فؤاد حجاج: الأمل بهت في قلبي.. وحديث الصباح والمساء صدفة
سيد حجاب حبيب لقلبي.. والأبنودي أقدر موهبته العظيمة ولا أقدر تجربته الإنسانية
بدأ فؤاد حجاج مشواره الأدبي في أواخر الستينيات، أصدر ديوانه الأول عام 1971، وأثرى المكتبة العربية على مدار سنوات وسنوات، بالعديد من الدواوين، والمسلسلات الإذاعية، والكتب، والبرامج الشعرية، والمسرحيات وغيرها، إلا أن عمله الأكثر شعبية، والذي ربط اسمه بالجمهور إلى الأبد كان تتر البداية والنهاية لمسلسل “حديث الصباح والمساء” الذي عرض قبل 20 عامًا ولا تزال أصداؤه وجماهيريته حاضرة بقوة، كأن الأيام لم تمر، وكأن حلقاته قد كتبت أمس.. عن هذه الرحلة الطويلة، عن الشعر والأدب، وعن المشهد الثقافي، والحياة يتحدث الشاعر الكبير “فؤاد حجاج” لصحيفة أخبار الأدب المصرية الورقية، ويطلق نداءً إلى المستقبل.
بدأت كتابة الشعر في سن صغيرة.. فما الذي دفعك نحو هذا العالم؟
مصر كانت ولا تزال دافعي الأول نحو الكتابة، كانت هزيمة عام 1967 شديدة المرارة، وأردت أن أناجي الوطن، أن أبشر بانتصار قادم، خاصة مع مشاركتي في حرب الاستنزاف ضمن القوات التي بنت قواعد الصواريخ في السويس.
أنا بشكل عام يمكن أن أقسم شعري كله إلى قسمين رئيسيين، قسم أغني فيه للوطن دون انتظار أي عائد أو مكافأة، وقسم آخر أتأمل فيه الحياة وفلسفتها، تمامًا كما فعلت في حديث الصباح والمساء.
على ذكر حديث الصباح والمساء.. ألا يزعجك بعد كل هذه المسيرة الطويلة أن يكون اسمك مرتبطًا دائمًا بهذا العمل وحده؟
كان يزعجني في البداية بالفعل، لكني أدركت بعد ذلك، أن هذا العمل هو أيقونة مشواري التي كتبتها بالصدفة البحتة!
كيف ذلك؟
عرفني الكاتب الكبير محسن زايد بعد مشاهدته مسرحيتي “محاكمة شخصيات نجيب محفوظ“، أعجبته التجربة جدًا، وأخبرني برغبته في كتابة سيناريو لمسلسل مأخوذ عن رواية “حديث الصباح والمساء”، وبحكم الصداقة التي تكونت أخذ يرسل إلي حلقات المسلسل تباعًا لأبدي رأيي فيها أثناء الكتابة، هزتني الأحداث بشدة، فكتبت تتري البداية والنهاية دون أن يكلفني أحد بكتابة شيء، كتبت فقط لأني لم أستطع أن أتمالك نفسي أمام جمال السيناريو.
وماذا حدث بعدها؟
عرضت ما كتبت على محسن زايد، ولم أكن أتوقع الكثير، فكل مخرج مسلسل، أو فيلم كان لديه في هذا الوقت مجموعته التي لا يغيرها أبدًا من كتاب، ومغنيين وممثلين إلى آخره، ولم أكن أنتمي لأي مجموعة، إلا أن “زايد” أعجب بالكلمات بشدة، واعتبرها تلخيصًا وافيًا لكل أحداث المسلسل في أسطر قليلة، وأذكر أنه نقل لي لاحقًا ثناء الأستاذ “نجيب محفوظ” وإعجابه الشديد بما كتبت.
إذا خرجنا من عالم “حديث الصباح والمساء” إلى عالم الشعر الواسع.. فكيف تراه اليوم؟ أتقدم أم تأخر عن يوم بدأت أنت؟
ببساطة شديدة، الشعر يتأثر بفعل الظروف المحيطة، يزدهر في ظروف معينة، ويذبل في ظروف أخرى، ينتعش بالحرية، ويترمل إن فرضت عليه قيودًا، هذا هو المقياس لا مقياس الزمن.
الشعر يتأثر إذًا بما حوله –في نظرك-، وليس قائمًا بذاته كفن رفيع متعالٍ عن كل ما يحيط به كما يرى البعض؟
الشعر فن منحاز في تقديري، يتأثر بما حوله ويؤثر فيه، ولا أؤيد أبدًا وجهة النظر القائلة بمسألة الفن للفن، هذه نظرية استعلائية، تضع الشعراء في أبراج عاجية بعيدة عن الجمهور
البعض يرى بالفعل أن الشعر فن نخبوي لا يجب أن يكون في متناول الجميع.. فما رأيك؟
هذا قول خاطئ تماما في رأيي، إذا لم تكن لقمة العيش التي نأكلها فيها من الشعر شيء فهي ناقصة كثيرًا، الشعر هو لغة الناس، الشعر وصل لكل الطبقات، ولكل فئات المجتمع، خاصة على لسان شعراء العامية، أمثال فؤاد حداد، وسيد حجاب، وعبد الرحمن الأبنودي، وأحمد فؤاد نجم وغيرهم.
ما هي ذكريات فؤاد حجاج مع هؤلاء الشعراء؟
تصادقت مع جميع الشعراء الذين أحترمهم، زرت فؤاد حداد في منزله، وكان الجمهور يخلط بيننا لتشابه وقع الاسم، فأبدى إعجابه بأعمالي، وأهداني كتابه “الحمل الفلسطيني”، سيد حجاب كان من أقرب الناس لقلبي وفكري، عبد الرحمن الأبنودي أحببته على مدى 30 عامًا، لكن كان له مسلك خاص في حياته، لم أتفق معه فيه، فأنا أقدر للأبنودي موهبته العظيمة، ولا أقدر له تجربته الإنسانية، أما أحمد فؤاد نجم فهو فاجومي بحق، ومثال للفوضوي الكبير، اتفقنا على مواعيد كثيرة كان يخلفها، لكنه على المستوى الإنساني شخص محب ورجل عظيم، ابن وطنه فعلا، وأمضى عمره دفاعًا عن هذا الوطن.
وماذا عن المستقبل هل لديك خطط جديدة على المستوى الشخصي؟
مرضت منذ عدة سنوات بما يشبه الشلل، ومنعني هذا من الحركة، بعد أن كنت دائم التحرك والفعل في كل الأنشطة الثقافية، مع مرضي توقفت تماما عن الخروج من المنزل، ومن ثم يعطل هذا الكثير من الأمور، ويبعدني عن المشهد نسبيًا.
بين الأجيال الجديدة أهناك من الشعراء من أعجب فؤاد حجاج بموهبته؟
بالطبع هناك الكثير من الشعراء الموهوبين في الأجيال الجديدة، لا أريد أن أخص اسمًا بالذكر دون الآخر، أنا قريب من الجميع، أحمل سمعة جيدة بين هؤلاء الشباب، لأني كنت دقيقًا في كل حرف أكتبه عنهم، ولا أحب أن أذكر اليوم اسمًا فتكون شهادة، فيما بعد، أو قول يحسب علي، في حين يمكن أن يكون هذا الاسم مجرد اسم عابر حضر إلى ذهني أثناء الحديث.
تجربتك ثرية ومتنوعة للغاية.. دعنا نذهب للمسرح كيف تراه اليوم وقد قدمت له الكثير؟
كتبت للمسرح كثيرًا، سواء مسرحيات من تأليفي بالكامل، أو أشعار كُلفت بكتابتها، في كل مرة كنت أبشر بالمسرح، كنت أقول للناس المسرح قادم، لكنه لم يأت أبدًا وكنت مخطئًا في ذلك، ولم تكن نبوءتي صادقة، لظروف كثيرة أحاطت بالمسرح وزمن، وواقع تغير وعلينا الاعتراف بتغيره.
الأمل وقد تغنيت به كثيرًا، وذكرته في العديد من حواراتك السابقة.. هل ما زال قويًا في نفسك كما السابق؟
الأمل بهت في قلبي، لم يعد بقوته السابقة، الواقع سحق توقعاتي وآمالي بالكلية، لكني دائمًا ما أناشد الشباب، الأجيال الجديدة، ألا يفقدوا الأمل أبدًا، وإن كان بهت في قلبي أنا، فلا ينبغي أن يبهت في قلوبهم، أو أن يضعف، هذا هو ندائي وما أتمناه من الأجيال الجديدة.
قلت إن شعرك في قسم رئيسي منه كان عن الحياة وفلسفتها.. فما هي رؤيتك اليوم للحياة؟
الحياة جميلة جدًا، والإنسان هو من يصنع جمالها، وهو من يضحي بهذا الجمال، وعلى الشباب أن يتمسكوا بمعنى الحياة، أن يعمقوا هذا المعنى، أن يوصلوه للقاصي والداني، لأن هذا الإيمان بالمعنى، إيمان بالله سبحانه وتعالى، وإيمان بالقيم التي خلق من أجلها الدنيا، وعليه لا يجب أن يتوقف أحد أبدًا عن الحلم بحياة أفضل.
نقلًا عن جريدة أخبار الأدب