هل يمكن لشخص نرجسي أن يعيش حياة زوجية سعيدة؟

لعل ما يحدث وراء الأبواب المغلقة لا يتمتع بالجاذبية التي قد تبدو عليها الأمور.

قد يبدو أن العديد من الناس من ذوي اضطراب الشخصية النرجسية يتمتعون بزواج سعيد وناجح، وقد يظهرون في منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي وهم مبتسمون مع أزواجهم على العشاء، أو يسيرون على الشاطئ يدًا بيد، بل ويعيدون عهود زواجهما أمام العائلة والأصدقاء، فهل ينبغي أن نصدق هذه الصور؟ هل يمكن لشخص نرجسي أن يعيش حياة زوجية سعيدة؟

للأسف الجواب في معظم الأحيان هو النفي؛ فالصور والسلوك العلني للزوجين يُظهِر شيئًا، بينما يحدث شيء أقل جاذبية خلف الكواليس، فبعد انتهاء مرحلة المغازلة، فإن جميع العلاقات التي يمثل أحد طرفيها شخص لديه اضطراب الشخصية النرجسية تتضمن شكلًا من أشكال الإساءة والكثير من التوتر، وبما أنه ليس جميع من لديهم اضطراب الشخصية النرجسية يتشابهون، فإن لكل زوجين معاناة خاصة بهما، وإن كانت هذه المعاناة تتبع نمطًا يمكن التنبؤ به.

عادةً ما ينغمس الزوجان النرجسيان في شجارات حول أمور تافهة، ويهينون الشريك بألفاظ جارحة، ويميلون إلى أن يكونوا متطفلين ومتحكمين، وكثيرًا ما يقولون أو يُقدِمون على أمور جارحة جدًا، وفي بعض هذه الزيجات التي تبدو سعيدة يعاني شريك الشخص النرجسي من الاعتداء الجسدي ويخفي الكدمات بالملابس أو مستحضرات التجميل، حتى في الحالات التي لا تشهد أمرًا جللًا، فإن الغالبية من النرجسيين يتجاهلون طلبات الشريك “وينسون” احترام أي وعود قطعوها والتي لم تعد تناسبهم، مثل عهود الزواج بالتزام الوفاء، أو وعد العودة مبكرًا للعشاء.

وإذا حاول الشريك غير النرجسي إجراء محادثة عقلانية حول ما يشعر به وأنه أمر غير عادل، فمن المرجّح أن يغضب الطرف النرجسي، فالأشخاص الذين يعانون من اضطراب الشخصية النرجسية غير مستعدين لتقبل أي مسؤولية عن أي شيء يفعلونه قد يؤدي إلى تعاسة الشريك،  فقد يلجأون إلى الكذب، أو يحرّفون الحقيقة، أو يعيدون كتابة التاريخ، أو ينقلون اللوم عن أنفسهم ويُظهرون أنفسهم على أنهم الضحية الحقيقية، فما يريدونه في هذه اللحظة يمثل أهمية أكبر بالنسبة لهم عن الحقيقة أو سعادة شريكهم.

 

إعلان

لماذا يبدو الزوجان سعيدين جدًا؟ 

إن السبب الشائع هو أن أحد الزوجين أو كلاهما يدّعي السعادة، فالأشخاص الذين يعانون من اضطراب عالٍ قادرين على جعل الشريك يجهش بالبكاء قبل الخروج إلى حفلة أو عشاء مع زوجين آخرين، ومن ثم قضاء بقية الأمسية متظاهرًا أن كل شيء على ما يُرام، وعادةً فإن لكل من الزوجين أسبابه الخاصة للحفاظ على المظاهر.

  • الشخص المصاب باضطراب الشخصية النرجسية (NPD) يحتاج أن يظهر بأبهى صورة وعلاقة زوجية مثالية.
  • قد يحاول الشريك غير النرجسي تجنُّب التَّعرُض للإحراج على الملأ، لذا فهو أو هي يستمر بالتظاهر.
  • والأسوأ من ذلك، قد يكون الشريك غير النرجسي خائفًا من اطّلاع أي شخص بالحقيقة حول العلاقة الزوجية.

ويشعر الكثير من الناس في هذه الحالة بعدم القدرة على الخروج من هذه العلاقة، حتى عندما تتحول إلى علاقة مؤذية، ويستمر الناس في هذه العلاقات لأسباب مختلفة، منها: نقص الأموال، أو الخوف من الوحدة، أو مشاكل الاعتماد على النفس، أو معتقدات دينية، أو عدم الرغبة في حرمان الأطفال من أحد الوالدين، ويكره العديد من الشركاء النرجسيين المواجهات، على أمل أن تتحسن الأمور إذا ما قاموا بتجاهل السلوك السيء.

وإذا كان الشريك النرجسي يتمتَّع بقدراتٍ عقلية عالية، فمن المرجَّح أن يحظى الشريكان بأوقات جيدة معًا، وأوقات صعبة أيضًا، وهذا يخلق وضعًا يكون الشريك المُساء إليه في موقف لن يرغب بخلق حالة من التّوتر والتّذمر بينما تسير الأمور على ما يرام، وعندما تسوء الأمور ويصبح الشخص النرجسي غاضبًا، ويبدأ بتقليل قيمة شريكه، فالشريك غير النرجسي يعرف أن التّذمر سوف يُصعّد من الوضع.

معضلة الشريك

مع رغبة الشريك غير النرجسي في الحفاظ على هذه العلاقة، فإنه يتعلّم أنّ عليه تجاهل الكثير من السلوكيات السيئة لشريكه، ومع مرور الوقت فإن هذا التجاهل يسمح للشريك النرجسي بالسيطرة والتحكم بشكل متزايد في مختلف جوانب حياتهما، أما محاولة إخبار الأهل والأصدقاء عن حقيقة علاقتهما فقد يكون أمرًا مُحرِجًا للغاية؛ فيصعب شرح مدى قدرة هذا الشخص الذي يبدو لطيفًا على الإساءة والتحكم لأناس لم يخوضوا قط تجربة العيش مع شخص نرجسي، وإذا ما نجحت في شرح ذلك فلن يفهموا سبب عدم خروجك من هذه العلاقة.

وهناك ثلاث صيغ أساسية لمعضلة الشريك، وتختلف تبعًا لخصائص النوع النرجسي الفرعي للشريك.

1. النرجسي المتباهي: عندما لا يلبي الشريك رغباته فإنه يغضب ويقلل من قيمة الآخر، ونادرًا ما يحترم النرجسيّ المتباهي الوعود التي قطعها مع شريكه، إلّا إذا كانت هذه الوعود تتفق مع ما يرغب فيه عندئذ، فإن لم تتفق- الوعود- فغالبًا ما “يتناسى” الوعود أو يزعم أنه لم يقل “هذا” أبدًا، أو أنه لم يكن يقصد هذا المعنى، بل إن بعض النرجسيين المتباهين منفصلون عن الحقيقة لدرجة أنهم يكذبون بحرية، بينما يحرّف البعض الآخر الحقيقة إلى أن تتناسب مع احتياجاتهم.

مثال المتباهي: سام وفران

جاءت فران من عائلة محبة ومترابطة، وعندما تزوج سام من فران وافق راضيًا أن يتناول العشاء مع والديها وأخوتها مرة في الشهر، إلّا أنه بعد زواجهما اكتشف أنه لا يحب هذه الأمسيات، لأنه ليس محطَّ الاهتمام، وأنهم أحيانًا يطرحون مواضيع مملّة بالنسبة له.

وبدأ سام بإيجاد أعذار ليفوّت ولائم العشاء هذه، وعندما لاحظت فران ذلك قامت بتذكيره بوعوده، فهاج غاضبًا وأخذ يسيء إليها قائلًا:

أنتِ متعلّقة بعائلتك كثيرًا، وهذا غير صحيّ! إضافةً إلى ذلك فهم دائمًا يتجاهلونني، ولو كنت أعرف ما كانوا عليه حقًا ما كنت لأقطع هذا الوعد، إنّه باطلٌ ولاغٍ الآن، وإذا أردتِ زيارتهم فاذهبي وحدك، ولكن لا تتوقعي مني أن أجلس في البيت بانتظارك“.

2. النرجسي المختلي: عادةً ما تقل قدرة المواجهة مع الشريك لدى النرجسي المختلي؛ ذلك أنه أكثر شعورًا بعدم الأمان مقارنةً بالنرجسي المتباهي، فيرى النرجسي المختلي نفسه أحيانًا ضحيّةً عاجزةً، ويبرّر سلوكه السَّيء بأن الشريك قد أخطأ في حقّه، ومن ثمّ فقد يلجأ إلى تضخيم الأمور أو إخراجها من سياقها لإثبات وجهة نظره، أو يكذب بشكل واضح حتّى يتمكّن من تجنُّب العواقب، وبالنسبة له فإنّ ترجمة “يبرر” هي أن الشريك لم يفعل ما يرغب فيه.

مثال: سارة التطفلية وتشارلز

لدى سارة النوع الفرعي من (NPD) النرجسي المختلي، فهي تبدو لطيفة وودودة إلّا أنها تشعر أنها صاحبة حق في أن تحصل على ما تريد، كما أنها أنانية وتفتقر للقدرة على التعاطف، كما الحال مع أي نوع آخر من أنواع اضطراب الشخصية النرجسية، فقد تكون سارة كثيرة المطالب وتطفلية عندما لا تحصل على ما تريده أو تعتقد أنها بحاجة إليه.

عندما تشعر سارة بالقلق أو الملل، تقوم بالاتصال بزوجها تشارلز في العمل وتطلب التحدث معه، على الرغم من أنها على علم أن لديه اجتماعات مهمّة طيلة اليوم، وقد طلب منها مرارًا وتكرارًا عدم الاتصال به في العمل إذا لم تكن هنالك حالة طوارئ.

أما إذا لم يرد تشارلز على الهاتف أو لم يعاود الاتصال بها على الفور، تصبح سارة محمومة وتتصل به كل عشر دقائق، وإذا استمرّ في عدم الرد على الهاتف، فقد تظهر في مكان عمله، وتبرّر سارة أفعالها بإخبار نفسها أنها كانت قلقة من عدم رده على الهاتف، وذلك ربما بسبب حدوث طاريء غير محتمل.

كما أنّها تغضب منه عندما يفرض حدودًا، فهي تشعر أنَّها تستحق كل اهتمامه، وقد تستخدم عدم استجابته على الهاتف لتتطفّل بشكلٍ أكبرَ، فتتصلُّ بأحد زملائه بالعمل أو أصدقائه للاطمئنان عليه، لمعاقبته، وكحلٍ بديل لتجاوز الحدود التي فرضها.

وعند شعورها بالاستثارة، فإن سارة لا تفكّر بمشاعر الآخرين، وبدلًا من مواجهة زوجها مباشرةً فهي تحاول التّلاعب به أو تجعله يشعر بالذّنب للحصول على ما تريد، وقد تعلّم تشارلز التوجُّس عند رؤية اسم سارة يظهر على شاشة هاتفه؛ لأنَّه يعرف أنها تريد اهتمامه، وسوف تجد وسيلة سلبية عدوانية لمعاقبته إذا لم يرد على الهاتف.

3. النرجسي الخبيث: من واقع خبرتي فهم جميعًا ساديّين، ومسيطرين، ومسيئين، ويكذبون كلما كان ذلك يناسبهم، ومعظم الشركاء العقلاء ممّن لديهم ولو قدر ضئيل من احترام الذّات، والقدرة على كسب لقمة العيش، يتركون هذه الحياة الزوجية إن آجلًا أو عاجلًا، فإن لم يتركوا فمن المرجّح أن يصبحوا محطَّمين، وخائفين، ومربكين، فمن الصَّعب أن تتظاهر حتى بالسعادة عندما تكون في علاقة مع نرجسي خبيث.

مثال: جيري السادي وجانيت مكسورة الجناح

تزوجت جانيت من جيري لأنها أُعجبت بذكائه والذي اعتبرته نقطة قوته، إلّا أنها لسوء الحظ كانت قد أساءت الحكم على الوضع، فقد كان جيري من النوع النرجسي الخبيث المُتحكِّم، وبدا أن نقطة قوته الحقيقة هي عدم رغبته على التكيف مع احتياجات الآخرين، ولم ينس قط أقل إساءة، ويحب الانتقام من أي شخص تجرأ على إحباطه، وما كانت جانيت في البداية تراه على أنها شهامة، كان في الواقع تعبيرًا عن رغبة جيري في التحكم في كل جوانب حياتها، من ملبس، وأصدقاء، وعدد زياراتها لأهلها وإخوتها.

دخلت جانيت هذه العلاقة وكانت شخصًا على قدرٍ عالٍ من الأداء العقلي ذات استقلالية، وكانت لديها وظيفة لائقة، وعلاقة جيدة مع عائلتها، وليس لها أي تاريخ مع الأمراض النفسية، أما بعد مرور عقد من الزمان على زواجها من جيري، فقد أمست جانيت مكسورة الجناح، تبكي طول الوقت.

الخلاصة: لا أعتقد أنّه من الممكن للنّرجسيين أن يكون لديهم ما يسميه معظم الناس زواجًا عاديًا أو سعيدًا، فالعلاقات التي قد تستمر غالبًا ما تستمر لأن الشخص غير النرجسي لديه قدر عال من تقدير الذات، أو لديه موارد يرى النرجسي فيها قيمة عالية، أو لديه سبب قوي يستدعي البقاء في هذه العلاقة، أو لديه القدرة على الحفاظ على الحدود، أو لديه القدرة على التكيف ويتميز بالهدوء والمسالمة.

نرشح لك: هل يعاني أصحاب الشخصية النرجسية مشاكل في الذاكرة أم أنهم مجرد كاذبين؟

المصدر

إعلان

فريق الإعداد

تدقيق لغوي: سلمى الحبشي

تدقيق علمي: ليلى أحمد حلمي

تحرير/تنسيق: نهال أسامة

اترك تعليقا