لا لتهيئة حياة الطفل لتجنب حالات القلق.
تقول كاثلين ميريكانجاس وهي كبيرة الباحثين ورئيسة فرع أبحاث علم الأوبئة الوراثية في المعهد الوطني للصحة النفسية: “بالنسبة لي، فإن القلق هو اضطراب لم يؤخذ بالجدية الكافية ولم يعطَ الاهتمام اللازم في مرحلة الطفولة والمراهقة”. وقالت كذلك إنه قد يُغفَل عن هؤلاء الأطفال لأنه يبدو عليهم أنهم طبيعيون ويؤدون وظائفهم الطبيعية ولا يعانون من المشاكل النمائية التي تسترعي الاهتمام في المدرسة بينما هم -في الحقيقة- يعانون.
لنلقي نظرة على التوتر والقلق الذي يصيب الطفل عندما يتحدث أمام زملائه في الفصل؛ قد يكون سبب سكوت الطفل وعدم مشاركته هو خوفه من سخرية زملائه أو من رفضه.
وقالت الدكتورة ميريكانجاس: إنه قد يبدو للمعلم أن هذا الطفل مقصِّر وغير مهتم لدراسته؛ وأن الحل الأمثل لمثل هذه المشاكل هو إعادة النظر في البيئة المحيطة واجراء التعديلات اللازمة التي من شأنها أن تساعد الطفل لكي يزدهر في دراسته؛ ويعد العمل في مجموعات صغيرة مع أطفال يعرفونهم مثالًا حيًا لهذه الممارسات.
ويلخص التقرير الجديد الذي صدر في سبتمبر الدليل على أن طباع الأطفال المبكرة تنبِئُنا بأنماط سلوكهم المستقبلية بما يخص القلق. إن الأطفال في سنوات الحبو الذين يظهرون بعض التصرفات المسماة بالمثبطة سلوكيًّا؛ التي من المرجح أن ينظر إليها الآباء على أنها خجل شديد أو قلق من الوجود حول أناس جدد؛ هم الأكثر عرضة للإصابة بالرهاب الاجتماعي فيما بعد.
كما أن النزعة نحو القلق أو أشكالٍ محددة منه -مثل الرهاب- قد يستمر طوال فترة الطفولة والمراهقة وحتّى مرحلة البلوغ. وقالت الدكتورة ميريكانجاس إن القلق يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالاكتئاب. وعلى الرغم من وجود تقارير تفيد بأن معدلات الإصابة بالقلق بين المراهقين الأمريكيين قد ارتفعت فقد استشهدت بأدلة على أن المعدلات الدولية للاضطرابات الأساسية ظلت ثابتة من عام 1998 إلى عام 2013. وقالت إنه لا يوجد “وباء” عالمي لاضطرابات القلق الإكلينيكية؛ ولكن مع ارتفاع معدلات الانتحار والتفكير فيه لا بد من تثقيف المدارس والآباء حول القلق ومساعدة الأطفال.
كما قال رئيس معهد تشايلد مايند هارولد كوبليوس إن إهمال اضطراب القلق دون علاج عند الأطفال قد يثبط حياتهم ويجعل الأنشطة اليومية في غاية الصعوبة منذ بداية اليوم عند الذهاب إلى المدرسة وحتى وقت النوم، كما يزيد فرصة زيارة الأطفال لممرضة المدرسة أو الطبيب.
وقال إن الناس يستهينون بخطورة هذا المرض وشبهه بالبوابة؛ فإن لم يحصل الأطفال في سن مبكرة على العناية المناسبة بهذه الاضطرابات قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بمشكلات الصحة النفسية الأخرى، وأن الطفل المصاب بقلق الانفصال قد يصاب أيضًا باضطراب الهلع، والطفل المصاب بالقلق العام أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب.
اقرأ أيضًا: 12 علامة تشير إلى احتمال إصابتك باضطراب القلق
كانت الدكتورة ميريكانجاس باحثة مشاركة في دراسة وطنية حول الاضطرابات العقلية لدى المراهقين، مما أظهر أن اضطرابات القلق هي أكثر أمراض الصحة النفسية شيوعًا بين المراهقين في الولايات المتحدة، وأيضًا المشكلات التي ظهرت مؤخرًا في حياتهم. كان متوسط عمر ظهور الاضطرابات على الأطفال هو 6 ولكن العديد من المراهقين لم يتلقوا أي علاج، مما يجعل من الضروري جدًا توعية الناس حول المرض. “لأن القلق يعد من أكثر الأعراض والمتلازمات قابلية للعلاج ويمكننا أيضًا تغيير حياتهم بأقل قدر من التدخُّل”. – ميريكانجاس
وقال الدكتور كوبلوفيتش: “إن هذه الاضطرابات قابلة للعلاج بشكل ملحوظ”، فهناك العديد من العلاجات السلوكية والنفسية الفعالة للغاية، بما في ذلك العلاجات السلوكية المعرفية لمساعدة الأطفال على مواجهة متطلبات الحياة اليومية. أما بالنسبة للأطفال الذين لا يستجيبون للعلاجات النفسية والسلوكية فيمكن إضافة الأدوية كعلاج.
يعتقد الآباء في كثير من الأحيان أن أعراض القلق الشديدة التي تعطّل الطفل عن وظائفه هي مجرد مرحلة من حياته؛ وذلك لأن القلق هو استجابة طبيعية للإنسان. وبالمتوسط، هناك تأخير لمدة عامين بين الوقت الذي يصاب به الطفل بالقلق والوقت الذي يتلقى فيه المساعدة. وقال الدكتور كوبلوفيتش: “إن عدم انتظام الحرارة في دماغ الانسان مضر جدًا للدماغ”.
كما قالت المديرة العليا لمركز اضطرابات القلق بمعهد تشايلد مايند (راشيل بوسمان): يمكن للقلق أن يظهر نفسه في مسار متواصل. ويبين التقرير أن هناك بعض التداخل مع الأمراض الجسدية مثل الصداع المزمن وآلام المعدة، وهي الطريقة التي يعبر فيها الطفل عن نفسه في المدرسة إذا كان يشعر بالقلق.
كما قالت الدكتورة بوسمان إنه عندما يدخل الطفل الذي يعاني من قلق الانفصال إلى الصف قد يبدأ في إلقاء الأشياء أو الجري والاختباء. وهذا السلوك السيئ قد يتمثل على شكل استجابة القتال أو الهروب. وقالت: “لقد رأينا أيضًا أطفالًا يعانون من الرهاب الاجتماعي الشديد وطريقتهم الجيدة للتعامل معه هو أن يصبحوا كالمهرجين في الفصل”.
إن معالجة الأطفال المصابين بالقلق دائمًا ما تتطلب العمل مع والديهم. وقد قال كبير الأطباء النفسيين إنه لمن الطبيعي أن يسعى الوالدان إلى معالجة ابنهم وتجنب المشاكل قبل حدوثها. وعادةً ما يتراجع الآباء عن مساعدة أطفالهم عندما يكبرون؛ مما يساعدهم على إيجاد حلول مشاكلهم بأنفسهم. ولكن الآباء القلقين بسبب قلق إبنائهم يظلون في وضع الاستعداد لمساعدة أطفالهم في كل شيء حتى يتجنبوا الوقوع في المشاكل التي تحفز القلق لديهم. ويتضمن العلاج تعريض الأطفال لتلك المواقف ومساعدتهم على تطوير استراتيجيات لإدارتها والتعامل معها.
وقال إنه من خلال هذا العلاج يمكن للوالدين أن يسمحوا للطفل بتجربة القلق وتعلم تحمله والتغلب عليه بمفردهم.
إذا رأيت أشياء غير مألوفة في طفلك، اسأل المسؤولين في الحضانة عن أي ملاحظات، واسأل طبيب الأطفال، وكن منفتحًا على إمكانية إصابة طفلك بالقلق. إن قلق الانفصال قد يكون مشكلة حتى للأطفال القادرين على الذهاب إلى المدرسة. كما يجب على الآباء الانتباه إذا كان لا يمكن ترك الطفل مع جليسة الأطفال، و كان لا يستطيع النوم في البيت وحده. فهؤلاء هم الأطفال الذين يذهبون إلى الحمام ويسألونك إذا ما زلت بالقرب منهم. فنحن هنا نرى أطفالًا مصابين بالقلق فعلًا.
إذا كان طفلك يعاني من الخلل الوظيفي فتواصل مع طبيب الأطفال الخاص بك. وعندما تصل إلى أخصائي الصحة العقلية، تأكد من طرح الأسئلة الصحيحة؛ بما في ذلك ما إذا كان هذا الشخص يمتلك الخبرة الكافية في علاج القلق، وعن الفترة الزمنية المتوقعة للعلاج. لـ”أنك بحاجة إلى محترف يفهم ما يفعله وقادر على شرحه لك”. _الدكتور كوبليفيتش.
نرشح لك: كيف يجعل القلق لحياتنا معنى؟
بقلم بيري كلاس، م.د. 1 أكتوبر 2018 https://www.nytimes.com/2018/10/01/well/family/how-to-help-a-child-with-an-anxiety-disorder.html