فيل الملك على مر الزمان
قراءة نقدية في مسرحية "الفيل يا ملك الزمان" لسعد الله ونوس
وُلد سعد الله ونوس في سوريا عام 1941م في قرية (حصين البحر) بطرطوس-سوريا، درس الصحافة في جامعة القاهرة ونشر إنتاجه الأدبي في مجلة الآداب، وتوفي في 1997م، عاش ونوس أحداث الوحدة بين مصر وسوريا ثم الانفصال، وعاصر نكسة 1967م وما تلاها حتى حرب الخليج في التسعينات، تلك الأحداث التي عاصرها ونوس جعلت الهموم الاجتماعية والسياسية للمجتمع العربي بشكل عام هي محور كتاباته.
سعد الله ونوس
فيل كل زمانٍ ومكانٍ:
جاء عنوان المسرحية عبارة عن جملة غير مكتملة: “الفيل يا ملك الزمان”، تلك الجملة غير المكتملة تثير الحماسة والفضول لمعرفة قصة هذا الفيل وما علاقته بالملك، وإلحاقه كلمة الزمان للملك تدل على أن تلك الحالة غير مقتصرة على زمن محدد بل هي أكثر شمولية؛ ففي كل زمنٍ من الأزمنة سنجد مثل هذا الملك.
جسّد سعد الله ونوس في مسرحيته “الفيل يا ملك الزمان” إشكالية قوية ممتدة تصلح لكل زمان ومكان؛ وهي إشكالية علاقة الحاكم والرعية، وقد عبّر عنها في هذه المسرحية من خلال أربعة مشاهد، كان أولها أكبرها، ودارت أحداثه في الزقاق الضيق -الذي عكس ضيق حياة أولئك البسطاء من الناس، فالمكان ضيق كـرزقهم وحياتهم ونفوسهم التي ضاقت مما تكابده من ظلم- حيث حالة الرعب والذعر مما أحدثه فيل الملك بدهسه لطفلٍ صغير، وغضب وألم الناس وإحساسهم بعدم الأمان، وظهور زكريا الذي قاد تلك الحالة اللحظية من الغضب ووجّهها تجاه الذهاب للشكوى لدى الملك.
في المشهد الثاني يتغير المكان فيخرجون لساحةٍ أوسع ليتمرنوا على ما سيقولونه للملك، وفي المكان الأوسع تخرج شكواهم قوية ومعبرة ومكررة ومركزة مما عانوه من ذلك الفيل اللعين، وتعكس تلك الشكوى ما ضاقت به تلك النفوس البائسة، وما عانته من ألم، وكأن اتساع المكان قد وفّر سعةً لتلك النفوس المتعبة لإخراج شكواها وهمومها.
والمشهد الثالث أمام قصر الملك، وهنا تظهر حالة الترقب والخضوع في الامتثال بكل خوف وحذر لأوامر حارس الملك. أما المشهد الرابع فهو بداخل قصر الملك، والذي أظهر فيه الكاتب حالة تناقض فجّة بين ما عليه حياة الملك من اتساع وفخامة وأبهة، وبين حياتهم هم التي ظهرت في المشهد الأول في الزقاق الضيق، وكأنه يأخذ فخامته واتساعة وقوته من ظلمهم وضيق حياتهم وزقاقهم.
العامة مجرد أرقام:
نجد أن سعد الله ونوس قد منح شخصيات عمله “الفيل يا ملك الزمان” أرقامًا وليس أسماءً، باستثناء زكريا الذي قاد حالة الغضب التي ظهرت في نفوس الناس، بسبب الطريقة البشعة التي دُهس بها الطفل وإحساسهم بعدم الأمان ليذهبوا للشكاية لدى الملك، ويتضح من نص المسرحية أن هذا الملك قد ابتعد عن الرعية وأحاط نفسه بهالةٍ من الغموض جعلته أكثر هيبةً في نفوسهم، فتحدثوا عنه وكأنهم يتحدثون عن أمرٍ غيبي.
والكاتب لم يعطِ أولئك الناس أسماءً، ربما لأنه أراد القول بأن مثل تلك النفوس الضعيفة الخائفة لن تُذكر، بينما زكريا -والذي عبّر به عن النخبة التي تقود العامة- جاء مذكورًا بالاسم. ونجد مفارقة في المشهد الأخير؛ حيث يظهر زكريا كغيره من العامة خائفًا معقود اللسان من قوة الملك وهيبته، بل ويتخلى عن أولئك البسطاء المذعورين الذين جرّهم معه إلى ذلك القصر المهيب، فهم قد عقد الخوف لسانهم، بينما هو قد أحدث موقفًا عجيبًا ومتناقضًا مع حالة الغضب والثورية التي بثّها في نفوسهم، فطلب من الملك أن يأتي بفيلةٍ ليتزوج الفيل وينجبوا أفيالًا أخرى.
ضحكة تخلّف في الحلق مرار:
استخدم سعد الله ونوس الفيل كرمز لقوى الاستبداد والتجبّر لدى الحاكم، وجاء استخدام الفيل كرمز متناسب مع فكرة استخدامه للقب “ملك الزمان”؛ حيث كان امتلاك الأفيال من عادات الملوك من قديم الأزل، وما زال بإمكانهم امتلاكها حتى الآن، وذلك ملائمٌ جدًا مع صلاحية الفكرة التي تدور حولها المسرحية لكل زمان.
نهاية المسرحية جاءت مؤلمة للغاية وبها درجة ما من الكوميديا السوداء التي تجعلك تضحك من سذاجة أولئك البسطاء وتبكي على حالهم في آنٍ واحد، وهنا إظهارٌ لواقعٍ مرير موجودٌ بالفعل في المجتمعات العربية.
عبّر سعد الله ونوس في مسرحيته “الفيل يا ملك الزمان” عن حال المجتمعات العربية بما فيها من ظلم واستبداد وقوى باطشة للحكام، وما فيها من ضيق العيش والمعاناة وعدم الأمان للشعوب التي تتسم بدرجة كبيرة من البساطة والسذاجة، وعبّر عن مأساة النخبة في تلك المجتمعات من خلال شخصية زكريا.
والنهاية الصادمة للمسرحية مع ما قاله الممثلون في نهايتها، كانت دقًا منه لناقوس الخطر، فإن ارتضيت ببطش فيلٍ واحدٍ اليوم فغدًا ستتكاثر الفيَلة ولن يكون هناك مهربٌ من بطشها.
قد يعجبك أيضًا: مراجعة مسرحية براكسا