موجز تاريخ إيران .. من الشاه إلى آية اللّه
خطَّت معركةُ القادسيَّة التاريخيَّة 15هـ – 363 م، سطور نهاية الإمبراطوريَّة السَّاسانيَّة التي حكمت إيران لقرونٍ طويلةٍ، وفي بضع سنين؛ كان المسلمون قد فتحوا كلَّ أراضي الإمبراطوريَّة التي انتهت رسميًّا بمقتل آخر الأكاسرة يزدجرد الثالث. وبدء تحوُّل الفرس إلى الإسلام تدريجيًّا ككافة البلاد المفتوحة؛ إلّا أنَّ الإيرانيين لم يتوقفوا عن الحديثِ والكتابةِ بالفارسيَّةِ كتعبيرٍ عن الهُويَّةِ القوميَّةِ رغم تعريب الدواوين واستعمالهم للحروف العربيَّة. ومع العباسيين الذين استعانوا في ثورتهم على الدولة الأُمويَّة المنحازة للعرب بالموالي، أصبح حُكَّام فارس من الإيرانيين، و قامت بها عدَّة دولٍ متعاقبةٍ، خضعت في البداية لسلطان العباسيين الأسمى، حتى تأسَّست دولة ديالمة آل بويه؛ الذين استغلّوا الفوضى السياسيَّة في بغدادَ، وانحلال سلطة الخلفاء، وتسلُّط القادة العسكريين الأتراك عليهم، واستولوا على بغداد 336 هـ في عهد الخليفة المستكفي الذي رَحَّب بأحمد الديلمي مرغمًا، ولقَّبهُ مُعزّ الدولة، واتَّخذ البويهيون قرارًا عمليًّا فلم يهدموا الخلافة العباسيَّة؛ لمنع الشيعة العلويين من المطالبة بالخلافة. ورغم قوَّة آل بويه؛ إلّا أنَّ تقاسُم أبناء ركن الدولة ممتلكاته بعد وفاته 365 هـ، ثم دخولهم في حربٍ عائليَّةٍ عليها، أدَّت لإضعافها وسقوطها 447 هـ.
وكانت إيران وخراسان وسيستان وغيرها من أجزاء الإمبراطوريَّة الفارسيَّة، أقرب لانتشار دعاوي التشييع والخوارج؛ معتمدين على بعد المسافات واختلاف اللُّغة ووجود القوى المحليَّة التي تستطيع الدِّفاع عن نفسها ومَن تؤويه ضد السُّلطة المركزيَّة، وقبل كلِّ ذلك كانت الشعوبيَّة تجد غطاءً عقائديًّا في ارتباطها بالمذاهب المناوئة للعرب أهل السُّنة؛ حيث مذهب السُّلطة المركزيَّة التي يتم الخروج عليها بذريعة اختلاف العقيدة قبل الدَّعاوي العرقيَّة والشعوبيَّة، فتعددت الدُّول في المنطقة الثريَّة كثيرة التقلبات.
ولكن نقطة التَّحول في تاريخ إيران، كانت في قيام الدَّولة الصفوية على يد الشاه إسماعيل حفيد الشيخ صفي الدِّين إسحاق؛ وهو شيخ طريقة صوفيّة سُنّي شافعي، انتقل إلى أردبيل شمال إيران. وقد انتسب الشيخ صفي الدين إلى الامام موسى الكاظم من جهة الأب، وهو حفيد الحسين من زوجته ابنة يزدجر آخر ملوك فارس، ولا يخفى مدى قوة تأثير مثل هذا النسب الشريف في نفوس أهل تلك العصور.
وقد حاول أبناء الشيخ صفي الدِّين استغلال ثروتهم الطائلة وكثرة أتباعهم في لعب أدوارٍ سياسيَّةٍ خاصة، بعدما تحوَّلوا لاعتقاد التشيُّع على مذهب الاثني عشرية؛ ولكن لم ينجح منهم إلّا إسماعيل الذي “عسكر” الدعوة واشتهر بقسوته الأسطوريّة، وسرعان ما استولى على الهضبة الإيرانيّة؛ ليُحقِّق رؤيته في توحيد إيران تحت راية المذهب الشيعيّ الاثني عشري، وقيادته بصفته نائبًا عن الإمام المهديِّ حتى عودته.
وبادر إسماعيل بفرض المذهب الاثني عشري، وأعلنه المذهب الرسميَّ والأوحد للدَّولة. وفي 907 هـ سكَّ عُملةً جديدةً كتب عليها: لا إله إلّا اللّه محمدٌ رسول اللّه عليٌ وليَّ اللّه، واسمه. وغيَّر الأذان إلى الصِّيغة الشيعيَّة، وأمر بلعن أبي بكر وعمر وعثمان على المنابر في كلِّ خطبةٍ، واستجلب فقهاء الشيعة من العراق وجبل عاملٍ في لبنان، وأغدق عليهم الامتيازات الماليَّة والأدبيَّة، وملَّكهم أراضٍ شاسعةٍ، وقتل الآلاف في سبيله لتثبيت المذهب ودحض كلَّ معترضٍ عليه؛ حتى استئصل المذهب السُّنيَّ من إيران كلها تقريبًا.
واتَّسعت دولة الشاه الذي ضمَّ العراق 914 هـ، فعمَّر مزارات الأئمة الشيعة ومشهد الحسين في كربلاء و مشهد علي في النَّجف، وخرج الشيعة في العراق من إطار التقية. وظهر في الدَّولة الصفويَّة منصب شيخ الإسلام: وهو مسؤول الدعوة ويعود إليه قبض الضرائب الدينيَّة والحقوق الشرعيَّة كالخمس والزكاة وتعيين مديري الأوقاف، ومنصب الصَّدر: وهو الوزير المفوَّض. ومع الدَّولة الصفويَّة بدء ظهور السَّمت الجنائزيِّ للاحتفالات الشيعية بيوم عاشوراء وغيره من المناسبات الدينية، وظهرت ممارسات النَّدب وجلد الذَّات وضرب الصُّدور والبُكاء الجماعيّ. وأكَّد الفقهاء الشيعة في عصر إسماعيل على فكرة التولِّي والتبرِّي المقابل الشيعي للولاء والبراء عند المسلمين السُّنة، وبينما يُقصد بالتولّي اتِّباع وطاعة أولياء الله وعلى رأسهم الأئمة والاقتداء بهم والعمل بسيرتهم وإظهار محبتهم، يُقصد بالتَّبري مُعاداة أعداء الدِّين -وإنْ ادَّعوا أنَّهم مسلمون- ومخالفتهم وعدم متابعتهم وبغضهم والدُّعاء عليهم؛ لأنّهم حرَّفوا دين الله وأضلُّوا المسلمين عن جادة الصواب.
ولكن في المقابل كانت علاقة العثمانيين والصفويين قد تحوَّلت إلى العداء الواضح، بعد قيام ثورة شيعيَّة بتحريض الصفويين في الأناضول 917 هـ، في ظلِّ الصِّراع العنيف على السُّلطة بين أبناء بايزيد الثاني حتى حسمه السُّلطان سليم ودخل في صراعٍ حادٍّ مع الشاه إسماعيل، الذي ارتكب خطأً قاتلًا عندما أرسل للسُّلطان سليم علبة أفيونٍ مستهزئًا به بتشبيهه بمتعاطي المخدر.
ولم يكنْ سليم يحتاج لمبررٍ أكثر، فاجتاح بلاد الشاه وسحق جيشه في معركة “تشالديران” 920 هـ، وأُسرت زوجته “تاج لي خانم” فلم يردها سليم؛ بل زوَّجها لأحد كتابه نكايةً فيه!
ودخل سليم تبريز عاصمة الصفويين، واستولى على خزائن الشاه وكنوزه؛ ولكنَّه اضطر للانسحاب تحت ضغط سوء الأحوال الجويَّة ونقص المؤن.
ورغم تلك الضربة القاسمة التي انعزل بعدها الشاه اسماعيل وتوقف عن الظهور للعامة حتى وفاته؛ إلّا أنَّ سلطان الصفويين في إيران لم ينتهِ واستمرَّ أبناؤه في حُكمها.
وتجدَّدت الصدامات العسكريَّة بين دولة الصفويين والعثمانيين في عهد عبّاس وابناءه، وتسبَّب قرار الشاه طهماسب في التَّنازل للعثمانين عن الولايات الغربيَّة في تمردٍ عسكريٍّ على يد قائد جيوشه نادر خان، الذي خلعه واعتقله واستعان بالروس واستعاد الأجزاء التي احتلَّها العثمانيين وجلس على عرش إيران، لتنتهيَ دولة الصفويين فجأة! ولكن سرعان ما اغتيل نادر خان 1160 هـ – 1747 م، لتدخل البلاد في حربٍ أهليَّةٍ انقسمت على أثرها لدولتين: الزِّند بقيادة كريم خان وعاصمتها شيراز، والأفشاريَّة بقيادة أبناء نادر خان وعاصمتها مشهد، إلى أنْ وحَّدتها من جديد سلالة “القاجار” حيث استطاع قائد القبيلة التركمانيَّة “آغا محمد خان” أنْ يقضيَ على الدولتين الزِّندية والأفشاريَّة بعد معاركٍ دمويَّةٍ؛ ليصبح شاهًا لإيران التي وُحِّدت من جديد 1796 م.
وبعد سقوط الدَّولة الصفويَّة صعدت الرؤية الإخباريَّة في أوسط الشيعة، وانتشر القول بحرمة الاجتهاد ولزوم انتظار المهديِّ والعمل بالعبادة دون السياسة، وسُمِّيوا بالإخباريين لأنَّهم يقتصرون في معرفتهم للأحكام الشرعيَّة على الأخبار أو الرِّوايات الواردة عن أهل البيت، وأسقطوا الاستدلال بالإجماع والعقل فلا يستدِّلون بالإجماع لأنَّه عندهم بدعةً أوجدها أهل السُّنة، وينكرون كذلك صلاحيَّة العقل السليم ليكون حُجةً أو دليلًا، ويَعتبر الإخباريَّة كلَّ الأحاديث الواردة في كتب الحديث الشيعية الأربعة بأنَّها أحاديث قطعيَّة الصُّدور عن المعصومين؛ أيْ أنَّهم يعتبرونها كلها صحيحة ولا حاجة للرجوع لعلم الرجال والدراية لتحري صحتها، وكذلك حرمة الجهاد لغيبة الإمام ليدخل التشييع في إيران مرحلة سباتٍ طويل.
وفي 1921 م أُطيح بالشاه أحمد بانقلابٍ عسكريٍّ قاده وزير الدفاع رضا بهلوي، الذي حلَّ الحكومة وتولى رئاسة الوزراء؛ فيما يعتبره الكثير من الإيرانيين مؤامرة بريطانيَّة. وفي 1923 م سمح للشاه وعائلته بمغادرة إيران إلى المنفى، ثمَّ أُرغم البرلمان على أنْ ينتخبه شاهًا للبلاد، ليعلن في 1925 م انتهاء عهد الأسرة القاجاريَّة.
وفي الديكتاتوريَّة العسكريَّة لرضا بهلوي؛ تضخم حجم الجيش ونُظِّمت الإدارة المركزيَّة بشكلٍ دقيقٍ بفضل العائدات النفطيَّة التي أنقذت إيران من الديون الأجنبيَّةِ والضرائب والجمارك التي حصلت بحسمٍ، لتنال الطرق والتعليم حصة جادة في الموازنة العامة، وفي المقابل أنشأ الشاه منظمتين أمنيَّتين أُلحقت إحداهما بالجيش والأخرى بالشُّرطة؛ لمطاردة المعارضين والمشتبه بهم.
ولأول مرة يثور الشاه على التقاليد الدينيَّة الرَّاسخة المميزة لإيران، فقد كان رضا بهلوي شديد التأثُّر بكمال اتاتورك، يتوق لإعادة تجربته في علمنة تركيا، وفي إطار محاولته لتحويل إيران لدكتاتوريَّة علمانيَّة تصادم مع رجال الدين الشيعة؛ فعلى الرغم من أنَّه أكَّد في خطابِ تولية العرش على قوة اعتناقه للمذهب الأثني عشري، واكتسابه المدد من الأئمة، وحرص على اظهار احترام القوى الدينيّة في البلاد مدركًا تأثيرها؛ إلّا أنّه سرعان ما أظهر حقيقته، فقلَّص من نفوذ الفقهاء واستولى على الأوقاف الدينيَّة، واستبدل الشاه الشهور الإسلاميَّة في التقويم بالفارسية، وفرض على كافَّة الرجال الذكور عدا رجال الدِّين أنْ يرتدوا السراويل والسترات على النمط الغربيّ، وشجَّع الرجال على حلق لحاهم وتخفيف شواربهم، وبينما كان النساء يتعرضن لمضايقة الشرطة إنْ سرنَ في الشوارع وحدهنَّ للاشتباه فيهنَّ، أصدرت الأوامر بعدم التَّعرُّض للنساء غير المحجبات، والسماح لهم بارتياد المطاعم ودور العرض السينمائي وغيرها. وقد أجبر الشاه المسؤولين على إحضار زوجاتهم للمناسبات العامة من دون حجاب، وأعلن عن رغبته في توقف النساء عن ارتداءه، بينما اعتبر تنظيم مؤتمر المرأة في الشرق -الذي ترأسته ابنته شمس بهلوي- عام 1932 م، عدم ارتداء الحجاب كرمزٍ للحضارة.
وحوَّل بهلوي التعليم الدينيّ لتعليمٍ علمانيٍّ غربيٍّ، وأُنشئت العديد من المدارس الحديثة، ودُمجت الكليَّات الإيرانيَّة الستة؛ لتفتتح جامعة طهران 1934 م.
وفي 1936 م صُدِم الإيرانيون بصدور قرار الشاه بمنع ارتداء النساء الشادور وجميع أنواع الحجاب في المجال العام، وأمر الشُّرطة بنزع حجاب من تُغطِّي شعرها قصرًا، وأجبر المواطنين العاديين على إحضار زوجاتهم للمناسبات مكشوفات الوجه والرأس، وحُظرت العديد من الاحتفالات الدينيَّة.
واستبدلت المحاكم الشرعيَّة والتقليديَّة من قبليَّةٍ ومحاكم الجماعات الحرفية بقضاءٍ موحدٍ للدولة، وخُوِّلت سلطات تسجيل الوثائق القانونيِّة إلى موثِّقين عامين تعيِّنهم الدولة، ومن ضمنهم عقود الزواج والطلاق، وبدء تصدُّر قوانين جديدة منقولةً من القوانين الأوربيَّة، وتراجع دور الشريعة، ونُزِع سلاح القبائل وجنِّد شبابها إجباريًّا، لتتغيَّر إيران التي قامت على أساس التحالف القبليِّ وتحالف الفقهاء والملوك منذ عهد الصفويين، كتجسيدٍ لقول الإمام الرضا: “الملوك حكّامٌ على الناس، والعلماء حكَّام على الملوك” -ولو ظاهريًّا- إلى مركزيَّة الدولة.
ولم يكن غريبًا أنْ تقوم المظاهرات في مشهدٍ تهتف الشاه يزيد -نسبةً إلى يزيد بن معاوية-.
ولكنَّ الإنتفاضة الدينية قُمِعت بعد قتل وسجن المئات، وأُعدم الجنود الذين رفضوا إطلاق النَّار على المدنيِّين، وازداد الشاه شراسةً ولم تكن هناك من قوَّةٍ في إيران تستطيع مواجهته؛ ولكنَّه ارتكب خطأ قاتلًا عندما انحاز إلى المحور في الحرب العالميَّة الثانية، ولم يكن الإنجليز والسوفيت ليتجاهلوا احتمال أنْ يكون لهتلر حليفًا في إيران ذات الموقع الاستراتيجيِّ الهام، فقام تحالف سوفيتي-إنجليزي بغزوِ إيرانَ 1941 م، وإرغامه على التنازل عن العرش لابنه محمد والذهاب للمنفى بجنوب أفريقيا، دون أدنى معارضة من الشعب الذي سرَّه التخلص من الشاه -ولو على يد قوى أجنبيَّة-.
وعندما وصل مصدق إلى مقعد رئاسة الوزراء كان لابدَّ من صدامٍ أن يحدث، فمصدق ذو ميول اشتراكيَّة ومناهض للملكية، وعلى علاقةٍ قويَّةٍ برجال الدِّين وصغار التُّجار.
وفي 1951 م قدَّم مشروعًا للتأميم، ونجح بالفعل في تأميم النفط الإيراني، وتصدَّى لإنجلترا واتهمها أمام مجلس الأمن بالتخريب؛ لوقفها تصدير النفط الإيرانيّ عن طريق إيقاف العمل بشركة النفط الانجلوايرانيَّة، وتصادم مصدق مع الشاه في محاولته تعيين وزيرٍ للحرب بصفته رئيس الوزراء، وهذا ما رفضه الشاه فلجئ مصدق إلى الشارع، وأعلن في خطابٍ عبر الإذاعة أنَّه يحتاج للإشراف على القوات المسلحة للحيلولة دون التآمر على فضِّ تأميم النفط، وبعد أيّامٍ من الاضرابات والعنف تراجع الشاه مضطرًّا.
وعيَّن مصدق نفسه وزيرًا للحرب، وغيَّر اسم الوزارة إلى الدِّفاع، وفصل مئات الضباط، ونقل الآلاف إلى الخدمة البوليسيَّة، وخفَّض موازنة الجيش.
ولكن بينما كان الحديث في طهران يدور حول الانتقال إلى جمهوريةٍ ديمقراطيّةٍ كخطوةٍ تالية، وقع انقلاب 1953 م بترتيبٍ أميركيٍّ بريطانيّ، وفي أغسطس قامت الدبَّابات بالاستيلاءِ على المراكز الحيويَّة بطهران، واعتُقِل مصدق، وأعلن الجنرال فضل اللّه زاهديّ إسقاط الحكومة والاستيلاء على السُّلطة، وأعلن الرئيس الأمريكي (أيزنهاور) أنَّ الشعب الإيراني قد نجح بفضل ثورته ضدَّ الشيوعيَّة، وبحبه الجارف للعائلةِ المالكة.
ومنذ هذا اليوم تحوَّلت العائلة المالكة الإيرانيَّة إلى رمزٍ للخيانةِ في عيون الإيرانيين، وبينما تلا الانقلاب ضرباتٍ عنيفةٍ للأحزاب الاشتراكيَّة والقوميَّة التي تحالفت مع مصدق، ففرغت الساحة السياسيَّة، وصعدت ببطءٍ في الظِّل القوى الدينيَّة التي تجنَّبت الصِّدام إلى حين ..
واستغلَّ الشاه تضخم العائدات البتروليَّة في تقوية الجيش؛ الذي اعتقد أنَّه الوسيلة الوحيدة للحفاظ على عرشه، وفي العام 1975 م كان للشاه خامس أكبر جيش في العالم: بألف دبابةٍ قتاليَّةٍ، و 173 طائرة مقاتلة من طراز إف فور، و 400 مروحيَّة، و 410 ألف جندي. وظهر بوضوحٍ ولع الشاه بالجيش الذي اعتبره مصدر قوَّته وسلطانه، وأشرف على تسليحه وترقيات ضباطه من رتبة رائدٍ لأعلى، وحرص على الظهور بالزِّيِّ العسكريِّ في المناسبات الرسميَّة، ومنح ضباطه معاملةً تميُّزيةً في المساكن والرعاية الصحية و الرواتب والحوافز الضخمة، ثم انتقال إلى مناصب الإدارة العليا في الحكومة بعد تقاعدهم من الخدمة العسكريَّة.
وبمعاونةٍ أمريكيَّةٍ وإسرائيليَّةٍ أُنشىء “السافاك”: جهاز المخابرات سيِّء السمعة الذي يُنسب له التَّسبب في اختفاء 20 ألف شخص بدون محاكمات ٍ ولا توجيه اتهاماتٍ رسميَّة.
رغم محاولات محمد رضا بهلوي المضنية في ترسيخ سلطاته، مستعينًا بالأجهزة الأمنية والتحالفات الخارجيَّة وعلى رأسها حلف بغداد مع تركيا وإنجلترا والعراق وباكستان ثم العودة للقوميَّة الإيرانيَّة الفارسيَّة، ملقبًا نفسه شاهنشاه (ملوك الملوك كما شاهات الفرس)، وقد أقام احتفالاتٍ ضخمةً بمناسبة مرور 2500 عام على تأسيس الإمبراطوريَّة الفارسيَّة على يد كورش 1971 م.
إلّا أنّ قوى التغيير كانت أقوى، وببطءٍ بدأت الأفكار الثوريَّة تتسرب إلى رجال الدِّين الشيعة، بينما انتشرت الأيديولوجيات الغربيَّة بين الشباب، وواجه الشيوعيون والليبراليون -الذين عارضوا ديكتاتورية الشاه- ضربات الأجهزة الأمنية العنيفة بشجاعة من يثق بالنَّصر في النهاية.
وبرز اسم الخميني الذي صاغ رؤيته في كتاب الحكومة الإسلاميَّة وولاية الفقيه 1970 م، الذي كان عبارة عن محاضراتٍ ألقاها في النَّجف قبل أن يتحوَّل سريعًا إلى مرجعٍ ثوريّ.
وقد أسّس الخميني دعوته تطويرًا لنظرية أحمد النراقي، الذي طوَّر بعض الأفكار الفقهية التي ظهرت منذ الغيبة حول صلاحيّات الفقهاء ووسعها، ليتحوَّل الفقيه إلى نائبٍ للإمام، في مقابل النظريَّة الأخرى التي استندت عليها شرعية الملوك أنَّ السلطان الزماني يكون شرعيًّا واجب الطاعة طالما كان شيعي، على استعدادٍ لتسليم الحكم إلى الإمام عند ظهوره، ويقوم على مصالح المسلمين و حمايتها، فيقول الخميني: “قد مرَّ على الغيبة الكبرى لإمامنا المهدي أكثر من ألف عام، وقد تمرُّ عليه ألوف السنين قبل أن تقتضي المصلحة قدوم الإمام المنتظر، وفي طول هذه المدَّة المديدة هل تبقى أحكام الإسلام معطَّلة يعمل الناس خلالها ما يشاؤون؟ ألا يلزم من ذلك الهرج والمرج؟ وهل حدَّد الله عمر الشريعة بمائتي عام؟ هل ينبغي أنْ يخسر الإسلام من بعد الغيبة الصغرى كل شيء؟” .. “لا تقولوا ندع إقامة الحدود والدفاع عن الثغور وجمع حقوق الفقراء، حتى ظهور الحجة (الامام المهدي) فهلّا تركتم الصلاة بانتظار الحجة؟”
“وبالرغم من عدم وجود نصٍّ على شخصِ مَن ينوب عن الإمام حال غيبته، إلا أنَّ خصائص الحاكم الشرعي لازال يُعتبر توافرها في أيِّ شخص مؤهِّلًا إياه ليحكم في الناس، وهذه الخصائص التي هي عبارة عن العلم بالقانون والعدالة موجودةً في فقهائنا في هذا العصر” ..”الفقيه لا يكون حصنًا للإسلام كسور البلد له؛ إلّا أن يكون حافظًا لجميع الشؤون من بسط العدالة وإجراء الحدود وسدِّ الثغور، وأخذ الخراج والماليّات وصرفها في مصالح المسلمين، ونصب الولاة في الاصقاع؛ وإلّا فصرف الأحكام ليست بإسلام، بل يمكن أن يقال: الإسلام هو الحكومة بشؤونها، والإحكام قوانين الإسلام وهي شأن من شؤونها، بل الإحكام مطلوبات بالعرض وأمور آلية لإجرائها وبسط العدالة، فكون الفقيه حصنًا للإسلام -كحصن سور المدينة لها- لا معنى له إلّا كونه واليًا له، نحو ما لرسول اللّه وللأئمة صلوات اللّه عليهم أجمعين من الولاية على جميع الأمور السلطانيَّة” .. “للفقيه العادل جميع ما للرَّسول والأئمة مما يرجع إلى الحكومة والسياسية، ولا يعقل الفرق لأنَّ الوالي أيُّ شخصٍ كان هو مُجري أحكام الشريعة والمقيم للحدود الإلهيّة”.
وهكذا وبينما كان مصطلح ولاية الفقيه يطلق على قيام رجال الدين برعاية القصر والأرامل والمعاقين وغيره ممن يحتاج لرعايةٍ خاصة، وسّع الخميني من مفهوم هذه الولاية لتشمل الأمة بكاملها؛ حيث اتّهم الملكيين بالسطو على واجب الفقهاء في إدارة شؤون الدولة مفسرًا قوله تعالى: “أطيعوا اللّه وأطيعوا الرَّسول وأولي الأمر منكم”، أنّ أولي الأمر هم الفقهاء المجتهدين وليس الحكام السياسيين، وأنّه في غيبة الإمام الكبير تكون الولاية على الأمة للفقيه وليس للملك، معتبرًا أنَّ محور الرسالات هو تحرير الناس من عبودية الملوك، وإنّ الحسين كان ثائرًا على الملكيَّة التي أقامها بنو أُمية متشبهين بالروم والساسانيين، ووضع أمام المسلمين الشيعة هدفًا؛ هو القضاء على الملكيَّة الفاسدة من جذورها.
وأدان الخميني الشاه علانيةً؛ لعلاقته بأمريكا ودعمه لإسرائيل، وانتقد الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والفوارق الطبقيَّة الهائلة، والبذخ في الإنفاق على الترف والجيش، وسرعان ما انتشرت الدعاوي للثورة.
وقابلت أجهزة الشاه الأمنيَّة وحزب البعث الحاكم الاعتراضات بالقمع والاغتيالات والاعتقال، وضيَّق الشاه على المؤسسات الدينية ومنعها من طبع الكتب إلّا بتصريح، وأرسل محققين لفحص الأوقاف؛ بينما روَّج البعثيون أنَّ الشاه هو القائد الروحيّ للأمة وليس فقط قائدها السياسي، وشرَّع الشاه قوانين جديدة تسمح للنساء بالإجهاض، ومنع الرجال من تعدُّد زوجاتهم إلّا بتصريحٍ كتابيٍّ من الزوجة الأولى، وبترخيصٍ من محكمة الأسرة، وسمح للنساء بالعمل خارج المنازل دون رغبة أزواجهن، وجنَّد طلبة الحوزات الدِّينية إجباريًّا.
وصدرت الفتاوى المتعدِّدة تدين حزب البعث وتعارضه مع المبادئ الإسلاميَّة والمصالح الإيرانيَّة، وأرسل الخميني يدين الحزب وأفتى بحُرمة الانتساب إليه، وأنَّه يهدف لتدمير إيران و الإسلام؛ ليرد الشاه بحملةٍ عنيفةٍ قام بها السافاك، فأُلقيَ بها بعددٍ ضخمٍ من رجال الدِّين إلى غياهب السجون، وأصبحت الثورة حتميَّة، وفي أواخر 1977 بدأت الصدامات في الشوارع.
ومن المفارقات أنَّ السعوديَّة قد ساهمت -بشكلٍ غير مباشرٍ وبدون قصد- بقوَّة في تأجيج نيران الثورة الإيرانيَّة؛ حيث تصدَّت السعوديَّة لمحاولات إيران رفع أسعار النفط 1977 م، ورفعت إنتاجها النفطيّ، وأغرقت السوق العالمي، فانهارت عائدات إيران النفطيَّة، وارتبك اقتصادها، وانهارت صناعاتها ومشاريع الشاه الاقتصاديّة، واشتعلت أسعار السِّلع؛ حيث سجَّل التضخم أرقامًا قياسيَّة تراوحت بين 30% – 40%، وارتفعت البطالة بين الشباب، مما أفقد الشاه أيَّ تأييدٍ كان له في الطبقة المتوسطة من الشعب.
وفي يناير 1978 صدرت الجريدة الحكوميَّة الرسميَّة وعلى صفحاتها الرئيسيَّة سيلٌ من الإهانات والاتهامات للخميني، مدعيةً أنّه كان يعيش حياةً ماجنةً في شبابه، وأدمن الخمر، وأنَّ رجال الدِّين عامةً رجعيون يتعاونون مع الشيوعيين.
وفي اليومين التاليين خرج طلاب الحوزات الدِّينيَّة إلى الشوارع محتجين، وأَغلقت المتاجر أبوابها وتعالت الاحتجاجات والصدامات؛ ليعلن الشاه الأحكام العُرفيَّة بلا طائلٍ سوى تصاعد الغضب، وزيادة العنف في الشوارع. وانتشرت الاضرابات في كافَّة المصالح والهيئات والمصانع، حتى صناعة النفط والبنوك والسكك الحديديَّة، لتُصاب إيران بالشلل، وفي ديسمبر 1978 كان هناك قرابة مليونيّ شخص في ميدان شيهاد بطهران؛ يهتفون بسقوط الشاه وعودة الخميني، وتأسيس جمهوريَّة إسلاميَّة.
ولم يكن أمام الشاه من خيارٍ سوى الاستعانة بالجيش الذي صنعه علي عينه لمثل هذا اليوم؛ ولكنّ الجيش لم ينحاز للشاه، وعندما أعلن قادة الجيش حيادهم وعدم تدخُّلهم لصالح الشاه أو ضدَّه، اندفعت جماهير الثُّوار إلى مخازن السلاح واستولت عليها، وأقامت لجانًا ثوريّةً في كلِّ شوارع طهران التي امتلأت بالمهاجرين من أبناء الرِّيف المحافظين الذين وجدوا في الثورة خلاصهم الطبقي كما خلاصهم الدينيّ، ولم يبقَ أمام الشاه المهزوم سوى الرَّحيل. وفي يناير 1979 م غادر الشاه إيران إلى منفاه بالولايات المتحدة الأمريكيَّة التي سرعان ما أعلنته شخصًا غير مرغوبٍ فيه، ورُفِض طلبه للُّجوء من أكثر من دولة؛ حتّى أرسل الرئيس المصريّ “السادات” يعرض استضافته، حيث أقام وأسرته في قصر القُبَّة؛ ولكنّ حالته الصحيَّة كانت متأخرة فتُوفيَّ في مستشفى القوَّات المسلحة بالمعادي، متأثرًا بسرطان الغُدَد اللِّيمفاويَّة 1980 م.
وكان الشاه قد ترك الحكم لرئيس الوزراء “شاهبور بختيار” الذي أعلن حلَّ السافاك، وأفرج عن السُّجناء السياسيِّين، وسمح للخميني بالعودة بعد 14 عام قضاها في المنفى.
وقبل نهاية العام كان دستور الجمهوريَّة الإسلاميَّة قد خرج للنُّور بتصويتِ 99% من النَّاخبين البالغ عددهم 21 مليون بـ”نعم” -كما أُعلِن-؛ على أنْ يكون هذا الدستور دائمًا حتى خروج المهديِّ المنتظر، وعودته لتولي سُلطة الإمام، وأنْ يكون الخميني القائد الأعلى والمرشد للثورةِ طيلة حياته؛ على أنْ يختارَ مجلس الخبراء بعد وفاته بتعيين خَلَفه، وكقائدٍ أعلى له سلطة تحديد مصالح الإسلام، ومصالح البلاد، والإشراف على وضع وتنفيذ السياسات، وفحص المرشَّحين لمنصب الرِّئاسة وعزلهم، وإيقاف أيّ قانونٍ أو قرارٍ جمهوريٍّ أو وزاريٍّ يتعارض مع الشريعة، بالإضافة لكونه القائد الأعلى للقوّاتِ المسلَّحة يختار قيادتها، ويُعلن الحرب والسلام، ويُعيِّن قاضيَ القضاة، ويُشرف على السُّلطة القضائيَّة. وتضمَّن الدُّستور مجلس شورى مُنتخب من الشعب، ورئيس وزراءٍ يُعيِّنه رئيس الجمهوريَّة، ومجلسًا مُصغَّرًا من اثني عشر عضوًا من الفقهاء يُشرف على عمل مجلس الشُّورى، ويُراقب تطابق القوانين مع الإسلام والدُّستور باسم “مجلس المحافظة على الدُّستور”.
وعندما وقع خلافٌ بين السُّلطات، أوضح الخميني رؤيته لمنصبه بما لا يحتمل الشك، فقال: “لابدَّ أنْ أوضح أنَّ الحكومةَ شُعبةٌ من ولايةِ رسولِ اللّه المُطلَقة، وواحدةٌ من الأحكام الأوليَّة للإسلام، ومُقدَّمةٌ على جميع الأحكام الفرعيَّة حتى الصلاة والصوم والحج .. إنَّه باستطاعةِ الحاكم أن يُعطِّل المساجد عند الضَّرورة، وأن يُخرِّب المسجد الذي يصبح كمسجد ضرار”، “تستطيع الحكومة أنْ تلغي من طرفٍ واحدٍ الاتفاقيَّات الشرعيَّة التي تعقدها مع الشعب، إذا رأتها مخالفةً لمصالح البلاد والإسلام، وتستطيع أن تقف أمام أيِّ أمرٍ عِباديٍّ أو غير عِباديٍّ إذا كان مُضرًا بمصالح الإسلام”. ولم يكن هذا إلّا إعلانًا لانتهاء الدَّور السياسيّ للأمة التي أصبحت تبعًا للفقهاء في الدَّولة الجديدة التي تحكم باسم اللّه.
وأعلنت وزارة الإرشاد الإسلاميَّة ثورةً ثقافيَّةً مناهضةً للتغريب؛ فمنعت الرجال من ارتداء رابطات العنق وخفَّضت سنَّ زواج النِّساء إلى 13 عامًا، وسمح للرجال بتطليق زوجاتهم دون إذن محكمةٍ، وفصل البهائيون من المناصب الحكوميَّة، وأعدم قادتهم، وأُغلقت معابدهم، وفُرِض على النساء ارتداء الحجاب أو الشادور، وفُرِض على الجميع المظهر الإسلاميَّ، وعوقب المتجاوزون للقواعد، وفُرِضت رقابةٌ صارمةٌ على الصُّحف والأفلام والكتب، ومُحيَت أسماء الملوك والشاهات من الشوارع والميادين والمساجد، وحُوِّلت الميلشيا -التي ظهرت أواخر أيام الثورة- إلى قوّاتٍ مُسلَّحةٍ تامّةِ التجهيزِ باسم “جيش الحرس الثوريّ”، وبلغ عددهم 120 ألف، بالإضافة إلى قوةِ احتياطٍ تبلغ 200 ألف؛ لتكون قوة موازية للجيش النظامي الذي أُزيلت قيادته بالتصفيةِ أو الإحالةِ للتقاعدِ وتمَّ تأميم المُنشآت والشَّركات الأجنبيَّة، وصودرت ممتلكاتُ العشراتِ من الأثرياء؛ لتدخل البلاد في عزلةٍ دوليَّةٍ زادها حادثة اقتحام السفارة الأمريكيَّة في طهران.
وبعد وصولِ الخوميني للسُّلطة، أُقيمت شعائر صلاة الجُمعة لأول مرَّة بعد اختفاء المهديِّ، وأصبح للشِّيعة الاثني عشريَّة في مشارق الأرضِ ومغاربِها قيادةً روحيَّةً وسياسيَّة، يجب عليهم أنْ اعتقدوا بصحة مذهب ولاية الفقية تقديم فروض الولاءِ لها وإنْ تضاربت -وهي بالطَّبع تتضارب- مع ولائاتهم القوميَّة والوطنيَّة، فكما يُعبِّر آية اللّه يزدي: “إذا كان هناك بلدٌ إسلاميٌّ واحدٌ يحكمه نظامُ ولاية الفقيه، هل يجب على المسلمين الذين يعيشون في بلدانٍ غير إسلاميَّة إطاعة أوامره أم لا؟ جواب هذا السؤال وفقًا لمبدأ ثبوت الولاية بالتعيين أو بإذنٍ من الإمام المعصوم، وعلى فرض إحراز أفضليَّة الفقيه المذكور للتَّصدي لمقامِ الولاية، ووفقًا للأدلة العقليَّة والنقليَّة؛ يحق لمثلِ هذا الشخص الولاية على النَّاس ويكون أمره نافذًا على كلِّ مسلمٍ ويجب عليه تنفيذه، كما أنَّ طاعة الوليَّ الفقيه واجبةٌ أيضًا، حتى على المسلمين المقيمين في الدول غير الإسلاميَّة، سواء بايعوا أم لم يبايعوا؛ لأنَّ البيعة حسب ولاية الفقية المطلقة لادور لها في شرعيَّةِ الوليِّ الفقيه”، وبالطَّبع فبعض الفقهاء الشيعة خارج إيران يرفضون هذا، ويقولون بتعدُّد الدُّول الإسلاميةِ، وأنَّ ولاية الفقيه لا تشمل كافّة المسلمين الشيعة، بل في نطاق دولته فقط كـ”محمد حسين فضل اللّه” بالاضافة لمعارضةِ بعض الفقهاء ولاية الفقيه ذاتها، وقولهم بولاية الأمة على نفسها كآية اللّه محمد مهدي.
ورغم محاولات الثورة على الثورة وتصفية مئات الضُّباط خشيةَ الانقلاب، وقيام جماعاتٍ مُعارضةٍ بانتهاج العنف المُسلَّح ضدّ الجمهوريَّة الإسلاميّة الإيرانيّة بعدما أعدمت المحاكمات الثوريّة 497 من المعارضين السياسيِّين، وتورطها في حرب الخليج الأولى لمدة ثمانية سنواتٍ دامية، تخلّلها إعدام الآلاف المعارضين؛ إلّا أنَّ إيران خرجت من كل هذه المحن، ولا تزال إلى يومنا هذا احدى الدُّول الثيوقراطيَّة القليلة التي تعتمد نظام حكمٍ دينيٍّ بحت في العالم، بتجربتها الفريدة التي تستحق الكثير من التأمُّل والتَّفكر والنظر في تكونها وتطورها، وتمارس أدوارًا غايةً في الخطورة في نطاقها الإقليمي المُلتهب، كما كانت دائمًا لتفرض وجودها الذي يتطلب منّا فهم أُسس هذا الوجود ومكوناته لفهم سلوكها.
محتوى هذا المقال مستقى من كتاب: (المسكوت عنه في التاريخ الإسلامي)