المدينة الفاضلة وأحلام الفلاسفة

تقديم:
كتب الفلاسفة في السِّياسة والمجتمَع والأخلاقْ، ومن تجارب الحياة تأمَّلوا في مَرامي وأبْعَاد الوُجود الإنسانيِّ؛ للبَحْث في النَّماذج المُمكنةِ في القِيادة والتَدبير لأجْل غاياتِِ وأهدافٍ بعيدةِ المدى، فكانت أفكارُه عِبارة عن تَطلُّعات وأحلام في بناءِ تَصَوراتٍ لما ينبغي أن يكون، تصوراتِِ يمكن وصْفها على أنَها حَالِمة أو مِثاليِّة وتصبُّ في خَانة النَظْرة الثَّاقبة في ربط المُجتمع بالإطارِ السِّياسي المُمْكن في التَفاعُل بينَ مُكوناتِ المُجتمع وطَبقاته، يُوتوبيا والمُدُن الحالمة، والمُجتمعاتِ المِثاليِّة، وَنهاياتٍ للكياناتِ التي تَعني القُدرة في تَحقيقِ العَدَالة والحقِّ والإنْصاف، سَعادة النَّاس في المُدُن المِثاليِّة حُلم الفلاسفة، وإزِالة الشَّر وتعميمِ الخَير الأسْمى، فطموحاتُ الفلاسفة بالفعل مُصاغة في قوالبٍ فكريةٍ ترمي للتَّجاوز والبِناء، وتسعى للنَّماذجِ المُمكنَة في رَبط السِّياسة بالأخْلاق، والمُجتمع الطُوباويّ بالمُثُل التي يُنادي في تحقيقِها الفيلسوف، مشروعُ اجتماعيّ وسياسيّ يعيدُ الاعتبارَ للحُكم الرَّشيد والعَادلِ، ويقيمُ عَلَاقةََ متكاملةََ بينَ الحَاكِم والمَحْكوم، وينساقُ وراءَ أحلامِِ مُمكنةٍ بوجودِ شروطِِ مُمكنةِِ في الحَاكم وتدبير السِّياسة، ومُواصفات الفيلسوف الحكيم الذي يتسِمُ بالمَنطقِ والتَّعقُل والعَدل والاستقامةِ والرَّزانة، حاكٍ متفرِّق للشَّأن السِّياسيّ، غيرُ مقيَّد بالأطفالِ والنِّساء، إنسانُُ تدرَّج في مَراتِبِ العِلمِ والمَعرفة؛ وبَلَغت في قُوَّة مَداركِه دَرجةٌ عالية مِن السُّمو في صُعُوده من عالمِ الحَواس والظَّن، إلى عالم المُثُل والحَقَائق الخَالِدة.

مُواصفاتُُ كهذهِ لا تَتوفَّر إلا لِمَن عَاشَ تَجارُب الحَياة، واقتَنَعَ بِضرورةِ أنْ يَهَبَ نَفسه طَواعِيةً لخدمةِ الشُّعوب مدنٌ حالمةٌ ويُوتوبيا المُجتمعاتِ المثاليِّة في غَرْس العَدالة والعَواطِفِ الإنسانيِّة النَّبيلة مِن هَيمَنةِ الاجتماعِ الفَاضِل، وسِيادةِ رُوحِ التَّديُّن الحقيقيَّة من خِلال مُدنٍ دِينيِّة، أو هكذا شَيَّد الفِكرُ السِّياسيّ تَصورًا لما ينبغي أنْ يكونَ في عَالَمِ السِّياسة، من الوَاقِعِ إلى الخَيال والأَحْلام، مِن العَالمِ الأفلاطونيّ، إلى يُوتوبيا الكَياناتِ الحَالمةِ مَع توماس مور وكامبانيلا والقِدِّيس أوُغسطين ومدينة الفَارَابي الفاضلة، وتَأَمُّلاتِ فرنسيس بيكون عن اطلنطيس القَارَّة الغَارِقَة في المُحيطِ الأطْلسي، والمُجتمعُ الشُّيوعيّ عند ماركس في زَوالِ الرَّأسماليِّة، والمُلكيَّة الخاصَّة، والتَّبشيْر بالمجتمعِ المِثاليّ أو ما نقْرَأه الآن في عالمِ السِّياسة من عَولَمَة وتعميْمِ النَّموذجِ اللِّيبْرَالي في السِّياسة والتَدْبيرِ والاقتصادِ والثَّقافة، ونِهايةُ التَّاريخِ والإنسانِ الأخِير، فأحلامُ الفلاسِفَة -كما كَتَب عنها سلامة موسى- نظرياتٌ في الإصْلاحِ الاجتماعيّ والنُظُم السِّياسية، ورُؤىً في المُمْكِن والمُسْتَحِيل؛ فالخيالُ يُصنَعُ مِن المُستحيْلِ إمكاناتٍ في العَالمِ والمَعْرفة، وفي بناءِ المُدُن الفَاضِلة لأجلِ السَّعادة. ومن اليُوتوبيا جاءتْ الفَلسفةُ السياسيِّة بنظرةٍ واقعيَّة، مِن المِيكَافليِّة ونصائِح للأَمير المُهاب والقُوِي، ومن الفِكر التَّعاقُديّ الذي بَلْوَر فيْه “توماس هوبس وجون لوك” آراءَ جديدةٍ في عَالَمِ الحُكم والسُّلطة، وفي أشكالِ التَّدبِيرِ والتَّسيْير للدَّولة، هذا يعني بدايةَ انفصالِ السِّياسة عن الأخْلاق، بين عالمِ القِيمِ المِثاليَّة وفنِ تدبيرِ المُمكن؛ برؤىً تميلُ للمَصالِحِ والمَنافع، وكلّ
ّما هو نسبيٌّ ومتغيِّر في إستراتيجيَّة مُمارسة الفِعل السِّياسي .

1- أفْلاطون والجُمهوريَّة المِثاليِّة

كتبَ أفْلاطون عن إشكالاتٍ مُتنوعَة، وتأثَّر الفَيلسوفُ بِسقْراط ؛في طَريقتِه الخاصَّة في الجِدَال والحِوارِ وتَوليْدِ الأفْكار، كما أنَّ تعليمَ الشَّبابِ الأثْيني الفَضائِلَ كانَ مِن أولوياتِ سُقراط، وفي أجْواء الفِكْر السُّقراطِيّ تَربَّى أفلاطون عَلى ذلك كَارِهًا السِّياسة والنِّظامَ الدِّيْمُقرَاطِي، الذي لمْ يَكُن سِوى نظامَ الغَوْغاءِ في إعدامِ المُعلمِ سُقراط بقرارٍ غيرِ مُنصفٍ من قِبَل القُضاة. وهناكَ محاوراتُُ عِدَّة منها “الدِّفاع”، دَوَّن فيها أفلاطُون حَيْثيَّاتِ المُحاكمة، وشُمُوخِ المُعلِّم سُقراط الذي عَرِفَ من البِداية أنَّ القَضِيَّةَ سِياسيِّة وادِّعاءٌ عامْ، وليْسَت قَضيَّةً بين أطرافٍ بِذاتِهَا، خَطيبٌ وشاعرٌ ورجلُ سياسة، أو ما يتعلق بِصَكِّ الاتِّهامِ من قُبيْل سَبِّ الآلهَةِ وإفسَادِ عُقُول الشَّباب، إضافةََ إلى واقعِ الحَال في تَزَايُد شَرَارةِ الحُرُوب بينَ اسبرطَة وأثيْنا، والتِي صَوَّرَها بركليس على أنَّها حَربٌ بينَ نظَامَيْن مُتناقِضَيْن نِظامُُ دِيمقْراطيّ في أثيْنا، ونظامٌ عسْكريٌّ استبْداديّ في اسْبرطة، وعندما يلتَفُّ أفْلاطون على كُلِّ الأسبابِ الذَّاتيَّة مِنها والمَوضُوعيِّة، يُريْدُ الفيلسُوف إخراجَ تَصَوُّراتٍ جَديدةٍ للسِّياسة والحُكم غيَر مُنفصلة عن الحقيْقة والمَعْرِفَة.

جمهورية أفلاطون تَراتُبَّية مُكوَّنة من ثلاثِ طَبقات: الفلاسِفة للرِّئاسة، والجُنُود للحِراسَة، وعامَّة الشَّعبِ للعَمل والإنتاجِ؛ ولكلِّ طبقةٍ قيمَتُها ومَكانَتُها، ولا حاجةَ للاختلاطِ بينَ الطَّبقات، فنزْعَةُ  أفلاطون واضحةٌ نحو الكَمال، فمنْ وراءَ الأعْراضِ والمَحْسوساتِ تكمُن الحقائقٌ الخالدةُ والأزَليَّة، ولنْ يتمَكَّن الإنسانُ المُنغمِس في عالمِ المَحسوساتِ من الصُعُود وإدراكِ الحَقيقة، كما التَمَس أفلاطون في التمييزِ بين العَوالِمِ أسطورةَ الكهْفِ للتَدّلِيلِ أكثَرْ على جَدارةِ الفِكرَة، وتحرَّرَ الفَيلسوفُ من الأَحكامِ البَسيْطَة والرَّأي العَفَويّ، وجميعِ الآراءِ الجَاهِزَةِ للصُّعودِ إلى عالم المَعْرفة والحَقيقة. فالفلاسِفة من طِينَةِ الذَّهب، والحِكْمةُ مَيِّزتُهُم في حُسْن تَدبِير المُجتمعِ، والتَّدرُّجِ في خلقِ الفَلاسِفَة يحتاجُ للتَّربِيَةِ السَّليمة، في الذَّوقِ وفي سُلَّم المَعْرفة والعَمَل؛ من الخِدْمَة العَسكريَّة إلى تَحصِيْل العُلوم، ثم عَملية الانتِقاء، حتى أنَّ طُموح أفلاطون في تحقيق الجُمهوريَّة العَادلةِ باءتْ بالفشلِ في صِقليْة مع حَاكِمها لأسبابٍ معيَّنة فلا تتوفر مجموعة من المُواصفات في الحَاكِم السِّياسي- وَعاد الفيلسوف إلى أثِينا وأنشَأ هُناك الأكاديميَّة .

2- المُدُن المِثاليَّة في الفِكْر الغَرْبيّ

بقيتْ المُدُن الحَالمَةُ واليُوتُوبيا حاضرةً في أفكارِ المُفكرينَ كَذلكْ في العُصُور الوُسْطى فِي الغَرب، وصَاحَبَ هذا التَّفْكير المُناخُ العَام الذي عرفتْهُ أوروبا في عصر النَّهضة وقبلها، “توماس مور”؛ الانجليزي الذي كان وزيرًا لهنري الثَّامن، الذي أعْدمه في النِّهاية لاتهامِه بالخِيانة، يَعرف توماس مور بِحُكم تَجُربَتِه في عَالم السياسة الدَّسائِس والمَكْر، وقد يَكُون هَذا السَّببَ الرَّئيسَ في تَحَوُّله إلى قدِّيس يحكي ما شَاهَدَه في جَزيرة يُوتوبيا؛ جزيرةٌ خضراء أهلُها يسكنُوْن في بيوتٍ مَفتُوحة وَيُمارِسُونَ أنشطةً زراعيَّة، ويتمَيَّزُ نظامُ الإنتاجِ بالاكتفاءِ الذَّاتي، وهناكَ تعاوُنٌ بنَّاءٌ بينَ أبنَائِها، ويَسُودُ بينهُم الاجتماعُ الفاضِل، رحلةٌ واحِدةٌ للجَزيرةِ قَد تُبين حاجةَ العَقْل البشريِّ إلى بناءِ تصوراتٍ للمُجتمعِ بعيدًا عن حالةِ الطبِيعةِ واستبدادِ الأُمَراءِ، وحالةِ الاندفاعِ نحُوَ الحُروبِ والمَكائِد ، فلا يُمْكن عزلُ المُفكِّر عن عَصْره وَزَمَانِه، ولا يُمْكن القَوْل أنَّ عالم الخَيال والتَّأملاتِ بعيدََا عن الواقعِ أمرٌ غيرُ مَحمُود، والسَّببُ هُنا أن توماس مور كانَ على دِرايةٍ بالوَاقِع. وعندما تحوَّل إلى قديسٍ اختلطتْ الواقعيَّة بالخَيال، فنَسَجَتْ حِكايةً من جَزيرةٍ في غايةِ التَّعايُش والتَّسامُح، اشْتِراكِيَّة الاجتماعِ البشريّ والحُرية في الرَّأي والمُعتقد، أمَّا توماس كامبانيلا، من أهَمِّ إنتاجِه” مَدينةُ الشَّمْس” القَائِمة على جِبل سيْلان، يختارُ النَّاس واحدًا من الصَّفوة للرِّئاسَة، وَديانَةُ هذا المجتمعِ عِبادة الشَّمس، هذه المَدينةُ تخضع لنظامٍ تِيوقراطيّ، يعملُ فيه الكَهَنَةُ قضاةََ، وتنعمُ هذِه المَدينةُ بالسَّلم والأمْن، ويعيشُ أهلهَا في تَنَاغُم، وفي رؤيةِِ أُخْرى للقديِّس اوغطينوس من خلال عمله “مدينةُ الله” حيثُ يُسَلِّطُ هَذا الكِتابُ الضَّوء على سُلطةِ رُوما وَقَسْوتها، وعلى ما أصَابها مِن نهبٍ من قِبل القُوطيين كعِقابٍ صريحٍ من اللهِ على أعمالها، والسَّببُ في انحطاطِ روما لا يعُود للأسبابِ الدِّينيَّة بل للفَسادِ الذي بَدأ يسْتَشري في المُجتمع والسُّلطة، ويجبُ التَّأكيد على الجانبِ الإلهيّ في حَياة البَشر، مدينة اللهِ ومدينةُ الأرْض، يعني الصِّراعُ على النُّفوذِ بين السُّلطةِ الدِّينية والسُّلطَة الزَّمنيَّة، جَماعاتُُ من المؤمنيْن مُلتزمُون بالتَّعاليمِ الحقيقيَّة للمَسيحيَّة، في مقابِل الوَثَنييْن الذين عَجِزوا على تَوفِير السَّعادة في الأرْض، فالعدالةُ الحقيقيَّة لنْ تتحققَ إلا في مدينةِ اللهْ .

إعلان

3- الفَارَابيْ و المدينة الفاضلة

يقدِّم الفيلسوفُ أبو نَصر الفَارَابيْ تَصوُّره لـ المدينة الفاضلة ، ولا ننْفي التَّأثيرُ البَالغُ لأفلاطونْ في جُمهوريتهِ المثاليَّة على الفَارَابيْ، إلَّا أن فيْلسوفنا لمْ يشيِّد هذا التَّصُور من فَرَاغ، جاءتْ فِكرتُه نَتِيجة للأوضاعٍ الاجتماعيَّة والسِياسيَّة في ذلكَ الزَّمان، ونتيجةََ للتَفكيرِ الفلسفيّ في مَرامِي السياسَة وغاياتِ الوُجودِ البَشَريّ، المدينة الفاضلة يَسُودُها العَدلُ والاجتماعُ الفَاضِل، بمثابةِ الجَسَدِ التَّام السَّليم من الأمراضِ ومُتناسقُ الأعضَاء، مدينةٌ قائمةٌ على التَّعاونِ والتَّضَامُن، وَسُكَّان المدينةِ الفاضِلة يتَّصِفُونَ بِصِفاتٍ مُشْتركة، ويُزَاوِلون أنشطةً مختلِفة، ويشترطُ في الرَّئيسِ أنْ يكونَ جيِّد الفِهْم والحِفْظ والفِطْنة، حَسَن العِبارة، محبًا للعلمِ والمَعْرفة، محبًا للعَدل مُبغضًا للجُور، وأنْ يَكُون بالفِعْل حكيمًا محبًا للفلسفة وسليمَ الجَسَد، حافظًا لسُنَنٍ وشرائعَ الأوَّلين، بعيدًا عن الشَرَه والنَّهَم، معتدلَا في المَلذَّات والشَهواتِ الحِسيَّة البَدنيَّة، بارعََا في فنونَ الحَربِ والقِتال، ومِن أهمِّ الشُّروط التي ينُصُّ عليْها الفَارَابِي؛ الحِكمةُ والتَّبَصُّر، وجاءتْ المدينةُ الفاضِلَةُ ثَمرةَ التَّفكيْرِ في النَّموذجِ الأرْقى للعَيْش السَّليم، والبِناءِ الذي يَكتَمِلُ مَع سَيْرورَةِ الزَّمَن حَتَّى تنسَجِمَ الرُّؤَى بينَ أفرَادِ المدينة، ولا يَغْفَلُ الفَارَابيْ أن للمَدينَة الفاضِلة مُضادَّاتُها من المُدُن الأُخْرى؛ ومِنها المَدينَة الجَاهلَةُ والمَدينَةُ الضَّالة، والمديْنة المُتبدِّلة والمدينَة الفَاسِقة، نماذجُُ مِن المُدن المُضادَّة التي لا يَسُوْدُها الاجتماعُ الفَاضِل، ولا تَعْرف تعاونًا وتماسكًا بين أفرادِها، وعندما يتجاوزُ النَّاسُ هذا النَّوع من المُدُن يصبِحُ العَيشُ في كَنَف المدِينة الفاضِلة تعبيرٌ عن آراءِ أهْلها مِن أَصْحاب الفَضْل، ويسيرُ النَّاس على خُطى رَئِيسها في القِيادة والفِكْر، ومِن اللَّافِتِ في الأَمْر أنَّ المَدينة الفاضِلة مبنِيَّةٌ على العِلم والمَعْرفة والأخْلاق، والغَاية منْها تَحقيْقُ الكَمَالِ والسَّعادة، ولنْ يَنالَ الإِنسانُ هذه السَّعادةَ إلا بِفْضل مجموعةٍ من الشُّروط يجِب أنْ تتَوفَّر في المدينةِ ورَئِيْسها، وفي قيِمة الاجتماعِ الفَاضِل المِبنيِّ على التَّعاونِ والتَّضَامُن، لذلكَ يُميِّز الفَارَابيْ بين الوَاجِب والمُمْكن، ويُحاولُ تثبيتَ فكرةٍ أساسيَّة عن ذلكَ التناغُم الذي يسُودُ قُوى النَّفس، بينَ القُوَّة العَاقلَة والقُوَّة الغَضَبيَّة والقُوَّة الشَهوانيِّة، والسَّعادةِ التي تتحققُ بفضلِ القُوَّة العَاقِلَة وتطهيرِ النَّفس، فلا كمالَ بِدون مدينةٍ مُتكاملة، ولا سعادةَ بدون فَضِيْلة-هكذا عبَّر المُعلِّم الثَّاني في تصوُّره عن الوَاجِب والمُمْكن- وفي وَضْعيَّة السِياسة والمَجتمع، فوضَعَ على مِنوال أفلاطون صُورةً للمجتمعِ المِثاليّ الذي لا يَنْفصِلُ عن رُؤيتِه الفَلْسَفيَّة للوُجودِ والحقيقَة والمَعْرفة، الوِحْدة والتَّضَاد، والجَمْع بينَ الآراءِ والتصنيفِ والتَّقسيمِ والتَّوفيق بينَ مقاصِد الشَّريعة الإسلاميَّة والحِكمة، وأنَّ الفلاسفَة في الإِسلامِ أدْركُوا أنَّ ما في الدِين هُو مُجرَّد مثَالات لِمَا في الفِلسفة، وَلِذلكَ يُعتبر الفَارَابِي مُؤسسَّة الفلسفة الإسلاميِّة، وقراءةُ أفكارِه يجبُ أن تَبدأَ من العَصْر الذي عاشَ فيهِ الفِارِابيْ، والجَوانِبَ المُضيْئةَ في فلسفَتِه يُمكن أنْ تكونَ مُنطلقًا لبناءِ الأمَّة، بَلْ حَتَّى في نَقد الغَزالي لِلفارابي فَي نَظريَّة الفَيضِ وتَكْفيرِ الفلاسفةِ في أشياءَ معيَّنة لا يتَوافَقُ والتُّراثَ الفلسفيَّ الكَبيْر الذي تركه الفَارَابي في المَنطِق والجَمْع بينِ الحَكِيمَيْن والتَّأليفِ في السَّعادة والمُوسيِقَى، ومباحثَ أخْرى تَجعلُ مِن المعلِّم الثَّاني كَما قال ابن خلكانْ وصاعد الأندلسيَِّ وابن سَبعين أَفْهمَ فلاسفةِ الإسلامِ وأكْثَرَهمُ علمًا .

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: أحمد شحيمط

اترك تعليقا