على جَناحَيِّ إيلون ماسك
أمريكا في طريقها لإستعادة ريادتها الفضائية
عندما يصل رائدا الفضاء الأمريكيَّان بوب بينكن 49 عامًا، ودوغ هيرلي 53 عامًا، إلى محطَّةِ الفضاء الدَّوليَّةِ كما هو مُتوقَّعٌ خلال هذا الأسبوعِ، سيجدانِ طردًا غريبًا في انتظارهما، مغلفًا بلاستيكيًا يحتوي عَلَمًا أمريكيًا صغيرًا مرفقًا به رسالة مبهمة تقول: “حلَّقتُ على STS-1 و STS-135. ولا يتمُّ فتحُ الرِّسالةِ سوى من قبل طاقمٍ أُطلقَ من KSC”، هذا ليس لغزا بل إشارة تحمل معنى واضحًا، وإليكمُ التَّفسير:
أمَّا العَلَمُ فقد كان أوَّل عهده بالفضاء حين رافقَ روَّادَ الفضاء على مَتنِ أوَّل مُهمَّة لمكوّك الفضاء كولومبيا ( STS – 1 ) في عام 1981م، وفي عام 2011 عندما غادر المكوّك أتلانتيس محطَّة الفضاء في نهاية المُهمّة (S-135) والتّي أُسدِلَ السِّتارُ بعدَها على برنامج مكوك الفضاء والذَّي تجاوزَت تكلفتُه المُذهلَة – 200 مليار دولار أمريكي لـ 135 رحلة جويَّة – وحادثتَين مأساويَّتين تحطَّمَت خلالهما اثنتان من تلك المركبات تشالنجر وكولومبيا. أمَّا KSC فتعني ببساطةٍ مركزَ كينيدي للفضاء.
بنهاية مهمتهم استقل رواد الفضاء المكوك اتلانتيس، وغادروا محطة الفضاء الدولية، وبقي العلم والرسالة في انتظار رائد فضاء أمريكي يعيده إلى الأرض بشرط أن يصل إلي المحطة الدولية محمولا علي مركبة أمريكية، انتظار طال لما يقرب العقد من الزمان.
تسع سنوات عجاف
وهاهو الحُلُمُ على وشكِ التَّحققِ فبعد فجوةٍ استمرَّت تسعَ سنوات، اضطَّرَ خلالها روادُ الفضاء الأمريكيّون للصُّعود إلى محطَّة الفضاء في كبسولات الفضاء الرُّوسية الضَّيقة “سويوز“، يعود الرِّجالُ والنِّساءُ الأميركيون إلى الفضاء على جَناحَيّ الملياردير الجنوب إفريقيّ المثير للجدل دومًا إيلون ماسك، حيثُ تولَّت شركتُه space x مهمّة تقديمِ كلًا من سفينة الفضاء كرو دراغون ” Crew Dragon” التَّي ستنقلُ الرُّواد إلى محطَّة الفضاء الدَّوليَّة المحمولة على متن الصَّاروخ falcon 9، دُرَّة مُنتجاتِ space x والذَّي بهرَ العالَمَ بقدرتِه على الهُبوطِ على المنصَّات البحريَّة بعدَ إكمال مهامّه الفضائيَّة، وزيادة في الإبهار وربّما كعادتِه في الدّعايةِ لشركاتِه المُتعدّدة، ستتولَّى عملية نقل رائديّ الفضاء إلى موقع الإطلاق سيارةٌ رياضيَّةٌ من طراز X كهربائيَّةٌ بالكاملِ مُقدَّمةٌ من شركة Tesla الشَّقيقة لـ SpaceX.
وحتَّى تبدو المُهمَّةُ جيدةً تمامًا فقد تخلَّت ناسا عن الزّي البُرتقاليّ الفلوريّ في عَصْرِ مكوك الفضاء، وبدلًا من ذلك ، سيرتدي بينكن وهيرلي ملابسَ أنيقةً أحاديَّة اللَّون من قطعةٍ واحدةٍ ذات وزنٍ أخفَّ وأكثرَ قدرةً على المُناورة وأفضل مظهرًا بكثيرٍ، والتَّي بدورها تمَّ تصميمُها وتصنيعُها من قبل شركة الفضاء SpaceX.
ناسا في عصرها الجديد
لسنوات طويلة وقفت التَّحدياتُ الماديَّة عائقًا أساسيًا أمامَ عمليَّات إرسال البشر إلى الفضاء، وبالطَّبعِ لم ينظر البعضُ للأمرِ بوصفه عمليَّةً تجاريَّةً لكنَّه في حينها كان صراعًا على السّيادة في الفضاءِ خرجَ منه الإتحاد السوفيتيّ مُنهارًا، وبعدها بدأ دافعو الضّرائبِ في التَّذمرِ من النَّفقاتِ العالية لبرامجِ ناسا، وبدأ المسؤلون داخلَ وكالة الفضاء الأمريكيَّة في التَّفكيرِ خارجَ الصّندوق.
بدأت ناسا تنظرُ للأمرِ من زاويةٍ أُخرى، لم لا يتمُّ تشجيعُ القطَّاع الخاصّ على تطويرِ مركباتٍ فضائيَّة لنقل رواد الفضاء الأمريكيين إلى الفضاء؟ وهكذا شَهِدَ عَهدُ باراك أوباما بدايةَ الحقبةِ الجديدةِ لرحلاتِ الفضاء الأمريكيَّةِ ، والتَّي سعَت خلاها الحكومةُ الفيدراليَّةُ للحصولِ على وصولٍ أرخص وأكثر أمانًا وموثوقيَّة إلى المدار، ليسَ من خلال بناء وتشغيل أساطيل من سفن الفضاء والصَّواريخِ بشكل مُباشرٍ، بل من خلال إنفاق دولارات الضَّرائب على خدمات الإطلاق التَّي تقدِّمُها الشَّركاتُ الخاصَّةُ، وقد استندَت جميعُ برامج رحلاتِ الفضاءِ البشريَّة السَّابقة إلى أنظمةٍ تمَّ تطويرُها وامتلاكُها وإدارتُها من قبل وكالات الفضاء الحكومية. الآنَ، ومن خلال برنامج الطَّاقمِ التِّجاري – الذَّي يُعدُّ في حدِّ ذاتِه مُتابعةً لبرنامجِ خدمات النَّقلِ المداريّ التِّجاريّ الذَّي بدأ في مُنتصفِ العقدِ الأوَّل منَ القرن الحادي والعشرين – تقومُ وكالةُ ناسا بدلًا من ذلك بشراءِ المقاعد ومساحات التَّخزين على مَتن مركباتِ SpaceX، ويجبُ أن تُحرِّرَ هذه الاستراتيجيَّةُ الأموالَ للوكالةِ للإنفاقِ على مشاريعَ أُخرى – استكشاف الفضاء البعيد والبَعثات العلميَّة التَّحويليَّة – والتَّي لا تزالُ في الوقتِ الحاضرِ بعيدةً عن مُتناولِ الشَّركاتِ الخاصَّةِ.
أيلون ماسك صانعُ التَّاريخ
في البدايةِ، كانَ الجميعُ مُتَشكّكًا، لكنَّ أيلون ماسك تَحدَّى التَّوقعات – وتأمَّل يومَ الأربعاء في صُنعِ التَّاريخ من خلال نقل رائديّ فضاء من وكالة ناسا إلى الفضاِء،على مَتن مركبةٍ فضائيَّةٍ تابعةٍ لشركتِه space x وهي أوَّل رحلةٍ جويَّةٍ من الأراضي الأمريكيَّة منذُ تسع سنواتٍ طويلةٍ، الشَّراكة بين ناسا وspace x تعودُ إلى عام 2001 منَحَت خلاها ناسا أكثر من 3 مليارات دولار أمريكي للشَّركةِ النَّاشئةِ من خلال بناء المركبة الفضائيَّة.
ربَّما استغرقَ الأمرُ بعضَ الوقت لشركة SpaceX ، لتعلمَ كيفيَّة العملِ مع وكالة ناسا – والعكسُ صحيحٌ، لكنَّ هذه العلاقة تحسَّنت بشكلٍ كبيرٍ بعد أن انفجرَ صاروخُ فالكون 9 أثناءَ إطلاقِهِ في 28 يونيو/حزيران 2015م، ممّا أدَّى إلى تدميرِ سفينةِ شحنٍ مُتجهةٍ إلى محطّة الفضاءِ الدَّوليَّة، في أعقابِ هذه الحادثةِ ، سعَت سبيس إكس – ووجدَت – كَتفًا تقنيًّا قويًّا يمكنُ الاعتمادُ عليه في وكالة ناسا. ستكون لحظةً مُظفَّرةً لأمريكا وهي تدخلُ مرحلًة جديدًة في برنامجها الفضائيّ في سعيها لأخذِ زمامِ المُبادرةِ مُجددًا من وروسيا والصين، مُستَفيدَةً من مرونةِ قطَّاعِ الأعمال التِّجاريَّةِ، ولاسيما مع ظهور منافسين ل space xK K، ففي الوقت الذَّي تقومُ شركةُ بوينغ العملاقةُ لصناعةِ الطَّائراتِ ببناء سفينة الفضاء الخاصَّة بها، ستارلاينر، و تُخطّطُ أيضًا لنقلِ رواد الفضاء إلى محطَّةِ الفضاء، تَسعى شركاتٌ مثل بلو أوريجين، التَّي أسّسها الرَّئيسُ التَّنفيذيّ لشركةِ أمازون جيف بيزوس، وشركة فيرجين أوربت، التَّي أسَّسها ريتشارد برانسون، والعديدُ من الشَّركاتِ الأخرى، للفوزِ بنصيبِها من الكعكةِ الفضائيَّةِ.
من الأربعاء إلي السبت
“سنطلقُ روّاد فضاء أمريكيين على صواريخَ أمريكيّة من الأراضي الأمريكيَّة، سنفعلُ ذلك هنا في خِضَمّ جائحةِ الكورونا التَّي تَضرِبُ أمريكا والعالمَ، وسأقولُ لكم: إنَّ هذه مهمة ذات أولويَّة عاليةٍ للولايات المتَّحدةِ الأمريكيّةِ.” كانَ هذا تصريحًا لمديرِ ناسا “جيم بريدنستين” خلال مؤتمر صحفيّ تلفزيونيّ. وفي المَوعدِ المقرَّرِ،وبحضورِ الرَّئيس دونالد ترامب انتظرَ الجميعُ إنطلاقَ المَهمَّة ولكنْ قبل 17 دقيقة فقط من الإقلاعِ المُقرَّرِ له -يوم الأربعاء الماضي- أدَّى سوءُ الأحوالِ الجويَّةِ إلى تأجيلِ المَهمَّةِ إلى يوم السبت غدًا.
وإذا كانَ الجوّ مُناسبًا وسارَتِ الأمورُ على مايرام سيشاهدُ العالمُ كُلًا من: بينكين وهيرلي وهما يَقودان السَّفينةَ Crew Dragon التَّابعَةَ لسبيس إكس إلى المدارِ بعدَ إطلاقِها على صاروخ فالكون 9، ثمَّ الالتحام بالمحطّة الفضائيّة الدّولية، حيثُ يمكنُهما العيشُ لمدّةٍ تصلُ إلى 110 أيام قبلَ العودةِ إلى الأرض.
في النَّهايةِ ينظرُ الجميعُ إلى مَهمَّةِ السَّبتِ القادمِ باعتبارِها نقطة مفصليَّة في برنامج الفضاء الأمريكيّ في القرن الحادي والعشرين، مَهمّة يَعتبرُها رئيسُ ناسا “جيم بريدنستين” هي الخطوةُ الأخيرةُ في إثباتِ نجاحِ نموذجِ أعمالِ الشَّراكةِ بينَ القطّاعَين العامِّ والخاصِّ لخفضِ التَّكاليفِ، وكما صرَّحَ خلالَ مُؤتمرٍ صحفيّ عَقدَهُ مُؤخَّرًا: “سيُمكِّنُنا ذلك من الذَّهابِ مجددًا إلى القمر، ليسَ فقط مُجرَّد الذَّهاب والعودةِ لكن هدفُنَا القادمُ هو الاستقرارُ بشكلٍ مُستَدَامٍ على سطحِ القمرِ، حُلُمٌ ربّما يَتحقَّقُ بامتلاكنا أجهزةَ هُبوطٍ قابلةٍ لإعادةِ الاستخدامِ. في النّهايةِ ، سيبقى حُلُمنَا الأسمى هو الوصولُ إلى المرّيخِ”.
المصادر:
https://www.sciencealert.com/spacex-is-about-to-launch-two-astronauts-into-space-in-a-world-first
https://www.sciencealert.com/spacex-just-had-to-scrub-their-historic-launch-now-what