في الحرية: المعتزلة الهيغيليِّون، أو هيغل معتزليًّا

تمهيد:
لئنْ كانت رغبةُ الإنسانِ لا تهفو إلى شيء أكثرَ مّما تهفو إلى الحرّية، لوجدتُ أنَّ الفكر الإنساني ما انفكَّ عن جعلِ الحرية موضوعًا لتفكيره وتأمُّلاته، ولوجدت أنَّ معظمَ من طمحتْ بهِ همَّته من الفلاسفة في التاريخ إلى إقامة نموذجٍ سامٍ لحياةِ الإنسان، ما استغنى عن الحرية كأساسٍ لهذا النموذج، فـ”الحياة لا تستحق أنْ تُعاش إلّا إذا كانت حرّة وعشناها بحرّية، إن الإنسان على وجه التحديد ليس سوى حرية، أو لا شيء” كما أقرَّ أدونيس (1).

بذلك تُألِّف الحرية بين أفهام وعقول البشر على نحوٍ فريد، فما تجد أوروبيًّا غربيًّا مفكّرًا في الموضوع إلّا وتجد شرقيًّا قد سبقه وخالطه في ذلك، سواءً أكان عربيًّا مُسلما أو غيره، دونَ أن يعنيَ السبقَ التاريخيّ لتفكيرِ الثاني في النازلة، إنّ الأول قد سرق فكْره، فأنْ يوجدَ الإنسان معناه أنْ يُدرك أنّه حُر كما قال سارتر. وهذا الإدراك في جعبة كلّ البشر وفي كلِّ الدّهور والأزمان، إذ يعبّرون عنه بأشكالٍ مختلفة من الفكر.

من ذلك تسقط دعوى سرقةُ الأوربيين من الشرقيين (مسلمين أو غيرهم) أصولَ بعضِ الأفكار الفلسفيّة والعلميّة، إذا حصل التشابه بين نسق فكر المتقدّمين والمحدّثين، كما هو شأنُ تقاطعاتِ أفكارهم حولَ الحُرّية، فأنْ يخلِّص عقلَ شخصينِ إلى نفسِ الرّأي لا يعني بالضَّرورة أنَّ أحدهما سرقَ فكر الآخر، بل يعكِسُ ذلك وحدة الفِكر البشري، ولا أعظم إفصاحًا على ذلك من عبارةِ العلّامة التونسي “الطاهر بن عاشور”، في تأليفته الشهيرة “تفسيرِ التحرير والتنوير” إذ قال:

“كم من كلام تُنشئه تجد قد سبقكَ إليه مُتكلم، وكم من فهم تستطْرِده، وقد تقدَّمك إليه مُتفهِّم”.

وبالتالي فإننا غير ميَّالين إلى ما يراه البعض من أسبقية المسلمين إلى أفكار مختلف التيارات الفلسفية الغربية؛ كالإشتراكية والليبرالية والوجودية وغيرهم، كما هو شأنُ المستشرق الرُّوسي “بندلي جوزي”، الذي اعتبرَ في كتابه “الحركاتُ الفكريّة في الإسلام” أنّ القرامطةَ جسّدوا حزبًا اشتراكيًّا شيوعيًّا لينينيًّا، قبل ظهور هذه الآيديولوجياتِ بكثير(2). على الضِّد من هذا الغِرار، فإن موقفنا هنا أبعد عن اتّهام هيغل باستسلاف أفكارِ المعتزلة، أو إدّعاء انتخابِ هؤلاء من آراءِ غيرهم ما يُقوّمون به فكرهم، وإنّما المُراد: الإشارةُ إلى جماليّة حرية التفكير في الحرية عند المسلمينَ وعند أندادهم من الأوربيين.

المُعتَزلةُ، وأمُّ القضايا الهيغيليّة:

لئن بحثتَ عن أكثر فرقةٍ رفعتْ علمَ الحُرّية في التُّراثِ الإسلاميّ، لوجدتَ دون ريبٍ أنّ تلك الفرقةَ هي المعتزلة، التي بسطتْ للحرية من المعروف -على الأقل فكريًّا ونظريًّا- ما يقصرُ عنه الّلسان، ويضيقُ عنه البيان، فهم عندَ غيرما مفكرٍ عربيٍّ وغربيّ أكثرَ ما تتجسَّد فيه عقلانيّة الإسلام ونزعتُه التحرُّرِيّة، فمثلًا يمثّل المعتزلةُ بالنسبةِ لعبد الله العرويّ أهمَّ “دعاةِ الفكرِ الحُرّ وأنصارِ العقلانيّة الخالصة”(3)، كيفَ لا وقد ظلّوا يُقيمون المناقشاتِ والمُجادلات في الذِّروة والغَارب، حولَ مُختلفِ المواضيعِ والشؤون التي ما كانت الحرية منفصلةً عنها، لذلك يرتفعُ العجبُ حول أَسْرِ المُعتزلة قلوبَ الفلاسفة والعلماء، إذا عُلم أنّ ما من شيء أقربُ لهؤلاء أكثر من الحرية، التي جعل منها المعتزلة أسمى صفة لله، وأرقى مَيزة مُنحت للإنسان من طرفِ الخالق(4)، إذ أدمجوا الحريّة في الأصل الثاني من أصولهم الخمس المعروفة، وهو أصلُ “العدل”، فحسبُهم ما من سبيل ليكونَ الإله عادلًا اتجاه الإنسان؛ إلا بمنحِ هذا الأخير الحرية، وعلى هذه الحرية يحاسبه، فهو مُكلّف من دونِ سائر المخلوقات فقط لأنّه حُرّ، وما إنْ تتهاوى حريته حتى يسقُط عنه التكليف، الذي مناطهُ الإختيار، شدد المعتزلة على هذا التأويل حتى لقبوا بـ”العَدلية”، خصوصًا وأنّهم ربطوا ذلك بالعقل بشكل قبليّ حتى عن ورود الشرع(5).

إعلان

فأنْ يعاقب الإله العبدَ على شيء أجبره عليه، إنّما ذلك مما لا يستريب في بطلانه عاقل، هكذا فالإنسان غير جمادٍ تجري عليه الأفعال، كما يجري الماء على الحجر، وإنما يختَّصُّ بإرادة الإختيار، بذلك يكونُ الله خالقٌ لعابده حصرًا لا خالق لأفعالهم، إنما هذه الأخيرة تقع مسؤولية اتخاذها على عاتق الإنسان تخصيصًا(6). بذلك يكونُ العظيم عند المعتزلة أنّ الله في تصوّرهم لمْ يجبر الإنسان على فعلِ الخير أو الشّر فقط، بل أودع فيه القدرة على فعلهما معًا(7)، بذلك يكون الخالق قد بثَّ في الإنسان “إرادة الحرية“، أي إرادة التمرُّد ضد الإجبار، التي بدونها لا يمكنُ التمييْز بين الخير والشّر.

أما في حُكمِ المنطق، فإن المعتزلة قد انطلقت من المقدمة البديهية التالية: لكلِّ معلولٍ علّة واحدة لا علَّتان، هكذا فإن مقتضى العقل: القول بأنَّ للفعل الإنساني أيضًا علّة واحدة، أي مقدورٌ واحد (7)، الذي لا يصحُّ أنْ يوزّع بين مقدورين (الله والإنسان في نفس الوقت)، وبالتالي فإنَّ فعلَ العبد مقدورٌ عليه، حيث يخرجه إلى الوجود بإرادته، ينتجُ عن هذا أنَّ الإنسانَ حُرٌّ مستقل، غير مجبورٍ بأي سلطانٍ غيرَ إرادته الذاتية.

ولعلّك مندهشٌ من كون هذا الموقف الجليل، كان مّما قد ارتفعت به عقيرةُ بعض المسلمين في القرون الوسطى، إذْ تتبيّن درجةَ العظمةِ التي سَمِقَ إليها خصوصًا إذا قارنّاه بمعاييرِ عصره، التي كانَ فيها اعتقاد الإنسان في ضعفه وإستعباده وصغره ضارب بأطنابه في العُقول والفُعول.

واضحٌ مما تقدم أنّ المعتزلة جعلوا من الله ليس مانحًا للحرية فقط؛ بل جعلوا منه أيضًا حارسًا وضامنًا لها، فلا حرية من دونِ وجود للإله، فدليلُ وجوده هو منحهُ الحريّة لمنْ أراد أن يكفر به، لولا ذلك لجعلَ الله كل الخلق مؤمنين به، إذا كان الواقعُ نقيضَ ذلك، فإنّما يدلُّ على أنّ ما غاية وجوده إلّا حراسةَ هذه الحريّة.

غيرَ أنَّ المعتزلة تضيفُ ضمانةً أخرى للحرية وهي “الدولة”، فإنعدام الدولة معناه شيوعُ الفوضى، ومتى علمنا أن وردة الحرية لا تُزهر إلا في بستانِ النظام، علمنا أن الدّولة التي تحفظُ النظام أساسُ حفظِ الحرية(9).

هيغل معتزليًّا:

بالانتقال إلى الفكر الأوربيّ، لا يمكن أنْ يجلوا عن عينِ باحث العمارة الفلسفية السامقة التي بناها هيغل فوق أساسِ الحرية، إلى حدِّ كون “الرّوح المطلق” في النظام الهيجيلي ليسَ شيئًا آخر غيرَ الذات، التي لم تُجعل كذلك سوى كونها موضوعًا متفردًا للحريّة، فغنيٌ عن البيانِ أنّ هيغل كانَ فيلسوفًا للتاريخِ بالأساس، فلم يستنتج من دراساته له، سوى أن التّاريخ سيرورةُ مُنطلقة من حالةِ الطبيعة منتقلةٌ إلى العبودية معرّجة إلى سلطان الحرية، إذ حسبه مستقبل الإنسان محكومٌ بحتميّة الحُرية.

ما من ناظرٍ في فلسفة هيغل إلا ويجدُ مدارها كله حولَ مفهومٍ وقيمةٍ واحدة هي: الحرية، فالرجل ما درسَ التاريخ إلا ليقفَ بشكل أساسيّ على كيف يتطوّر وعْي الإنسانِ بحرّيته وبذاته، ثم كيف يرتقي الوعي إلى الفِعل، وليسَ ذلك بغريبٍ عن الفلسفة المثاليّة التي ينتمي إليها صاحب “فينومينولوجيا الروح”، فهو سَليل زمرة من الفلاسفة الألمان الذين ما اشتغلوا بالفلسفة إلا لقاء فهم ثم توطيدُ أركان الحريّة في مجتمعاتهم، فهذا شيلينغ الصديق والأستاذ المُباشر لهيغل يقول:”إنَّ نسقي الفلسفي من بدايته إلى نهايته، إنّما هو تحليلِ لمفهومِ الحريّة”(10)، وعلى نفس المنوال ينسجُ تلميذه إذْ يؤكّد بـ: “إنَّ الحرية لهيَ مبتدئ ومنتهى الفلسفة”(11).

لقد كان هيغل مهتمًّا بالتفكير في شروطِ الانتقال إلى مجتمعٍ حديث، فأدركَ بأنّ إصلاحَ الإنسان أهمُّ هذه الشروط، فانتهى إلى أن أساس أي تغيرٍ حضاريّ يتجسّد في تحريرِ البشر(12)، وهو شرط تفتق إبداعاتهم، ومتى كان الإبداع ركنَ تقدمِ أيّ مجتمع، فإنّ الحرية شرطُ ازدهاره، ولا ينبغي هنا أنّ ينصرفَ فهمنا إلى الحرية العامة فقط، بل الحريّة الفرديّة كذلك إذ اعتبرَ الرّجل في “أصولِ فلسفة الحقّ”، أنّ أهمَّ إنجازٍ للحضارةِ الغربيّة هو خلقُ فضاءٍ خاصٍّ بالفردِ حصرًا، وهو فضاءُ حريّته الحميمة. وهو فضاءٌ لا يتحقَّقُ إلا داخل شيء لم تعرفه الحضاراتُ السابقة وقد ظهرلأول مرة في أوروبا، هو: المجتمعُ المدنيّ، هذا الفضاءُ الفردي الخاصّ،  هو ما يميّز بين المجتمع والدولة القديمين، ونظيرهم في الحداثة(13).

زيادة على ذلك فإنّ حتميّة تنظيمِ المجتمع تخلقُ الحاجة إلى القانون، ولتكليفِ النّاس بهِ وجبَ حسبَ هيغل تحريرهم، إذْ لا مسؤوليّة بدونِ حريّة، أي من دون إرادة فرديّة حرة. يقول الدكتور محمد الشيخ: “من المعلومِ أنّ مسألة الحريّة عند هيغل مرتبطةٌ أولًا وقبلَ كل شيء بمسألة [الإرادة]، فحيثما أمكن الحديثُ عن الإرادة، فاعلمْ أنّ ذلك وجه من أوجه الحريّة، أو لنقلْ إنّه طريقُ الحريّة” (14). من جهة أخرى النظام والحياة المشتركة يحتاجان إلى توفير حسٍّ أخلاقيّ لدى الأفراد، وهنا مرة أخرى لا يجد هيغل من سبيلٍ لتحسينِ أخلاقِ النّاس سوى بتحريرهم، فالعبيدُ أو الجماداتُ لا مقدرةَ لهم على التمييز بين الخير والشّر، فحتى تكون مناقبُ الإنسان ميمونةً، قمينٌ بسلوك الخير فيه أن ينبعُ من إرادته الحرّة الذاتيّة، لا أنْ يكون َمدفوعًا إليه دفعا من الخارج، وإلا جسّد سلوك الخير بهذه الطريقة “نفاقًا”، يقول هيغل: “إنّ الحاجة الداخليّة المُلحّة للإنسانِ هي أنْ يكونَ حُرًا، أي أنْ لا يتلقى من أحدٍ سواه قاعدة فعله”(15) سواءً كان هذا الفعل من طبيعة أخلاقيّة أو سياسيّة أو غيرها، هكذا فالأخلاق الصّادقة موجودة متى وُجدت إرادة فردّية حُرة أساسًا، ولعلّ هذا ما يذكر برأي المعتزلة الذي قضى بقصرِ التكليفِ الدينيّ على الفردِ المسلم الحُرّ.

أمّا الشرطُ الثالث لهذا الانتقال؛ فهو وجودٌ ثم إصلاح الدولة، وإصلاحها حسبه لا يتمُّ دون إصلاح “الدين”، فلو عدنا لمراجعة أحوال الحرية في التاريخ لوجدنا أنّ لم يكسف شمسها ولم يتعسف عليها أحدٌ أكثرَ من الدين والدولة، لذلك فإنّ إصلاحَ الدولة متضمّن في إصلاحِ المؤسسة السياسية الأهم، إذ أصرّ هيغل في موسوعةِ العلوم الفلسفيّة بأنّه: “لا إصلاحَ للدولة من دون إصلاحٍ للدين، فلن يفيد عقلنةُ القوانين بغير الإستغناءِ عن انعدام الحرية الذي يحكم الدين”(16)، وفي موضعٍ آخر قال: “لا بدَّ ألا ننسى أنّ الدين يمكن أن يتخذ شكلاً يؤدي إلى أقسا ضروبِ العبودية، التي يخضعُ فيها الإنسانُ إلى قيودِ الخُرافة، ويهبطُ إلى ما دون مستوى الحيوان”(17).

على الرّغم من أنَ هيغل يرى في الديّن محرّكًا للتقدُّم والحريّة، بل جائتْ المسيحيّة حسبَهُ في ظرفٍ تاريخيّ كي تجدّد هذه الهِّمة، بعد أن خفتت محرّكاتها في الثقافتين الفارسية والإغريقيّة والرومانيّة(18)، رغم ذلك فإن هيغل يميّز في الدين بين نوعين: “دين ذاتيّ” و “دين مُنزَّل”، أمّا الأول فإنه دين القلب وهو ما يلهم في الإنسان كل الأعمال الجليلة، إلى حدِّ أنّ هيغل ينسب إليه ابتكار أسمى الفنون والعلوم(19)، أما الثاني فإنه دينُ الثيولوجيا أو الدوغما La Dogme، وهو الذي يصفه هيغل بدينِ الطقوس، إنّه شكلٌ من دينٍ متجمّد على بعضِ الأوامر والفرائضِ والعبادات، وخالٍ من الرّوح التي أينما ذهبت قالت للحريّة تعالي معي، بذلك فإنه عندما يخلو الدين من هذه الروح يصبح كذلك خاليًا من الحرّية (20)، وأهمُّ ما يميّز ذلكَ؛ هو أنه يفرض على الإنسان قاعدةً تصرفه بشكل خارجي، يشرح ببراعة ذلك جون هيبوليت قائلا: “يقومُ الدين المنزّل على السيطرة، ويعاملُ الإنسان كطفلٍ، ليفرضَ عليه من الخارجِ ما ليس متضمِّنًا في مبادئ عقله”(21)، وهو تمييز في الدين نجد كل متفلسفةِ الحداثة قد أقاموه قبلَ تناولِ الدّين بالدّراسة والنَّظر، وأشهرهم جون جاك روسو الذي ميز بين “دينِ المواطن” و “دين الإنسان”، الأول دين دولة الكنيسة الذي يقوم على القهر والطغيان، أمّا الثاني فقد وسمه روسو بـ”الدّين المدني”، وهو دينُ الحرية والسّلم (22)، ليسَ من المستبعدِ أنْ يكون هيغل قد أخذ تقسيمه ذاك من الفيلسوف الفرنسي.

اعتبر هيغل أن السيّد المسيح لم يَثُرْ على شيء في اليهودية قدر ثورته ضدَّ تحويلها للدين إلى دين منزل يقوم على العبودية لكائن غير مرئي يحدد حياة الإنسان على أنه “قَدَرٌ” لا قدرة للإنسان بإحداث التغيير فيه، وهو ما يناقض الحرية على طول الخط، حيث “سلك شعب إسرائيل في تحرره مسلك العبوديّة” (23)، حسب هيغل المسيحيّة قامتْ من أجل استرداد هذه الحرية، عبر رفضِ خضوع الإنسان إلى سلطة خارجية، حيث تأسست ديانة المخلص على الأخلاق، لا على الوصايا، بل على إرادة الإنسان، إذ يستدل فيلسوفنا عن ذلك بقول المسيح: “كل عملٍ يصدرُ عن شريعة، وهذه الشريعة يجب أن تكون شريعتكم”(24).

غير أنه وللأسف قد هوت المسيحيّة كما هوت اليهوديّة قبلها [و الإسلامُ بعدهما] إلى الدّين المتكلّس المتجمّد على حروفِ ووصايا الكتب المقدسة، واستنكار وتكفير بل وتعنيف أي فصيلٍ في المجتمع يخالفُ السوَّاء الأرثودوكسي الذي تقرره دوغما الدين، إلى الحد الذي بعث هيغل على وصف المسيحية في القرن 17-18م بعد أن غرقت في لجج محيط الدين المنزّل، بأنَّها أصبحت:”دين خارجيّ لم يعد ينفُذ بما يكفي إلى أعماق نفوس المؤمنين”(25)، ويقصد هنا بالدين الخارجي ذلك الدّين الذي يفرضُ على الإنسان سلطة خارج ذاته تجرِّده من إرادته وحريته، تطور ذلك هو ما أصاب أوروبا كما يصفُ صاحبنا بـ”الهَرم”(26). من ذلك لم يرَ هيغل إمكانيّة ظهور لأوروبا جديدة، إلا بتجاوزِ الشّكل الذي انتهت إليه مسيحيّة الكنيسة، أي لنْ يحصلَ التجاوز إلا بـ”ثورةٍ روحيّة”، ذلك ما مثلته ثورة لوثر البروتستانتية، التي لم يفتر هيغل عن الدعوة إلى ضرورة إيصالها إلى مداها الأخير(27).

ولعلَّ المتأمل هنا يتعجب ويطير به الشعور بجماليّة الفهم، موجها إيّاه إلى إدراك أنّ ما رفضه هيغل في الثقافة الدينيّة هو عين ما رفضته المعتزلة قبله بأكثر من 800 سنة، فقد رفضَ هيغل بشدّة عقيدةَ القَدر التي تجرّد الإنسان من الإختيار والفعل الإرادي، وهو مّما لمْ تحمي معارضة المعتزلة لشيء أكثر منه، حتى سمُّوا بالقدريّة في أثر معارضتهم الشديدة لعقيدة الجبر والإكراه من مصدرٍ خارجَ الإنسان وهو الله، إذ لم يُبرءوا الله من شيء، أكثر من تبرأتهم له من جبر مخلوقاته على ما لا قِبَل لإرادتهم به. ثم إذا كان الفيلسوف الألماني قد رفض الدّين الذي يترأسُّ بنيانه فوق الوصايا لا فوق إرادةِ الإنسان، خصوصًا فيما هو أخلاقيّ، نجد أنّ المعتزلة قد سبقت إليه وأشارت إلى أن الخير والشّر، والحسنَ والقبيح يحددهما العقل وإرادة الإنسان قبل ورود وصايا الشرع، ما يعني أن تصرِف الإنسان اتجاه الخير والأخلاق انطلاقًا من تحديده الذّاتي، قائم حتى قبل تنزُّل المِلل والشرائِع، وإنْ جَرى إطلاقُ الأخلاق على المدلول الذي لا يناقضُ الدّين كما هو حاصلٌ في منظور المعتزلة، أكثر مّما هو لصيقٌ بفلسفة هيغل، بذلك تظهر إعتزاليّة هيغل، وهيغيلية المعتزلة، دون أنْ يأخذ أحدٌ عن أحدٌ بشكلٍ مباشر، إنّما القصد أنْ أيّ فكر صاحي إلا وينتهي رغم تباعد الأزمان وتغايرِ الأمكنة، إلى استنتاجات متقاربة بشكلٍ يثير الإعجاب.

أمّا من جهة الدّولة، فإنَّ أفق إصلاحها ليس إلا تحويلها إلى كيانٍ خالصٍ للحرية كذلك، يفسّر ذلك الأستاذ محمد الشيخ قائلا:”الحق أن الناظر في مدارِ القول عن الحياة الاجتماعيّة، في فكرِ هيغل السياسي، إنما يجده متعلّقاً بمسألةِ الحريّة، فسواءً نحن اعتبرنا الملكيّة أم الأسرة أم المجتمع المدنيّ أم الدولة، فإننا لا محالة متبيِّنين أنّ مدار الإختلاف بين القدامة والحداثة، إنّما تعلّق بالحريّة أساساً”(28)، فإذا علمنا أنّ الحرية حسب صاحب “العقل في التاريخ” لا تتحققُّ سوى في مجالٍ اجتماعي وسياسيّ مخصوصٍ لا في الفراغ ولا في المجتمع المتوحّش، فإن هذا المجال هو “الدولة”، علمنا أنَّ إصلاح هذه الأخيرة لنْ يكون غير تحييد لكلّ ما بشأنه أن يقيّد إرادة الأفراد الحُرّة، وتأسيس لهذه الغاية ضمانة سياسيّة، يقول هيغل:”إنّ غاية العقل المطلقة أنْ تتحقق الحرية، وإنّ غاية الحرية أنْ تحقق الدولة”(29).

يشرح ذلك الأستاذ إمام عبد الفتاح إمام، قائلا: “الحالة الطبيعية للإنسان ليست سوى حالة همجيّة تسودها الأهواء والإنفعالاتُ الوحشيّة حسب هيغل، ولهذا يغلبُ عليها الظلم والجورُ والعنف، ومن ثمّ فإنّ الحدّ من النزواتِ والمشاعر الأنانية ليس قيدًا على الحرية وإنّما هو شرطٌ لازمٌ للتحرُّر، ولهذا فإن المجتمع و[الدّولة] هما الشرطان الأساسيان لتحقيق الحريّة؛ لأن هذا التحقق يحتاج إلى القانون والاخلاق. معنى ذلك أن تحقق الحرية هو نهاية ـ لا بداية ـ للرّوح المٌطلق، وهي تتخذ الجانب الذاتي وسيلة لهذا التحقق، والصورة التي تتحقق فيها هي الدولة بوصفها الكل الأخلاقي، الذي يضم في آنٍ معًا الجانبَ الذاتي والجانب الموضوعيّ، إذْ أنّ نشاط الرّوح كله ليس له سوى هذه الغاية: أنْ تصبحَ الرّوح واعيةً بهذه الوحدة وهذا الوعي بالروح المُطلق” (30).

هكذا فإنَّ الحريّة ضروريّة لإصلاحِ الدولة، كما أنّ الدولة ضرورية لضبط الحريّة كي لا تنتهكَ أو تتحولَ إلى فوضى، ورُبَّ معترضٍ يقول: أن الدولة لها طابع إكراهيّ، وتسنُّ قوانين تفرِض على الفرد فرضًا، وتحجم مساحة حريته، بل هناك من خصَّها بالحق الحصريّ في ممارسة العنف، وسمّى ذلك [عنفًا مشروعًا] ، كما هو حالُ ماكس فيبر(31)، أَليسَ بذلك تكون الدولة خصيمًا للحرية، لا نصيرًا لها؟ في هذه الحالة وجب فهم الحريّة على الوجه الذي يفيد أنّها داخلةٌ لا خارجةٌ عما يحدده الإنسان وما يشرعه لنفسه من ظوابط وقوانين، إذ أن ذلك لا يناطحُ الحرية، بل هو عينها، فأن يحدد البشر ذاتيًّا و يشرِّعوا بأنفسهم قواعد أفعالهم، ويمتثلون إلى هذه القواعد، دون أن تحدد لهم قوانينهم من خارج ذواتهم، ذلك ما لا أبلغ منه عند هيغل مُجسّدا للحرية، فالطّواعية لا ينظر إليها الرّجل في مرحلة الخضوعِ لقانون الدولة، بل يَتنظَّر و يتحسَّس معالمها في مرحلةٍ سابقة، وهي: مرحلةُ التشريع أولًا للقانون، هل يتواضع المجتمع على سنه، أم يفرض عليهم من الخارج؟، لئن وجدت جماعة من البشر هم مشرِّعوا قوانينهم، جازَ لك الحكم عليهم بالحرية، وإن عرَض لك أنْ مررت بقوم يفرض عليهم القانون من خارج جماعتهم، علمتَ أنّ القوم ليسوا من الحرية في شيء.

إن أعمق شيءٍ في هذا المنظور المحرر للدول والمجتمعات، هو ما يثبته الواقع، لعلك واجد في المجتمعات التي يعتبر فيها القانون مقدسًا ويعتبر شريعةً للرّب، كم هي عويصة محالة تغيير القانون في هذه المجتمعات حتى وإن فسُد وعفتْ عنه الأزمان، وأرخَت عليه سدول التجاوز، ليس للإنسان تغيير القانون هنا لأن ليس هو من وضعه. ثم لك أن تشاهد أن المجتمعات التي فيها القانون محدد من طرف مؤسسات بَشرية، كم يسوغ ويسهل على هذه المجتمعات تغييرُ قوانينها بمرونةٍ مشهودة، وتطويرها من حسنٍ إلى أحسن. من ذلك يتبيَّن أن لا حرية للشعب الذي لا حق له في تغيير قواعد و قوانين حياته، وهو ما به يتخلف، أما الشعب الذي وعى أن لا حرية له من دون حقه في تعيين وسنِّ قواعد حياته، إنّما هو تخصيصًا الشعب الحرّ، الذي لا يعيقُ تحديد قوانينه ذاتيًّا مرونة تغير مجتمعاته وتقدم مؤسساته. وبه يتّضح لك الوجه الذي عليه أسسّ هيغل الحريّة مشروطةً بالدولة والقانون، لا في حلٍّ عنهما.

هيغل، المعتزلة، وعبد الله العروي:

ولعلك واجد في هذا العرض المقتضب، التقاطع الجميل بين أفكار المعتزلة وأفكار هيغل بشأنِ الحريّة، الفرق أنّ فلسفة المتقدّمين مرتبطة ارتباطًا عضويًّا بالدين، أما فلسفة الثاني فقد كانت أكثرَ استقلالًا عنه وأكثر علمانيّة، إلى حدّ أن الدولة عند هيغل تقابل الإله عند المعتزلة، فلم يجد الرجل حرجًا في ربط الحرية، بالدولة أكثر من ربطها بالإله، وهو ما لم يكن في إمكان المعتزلة في القرون الوسطى.

فإذا كانت المعتزلة قد اعتبرت الحرية مناط التكليفِ الشرعي، فإن هيغل قد اعتبرَ الحريّة شرطَ المسؤوليّة القانونيّة والسياسيّة، وإذا كانت المعتزلة قد عَدَّت الحريّة ركن القدرة على التمييز بين الخير والشّر، فإن الأخلاق عند هيغل لا أساس لها غير ضمير وإرادة الإنسانِ الحرّة، ثم إذا كان الفيلسوف الألماني قد جعل غاية الدولة تحقيق الحرية وحفظ نشاطها، فإن المعتزلة لم يجدوا حارسًا لها غير الدولة والشريعة كذلك.

بذلك تظهر وحدة الفكر الإنسانيّ حينما يفكر في الحرية، يبقى التغاير متمثّلًا فقط في تأسيس مشروعٍ سياسي اجتماعي على هذا الفكر، أو تهميشه، وهو ما بشأنه إما أن يساعد على التقدم، أو التخلف، فمتى علمت أنّ هيغل جزء لا يتجزّأ من مشروعِ ألمانيا الحضاريّ الحديث، علمتَ أحد أسباب نجاح هذا المشروع، ومتى علمت أيضًا أن أكثر ما همّشه العرب قديمًا وحديثًا هو فكر المعتزلة، علمت أحد أسباب تخلف القوم وانحطاطهم.

ليس ذلك فحسب، لك أن تلاحظ مَبعدَة تأثّر أكابر المفكّرين العرب بأفكار هيغل والمعتزلة، خصوصًا أخذهم عن هيغل، إذ نجدُ في المغرب مثلًا “عبد الله العروي” الذي ظلّ يحاولُ تشبيك الوعي العربي و فكرة [التاريخانيّة] في ظفيرةٍ واحدة على مدى أكثرَ من 40 سنة (32)، وتعني التاريخانية أنّ التاريخ تتدخل في صناعته ذواتٌ بشرية لا ميتافيزيقيّة، وعلى هذا الأساس جذَّر العروي فيما بعد كلّ مشروعه الفكريّ، إذ لا تخفى هيغيلية هذا الأساس، ولا تخفى أن أصول فكرة التاريخانيّة من نظمها فلسفيًّا على هذا القبيل في العصر الحديث ليس إلا هيغل، إضافةً إلى ذلك نجد أن هيغل قد رفع عَلم هذه الفكرة في سياق ضعف و انحطاط ألمانيا(33)، إذ أن فكرة التاريخانية تتيح إمكانيّة تجاوز مراحل التاريخ المتخلفة السابقة، وتعصم الوعي من آفة [العصر الذهبي]، فهذا الأخير يوجد في المستقبل لا في الماضي، وهو ما به حاولَ هيغل رفع همم الألمان من أجل تشييدِ عصرِ مجدٍ جديد، وتجاوز حالة الوهن التي كانت تعيشها بلاده في أواخر القرن 18م و بداية القرن 19م. بالمقابل لن نجد العروي ينادي سوى بنفس الفكر، وفي نفس سياق التخلف التي عرفته بلاده و أمّته بشكلٍ عام. بل إن فكرة العروي الشهيرة: “القطيعة مع التراث من أجل اللقاء معه مرة أخرى”، إنما جذرها هيغيليّ أصيل، يقول ليو ستراوس و جوسيف كروبسي شارحين الهيغيلية قائلين: “إنها [أي الهيغيلية] تعتبر لحظة انمحاءِ الدين هي نفسها لحظة تحققه” (34)، ولا يقصد الرجلين هنا بالدين سوى ثقافة دينية، وهي عينُ ما تناوله العروي كمرادف للـ”تراث”.

مما سبق يمكن القول بأن الفرق يبقى قائمًا بين هؤلاء الأعلام متجسّدًا في كون فلسفة هيغل قد اندمجت في المشروعِ الحضاريّ الألماني، بالمقابل بقي مشروع العروي رهينا للإكبار والإجلال، دون أن يتحوّل إلى مشروعٍ سياسي حضاريّ، من جهةٍ أخرى وجدت الفلسفة الهيغيليّة أتباعًا من كبارِ الفلاسفة، كفيورباخ و كارل ماركس، الذين دفعوا بها إلى مداها الأقصى، غير أنّ فلسفة المعتزلة للأسف لم تجدْ لها أتباعًا ولا مريدين، بل أقبرت و طمرت وأقبرت معها كل روحٍ فكريّة تحرريّة في تاريخِ المسلمين.

إحالات و مراجع:
(1) أدونيس، "غبار المدن بؤس التاريخ"، دار الساقي، بيروت 2015، ط1، ص 27.
(2) رشيد الخيون، "مذهب المعتزلة من الكلام إلى الفلسفة"، مدارك للنشر، الرياض 2015، ط3، ص 26.
(3) عبد الله العروي، "مفهوم الحرية"، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء- بيروت 2012، ط5، ص 103.
(4) ألبير نصير نادر، "فلسفة المعتزلة- فلاسفة الإسلام"، مطبعة دار نشر الثقافة، الإسكندرية 1950، ص 92-98.
(5) عبد الهادي الفضلي، "خلاصة علم الكلام"، دار المؤرخ العربي، بيروت 1993، ط2، ص 140.
(6) عبد الجبار الهمداني، "شرح الأصول"، تحقيق عبد الكريم عثمان، مكتبة وهبة، القاهرة 1965، ص 771.
(7) عبد الحكيم أجهر، "التشكلات المبكرة للفكر الإسلامي- دراسة في الأسس الأنطولوجية لعلم الكلام الإسلامي"، المركز الثقافي العربي، بيروت- الدار البيضاء 2005، ط1، ص 87.
(8) عبد الجبار الهمداني، "المُغني في أبواب التوحيد والعدل"، تحقيق علي النجار، الدار المصرية، القاهرة بدون تاريخ، ج 9، ص 14.
(9) فضل الله الزنجاني، "تاريخ علم الكلام في الإسلام"، مجمع البحوث الإسلامية، مشهد- إيران 1997، ط2، ص 105.
(10) «Lettre de Fichte à Jacobi», dans: Schelling, «Essai», trad. de l'allemand par S. Jankélévitch, Paris: Aubier-Mon- taigne, 1946. (Bibliothèque philosophique) pp. 13-14.
(11) «Lettre de Schelling à Hegel, 4 février 1795», dans: Georg Wilhelm Fricdrich Hegel, «Correspondance», Tome 1, traduit de l'allemand par Jean Carrère, Paris: Gallimard, 1990, p. 27.
(12) Hegel, «La philosophie de l’histoire», trad. par Myriam Bienenstock et autres, Paris, Librairie Générale Française, «La pochothèque», 2009, p 60.
(13) Franz Rosenzweig, «Hegel et l'Etat», trad. de l'allemand par Paul Laurent Assoun, Paris: Presses universitaires de France (PUF), 1991, (Philosophie d'aujourd'hui), pp 337- 338.
(14) محمد الشيخ، "فلسفة الحداثة في فكر هيغل"، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت 2008، ط1، ص. 312
(15) Jean Hyppolite, «Introduction à la philosophie de l'histoire de Hegel», Paris, Editions Du Seuil, 1983, p 44.
(16) Hegel, «Encyclopédie des sciences philosophiques», tome 3, Philosophie de l'esprit, traduit par B. Bourgeois, Paris: Vrin, 1988. (Bibliothèque des textes philosophiques), p 337.
(17) محمد الشيخ، "فلسفة الحداثة في فكر هيغل"، مرجع سابق، ص 309.
(18) Jean Hyppolite, «Introduction à la philosophie de l'histoire de Hegel», op.cit, p 38.
(19) المطران أنطون حميد موراني، "هيغل: كتابات الشباب"، دار الطليعة ، بيروت 2003، ط1، ص 130.
(20) Jean Hyppolite, op.cit, p 22- 23.
(21) Ibid, p 45.
(22) Jean Jacques Rousseau, «Du Contrat Social», Paris, les Classiques Universels, 2006, pp 168-169.
(23) Hegel, «L’esprit du christianisme et son destin», trad. Jacques Morin, Paris, Vrin 1971, pp 10- 11.
(24) المطران أنطون حميد موراني، "هيغل: كتابات الشباب"، مرجع سابق الذكر، ص 108.
(25) Hegel, «La philosophie de l’histoire», op.cit, p 491- 493.
(26) Ibid, p 184.
(27) Leo Stauss, et Joseph Cropsey, «Histoire de la philosophie politique», trad. De Olivier Sedeyn, Paris, PUF, 1994, pp 822-823.
(28) محمد الشيخ، "فلسفة الحداثة في فكر هيغل"، مرجع سابق، ص 311.
(29) هيغل، "أصول فلسفة الحق"، ترجمة إمام عبد الفتاح إمام، مكتبة مدبولي، القاهرة 1996، ط1، ص 258.
(30) هيغل، "العقل في التاريخ"، ترجمة إمام عبد الفتاح إمام، دار التنوير، بيروت 2007، ط3 ، ص 54.
(31) Max Weber, «Le Savant et Le Politique», trad. de l’allemand par Julien Freund, Préface de Raymond Aron, Paris, Librairie Plon, 1959, p 129.
(32) عبد الله العروي، "العرب والفكر التاريخي"، المركز الثقافي العربي، بيروت- الدار البيضاء 1998، ط 4، ص 91-92 كذلك 206-207.
(33) Jean-Claude Monod, «La querelle de la sécularisation de Hegel à Blumenberg», Paris, Vrin, 2002, p 46.
(34) Leo Stauss, et Joseph Cropsey, «Histoire de la philosophie politique», op. cit, p 823.

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: مهدي جعفر

تدقيق لغوي: رنا داود

اترك تعليقا