المرأة الجديدة كما يرى قاسم أمين

صدر كتابُ (المرأة الجديدة) بعد عامٍ من صدور كتاب (تحرير المرأة)، الذي يُعدُّ استكمالًا لأفكار قاسم أمين ومبادئه عن بعض الجوانب المتعلقة بالمرأة وحقوقها من الناحية المهنيِّة والنفسيِّة.

وعلى الرغم من الجدل الذي ثار عليه وتعرضه للانتقاد والهجوم من مستويات عدة؛ لكنه لم يصمت، وكتب كتابَه الثاني تأييدًا لأفكاره وآرائه مستدلًّا بأقوال الغرب ومستندًا إلى طرح أمثلة من الثقافة الغربية؛ فقد عدَّت الأغلبيةُ الأمرَ الذي يُنادي به الكاتب دخيلًا على المجتمع المصريِّ ولا يمكن مقارنته.

تضمَّن كتاب (المرأة الجديدة) خمسة عناوين رئيسية؛ وهي:

  • المرأة في حكم التاريخ.
  • حرية المرأة.
  • الواجب على المرأة لنفسها.
  • الواجب على المرأة لعائلتها.
  • التربية والحجاب.

المرأة في حكم التاريخ

إن اختلال نظام العائلة وتوالي الحكومات الاستبدادية هو السبب في تقهقر وضع المرأة في المجتمعات المختلفة، إذ إن شكل الحكومة يؤثر في الآداب المنزلية، والآداب المنزلية تؤثر في الهيئة الاجتماعية.

كتب قاسم أمين: “وجود التلازم بين الحالة السياسيَّة والحالة العائليَّة في كلِّ بلد؛ ففي كل مكان حطَّ الرجلُ من منزلة المرأة، وعاملَها معاملةَ الرقيق، حطَّ نفسه وأفقدها وجدان الحُريَّة. وبالعكس في البلاد التي تتمتع فيها النساء بحريتهنَّ الشخصيَّة، يتمتَّع الرجالُ بحُريَّتهم السياسيَّة، فالحالتان مرتبطتان ارتباطًا كليًّا.” (1)

وذكر عدَّةَ أمثلة عن حياة المرأة في العصور الوسطى مرتكزًا إلى أنها لم تولد لتُباع وتُشترى أو تكون تحت قوامة الرجل في شتَّى مطالب حياتها، وهذا ما كان حالها ليُطالب أمين بإعطاء المرأة حقوقها وحُريَّتها، وأنَّه لا حقَّ للرجل باستعبادها أو امتلاكها بسبب الجهل وتخلف الفكر الديني.

إعلان

فالمرأة المصرية هي اليوم في الدور الثالث من حياتها التاريخية، بمعنى أنها في نظر الشرع إنسانٌ حرٌّ له حقوق وعليه واجبات، ولكنها في نظر رئيس العائلة وفي معاملته لها ليست بحُرَّة، بل محرومة من التمتُّع بحقوقها الشرعية، وهذه الحال التي عليها المرأة اليوم هي من توابع الاستبداد السياسي الذي يخضعنا ونخضع له“. (2)

حرية المرأة

إن جلَّ ما تختلف فيه المرأة عن الرجل هو الاستعباد الذي طالها سنوات طويلة، والاستقلال الفكريِّ الذي لم تعرف معناه في شعوب وثقافات عديدة.

يرى قاسم أمين أنَّ الاستقلالَ والحُريةَ في الإرادة والفكر هو حقٌّ للإنسان ذكر كان أم أنثى وذلك مع عدم تجاوز الشرائع والمحافظة على الآداب العامة.

فالمرأة من وقت ولادتها إلى يوم مماتها هي رقيقة؛ لأنها لا تعيش بنفسها ولنفسها، وإنما تعيش بالرجل وللرجل، وهي في حاجة إليه في كل شأن من شؤونها، لا تخرج إلا مخفورة به. ولا تسافر إلا تحت حمايته ولا تفكر إلا بعقله“. (3)

إنَّ مجموع المَلَكات والقدرات التي يتمتَّع بها الرجل والمرأة تكافئ بعضها البعض، وإنَّ الاختلافات النفسيَّة والجسديَّة ما هي إلا نتائج اختلاف الوظائف والعوامل التاريخية المُجحِفَة بحق المرأة، وأن ما يُرى وما يصدر من المرأة ما هو إلا فروق صناعيَّة لا طبيعيَّة.

ثم إنَّ المساواة بين الرجل والمرأة ليست قائمةً على الحقوق فقط، بل على العقوبات والحدود الأخلاقيَّة والدينيَّة، فالخطيئة هي إثم على كلِّ جنس ولا تُباح لذكر أو أنثى.

هل يختلف نظر العدل بالنسبة إلى الرجل والمرأة، وهل يوجد حقَّان: حقٌّ للرجال وحقٌّ للنساء؟ أليس كل ذي اختيار موكولًا إلى اختياره يتصرَّف به كيف يشاء متى لم يخرج في عمله عما حدده له الشرع والقانون؟“. (4)

إنَّ حال المرأة التي توصَّلت إليها اليوم، ما هو إلا نتائج التضييق والإكراهات التي أُجبرَت عليها في سائر جوانب حياتها، فالفراغ يؤدي إلى فتور الجسد والعقل، وإلى عدم انضباط النفس والشهوات.

واجب المرأة لنفسها

رتَّب الكاتبُ أعمالَ الإنسان في ثلاثة أنواع:

  • الأعمال التي يحفظ المرءُ بها حياته.
  • الأعمال التي تُفيد حياتَه.
  • الأعمال التي تُفيد الوجودَ الاجتماعي.

يرى أمين أنَّ التربية الصحيحة هي التربية التي تشمل هذه الأساسيات الثلاثة وأنها ضرورية للرجل والمرأة على حدٍّ سواء.

لا شكَّ في أنَّ التعلُّم من ضروريات حياة المرأة، إلا أنه لا خير في معرفةٍ لا تُؤهِّلُها لتحسين أحوالها والمدافعة عن نفسها.

يريد الرجل أن ينتهز ضَعف المرأة وجهلها؛ ليجرِّدها عن كلِّ ما تملكه، ويستأثر وحدَه بالمنافع، وتجتهد المرأة على قدر إمكانها في الدفاع عن نفسها، ولا تجد إلى ذلك سبيلًا. (5)

 على دور المرأة العربية التغيُّر والتلائُم عبر التاريخ حسب الحاجة الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة، فقديمًا كانت المجتمعات تعتمد على الحروب وجني المغانم، لذلك كان دور المرأة مقتصرًا على الإنجاب وتربية الأطفال فقط. أما في عصرنا هذا لم يبقَ للقتال فيه حاجة إلا في أحوال مُخصَّصة، إذ أصبح التنافس هو الشغل الشاغل لهم، فمنهم المتنافسون بالعلم، ومنهم بالتجارة والزراعة. لذلك على دور المرأة التطور والتعلُّم للوصول إلى حدٍّ ما يُمكِّنها من العيش في ظلِّ التزاحم والتنافس الحاليَّين، لأن كل امرأة معرضة للحوادث غير المتوقعة، ويجب إعدادها بالعلم والتربية.

واجب المرأة لعائلتها

إنَّ واجب المرأة تجاه عائلتها لا يقلُّ أهميةً عن انشغالها بالحياة المهنيَّة والفكريَّة، فما يعتقده العامةُ أنه يسلب المرأةَ أنوثتها ويُجرِّدها من عاطفتها ويُكون سببًا في إهمال واجباتها العائلية. إلا أنه يزيد من مهاراتها المعرفيَّة التي تُمكِّنها من العيش والتأقلم مع الأوضاع القاسية كافة.

إن أصل الإنسان ومنشأَه أن يكون صالحًا وخَلوقًا؛ فإن صَلُح كان أثره طيبًا وحميدًا في كل عمل وتربية، وإن كان منحطًا كان أثره غير نافع وضارًّا للمجتمع.

الأم هي العنصر الأساسي في التربية لذلك يجب تعليمها وتحضيرها لإنشاء جيلٍ سَويٍّ وعاقلٍ، فجهل الأمهات في مبادئ التربية قد يؤدي إلى سوء التغذية، والجهل بقوانين الصحة الجسديَّة والنفسيَّة يؤدي إلى هلاك الطفل صحيًّا ومعنويًّا.

إن التربية الجسمية للولد وحدها تستدعي معارف كثيرة، يتعلق أغلبها بقوانين الصحة، وأن معرفة هذه القوانين تحتاج إلى مقدار عظيم من معارف أخرى لا بد منه ليتيسر فهمها. (6)

من هذا يتبيَّن أنَّ عمل المرأة في الهيئة الاجتماعية هو تكوين أخلاق الأمة، فلا شيء أهم من تهذيب نفوس الأطفال ليكونوا رجالًا صالحين، يضيفون إلى هذا المجتمع من علمهم وخُلُقِهم، وهذا أول ما يخطوه أيُّ مجتمع نحو مستقبل حضاري.

العائلة هي أصل تكوين الإنسان، وللأم الدور الأكبر والأهم في تكوين شخصيته واستقلالها، فهي المؤثر الأول في طباعه وسلوكياته.

فالوجدان والضمير الاجتماعي لا يظهر ولا يقويه وينميه إلا التربية البيتية.

ولا عامل لها في البيت إلا الأم، فهي التي تلقن ولدَها احترام الدين والوطن والفضائل، وتغرس في نفسه الأخلاق الجميلة، وتنفث فيه روح العواطف الكريمة. (7)

التربية والحجاب

إن كان لا عيب في الحجاب من منظورٍ عام، إلا أنه يعيقُ المرأة من متابعة تعليمها واستكمال تربيتها على النحو المطلوب، فالحجاب كالسدِّ الذي يمنعها من اكتشاف العالم الخارجي وخوض التجارب التي تساعد على بناء شخصيتها.

ففي المقام الأول هو مُنافٍ للحقوق الإنسانيَّة والقانونيَّة، ويمنع المرأة من التلذٌّذ بطعمِ الحرية.

لو لم يكن في الحجاب إلا هذا العيب — لكفى وحده في مقته، وفي أن ينفر منه كل طبع غُرز فيه الميل إلى احترام الحقوق والشعور بلذة الحرية. (8)

يرى قاسم أمين أنَّ المدينة الإسلامية أخطأت في فهمِ طبيعة المرأة وتقدير شأنها، والمقصود هنا بالمدينة الإسلامية ليس الدين ذاته، بل من جهة العلوم والآداب والعادات التي اكتسبتها الحالة الاجتماعية وصولًا إلى هذا الزمن، ذلك لأن عامل الدين ليس المؤثر الوحيد في تكوين تلك الحالة.

على تربية المرأة أن تكون كتربية الرجل، كالتربية الجسدية التي تُحافظ بها على صحتها وصحة أولادها من الأمراض والأوبئة، والتربية العلمية التي تُمكِّنها من استطلاع العالم وتذوُّق لذة المعرفة التي تساعدها على تكوين أفكارها الخاصة، والتربية الأدبية التي تتعلم من خلالها الأخلاق الحميدة والفضيلة.

في المسألة الأولى — لا نجد من الصواب أن تنقص تربية المرأة عن تربية الرجل. (9)

إنَّ تقدُّم الغرب في العلوم قد ساعد على ترقيتهم في الأدب والفنون والصناعة، أما تأخُّر المعارف في المدينة الإسلامية كان سببًا في انحطاط الآداب، إذ إن الحضارة الإسلامية كانت مزدهرة في شتَّى العلوم، ولكنَّ تميُّزَ الغرب بعقلٍ علميٍّ ناقدٍ وفكرٍ سليمٍ قد جعلهم متقدمين على حضارات كثيرة في العلوم السياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، فالحضارة الإسلامية مقتصرة على تاريخها فقط، وهذا ما منعها من التطور ومواكبة التمدُّن.

إنَّ نشوء الحضارة الإسلامية على أساسَين هما الدين والعلم؛ هو ما أدى إلى ازدهارها في الآداب، لكنَّ سُلطة الفقهاء جعلتهم يفرضون رقابة على العلم؛ مما أدى إلى منعه من التطور، إضافة إلى أنهم وضعوا حدًّا للاجتهاد في الدين.

كانت قوة العلم ضعيفة بجانب قوة الدين، فتغلَّب الفقهاء على رجال العلم، ووضعوهم تحت مراقبتهم، وزجوا بأنفسهم المسائلَ العلمية وانتقدوها. (10)

ختم قاسم أمين كتابَه مُبيِّنًا أنًّ حُريَّة المرأة وحقوقها ليست عادة، بل نمط حياة، وأنه على الإنسان أن يُكوِّن لنفسه رأيًا صحيحًا مستندًا إلى النظريات الفكريَّة الصحيحة قبل الحُكم بمقتضى قواعد تخيلية وغير ثابتة.

اقرأ أيضًا: ماذا أراد قاسم أمين بتحرير المرأة؟

المراجع
1. (بلا تاريخ). تأليف قاسم أمين، المرأة الجديدة، مؤسسة هنداوي، (صفحة 15)
2. المرجع نفسه (صفحة 22)
3. المرجع نفسه (صفحة 28)
4. المرجع نفسه (صفحة 34)
5. المرجع نفسه (صفحة 47)
6. المرجع نفسه (صفحة 61)
7. المرجع نفسه (صفحة 71)
8. المرجع نفسه (صفحة 79)
9. المرجع نفسه (صفحة 79)
10. المرجع نفسه (صفحة 86)

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: راما دحدوح

تدقيق لغوي: شروق عصمت ديركي

تحرير/تنسيق: نهال أسامة

الصورة: المحطة

اترك تعليقا