غزة ٢٠٢٠: كم هو من السهل على العالم أن يتجاهل الألم الفلسطيني
واحد من أبسط التمارين التي يمكنك تجربتها باستخدام متصفح البحث جوجل هو البحث عن عبارة “مقتل أسرة من ثمانية أفراد”، ستحصل على عدة خيارات – واحد في اوهايو مقاطعة بايك، وواحد في المكسيك، وآخر في كاليفورنيا مقاطعة ميندوسينو، ولكن يبدو أن ذاكرة متصفح جوجل الهائلة بدأت تعاني الخرف فيما يتعلق بما حصل في منطقة دير البلح في غزة قبل شهر واحد فقط.
فقط للتذكير، لأنك أنت قد تكون نسيت أيضًا، في 14 نوفمبر أسقط طيارًا إسرائيليًا قنبلة ج-دام التي يبلغ وزنها طن على مبنى كانت عائلة تتكون من ثمانية أفراد، 5 منهم أطفال و3 رُضّع، ترقد فيه.
في البداية، حاول الجيش الإسرائيلي أن يرفض تحمل مسؤلية قتل عائلة السواركة (التي توفي فرد آخر منها لاحقًا مُتأثرًا بجراحه ليصل المجموع إلى تسعة ضحايا)، مدعيّا الناطق باسم الجيش الاسرائيلي والمتحدث بالعربية أن المبنى كان عبارة عن مركز قيادة لوحدة إطلاق صواريخ الجهاد الإسلامي في وسط قطاع غزة.
لكن صحيفة هارتس كشفت أن هذا المنزل قد يكون مشبوهًا منذ عام على الأقل، لكن المعلومات الاستخباراتية استندت إلى الشائعات غير مكلفةً نفسها عناء التحقق بمن كان يعيش داخله، كان عليهم إسقاط القنبلة على أي حال.
إن الاستخبارات العسكرية التي كانت قادرة على تحديد وضرب أهداف متحركة مثل “بهاء أبو العطا”، القيادي في حركة الجهاد الإسلامي في شمال قطاع غزة، وعلى استهداف أكرم العجوري، عضو المكتب السياسي للحركة في دمشق، لم تكن قادرة في الوقت نفسه على معرفة قاطني مبنى بالٍ متهالك.
لا يلجأ الجيش الاسرائيلي للكذب، لأنه بكل الاحوال لا أحد يهتم، إذ لم يكن تبادل إطلاق الصواريخ في غزة ولا مقتل عائلة السواركة على الصفحات الأولى لجريدة “الجارديان” البريطانية أو صحيفتي “نيويورك تايمز” أو “واشنطن بوست” الأمريكيتين.
خطة التجويع الاسرائيلية لغزة
هذه هي غزة الآن: حصار وحشي لأشخاص منسيين يعيشون في ظروف تجعل الأمم المتحدة تتوقع أنه بحلول عام ٢٠٢٠ الذي لا تفصلنا عنه سوى أيام معدودة، ستكون غزة غير صالحة للسكن ولممارسة أبسط مقومات العيش، بالطبع بالمساهمة الفعالة والمتعمدة من الكيان الإسرائيلي.
من الخطأ القول إن وفاة عائلة السواركة قوبلت باللامبالاة في الكيان الاسرائيلي، حيث إن منافس بنيامين نتنياهو الوحيد لرئاسة الوزراء هو بيني جانتس، وعلى أي شخص في العواصم الغربية يأمل بدعم جانتس من أجل خطته للسلام ولمجرد أنه يتحدى نتنياهو أن يطالع سلسلة البرامج والفيديوهات للحملة الانتخابية التي أعلنها جانتس، قائد الجيش الإسرائيلي السابق، حول غزة.
يبدأ فيديو من هذه الفيديوهات بنوع من اللقطات التي كان يمكن لطائرة روسية التقاطها بعد قصف شرق حلب. حيث يشبه هذا الدمار مخلفات ناغازاكي ويستغرق الأمر بضع ثوان مزعجة ليدرك المشاهد أن هذه الصور المروعة هي احتفال بالتدمير، وليس اتهامًا لها.
تحمل هذه الفيديوهات رسائلًا باللغة العبرية لا لبس في أنها تطابق ما يعتبرونه في القانون الدولي جريمة حرب أُعادت أجزاء من غزة إلى العصور الحجرية، تشمل هذه الرسائل الفخر بتدمير ٦٢٣١ هدفًا و قتل ١٣٦٤ إرهابيًا وبهدنة لمدة 3 سنوات وأن البقاء للأقوى في الغابة التي تأتي فيها “إسرائيل” فوق كل شيء.
في هذا الموقف، لا يمكننا الإدعاء بأن اللامبالاة هي الكلمة الصحيحة لوصف مشاعر الجانب الاسرائيلي، إنما كلمة البهجة هي التي تصف الموقف بدقة.
يسبق ذلك، حصار الكيان الاسرائيلي لغزة الذي بدأ عندما تولت حماس السلطة في عام 2007. وكما قال الكاتب الإسرائيلي ميرون رابوبورت: ظل قادة “إسرائيل” يخفون منذ فترة طويلة أفكارًا للإبادة الجماعية حول ما يجب فعله مع هؤلاء الأفراد الذين يشكلون جزءًا لا بأس به من لاجئي 1948.
في عام 1967، أنشأ رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ليفي إشكول وحدة سكنية لتشجيع الفلسطينيين على الهجرة.
على وجه التحديد بسبب الحصار والحكم بالحبس المؤبد هناك، قد ينتقل العرب من قطاع غزة ربما “إذا لم نعطهم ما يسد الرمق من المياه فلن يكون لديهم خيار الا الرحيل بعد قحط البساتين وموتها” هذا ما اقترحه اشكول في محضر إجتماعات مجلس الوزراء عام 2017.
في عام 2006، قال دوف ويسجلاس، مستشار الحكومة الإسرائيلية: “الفكرة هي وضع الفلسطينيين تحت التجويع، دون جعلهم يموتون من الجوع”.
معبر رفح كصمام أمان
إن مرور الوقت لم يغير تلك الأفكار السابقة تجاه غزة، الفرق اليوم هو أن القادة الإسرائيليين لم يعودوا يشعرون بالحاجة إلى كتمان أفكارهم، فهم يفشونها بصوت عالٍ كما فعل جانتس دون أن يراودوا انفسهم بها سرًا كما كان رؤساء الوزراء الإسرائيليون يفعلون للتواصل مع حماس من خلال وسطاء من أجل صفقات تبادل الأسرى.
وقام توني بلير، المبعوث السابق للشرق الأوسط، بتقديم عرض دبلوماسي لحماس بإنشاء ميناء بحري ومطار مقابل إنهاء النزاع مع الكيان الاسرائيلي، لكن العرض لم يراوح مكانه.
على الطرف الآخر، عرضت حماس هدنة طويلة الأجل أو وقف لإطلاق النار وغيرت ميثاقها لتعكس تسوية قائمة على حدود فلسطين في ال1967. لكنها رفضت وقف العمل أو تسليم قواتها المسلحة على خلاف فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية اللتين وجدتا نفسهما على طريق التراجع والتناقض السياسي بعد الإعتراف بالكيان الاسرائيلي كدولة، الأمر الذي لا يخدم حماس وباقي فصائل المقاومة الاخرى في غزة.
طوال ذلك، كانت الخيارات التي تتراوح ما بين الحوار والتفاوض والحرب، مع مصالح الاطراف الأخرى في حصار غزة، واضحة تمامًا. في بعض الأحيان، كانت هذه الأطراف كاثوليكية أكثر من البابا في رغبتها لرؤية غزة وحماس في سلامٍ ما.
وتشكل مصر تحت الحكم العسكري لعبد الفتاح السيسي أحد هذه الأطراف.
في عام 2012، في ظل حكم الرئيس محمد مرسي، مر ما متوسطه 34 ألف شخص عبر معبر رفح كل شهر. في عام 2014، بعد وصول السيسي إلى السلطة، ظلت الحدود مع مصر مغلقة لمدة 241 يومًا. وبحلول 2015 تم إغلاقه لمدة 346 يومًا – ولم يفتح إلا لمدة 19 يومًا، لقد عمل السيسي على تشغيل المعبر الحدودي في رفح منفذًا سياسة إسرائيل نفسها.
المعبر هو ثقب الباب الذي بإغلاقه تمارس ضغطًا سياسيًا على حماس بحرمانها من تقديم الوصول إلى الرعاية الطبية المناسبة، أو بفتحه تخفف الضغط عن نزلاء هذا السجن العملاق.
والمتعاون الثالث في هذا الحصار هو السلطة الفلسطينية نفسها، وفقا لحماس، منذ أبريل 2007، خفضت السلطة الفلسطينية رواتب موظفيها في غزة، وأجبرت 30000 من موظفيها العامين على التقاعد المبكر، وقلصت عدد التصاريح الطبية لتلقي العلاج في الخارج، وقطعت الأدوية والإمدادات الطبية إلى جانب التخفيضات في الرواتب التي أصبحت امرًا مفروغ منه.
تجربة غير انسانية
لقد كان لهذا الحصار تأثيرًا مدمرًا على السكان في الداخل، تخيل كيف سيكون رد فعل المجتمع الدولي إذا كان معدل البطالة في هونغ كونغ أو نيويورك، وهما إقليمان آخران مزدحمان، 47%، ومعدل الفقر 53%، ومعدل وفيات الرضع 10.5 لكل 1000 شخص.
اعتاد المجتمع الدولي على إعفاء الكيان الاسرائيلي من أي مساءلة عن العقاب الجماعي والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، لكن النقطة المهمة التي لا يمكن تجاهلها هي اعتبار غزة وصمة عار إنسانية على ضمير العالم.
عن طريق الإهمال والتجاهل والتقصير، ساهمت جميع الحكومات الغربية بفعالية في بؤس هذه البقعة، جميعهم متواطئون بعمق في تجربة غير إنسانية تقوم على كيفية إبقاء أكثر من مليوني شخص على مستوى الكفاف الذي تعتبره الأمم المتحدة لا يطاق ولا يمكن تحمله، دون دفعهم إلى الموت الجماعي.
ما الذي يجب أن يحدث حتى يحل التغيير؟ إلى متى سنحذف، كما يقوم جوجل، غزة ولاجئيها ومعاناتها اليومية من الوعي الجماعي للعالم؟
نرشح لك: ميلاد المسيح وميلاد فلسطين: مقاربة ما
مصدر الترجمة https://www.middleeasteye.net/opinion/gaza-2020-un-report-history-forgotten-israel-blockade