كيف نفكر بفعالية؟ ست مراحل من التفكير النقدي

وبوسع إطار التفكير النقدي الذي طوره علماء النفس ان يساعد في تعليم المهارات اللازمه لازماننا.

  • يقترح الباحثون ست مستوياتٍ للتفكير النقدي: التفكير النمطي، والتفكير المتحدي، والتفكير المبتدئ، والمتمرّس، والمتقدّم، وأخيراً التفكير الحذق.
  • وقد قام بتقسيم التفكير النقدي لتلك المستويات الباحثان بعلم النفس التربوي ليندا إدر وريتشارد بول.
  • ويعد اكتساب مهارات التفكير النقدي وتعلُّمها تحديًا بالغ الأهمية فى عصرنا.

لم يؤثر فيروس كورونا على الكثافة السكانية فحسب، بل إن انتشاره هاجم الحقيقة ذاتها وأثار التوترات المتأصلة بين العديد من المجموعات المختلفة من الناس، على الصعيدين المحلي والدولي على حد سواء؛ مما أدى إلى تفشي نظريات المؤامرة على نطاقٍ واسعٍ، وتشويش الحكومات.
لقد كان انتشار فايروس كورونا دليلًا حيًا على الحاجة إلى تعليم مهارات التفكير النقدي اللازمة للبقاء على قيد الحياة في القرن الحادي والعشرين. يمكن لنظرية مستويات تطور الفكر النقدي The Stage Theory التي قامت كُلٌ من “ليندا إيلدر” و”ريتشارد بول” بوضعها مساعدتَنا في قياس مدى تطور وتعقيد مناهجنا العقلية الحالية، وتقديم خريطةٍ لتفكير الآخرين.

لقد حدد الباحثون ست مستوياتٍ يمكن التنبؤ بها من التفكير النقدي، بدايةً من المستويات الأقل عمقًا ومجهودًا ذهنيًا إلى مستويات متقدمة من سيادة العقل، وتعتبر هذه المرحلة هي أعلى مستوى التفكير. وكما كتب العلماء، فإن المُضِيَّ قدمًا في هذا الهرم الفكري «يعتمد على مستوًى ضروريٍّ من الالتزام من جانب الفرد لتطويره كمفكرٍ ناقد». فاستخدام عقلك بفعاليةٍ أكبر ليس تلقائيًا و من غير المرجح أن يحدث دونَ وعي، وبعبارةٍ أخرى يجب عليك القيام بالعمل، والاستمرار في ذلك، وإلا ستخسر هذه الصلاحية.

إليكم  هيكل التطور في التفكير:

المرحلة الأولى: المفكر النمطي

لا يعبأ المفكرون النمطيون بالتفكير وتأثيره على حياتهم؛ فيشكِّلون الآراء ويتخذون القرارات بناءً على الأحكام المسبقة والمفاهيم الخاطئة، مما يجعل تفكيرهم عاجزًا عن التطور.
ويفتقر المفكرون من هذا النوع إلى المهارات اللازمة التي تسمح لهم بتحليل أنماط تفكيرهم، كما أنهم لا يطبقون معاييرَ مثل الدقة ووضوح التفكير واتساقه منطقيًا.

كم يبلغ عدد هؤلاء؟ يمكنك التخمين بناءً على تعليقات وسائل التواصل الاجتماعي، وكما كتب إلدر وبولس “من الممكن جدا أن يتخرج التلاميذ من  الثانوية، أو حتى من الجامعة، ولا يزال تفكيرهم لم يتخطَ مرحلة النمطية إلى حد كبير”.

المرحلة الثانية: المفكر المتحدي

ويدرك هذا المستوى من المفكرين أهمية التفكير في وجودهم ويعرف أن أوجه القصور في التفكير يمكن أن تؤدي إلى قضايا رئيسة.
وكما يوضح الاختصاصيون في علم النفس: لحل مشكلة ما، يجب عليك أولًا الاعتراف بأن لديك مشكلة، ويبدأ الناس في هذه المرحلة الفكرية يفهمون أن “التفكير السليم يتطلب وعيًا وتأملًا”، ويمكنهم أن يعترفوا بأن عملياتهم العقلية قد تنطوي على العديد من العيوب، ومع ذلك قد لا يتمكنون من تحديد كل العيوب.

إعلان

قد يشعر المفكر المحلل بأن التفكير القوي يتطلب التعامل مع الافتراضات والاستدلالات ووجهات النظر، ولكن فقط على المستوى الأولي، وقد يتمكنون أيضًا من اكتشاف بعض حالات خداعهم الذاتي. وأوضح الباحثون أن الصعوبة الحقيقية التي يواجهها مفكرو هذه الفئة هي “الاعتقاد بأن تفكيرهم أفضل مما هو عليه فعليًا، مما يزيد من صعوبة التعرف على المشاكل المتأصلة في التفكير”.

المرحلة الثالثة: المفكر المبتدئ

يمكن للمفكرين على هذا المستوى أن يتجاوزوا التواضع الفكري الوليد، وأن يتطلعوا بنشاطٍ للسيطرة على تفكيرهم في مختلف مجالات حياتهم، وهم يعرفون أن تفكيرهم يمكن أن تكون له نقاطٌ عمياء ومشاكل أخرى، ويتخذون خطواتٍ لمعالجتها، ولكن بصفة محدودة.

إن المفكرين المبتدئين يضفون قيمةً أكبرَ للعقل؛ فيصيرون مدركين لذاتهم في أفكارهم، وقد يتمكنون أيضًا من البدء في النظر في المفاهيم والتحيزات الكامنة وراء أفكارهم. وبالإضافة إلى ذلك، يطور هؤلاء المفكرون معاييرَ داخليةً أعلى من حيث الوضوح والدقة والمنطق، مدركين أن ذاتهم تلعب دورًا رئيسًا في قراراتهم.
هناك جانبٌ كبيرٌ آخر يميز هذا النوع، وهو القدرة على تقبل الانتقاد لنمطهم الذهني، على الرغم من أنه ما زال لديهم للقيام به، وقد يفتقرون إلى الحلول الواضحة الكافية للقضايا التي يطرحونها.

المرحلة الرابعة: المفكر المتدرب/الممارس

هذا النوع من المفكرين الأكثر خبرة، حيث أنهم لا يقدِّرون أوجه القصور الخاصة بهم فحسب، بل ويملكون المهارات اللازمة للتعامل معها. والمفكر على هذا المستوى سيمارس عادات تفكيرٍ أفضل، ويحلل عملياته العقلية بشكل منتظم. وفي حين أنهم قد يكونون قادرين على التعبير عن نقاطِ قوةِ عقلهم وضعفه، قد لا يكون لدى المفكرين الممارسين طريقةٌ منهجيةٌ للحصول على نظرةٍ ثاقبةٍ لأفكارهم، وقد يقعون فريسةً للتفكير الأنانيِّ والمضلل.

كيف تصل إلى هذه المرحلة؟ يقول الأخصائيون في علم النفس: إن إحدى الميزات التى يجب اكتسابها “المثابرة الفكرية”، وهذه الصفة يمكن أن تزوِّد “الحافز لتطوير خطةٍ واقعيةٍ للممارسة المنهجية (بغية التحكم أكثر في تفكير المرء)”.

*شرح إليدر وبوليس: “يجب أن نعلِّم بطريقةٍ يفهم بها الطلاب القوةَ الكامنةَ في معرفتهم أنه ليس أمام البشر من خيارٍ سوى استخدامِ بعض الهياكل الفكرية التي يمكن التنبؤ بها كلما حلَّل العقل، ذلك التفكير تدفعه لا محالة الأسئلة، وأننا نسعى إلى الإجابة على الأسئلة لسبب ما، وأننا نحتاج إلى معلومات، وأننا لكي نستخدم المعلومات يجب أن نفسرها (أي من خلال الاستدلالات)، وأن استدلالاتنا بدورها مبنيَّةٌ على افتراضات، ولها تداعيات، وكل ذلك ينطوي على أفكارٍ أو مفاهيمَ في إطار وجهة نظر معينة”.

المرحلة الخامسة: المفكر المتقدم

لا يصل المرء عادةً إلى هذه المرحلة حتى بعد اجتياز المرحلة الجامعية حسب تقدير العلماء. إن هذا المفكر الرفيع المستوى لديه عاداتٌ قويةٌ تمكِّنه من تحليل تفكيره ببصيرةٍ في مختلف مجالات الحياة. وسيكونون منصفين وقادرين على تمييز الجوانب المتحيِّزة في وجهات نظر الآخرين وفهمهم، ورغم أنهم قد يستوعبون الدور الذي يلعبه غرورهم في تدفق الأفكار، فإن مثل هؤلاء المفكرين ربما ما زالوا غير قادرين على استيعاب كل التأثيرات التي تؤثر على عقليتهم.

ويشعر المفكر المتقدم بالارتياح إزاء النقد الذاتي، وهو يفعل ذلك بشكلٍ منهجيٍّ وهو يتطلَّع إلى التحسن.
ومن بين السمات الرئيسة المطلوبة لهذا المستوى “البصيرة الفكرية” لتطوير عادات فكرية جديدة، و”النزاهة الفكرية” للتعرف على مجالات عدم الاتساق والتناقض في حياة المرء، و”التعاطف الفكري” لوضع نفسه مكانَ الآخرين من أجل صدق فهمهم، و”الشجاعة الفكرية” لمواجهة الأفكار والمعتقدات التي لا يؤمنون بها بالضرورة والتي تنتابهم مشاعر سلبية تجاهها.

المرحلة السادسة: المفكر الماهر/الحذق

وهذا هو المفكر الخارق، الذي يتحكم تمامًا في كيفية معالجة المعلومات واتخاذ القرارات؛ فهؤلاء الأشخاص يسعون باستمرارٍ إلى تحسين مهاراتهم الفكرية، ومن خلال التجربة “يرفعون تفكيرهم بانتظام إلى مستوى الإدراك الواعي”.

يحقق المفكر الماهر رؤًى ثاقبةً عظيمةً في المستويات الذهنية العميقة، وملتزمًا بقوةٍ بالنزاهة والإنصاف والسيطرة على أنانيته. ويبدي مثلُ هذا المفكر الرفيع المستوى أيضًا قدرًا متفوقًا من المعرفة العملية والبصيرة، فيعيد دومًا دراسة افتراضاته؛ بحثًا عن نقاط الضعف والمنطق والتحيزات. وبطبيعة الحال لا ينزعج المفكر البارع من مواجهته فكريًا وينفق قدرًا كبيرًا من الوقت في تحليل ردوده الخاصة.

* كتب الباحثون: “لماذا هذا مهمٌّ للغاية؟ لأن العقل البشري إذا ترك لشأنه سيسعى وراء ما هو سهلٌ فورًا، وما هو مريح، وما يخدم مصالحه الأنانية، وفي الوقت نفسه يقاوم بشكلٍ طبيعيٍّ ما يصعب فهمه وما ينطوي على التعقيد، ما يتطلب الدخول في تفكير الآخرين ومآزقهم”.

إذن، كيف تصبح مفكرًا بارعًا؟ يعتقد علماء النفس أن معظم الطلاب لن يصلوا إلى هناك، ولكنَّ حياةً طويلةً من ممارسة أفضل الصفات الفكرية يمكن أن توصلك إلى النقطة التي عندها “يبحث ذوو العقل السليم عن المفكرين البارعين؛ لأنهم يدركون ويقدِّرون قدرة المفكرين البارعين على التفكير في القضايا المعقدة بحكمة وبصيرة”.

 – لا يمكن المبالغة في أهمية التفكير النقدي في حياتنا اليومية، وخاصةً في هذه الأوقات المربِكة التى تزخر بمعلوماتٍ سريعة، ومضلِّلةٍ في كثيرٍ من الأحيان؛ فالقرارات التي نتخذها اليوم يمكن أن تكون حقًا حياةً أو موتًا..

نرشح لك: التفكير النقدي وهدم التابوات. الدين، السياسة، الجنس.

المصدر

إعلان

فريق الإعداد

تدقيق لغوي: رنا داود

تدقيق علمي: ريهام عطية

ترجمة: نورهان سيد ثابت

تحرير/تنسيق: نهال أسامة

اترك تعليقا