أكثر الروايات العربية السياسية تشويقًا
الأدب مرايا، ترى فيها الشعوب نفسها، فتجمّل نفسها بنظراتها وتحسّن من مظهرها ولياقتها أكثر فأكثر، ولكنّ شعوبنا تمتاز أنها تقوم بتحطيم المرايا، وقتل من صنعها؛ من طه حسين وإحسان عبدالقدوس، إلى حيدر حيدر ويوسف زيدان، مرورًا بنجيب محفوظ ويوسف السباعي، كل هؤلاء قد كُفروا أو مُنعت أعمالهم من النشر -مما جذب القُراء أكثر فأكثر إليهم- أو حاول البعض اغتيالهم.
نضع هنا روايات سياسية عربية شيقة يجب عليك قراءتها.
عبد القادر بن الحاج نصر: الزيتون لا يموت
واحدة من أكثر الروايات المشوقة التي قرأتها حتى اليوم، أنهيتها كلها في جلسه واحده فقط، تحكي الرواية تاريخ الكفاح العظيم للشعب التونسي ضد الاستعمار الفرنسي، وتحديدًا الهبّة الشعبية التي حدثت عام 1938، وذلك من خلال رجل كادح يعمل إسكافيًا، ويتعرض لملاحقة جنود الاستعمار لأنه ينتمي لمن يكافحون لأجل استقلال الوطن، وبعد أن ينزل للعاصمة يلتقي بشاب من شباب الحركة الوطنية، يأخذه معه إلى المظاهرات والاحتجاجات ويكلفه بكتابة الشعارات المعادية للاحتلال على جدران البيوت، وفي النهاية يقع في قبضة سلطة الاحتلال وهو يصرخ في وجوههم ويقول لهم أنه لن يموت، وأتذكر أحد المشاهد في الرواية الذي كدت أن أبكي فيه، عندما قام الجنود بجرّ الإسكافي على جسده، إلى أن تحول جسده لمكنسة للبلدية.
ولكنه يستمر في النضال ويكتب على الجدران: أيها الاستعمار .. ما أجمل أن أرى رأسك الخامج مصلوبًا على خشبة، مرميًا في صندوق القمامة، أيها الاستعمار، سآخذ سكينًا وأخدش بها وجهك، سأبدأ بجذع أنفك، ثم شفتك العليا، ثم أقشر وجنتيك كما أقشر البطاطا .. أيها الاستعمار.. إنك قبيح، كذَنَب الكلب، ثقيل كساق الفيل، حقود كالجمل.
وكذلك هذا المشهد بين الجندي والمناضل التونسي:
-إنا سنعدمك، اقترب من هذا العمود، اتكئ عليه.. إنك ستموت.
-إنني لن أموت.
-إن الرصاص سيخترق صدرك.
-إنني لن أموت
-إننا سنهيل عليك التراب
-مع ذلك فلن أموت
-ستبقى دائمًا تحت التراب
-سأظل حيًا
-سيتعفن هذا اللحم.. وستنطلق منك رائحة.
-أنا لن أموت.. لن أموت!
حيدر حيدر: وليمة لأعشاب البحر
يبدأ حيدر حيدر روايته باقتباس عن “هرمان مليفل” يقول: وأنا الصياد الذي لا يرتاح أبدًا، الصياد الذي لا وطن له، والتي أقصدها ما تزال أمامي، وأنا سأتبعها، مع أنها قادتني إلى ما وراء الخيال، عبر بحار بلا شموس، داخل الليل والموت. وتحكي الرواية عن مجدي الجواد وصديقه مهيار الباهلي، اللذين كانا ينتميان إلى تنظيم شيوعي يشنّ حرب عصابات ضد النظام الحاكم في العراق، امتثالًا بشي جيفارا في أمريكا اللاتينية، لكن القوات الحكومية المدججة بعدد وعتاد لا نهاية له، تتمكن من الشيوعيين وتفتك بهم، لكن بطلَي الرواية يهربان منهم، وينتقلان إلى الجزائر ليعملا فيها معلمَين في مرحلة ما بعد الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي، وهناك يجدان مشاكل أكثر، فالمغرب العربي ليس أفضل حالًا من المشرق العربي؛ يتعرّف مهدي على “آسيا الأخضر”، الفتاة التي يتعلق بها قلبه، ويستكملان معًا عمل النضال، وبسبب الواشيين، أبلغ زملاء مهدي ومهيار السلطات الجزائرية أنهما يعملان على نشر الأفكار الشيوعية.
حنا مينه: الثلج يأتي من النافذة
تعبر هذه الرواية بكل وضوح عمن يفكر بالعمل في مجال السياسية في وطننا العربي: فيّاض الذي هرب من سوريا إلى لبنان خوفًا من بطش السلطة هناك، يجد نفسه حبيس جدرانٍ أربعة لغرفة صغيرة في بيت خليل، النقابي العنيد الذي يدفع كذلك ثمن موقفه السياسي الصلب، فيلاحقه الفقر والعوز، وحين يدرك فياض أن بيت خليل لم يعد مكانًا آمنًا له، يطلب من رفاقه أن يبحثوا له عن عمل، فيجدون له وظيفة في مطعم، لكن طابعه السياسي لا يتوقف، فيدافع عن رفاقه العمال في المطعم، فيكاد أمرهُ أن ينكشف من طريقة كلامه، ولا يجد مفرًا من البحث عن مخبأ جديد، فيكون هذه المرة بيت صديقة جوزيف، الحانق على السلطة المستبدة، والحزين على حظة العاثر. وينتهي به الحال إلى قضاء سنوات عدة في مطبعة سياسية يطبع المنشورات السرية، لكن أمرهُ ينكشف في النهاية، ويتم القبض عليه بتهمة قيادة مجموعة خارجية تمارس نشاطًا غير مشروع على أرض لبنان لتتحقق بذلك مقولته التي كان يرددها دائمًا: السجنُ أفضل من الغربة.
حنان الشيخ: حكاية زهرة
هي حكاية فتاة لبنانية، كانت ضحية للحرب اللبنانية الأهلية التي عاشتها لبنان على مدار أربعة عشر عامًا من جهة ولظروف تنشئتها القاسية من جهةٍ أخرى، فالأب العنصري يفرق في المعاملة بينها وبين أخيها، والشاب الذي وثقت به وسلمته نفسها يتخلى عنها، وخالها، السياسي الذي شارك في محاولة اغتيال الرئيس اللبناني الأسبق، فؤاد شهاب، وهرب إلى أفريقيا، لا يحسن التعامل معها حين لجأت إليه هناك، ولا ينسى مشاحنات الساسة وانقسامات الأحزاب، وبعد زواج فاشل تعود أدراجها إلى لبنان لتقع فريسة سهلة في يد قناص ينتمي لإحدى الطوائف اللبنانية المتقاتلة، ليس له مهنة سوى مقاتلة الناس ومضاجعة زهرة، التي تحمل منه، ولا تفلح في التخلص من حملها، وحين تصارحه بذلك، يدرك من خلال حوارها أنها تدرك حقيقته، فيطمئنها، حتى تهبط للشارع، ثم يطلق الرصاص عليها.
علي حمد إبراهيم: عشرون دستة من الرجال
“في عام 1956 ثار المزارعون في بعض أنحاء السودان ضد القوانين التي تنظم علاقات الإنتاج في القطاع الزراعي، وطالبوا بإلغاء أو تعديل العديد من مواد تلك القوانين في مشروع جودة في الجزء الجنوبي من محافظة النيل الأبيض، وتطور الأمر إلى صدام دموي واعتقلت الشرطة عدة آلاف من المزارعين، حيث تم ترحيلهم إلى مدينة كوستي للتحقيق معهم“، يعطي علي حمد إبراهيم نكهه أدبية ظريفة وجميلة لهذا الحدث الواقعي، من خلال أبطال الرواية الذين تركوا البادية دون أن يتخلوا عن تقاليدهم.
غسان كنفاني: أم سعد
يقول غسان أنها رواية حقيقية ويؤكد ذلك، وهي تقدم صورة لكفاح المرأة الفلسطينية البسيطة التي تضحي لوطنها بكل ما تملكه، وتلد للأرض رجالًا يقبضون على حقوقهم، ويستعدون للموت في سبيل نيلها، “أم سعد، امرأة حقيقية، أرى فيها جيدًا، ومازلت أراها دائمًا، وأحادثها، وأتعلم منها، وتربطني بها قرابة .. لقد علمتني أم سعد كثيرًا، وأكاد أقول كل حرف جاء في هذه السطور التالية، إنما هو مقتنص من بين شفتيها، اللتين ظلتا فلسطينيتين رغم كل شيء، ومن كفيها الصلبتين، اللتين ظلتا، رغم كل شيء .. تنتظران السلاح عشرين سنة“، هكذا قام غسان بتقديم روايته، التي تحكي عن أم سعد، المرأة الفلسطينية الصامدة، التي تعود لبلدتها بعد هزيمة يونيو لتشجع ابنها على الالتحاق بالفدائيين، ولا يروق لها أن تظل جالسة في المخيم، تأكل وتشرب، ولا تفعل شيئًا لأجل وطنها.
ليلى عسيران: عصافير الفجر
كتبت لكي أكتب، كتبت ما في قلبي ليس إلا، هكذا وصفت ليلى عسران نفسها، وهو وصف أراه مناسبًا جدًا ودقيقًا، لأنها دخلت عالم الكتابة، بل اقتحمتهُ بدون أن يكون لها أي تجارب سابقة في القراءة، ورغم ذلك قدمت لنا تحفةً فنية جميلة جدًا، افتتحتها ليلى: أكتب هذه الرواية غداة عزيمة 1967. وتقول آخر جملة فيها: حدثٌ أهم من الحرب، تغرده عصافير الفجر قائلة: ثورة حتى النصر. وبين هاتين الجملتين، تحكي لنا ليلى كيف ولدت المقاومة من رحم الهزيمة، وكيف عبر الشباب الفلسطيني عن رفضه للواقع المرير الذي فرضة عليهم الساسة العرب، وكيف كان الجهاد هو أملهم، وكيف كان سقوط القدس هو فاجعتهم.
مبارك ربيع: رفقة السلاح والقمر
تحكي هذه الرواية حدثًا تاريخيًا بارزًا، يتمثل في التجريدة العسكرية المغربية التي شاركت في حرب أكتوبر إلى جانب القوات السورية، وتغوص الرواية في تفاصيل هذا الحدث، لتبرهن على الانتماء العربي لشعب المغرب واستعداده للتضحية في سبيل أمته. ويجسد أحد شخصيات الرواية وهو الحاج ميمون الركراكي والد المقدم سلام نموذجًا حيًّا على انحياز الشعب المغربي إلى انتمائه العربي.
مؤنس الرزاز: اعترافات كاتم صوت
اختار مؤنس الرزاز الأدب ليصور رؤيته السياسية، وآمن بقدرة الرواية الأدبية على استيعاب رؤيته والتعبير عن موقفه مما يدور حوله، ورواية اعترافات كاتم صوت تتكئ على تجربة واقعية، إذ يقول المؤلف: هذه الرواية مُستمدة من تجربة أُسرتي، التي كان ربها من أهم زعماء حزب البعث، ولذا اضطهد في خمسينيات الأردن لأنه قاد الحزب في صفوف المعارضة وانتقل بعد ذلك إلى العراق ليتم انتخابهُ عام 1977 مساعدًا للأمين العام في حزب البحث، ميشيل عفلق، وشاركه في هذا اللقب صدام حسين، وما هي إلا ثلاث سنوات حتى وُضع والدي ومعه أسرتي في الإقامة الجبرية بالعراق، باستثنائي أنا وشقيقي.
نجيب الكيلاني: رحلة إلى الله
كان الكيلاني ينتمي لجامعة الإخوان المسلمين، وحُكم عليه في عهد عبدالناصر بالسجن لمدة عشر سنوات، وها هو يستوحي من تجربته في السجن مع أعضاء الجماعة روايته، والتي يقول عنها: الحدث السياسي فاقع، والشخصيات غير عادية في انتمائها وخوضها لمعركة شرسة .. وقد جرت أحداثها في أوساط الخمسينيات، حين تم اعتقال أو توقيف أعداد كبيرة من جماعة الإخوان المسلمين في مصر .. وهي موجهة لكل العاملين في حقل الدعوة الإسلامية، وكل الحكام الذين لا يدركون أبعاد المأساة، وكل الجلادين والطواغيت الذين يتنكرون لحقوق الإنسان. ويقع أغلب جُزء من الرواية في السجن الحربي، وتعرض نماذج التعذيب، كما تفضح ممارسات السلطة، ممثلةً في عطوة الملواني، مدير السجن، وهو شخص سادي يعشق تعذيب الآخرين، وتوضح الرواية مدى المهانة الموجودة في السجون المصرية.
عبدالرحمن منيف: الآن .. هنا أو شرق المتوسط مرة أخرى
يقول منيف في معرض حديثة عن الأسباب التي جعلته يكتب هذه الرواية: أما لماذا حاولت أن أكتب رواية أخرى عن السجن، فلاعتقادي أن حجم القمع الذي نعاني منه حاليًا لا يقاس بما كان عليه سابقًا، لقد زاد القمع واتسع لدرجة لا تُصدق، ولا يقتصر ذلك على عدد السجون أو عدد السجناء، إذ تعداهما إلى أن أصبح كل إنسان سجينًا، أو مرشحًا للسجن، إضافةً إلى تطور أساليب القمع المادية والنفسية وأيضًا لعلاقة الأفراد فيما بينهم ولعلاقتهم بالسلطة.
لذلك كان لا بد من مواجهة هذه المشكلة ومحاولة قراءتها بطريقة أعمق، حين فعلت ذلك اكتشفت في لحظة من اللحظات أن الضحية والجلاد وجهان لعملةٍ واحدة، أي أن الاثنين ضحية النظام المسيطر. وتحكي الرواية عن شابين عربيين، ذاقا هوان السجون، وهما طالع العريفي وعادل الخالدي، وما حدث معهما لا يختلف إطلاقًا عما حدث مع أي شخصٍ يفكر في العمل السياسي في مصر، أملًا في أن يتسنى لهم تحقيق ما يحلمون به لبلادهم، فيكون جزائهم السجن والتنكيل أو النفي لدرجة أنهم يعاملون داخل السجون بشكل أردأ بكثير من ذلك الذي يلاقيه المجرمون الذين قتلوا أو سرقوا أو خربوا.
نجيب محفوظ: الكرنك
يمتاز نجيب محفوظ برمزيته دائمًا، ما عدى في هذه الرواية التي كانت الرمزية فيها سطحية للغاية، ففي روايته ثرثرة فوق النيل والتي كان يرمز فيها لانتقاده للعهد الناصري برمزية صعبة، جاء ليوضحها ويبسطها جدًا في روايته الكرنك التي ينقد فيها العهد الناصري، وهي تحكي عن إسماعيل الشيخ وغيره من أبطال الرواية، الشباب الذين آمنوا بثورة يوليو، وكانوا يعتقدون أن العسكر على صوابٍ مطلق، لكنهم استيقظوا على واقعٍ أليم بعد أن مروا بتجربة قاسية بعد أن اتهمتهم السلطة ظلمًا بأنهم أعداء للثورة، وحين قابلوا رجلًا يمثل الوجه الكريم للثورة وهو خالد صفوان، الذي أمر بانتهاك عرض زينب وجلد إسماعيل وإجبارهما على أن يكونا عملاء للباحث يتجسسون على رفاقهم، خاصة حلمي الشيوعي، رغم عدم ارتكابهم شيئًا مخالفًا للقانون، فإسماعيل تم اعتقاله لأنه تبرع لأحد المساجد للإخوان المسلمون، وقُبض على زينب لأنها صديقته، وفي المرة الثانية اعتقلوهما بتهمة الانتماء لتنظيم شيوعي.