تعدّيت الثلاثين وما زلت أعزبًا.. إليك السبب
ماذا تقول نظرية الارتباط
أنا الآن في السادسة والثلاثين من عمري، سنوات طوال مرّت عليّ وأنا بمفردي وقد فشلَتْ كلّ محاولاتي لإقامة علاقة اجتماعية أو عاطفية، والآن عرفت لماذا.
لقد ظللتُ لفترة طويلة أعتقد أنّ فشلي في إقامة علاقة ناجحة يعود إلى أنني لم أجد الشخص المناسب، وقلت لنفسي أنه ما أن يأتي اليوم الذي أجد فيه ذلك الشخص حتى تبدأ رحلتي الممتعة في الحياة.
ومؤخرًا، قرأتُ عن نظرية الارتباط، وفجأة وجدتُني أدرك الحقيقة، المشكلة ليست في من حاولت الارتبـاط بهنّ، أنا نفسي المشكلة؛ أنا من النوع الذي يتجنّب البشر، وأنا الآن أعرف ما أفعله لكي أعيش جيدًا، كما يشرح مانون نظرية الارتباط والتي بدأ الحديث عنها في عام1950، ومن خلال العديد من الأبحاث حول هذه النظرية، تبيّن للباحثين أنّ الطريقة التي يحصل بها الرُضَّع على احتياجاتهم المادية والعاطفية من الآباء تحدِّد بشكل كبير الاستراتيجية التي سوف يتبعونها أثناء محاولة الارتباط مع الغير خلال الحياة، وبالتالي فإنّ نجاحك في إقامة العلاقات مستقبَلًا ونوع الأشخاص الذين تنجذب إليهم وكيف تكون ردود أفعالهم تجاهك، هو أمر يتعلق بطريقة التنشئة في الصغر والتي ينتج عنها ميل الأشخاص إلى اتّباع أحد أربعة أنماط، عند محاولاتهم إقامة علاقات مع غيرهم.
أنماط الارتبـاط الأربعة
– نمط الارتباط الآمن:
الأشخاص الذين يتبعون هذا النمط في إقامة العلاقات الاجتماعية يُحسّون بالراحة عندما يُظهِرون الاهتمام والعطف نحو غيرهم، ولكنهم في نفس الوقت يملكون القدرة على وضح حدود للعلاقة، وهم يملكون القدرة على تقبّل الرفض عندما يحدث، ويُظهِرون الولاء في الأوقات الصعبة.
ويمثّل الأشخاص المتمتّعون بهذه الصفة نصف عدد البشر تقريبًا، وهم أفضل الأشخاص الذين يمكن إقامة علاقة معهم.
الميل للارتباط الآمن ينمو لدى الأشخاص الذين ينالون احتياجاتهم في الطفولة بانتظام ويحظَون بقسط وافر من الحب والحنان.
– نمط الارتباط القَلِق
في هذا النوع من أنماط الارتباط يميل الأشخاص إلى الحصول على الطمأنينة المستمرّة والحنان من شركائهم، ولا يحسّون بالراحة في البقاء بمفردهم ودائمًا ما يستسلمون للعلاقات التعسّفية، ولديهم مشكلة في الثقة بشركائهم، ومنهم تلك الفتاة التي دومًا ما ترغب في تفحّص رسائل خطيبها والشخص الذي يتبع صديقته إلى العمل بدافع الشكّ في أنها ربما تواعد شخصًا آخر.
الارتباط القلق ينمو مبكرًا في الحياة عند الأطفال الذين لا يحصلون على الرعاية والحنان من الوالدين.
– نمط الارتباط التجنّبي
في هذا النمط من الارتـباط يعاني الأشخاص من مشاكل هائلة في الاتصال بالاخرين، ويتجنّبون دومًا الارتباطات الحميمة، هم أشخاص يميّزهم الشعور الدائم بالاختناق عند الاقتراب من الآخرين، ودومًا ما يبحثون عن مهرب من العلاقة، وهم دومًا ما يهيئون لأنفسهم حياة مستقلة، منهم ذلك الشخص الذي يقضي 80 ساعة في العمل، ويتبرّم عندما تطلب منه شريكة حياته قضاء وقت ممتع في الإجازة.
وهذا النوع من الارتباط يميز الأشخاص الذين لم يتمّ إشباع جميع حاجاتهم في الصِّغَر وربما تنشأ عند المراهقين الذين واجهوا صعوبات في الاندماج مع رفقائهم في مرحلة المراهقة.
– نمط الارتباط القلق التجنبي
هؤلاء الأشخاص لا يكتفون بمجرد التهرّب من العلاقات الاجتماعية والعاطفية، بل يمنعون الأشخاص من الاقتراب منهم، وغالبًا ما يقضون الأوقات بمفردهم، أو ينخرطون في علاقات فاشلة او تعسّفية، وطبقًا للدراسات يشكّل هؤلاء أقلية، وهم غالبًا قد تعرّضوا للأذى الجسدي أو العاطفي في الصّغر.
ماذا يحدث عندما يلتقي شخصان من أصحاب أنماط الارتباط المختلفة معًا؟
طبقًا لنظرية الارتباط، يؤدّي التقاء الأشخاص أصحاب النماط المختلفة في الارتباط إلى آثار ظاهرة على طبيعة العلاقة فيما بينهم؛ يمكن للأشخاص أصحاب نمط الارتبـاط الآمن إقامة علاقة مع أصحاب نمطَي الارتباط القلق والمتباعد، فهم قادرون بطبيعتهم على توفير جوّ الطمأنينة لأصحاب الارتباط القلق وأيضًا لديهم مهارة إعطاء المساحة الكافية لذوي الارتباط التجنّبي، حتى لا يشعروا بالتهديد الذي ينتابهم عند اقتراب الآخرين منهم.
ارتباط القلقين والمتباعدين يكون في معظم الأحيان تعسّفيًا ويتميّز بنوبات من المدّ والجزر؛ فالمتباعدون مهَرة في الانفصال عن الآخرين، وعندهم دومًا نقص في العاطفة مما يثير القلق عند شركائهم القلقين ويدفعهم دومًا إلى الحرص على الاقتراب أكثر وأكثر من الشريك الآخر في العلاقة، عمومًا ارتباط القلقين والتجنبيّين هو ارتباط يتميز بارتفاع درجة التوتر وغياب الثقة.
الأشخاص يتغيّرون
طبقًا لنظرية الارتـباط فإنّ الأشخاص يتغيرون بمرور الزمن، فالأشخاص الآمنون سوف يساعدون القلقين والمتباعدين على الارتقاء، ولكن أحيانًا ما يحدث العكس.
في النهاية أحبّ أن أقول أنني لا أعتقد أنّ هناك نظرية يمكن أن تصفني بدقة، أيضًا لا أرى نفسي كشخص معيب، كلّ ما في الأمر أنني أستخدم نظرية الارتباط كدليل يساعدني في إحداث بعض التغييرات في شخصيتي.
وكما أشار مانسون، كلّ شخص لديه عناصر من كلّ أنواع الارتباط ، لكننا ننتهي دوما بإظهار سلوك نوع واحد أكثر من الآخر ، أنا أعرف أنه لدي عناصر من نمط الارتباط الآمن مع لحظات من القلق، لكنّ حياتي التي قضيتها بمفردي يمكن تفسيرها عن طريق نوع ارتباط التجنّب في نظرية الارتباط.
في حالتي، قررتُ الشروع في رحلة لعلاج الجوانب في شخصيتي التي تدفعني إلى سلوك ارتباط التجنب.
لا أظن أنّني شخص سيّئ، ولا أعتقد أنّ هناك خطأ يتعلّق بي. ولكن مع ذلك، أفهم أنّ الحياة تعطينا دومًا الفرصة لنكون أشخاصًا أفضل، أنا أؤمن بأنّني قادر على تغيير ظروف حياتي، وأن أصبح شخصًا آمنًا أكثر في علاقاتي.