فيلم «Soul»: أن تفقد كل شئ لحظة تحقيق حلمك

الحلم والشغف للوصول لذلك الحلم هما الشيئان اللذان يُعطيان للحياة معنى حقيقي، أحيانًا يفني الإنسان حياته كلها في فعل أشياء لا يُحبها وفجأة يجد أن شريط العمر قد نفذ منه وهو لم يتذوق طعم النجاح الحقيقي، قد يكون عاش حياة ناجحة على المستوى العملي والمجتمعي، لكن على المستوى النفسي فقد فشل فشلًا ذريعًا.

الحبكة الرئيسية فيلم “Soul”:

قصة فيلم “Soul” تدور حول شخص عاشق لـ موسيقى الچاز، يُحب البيانو والعزف عليه بشدة، ينتظر حياته كلها لمجرد فرصة ولو صغيرة من أجل أن يعزف بطريقة احترافية، لكن وبعدما أخيرًا بلغ تلك الفرصة في يوم من الأيام يجد أن قطار العمر قد فاته، لندخل معه في رحلة فريدة من نوعها حول تقييم حياته وأولوياته بها بعد مماته.

لا تقلق عزيزي القارئ فهذا لا يُعتبر حرقًا لأحداث الفيلم على الإطلاق، فهذه هي حبكته الرئيسية التي ظهرت في إعلانه، من هنا سنبدأ خوض تجربة ممتعة وفريدة من نوعها، ستخرج منها وأنت سعيد وراض، وبداخلك العديد والعديد من التساؤلات عن حياتك.

مُعضلة الشغف

أهم جوانب قوة هذا الفيلم الرائع، هو تناوله لأحد المواضيع التي تؤرق نوم معظم الشباب اليوم، ألا وهو الشغف، سواء كان شخصًا على دراية تامة بشغفه وما يريد تحقيقه والصعوبات التي تواجهه في طريق ذلك، أو حتى الشخص الذي لم يُدرك بعد ما هو شغفه في هذه الحياة وأن إيجاد هذا الشغف لا يُعد بالأمر الهيّن على الإطلاق، بل إن هناك الكثير من الشباب الذين يُعانون من أجل معرفة غايتهم الحقيقية، ولذلك يعيشون هائمين في بحر من الضياع والإرهاق النفسي الشديد.

وهنا تأتي أحد جماليات هذا العمل الرائع، لأنه يتناول هذا المواضع ومواضيع أخرى عديدة وعميقة بطريقة ولا أجمل، يتحدث عن الأولويات في الحياة، والاستمتاع بها في المقام الأول، وكيفية الشعور بملذات الحياة كبيرها وصغيرها، حتى وإن كانت عبارة عن تناول قطعة بيتزا لذيذة بعد يوم شاق، مجرد الإحساس بطعمها داخلك بعد المجهود الذهني والجسدي الكبير خلال يومك كفيل أن يبُث بداخلك شعور كبير بالارتياح.

إعلان

يُعطينا الفيلم نظرة سوداوية وفي نفس الوقت فُكاهية تبعث على الضحك، وواقعية للغاية، نظرة عن كيف من الممكن للمرء أن يموت قبل موعد مماته الحقيقي.

الرسوم المُتحركة في فيلم soul

أكبر نقاط قوة الفيلم هو تناوله لمواضيع صعبة ومُعقدة للغاية لكن بطريقة سلسة وبسيطة يسهل فهمها، وكان للرسومات المُتحركة الدور الأكبر في إيصال تلك المواضيع الحساسة، الخيال الكبير في خروج الرسومات بهذه الصورة يجعلك تفكر كثيرًا في مدى العمق والإبداع الذي وصل إليه الصُناع، وإدراكهم التام أن هذا الفيلم لا يمكن إلا أن يكون فيلم رسوم متحركة حتى تصل أفكارهم للمشاهدين.

مجرد التطرق للحديث عن الحياة والموت ورحلة الأرواح من شأنه أن يبُث في النفس أفكار سوداوية وسلبية، لكن تناول الفيلم لها يجعلك تنظر للأمر من منظور كله بهجة وسعادة.

رسوم الشخصيات والمدن والشوارع جميل للغاية ويجعل المشاهد يشعر بالانتماء إليها، ستنظر لبطل القصة الرئيسي والأبطال المساعدين وحتمًا ستجد نفسك في أحدهم، أو حتى في أكثر من شخصية، ستشعر بالانتماء الشديد لما يفعله وكأنه أنت بالفعل.

دور الأداء الصوتي

اختيار الممثلين المؤدين للصوت في هذا الفيلم كان مُوفق للغاية من الصُناع ويعتبر أيضًا نقطة قوة كبيرة في إيصال المشاعر المختلفة، فبطلنا الرئيسي الذي يُجسده الممثل الرائع چايمي فوكس كان أفضل خيار، ففوكس قادر على أن يُعطيك الجانبين الكوميدي والدرامي، ويتنقل أيضًا بينهما بكل سلاسة ويُسر.

توقيت إطلاق الفيلم كان له الدور الأكبر في نجاحه بهذا الشكل، نهاية سنة 2020 وبداية عام جديد، نهاية السنة التي أرغمت الكثير من الناس على مراجعة أولوياتهم في الحياة، الفيلم يُعطيك فرصة للتطرق في التفكير بالمعنى الحقيقي للحياة مهما كان بسيط، عمل متكامل يُهدى لأي شخص يشعر بالضياع ويشعر بأنه يعيش بلا هدف ولا غاية، يعيش فقط من أجل تجاوز الأيام حتى تنتهي.  فيلم “Soul” يُعطيك فرصة من أجل أن ترتبط بروحك وتتعرف عليها.

كل يوم في حياة الإنسان مليء بالتحديات الصعبة التي تجعله لا يرغب في متابعة الطريق، لكن إذا سنحت له الفرصة لأن ينظر لكل شيء بعد نهايته من منظور آخر كيفما حدث مع بطلنا سيُدرك كم كبير من اللحظات السعيدة التي يعيشها ولم يكن يدرك حتى أنه عاشها.

تفاصيل دقيقة نعيشها كل يوم ولا ننتبه لها، بسبب الرغبة الشديدة في مواصلة السعي وراء الهدف، وبعدما يتحقق ذلك الهدف نكتشف أننا لم نعِش من الأساس.

أخيرًا لا يوجد شيء أختم به هذه المراجعة أفضل من اقتباس رائع من الفيلم:

“الحياة مليئة بالاحتمالات، عليك فقط الاستمرار في البحث عنها، لكن إياك أن تفقد الاستمتاع بالحياة”.

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: علاء عباس

تدقيق لغوي: أمينة براهيمي

تحرير/تنسيق: عمرو عدوي

اترك تعليقا