جوكر.. دعوة للفوضى أم تحذير منها؟
أداء خواكين فينيكس عبقري، مذهل، وغير طبيعي، الموسيقى التصويرية لاعب مؤثر ومهم في سير الأحداث، إخراج تود فيليبس للفيلم مميز، مع العديد من المشاهد الأيقونية ذات الطابع الجمالي داخل الفيلم، والتي تجعل تجربة مشاهدة الفيلم في السينما لا تعوض، كل هذا عظيم للغاية، لكن ماذا عن النقاش الأكبر الذي يثيره الفيلم؟!، هل يدعو فيلم جوكر حقًا إلى الفوضى؟ أو هل يرغب صناعه في إحداث انقلاب في المعايير الحاكمة للعلاقات البشرية؟
منذ العروض الأولى للفيلم في المهرجانات الدولية، واجه “جوكر” اتهامات نقدية حادة بالترويج للعنف وتمجيد المجرمين، تود فيليبس مخرج الفيلم اضطر للرد على هذه الاتهامات بالقول: “أنا مندهش.. أليس هذا أمر جيد أن يتم إجراء هذه المناقشات حول الفيلم؟ أليس من الجيد أن تجرى هذه النقاشات حول هذه الأفلام، وعن العنف؟ لماذا يتم النظر لمثل هذه الأمور بأنه أمر سيء إذا أدى الفيلم إلى وجود حوارات ونقاشات حوله؟”، الشركة المنتجة للفيلم تحدثت بشكل أكثر صراحة حين قالت في بيان رسمي لها: “لا نؤيد العنف من أي نوع.. لكن العنف المسلح يمثل في مجتمعنا الأمريكي قضية بالغة الأهمية، في الأسابيع الأخيرة، انضمت شركتنا الأم إلى رجال الأعمال الآخرين من أجل دعوة صناع السياسة إلى سن تشريعات ثنائية الحزبية للتصدي لهذا الوباء”
صناع الفيلم إذا، يرون أن المجتمع يجب أن يتحمل مسؤولياته بدلًا من مطالبة السينمائيين بالتوقف عن إنتاج الأفلام، أو اتهام أفلامهم بالترويج للعنف، دعوة الشركة المنتجة صناع السياسة إلى سن تشريعات ثنائية الحزبية لمواجهة العنف، هي ببساطة رسالة الفيلم التي اختار صناعه تمريرها بمنتهى العنف، فالشاب الحالم أرثر فليك (خواكين فينيكس) لم يكن يريد من العالم سوى بعض الحب، والاهتمام، لم يكن يريد سوى قليل من الانتباه لوجوده، لكنه بدلًا من الحصول على هذا الحب، حصل على كثير من الإيذاء والوحدة، والتخلي المجتمعي عنه، أزمة فيلم “جوكر” هي أن عدد كبير ممن سيشاهد هذا الفيلم سيجد نفسه في شخصية “جوكر”، سيجد أن المجتمع لم يكن رحيمًا معه، أنه تعرض ولو لمرة لإيذاء أو تنمر، أو وقع ضحية لفقر مدقع أو وحدة كاسحة، في عصر ضاغط قلما تجد فيه شخصًا لم يصبه من سهام مشكلات الجوكر سهم.
هناك ملايين حول العالم تتشابه ظروفهم وظروف الجوكر، أكثر ما يخشاه منتقدو الفيلم هو أن يفتن بعض من هؤلاء بشخصية الجوكر، فيواجهوا العالم برد فعل مماثل، والسؤال هو هل يجب على السينما أن تدفن رأسها في الرمال وأن تتجاهل وجود المشكلة؟ أم يجب عليها أن تدق أجراس الخطر، وأن تواجه العالم بمشاكله بشكل مباشر، في وجهه ودون مواربة؟ هل دور السينما هو الإلهاء للتغطية على الأزمة؟ أم دورها هو إثارة المناقشات حول الأمر بأعلى صوت ممكن؟
أرثر فليك كان يعالج من مرضه النفسي، لكن صناع القرار أوقفوا الدعم عن علاجه، فتدهورت حالته النفسية وصارت أكثر عنفًا، كان يريد أن يصبح ممثلًا كوميديًا لكن المجتمع سخر من حلمه، وعامله بقسوة شديدة، أحدثت التغير الدراماتيكي الهائل في رحلة البطل، وجعلته رمزًا لآلاف المقهورين في مدينة “جوثام”، لآلاف الناقمين على الطبقات التي تريد أن تحيا بشكل منفرد، بشكل منفصل عن آلام بقية الطبقات الاجتماعية، بالطبع لا يحمل هذا المقال تبريرًا للفوضى، أو موافقة عليها، لكنه يحمل كما فيلم “جوكر” تحذيرًا منها، فما لم يصبح العالم أكثر رحمة مما هو عليه الآن، فليس عليه أن يتوقع أن ينتج بشرًا طيبين ورحماء، ما لم يكن أقل عبثية وجنونًا في طريقة التعامل مع الفقر والمرض والوحدة والألم، فإنه سيواجه عبثية وفوضى أكثر، ولن يستطيع “الرجل الوطواط” إنقاذ الموقف، لأن الجموع ستنظر إليه -حينها- على اعتباره رجلًا غريبًا عنهم، يظهر فقط حين تفسد حياة الأغنياء بفعل الفوضى، ويختفي طالما أن الفوضى لا تصل إليهم!