قراءة في كتاب “تعلم الحياة” لصاحبه لوك فيري
سأبدأ قراءتي هاته بقراءة عامّة في الفلسفة والدِّين كطريقتين متعارضتين في مقاربة مسألة الخلاص، إذ يستعرض صاحب المقال كيف تواجِه الأديان هذا التّهديد الأعظم القائم في الفلسفة عامّة، ويدّعي مساعدتنا على تخطّيه بالإيمان بشكل أساسيّ؛ لأنّه هو وحده يستطيع أن يسبغ علينا نعمة الله.
ويضيف صاحب المقال أنّه إذا آمنتَ بالله فإنّه سيخلّصك، ولكنّ ذلك يتطلّب منك أن تتمتّع بفضيلة التّواضع قبل أيّ فضيلة أخرى، تلك الفضيلة التي تتعارض مع غطرسة وغرور الفلسفة، وهذا ما لم تتوانَ المسيحيّة عن ترداده على لسان كبار مفكّريها، مِن القدّيس أغسطينوس إلى باسكال. ولماذا إذًا تمّ توجيه الاتّهام للتّفكير الحُرّ؟
أضاف صاحب المقال أنّ هذا الأخير ببساطة يدّعي هو أيضًا إنقاذَنا، إن لم يكن من الموت نفسِه، فعلى الأقلّ من المخاوف التي يثيرها، إنّما بقوانا الذّاتية وبنعمة العقل وحده. هنا تكمن بامتياز، على الأقلّ من وجهة النظر الدينيّة، الغطرسة الفلسفية، وكذلك جرأةٌ لا تُطاق تُمكن ملاحظتها لدى الفلاسفة منذ التاريخ اليوناني القديم -أيْ منذ عدّة قرون قبل المسيح.
وهذا صحيح، إذ بسبب عدم توصّله للإيمان بإله مخلّص، فإنّ الفيلسوف هو بدايةً من يعتقد بأنّ معرفة العالَم وأنّ فهمه لنفسه وللآخرين، بالقدر الذي يسمح به ذكاؤنا، يمكّننا من تخطّي مخاوفنا ببصيرةٍ نافذةٍ وليس بإيمان أعمى.
بعبارة أخرى، إذا كانت الأديان تَصِف نفسها بأنّها (عقائد الخلاص) بواسطة الآخر وبعون الله، فإنّنا قد نستطيع وصف كبريات الفلسفات بأنّها (عقائد الخلاص) بواسطة الذّات ودون عونٍ من الله.
وهكذا فإنّ فيلسوفًا كأبيقور مثلًا يصف الفلسفة بأنّها “طبابة النّفس”، وأنّها تهدف في نهاية المطاف إلى إفهامنا بأنّه يجب أن لا نخشى الموت.
كما أنّ هذا يشكل كلّ البرنامج الفلسفي الذي يعرضه مريديه لوكراس في قصيدته التي تحمل عنوان “في طبيعة الأشياء” التي تقول أنّه يجب علينا قبل كلّ شيء طردُ وتدمير خوفنا من (الاشيرون) وهو نهر في جهنّم، والذي بتغلغله في أعماق ذاتنا، يسمّم الحياة البشريّة ويلوّن كلّ شيء بسواد الموت حائلًا دون بقاء أيّة لذّة صافية رقراقة.
وهذا ينطبق أيضًا على أبيكات، وهو أحد أكبر ممثّلي مدرسة فلسفية أخرى في اليونان القديمة، وهي الرّواقيّة. فقد ذهب هذا الفيلسوف إلى حدّ إرجاع كلّ التساؤلات الفلسفية إلى المصدر الوحيد نفسه: الخوف من الموت.
نعثر أيضّا لدى الفيلسوف الفرنسي مونتاني على ذات الموضوع في حكمته الشهيرة “التفلسف هو تعلّم الموت”، وكذلك لدى سبينوزا في فكرته القائلة بأنّ “العاقل يموت أقلّ من المجنون”. ولدى كانط عندما يتساءل “عمّا يمكن أنْ نأملَه”، وحتى لدى نيتشه الذي يستعيد في فكرته “براءة الصّيرورة” أعمقَ مكوّنات عقائد الخلاص التي أنشأتها العصور القديمة.