كافكا على الشاطيء : موراكامي الغارق في أحلامه
“ولحظة انتهاء العاصفة، لن تتذكر كيف نجوت منها ، لن تتذكر كيف تدبرت أمرك لتنجو، ولن تدرك هل انتهت العاصفة أم لا. ستكون متيقنا من أمر واحد فقط : حين تخرج من العاصفة، لن تعود الشخص نفسه الذي دخلها، ولهذا السبب وحده ، كانت العاصفه”
رواية كافكا على الشاطيء للكاتب الياباني هاروكي موراكامي، المنشورة عام 2002، الرواية في تفاصيلها ونهايتها وبعض أحداثها غامضة وغير مفهومة، حتى أن الكاتب استقبل 8 آلاف سؤال عبر الموقع الخاص بالرواية، أجاب منها على 1200 سؤال.
يقول “موراكامي” في حوار نادر له مع موقع bookbrows، حيث من المعروف عنه أنه منعزل وقليل الظهور، أن روايتة “كافكا على الشاطيء” مليئة بالألغازالتي ليس لها أجوبة، لكن يستطيع كل قارئ أن يحصل على إجابات مختلفة إذا جمع كل هذه الألغاز وتفاعل معها، سيجد أن الحل جزء من اللغز.
الرواية تدور أحداثها في اليابان ولها عدة أبطال، كافكا تامورا، فتى الخامسة عشرالذي قرر الهروب من المنزل لخلافات مع أبيه، ونكاتا، البطل الثاني، الذي وقعت لها حادثة أصبح بعدها “غبيًا” بحسب تعبيره المتكرر عن نفسه ، البطلان لم يعرفا بعضهما ولم يتقابلا أبدًا لكن صلة ما مخبأة أسفل سطور وذكريات نفهمها بعد أن نقطع صفحات عديدة في الرواية، هذه الصلة أن نكاتا قتل والد كافكا.
كافكا بالطبع ليس الإسم الحقيقي للبطل، لكنها رمزية يضعها موريكامي ضمن رمزيات متعددة يضعها في روايته التي يكتبها وهو غارق في أحلامه، أو يصممها بخياله في مكتبه المنعزل في حي أوياما بطوكيو، ربما كان كافكا رمزا للكوابيس لا الأحلام، ككل كتابات فرانز كافكا السيريالية المفعمة بالقلق والشعور بالذنب الذي يمتلئ به كافكا تامورا.
سئم الملك “لايوس” ملك طيبة من تأخر امرأته في الإنجاب، فذهب إلى أحد المعابد ليسأل عرافة هناك عن السبب أو الحل، لكن العرافة باغتته بنبوءة قاسية: يا لايوس سوف تنجب ابن يقتل أباه ويتزوج أمه، فقرر أن لا يقترب أبدا من زوجته خشية تحقق هذه النبوءة، لكنه في أحد الأيام التي كان مخمورًا فيها نقض عهده مع نفسه، وحملت زوجته وأنجبت ولدًا، أوديب، فأخه الملك وقيده بالأصفاد وأعطاه للحراس ليلقوه من أعلى الجبل، إلا أن الحراس أعطوه إلى أحد الرعاة ولم يقتلوه، وبعد أن شب “أوديب” قرر أن يهجر موطنه، فذهب إلى الطيبة، وفي الطريق اعترك مع رجل وقتله، كان هذا الرجل “لايوس” ثم تزوج أرملته!
من هذه الأسطورة استمد موراكامي خيطًا طويًلا تدور حوله الرواية، والد كافكا تامورا غذاه من صغره بهذه النبوءة: سوف تقتل أباك وتنام مع أمك وأختك. وهنا يأتي الجانب الأسوأ في الرواية، أو كتابات موريكامي عموما، المشاهد والأوصاف الجريئة، وإن كانت هذه الأوصاف ليست في محلها بل مقحمة وغير منطقية، فلنسمها إذن باسمها: إباحية.
لا نعرف ما هو تعريف موريكامي للإباحية، لكن ربما نعرف ما المعنى عنده لكلمة “رجل نبيل”؟ ففي حوار له مع موقع newyorker قال أنه كبر في السن، ويريد في الفترة المقبلة أن يكون رجلا نبيلا، وهو أمر ليس سهلا أن تجمع بين كونك روائي ورجل نبيل، إن الأمر يشبه سياسي يحاول أن يكون ترامب أو أوباما، لكن له تعريف للروائي النبيل: لا يتحدث عن ضريبة الدخل التي دفعها، لا يكتب عن صديقاته السابقات أو زوجاته السابقات، لا يفكر في جائزة نوبل للآداب!
موراكامي صاحب خليط الأضداد الذي يستطيع مزجه ببراعة؛ الغرابة والألفة، الحقيقة والأساطير، النفور والتعاطف، يضمن لك بين صفحاته متعة ومغامرة، ومعرفة كبيرة بالموسيقى والأدب، ستجد فلسفات جديدة للحياة، وزوايا مختلفة تنظر بها للأشياء، ستضيع في نهايات مفتوحة لا يعرف وألغاز لا يعرف إجاباتها سوى موريكامي نفسه، لكن لن تنجو من النفور، ربما، من مشاهده وأحلامه الجنسية.
مصادر: _رواية كافكا على الشاطيء. _ https://www.newyorker.com/culture/the-new-yorker-interview/the-underground-worlds-of-haruki-murakami https://www.bookbrowse.com/author_interviews/full/index.cfm?author_number=1103