الفلسطينيون: آخر ضحايا الهولوكوست

“أين ذهبت الروح اليهودية الفياضة بالتعاطف الأخلاقي؟ والتي كانت تناضل من أجل البقاء على قيد الحياة دافعة أشد موجة من القوانين العنصرية النازية. كيف يعيش الجيل الأول والثاني من ضحايا الجرائم العنصرية أثناء المشروع النازي للتطهير العرقي، هذا الشكل الحالي من أشكال القومية في “إسرائيل”! وبأي تطور شيطاني يمكن لليهود، والذين عانوا قبل جيلين فقط من أقسى أشكال العنصرية باعتبارهم ضحايا لمعاداة السامية النازية وقوانين النقاء العنصري”، أن يبرروا تدمير شعب فلسطيني بالكامل من خلال جرف أراضيهم، وطرد الفلسطينيين إلى الخارج من خلال استخدام القوة العسكرية لفرض ملكية “الحق” لهم.

كيف يمكن تبرير تواطؤ الاحتلال الاسرائيلي على تجريد السكان الفلسطينيين من إنسانيتهم من قبل الجالية اليهودية الأمريكية، بما في ذلك العديد من العلماء والناجين من المخيمات الذين لعبوا دوراً أساسياً في فهم تجربة المحرقة.

كيف يمكن لليهود، الذين عايشوا طريق وحشي جماعي، أن ينظروا إلى الناحية الأخرى لتبرير جريمة يهودية أخرى وهو أكبر معسكر سجن في العالم، غزة؟ كيف لا نزال نشيح بوجوهنا ونبتلع الأكاذيب وأسطورة الدولة اليهودية التي يجب أن تحمي نفسها من الدمار الذي خلفته قوى الشر المحيطة. باسم هذا الخوف، ما هو الجنون الذي يمكن أن يبرر عقوداً من الوحشية والإذلال واغتصاب الأرض، والوجوه التي لا نهاية لها لجيش الدفاع الإسرائيلي الغاصب الذي تؤدي دور مهمة قتل وكراهية وقمع الآخر الذي لا يعتبرونه بشراً.

إن صغار الجنود الذين اشتروا الاكاذيب العنصرية يتبعون الاوامر ويفقدون إنسانيتهم، وليس من الصعب أن نفهم جوانب السياسات الإسرائيلية الوحشية والمذعورة في ضوء التاريخ اليهودي كضحايا للمشروع النازي، ولا شك أنهم ضحايا الإيديولوجية النازية الطائشة الذين ما زالوا على قيد الحياة يعلنون عن الكراهية الدفينة داخلهم ويجدون لأنفسهم هدفاً لإبراز كراهيتهم حتى تستمر دورة جنون الشك والاضطهاد غير العقلاني على مسارها المدمّر.

ولا يستطيع المرء أن يفهم هذه الدورة من الجنون ببساطة من منظور عقلاني. إن قوتها الحياتية مستمرة داخل سرطان متنامي، وخوف غير عقلاني من الإبادة والإيذاء والكراهية التي تستهدف الآن آخر ضحايا كابوس المحرقة، الفلسطينيين. والحلقة تكرر نفسها على شكل عنصرية وعقاب جماعي يؤديان إلى معاناة عظيمة مرتكبيها يتنازلون يومًا بعد يوم عن كونهم بشرًا.

إعلان

كيف يمكن للمرء أن يفسر مشاعر الأمين العام للأمم المتحدة جيفري فيسنفيلد عندما قال إنهم (قاصدًا الفلسطينيين/العرب) ليسوا بشرا وإنهم يعبدون الموت. العنصرية تعطي الإذن لتجريد الآخر من إنسانيته، فبوسع النازيين أن يبرروا جرائمهم من خلال عملية نزع الصفة الإنسانية، فضلاً عن تعزيز إيديولوجية قومية ذات أبعاد مبهرة للغاية. وفي إطار هذه الحلقة من الرعب، كان اليهود والفلسطينيين آخر ضحايا المحرقة. إن الجهود التي يبذلها الإسرائيليون من أجل “البقاء” تطاردها المخاوف عميقة الجذور من الانقراض والتي لعبت دوراً كبيراً في هذا الفصل الأخير باعتبارها الضحية الوحيدة التي ترى فلسطين التاريخية (أي قبل عام 1948) باعتبارها مدمرة شريرة لا تخطط إلا للقضاء على كل ما هو يهودي. وفي إطار السياق، ما زال اليهود يعتبرون أنفسهم ضحايا يتعين عليهم أن يلغوا وجود الفلسطينيين.

وذكرت صحيفة نيويورك تايمز يوم النكبة: “اندلعت اشتباكات قاتلة على حدود “اسرائيل” يوم الأحد بين الآلاف الفلسطينيين ــ الذين خرجوا من سوريا ولبنان وغزة والضفة الغربية ــ والقوات الإسرائيلية لإحياء ذكرى إنشاء “إسرائيل”، النكبة”.

وفي نهاية اليوم بعد اشتباكات عنيفة بين جيش الدفاع الإسرائيلي والمتظاهرين الفلسطينيين، قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إن الاحتجاجات كانت تهدف إلى تدمير “إسرائيل”، وليس إنشاء دولة فلسطينية إلى جانبها. وتابع قائلاً: “إن قادة هذه المظاهرات العنيفة، نضالهم ليس على حدود عام 1967، بل على وجود إسرائيل ذاته، الذي يصفونه بأنه كارثة يجب حلها”. من المهم أن ننظر بعينين مفتوحتين إلى الواقع وأن نكون على بينة ممن نتعامل معه وما الذي نتعامل معه”. هذه رسالة متفائلة إلى العالم، ولا سيما إلى اليهود الأميركيين الذين لا يزالون بحاجة إلى رؤية الاحتلال كنسخة مثالية لبلد ديمقراطي في خطر كبير من الانقراض.

وأشاد الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالمتظاهرين في خطاب متلفز، مشيرًا إلى القتلى كشهداء، ومضيفًا أن “دماء النكبة لم تراق عبثا لكنها ذهبت من أجل حقوق الشعب الفلسطيني وحريته”.

لقد أصبح الإحتلال الإسرائيلي معزولة على نحو متزايد وغير قادرة على البقاء إذا استمرت في هذا المسار من جنون الشك والاضطهاد والعنصرية، إذ يتعين على اليهود أن يفتحوا أعينهم لكي يدركوا ماهية الضحايا الحقيقيين. وهذا يتطلب قدرة الإسرائيليين على منح الفلسطينيين الكرامة والإنسانية كبشر لهم قلوبهم وأرواحهم مثلهم تمامًا. والبديل هنا من الصعب أن تخيله في ظل دورة مستمرة من الكراهية مثل جرح الغرغرينا الملتهب الذي لا يعرف نهاية في عدميته وتدميره.

نملك الآن فرصة غير عادية للدخول في مناقشة مفتوحة وحوار بشأن العنصرية اليهودية. في الماضي، كانت أي فكرة عن اليهود بوصفهم عنصريين تواجَه باعتبارها بغيضة بشكل كبير خصوصًا بعد سحق المعارضة وإقصاء منتقدو السياسات الإسرائيلية بوصمهم بأنهم “يهوديون معادون للسامية وأعداء “لإسرائيل””. لكننا نحن، المدافعين عن الحرية والكرامة لكل البشر، يجب أن نواصل التعبير عن الرأي وأن ندعم حرية جميع القضايا العادلة وحقوق المهمشين.

نرشح لك: لماذا يخفق القانون الدولي في إنقاذ فلسطين ؟

إعلان

مصدر
فريق الإعداد

تدقيق لغوي: أفنان أبو يحيى

ترجمة: عبدالرحمن الحلو

تحرير/تنسيق: نهال أسامة

اترك تعليقا