اللغة أداة تواصل وليست فنًا يجب إتقانه

تقول مدربة مهارات التواصل مريانا باسكال: “بدل التعامل مع اللغة الأجنبية على أنها فن يجب إتقانه، تعامل معها على أنها أداة تستخدمها للحصول على نتيجة”.

هذا المقال جزء من سلسلة (كيف تصبح إنسانًا أفضل) الخاصة بمنصة TED، وكل جزء منها يحتوي على نصيحة مفيدة من أشخاص في مجتمع TED. تصفح جميع المنشورات هنا.

وفقًا لمدربة مهارات التواصل مريانا باسكال في نقاش “TEDxPenangRoad”: “يتعامل الكثير منا مع اللغة الجديدة عند دراستها بالخوف والارتباك الشديد؛ فإذا اقترفنا خطأً ما وقلنا شيئًا بغير طريقة قوله الصحيحة فإننا نتسمر خجلين ونقسو على أنفسنا. لكن كما يتضح فإننا سنتجاوز كل هذا من خلال تخفيف تركيزنا وتقليل قلقنا حيال قول الشيء بالطريقة الصحيحة”.

قضت باسكال 20 عامًا في ماليزيا لمساعدة الناس على التحدث باللغة الإنجليزية بشكل أفضل، واكتشفت مع مرور الوقت حقيقة مفاجئة وهي أن إمكانية الشخص على التواصل بلغة جديدة ليس له علاقة بمستواه في إتقان تلك اللغة بل بموقفه تجاهها.

و قد لاحظَت كمدربة أنه برغم مستوى بعض الطلاب المنخفض في اللغة الإنجليزية، لكن لا زال بإمكانهم التواصل بفاعلية كبيرة؛ فهي تتذكر طالبًا يُدعى فيصل، وكان مشرفًا على مصنع. ورغم عدم معرفته الجيدة باللغة الإنجليزية إلا أنه يستطيع أن يجلس ويستمع إلى أي شخص بهدوء ووضوح شديدين، ومن ثم بإمكانه الرد والتعبير عن أفكاره بشكل جميل وسلس. كما لاحظت أن بعض الطلاب في مواقف مغايرة كانوا يعرفون قدرًا كافيًا من اللغة الإنجليزية ولكن كان من الصعب عليهم التعبير عما يفكرون به.

إعلان

أدركَت باسكال وقتها حقيقة مهمة واستدركت قائلة: “كانت ابنتي تأخد دروس بيانو في ذلك الوقت، ولاحظتُ أن هناك شبهين قويين بين سلوك ابنتي أو تفكيرها في عزف البيانو، وبين الكثير من تفكير الماليزيين أو مواقفهم تجاه اللغة الإنجليزية”.
التشابه الأول كان متعلقًا بخوفها من أن تكون مخطئة. وتقول باسكال إن ابنتها كرهت البيانو وكرهت دروسه وكرهت ممارسة عزفه، ووصفتها قائلة: “لقد كانت مغمورة بالرهبة، لأن كل شيء كان متعلقًا بعدم فشلها في العزف، صحيح! ومن وجهة نظر ابنتي ومدرستها فإن نجاحها بعزف البيانو كان يقاس بقلة الأخطاء التي ترتكبها”.

وتضيف باسكال: “وفي نفس الوقت لاحظتُ أن العديد من الماليزيين شاركوا في محادثات إنجليزية بنفس شعور الرهبة هذا. هذا الشعور بانتظار انتقاد الآخرين لعدد الأخطاء التي سيرتكبونها وما إذا كانوا سيفشلون أم لا”.

أما عن التشابه الثاني فكان متعلقًا بنظرة الشخص لنفسه، تقول باسكال: “كانت ابنتي تعرف كيف يبدو العزف الجيد على البيانو، لأننا جميعًا سمعنا عزفًا محترفًا للبيانو، وكانت تعرف مستواها وتعرف كم يجب عليها ممارسة العزف للوصول إلى تلك النتيجة”.

وقد أخبرت باسكال أن نفس الشيء يحدث لمتعلمي اللغة الإنجليزية: “لقد لاحظت أن العديد من الماليزيين كانت لديهم هذه الفكرة عن كيف يجب أن تبدو اللغة الإنجليزية السليمة. وكم الوقت الذي يحتاجونه للوصول إلى  تلك النتيجة”.

ومع ذلك فإن ما سبق لم يُجب على سؤالها، فرغم أنها أصبحت تعرف ما الذي يجعل بعض الناس يعانون لكنها لم تعرف تمامًا ما الذي جعل غيرهم ينجحون.

بعدها ذهبت باسكال إلى مقهى الإنترنت وكان يجلس بجانبها شخص يلعب لعبة إطلاق نار بينما كان أصدقاؤه يشاهدونه، ولم يكن لاعبًا جيدًا. وفي نفس الوقت رأت باسكال شيئًا لافتًا للنظر: “رغم أن هذا الرجل كان لاعبًا سيئًا، وبالرغم من مشاهدة أصدقائه له، فلم يكن هناك حرج، ولم يكن هناك شعور بالخوف من التعرض للانتقاد. لم يكن هناك خجل”. بل كان يركز بشكل كامل على المهمة التي في متناوله وهي إطلاق النار على خصومه.

تقول باسكال: “أدركتُ فجأة أن هذا هو السلوك الذي يتخذه بعض الأشخاص مثل فيصل عند الحديث باللغة الإنجليزية”. كما هو الحال مع اللاعب السيئ، عندما يدخل فيصل في نقاش باللغة الإنجليزية. توضح باسكال: “لا يشعر بأن الناس ينظرون إليه بطريقة تدعو للسخرية، فهو يركز بالكامل على الشخص الذي يتحدث معه والنتائج التي يرغب بالحصول عليها. فهو لا يملك أي وعي ذاتي، ولا يفكر في أخطائه”.

هنالك اختلاف كبير بين شخص يتكلم لغة جديدة كما لو أنه يعزف البيانو وآخر يتكلمها كما لو أنه يلعب ألعاب الفيديو. الأمر يتعلق بالاتجاه الذي يركزون عليه ويهتمون له. تقول باسكال: “لدينا شخص في مرتبة عالية في اللغة ولكنه يصب كل اهتمامه على نفسه وكيف بإمكانه أن يكون ممتازًا، وبالتالي فهو غير فعال. ولدينا شخص في مرحلة متدنية ولكنه يصب كل اهتمامه على الشخص الذي يتحدث إليه وبالتالي فهو فعال”.

تؤمن باسكال أن التحدث باللغة لا يشبه تلك الامتحانات التي قدمها الكثير منا في المدرسة فيؤدي خطأ إملائي صغير أو خطأ نحوي إلى ظهور علامة (X) حمراء من المعلمة، أما في العالم الحقيقي فالأخطاء الصغيرة لا تهم، بل ما يهم هو سعينا لأن نكون مفهومين. تقول باسكال: “إذا أردت أن تتحدث الإنجليزية مثل فيصل بهذه الثقة الكبيرة، فإليك الشيء الوحيد الذي بإمكانك فعله عند الحديث؛ لا تركز على نفسك، بل ركز على الشخص الآخر والنتيجة التي تريد تحقيقها”.

وخلاصة باسكال: اللغة ملكك، إنها ليست فنًّا يجب إتقانه، بل هي مجرد أداة يتم استخدامها لتحقيق غاية ما. وتضيف: “هذه الأداة ملك لك”.

نرشح لك: الكورسات أم التعلم الذاتي؟ كيف أتقنت اللغة الإنجليزية؟

المصدر

إعلان

فريق الإعداد

تدقيق لغوي: دعاء شلبي

تدقيق علمي: آلاء الطيراوي

ترجمة: كارينا فراس

تحرير/تنسيق: نهال أسامة

اترك تعليقا