الفلسفة واليومي: مقاربات نظرية وتطبيقية

المقدّمة
يعتقد الناس أن الحياة اليومية للإنسان بكل ما يتخلَّلها من أحداث ومشاعر وأفكار ورتابة وتكرار وتجارب؛ ليست موضوعًا للفلسفة، وأن الفلسفة خطاب مغترب ومتعالٍ عن حياة الناس بِحقول اشتغاله المترفعة عن العادي، الأمر الذي يقلَّل من قيمة الحياة اليومية ولا يأخذ بجدية العلاقة بين الإنسان واليومي، والحق أنّ هذا الاعتقاد مبرَّر بواسطة قطب رئيسٍ فيها وما يندرج تحته من مناهج ومدارس؛ وهو الميتافيزيقيا بشكلها الصارم، وأميل دومًا عند ذكرها أن أمايز بين مرحلتين من الميتافيزيقا من منطلق التحولات التي طرأت عليها: وهما الميتافيزيقيا قبل كانط والميتافيزيقيا بعد كانط، ولكننا لسنا بصدد تبرير هذا التصنيف، فما يهمنا هو أن الميتافيزيقيا بشكلها الصارم والمنغلق في عوالم المُثُل والرافض للمعرفة العلمية “الميتافيزيقيا قبل كانط” قد دعَّمت الفكرة السائدة في أذهان الناس القائلة بأن اليومي والانسان ليسا قضية فلسفية؛ مما عمَق الهوة بين الفلسفة والعامة.
والحقيقة أنّ في مرحلة من مراحل تطوُّر الفكر الفلسفي، نشأت علاقة متوترة بين اليومي والفلسفة، وهذه الأشكال من الفكر الفلسفي المعادية لليومي تظهر قاسمًا مشتركًا فيما بينها: وهو ارتداء الثوب الأفلاطوني؛ فقد نظر أفلاطون لما هو عادي ومرتبط بالحياة اليومية نظرة استبعاد واعتبره شيئًا بلا قيمة لكونه خارجًا عن مجال العقل، فالعملية التعقلية عنده هي التجريد؛ أي إقصاء النسبي والعامي لذلك ارتبط هذا الثوب الافلاطوني بالاستعلاء مما جعل الإنسان الذي يعاينه إنسانًا خارقًا بشؤون خارقة للعادة، لذلك ولتاريخ ليس بقصير أنحت الفلسفة بقطبها الميتافيزيقي قبل الكانطي الصارم منطق العالم اليومي واهتمامات الإنسان اليومية، إلَّا أنَّ المبهج والمهم والذي أحدث تحولًا تامًا في توجهات الفكر الفلسفي المعاصر من حيث المساعي والقضايا وعزز من إمكانية الانفتاح على التنوع؛ هو ثورة فلسفية تسمى إعادة اكتشاف اليومي ورد الاعتبار الفلسفي للحياة اليومية؛ الأمر الذي جعل من الإنسان العادي وحياته اليومية موضوعًا فلسفيًا جادًا ومهمًا.
افتعلت هذه الثورة الرائعة كلًا من الأنطولوجيا والفينومنولوجيا وفلسفة التنوُّع. أما من الفلسفة المعاصرة فسأقدم الفيلسوف والمحلل النفسي ما بعد الحداثي إريك فروم بوصفه مشروعًا رصينًا خاطب الإنسان واليومي، وتقديمي لفروم إنما هو عمل يعبر عن قراءتي لمشروعه؛ إذ لم يسبق تداوله من وجهة نظر فلسفية بكونه قد اشتغل في الإنسان ومعطيات حياته اليومية، بل لطالما عُرِّفَ بوصفه محلّلًا نفسيًا وأحد أبرز الوجوه النقدية لمدرسة فرانكفورت، وبهذا تبعًا لما سبق ذكره لنلج في محاورنا الآن:
المحور الأول: المقاربات النظرية لليومي – المقاربة الانطولوجية ومقاربة فلسفة التنوع
أولاً: المقاربة الانطولوجية (سنلج فيها وفي قادم المقاربات عبر تأسيس أولي لليومي المفهوم)
إعلان
سعت الفلسفة المعاصرة إلى تحسين علاقتها بمعطيات الحياة اليومية للإنسان، فأصبح موضوعا ملِّحًا عندها أن تفهمها وتستخلص معانيها المتوارية خلف الممارسات اليومية، والحق أنَّ الإنسان نفسه عني بهذه المهمة؛ فهو يستخلص المعنى على الدوام من الممارسة؛ من ممارسة الفن والحب والعمل والتفاعل مع الآخرين والحركة، والتفكير وتشييد الحضارة.
واليومي المفهوم هو بإيجاز “كل ما يحيط بي وأدركه حالاً ومن دون واسطة ليصبح قريبًا مني وحاضرّا في ذهني حضورًا مستمرًا، فالمحيط هنا فضاء الحياة اليومية كالعائلة أو المدينة والحي والقرية أو فضاء أوسع كالوطن؛ أي الأمكنة التي يكون انتماء الإنسان إليها أكثر حميمية” ويستدعي تصوُّر اليومي هذا أيضا العنصر الزماني”. (1)
وبطريقة أخرى اليومي هو صيرورة متنوعة الأحداث تتَسم أحيانًا بالرتابة والتكرار، ويتسم اليومي أيضًا بأنه منطقة وسطى بين المجهول والمعلوم وتأرجح بين الحقيقة والمغالطة، وبين الواقعي والخيالي، والمؤكَّد وغير المؤكد، وبين الحميمي والقاسي، وبين القريب والبعيد. وهذا التأرجح هو العنصر الديناميكي والمحفز لإنتاج المعنى.
حين افتتح الفيلسوف الوجودي الرئيس مارتن هايدغر أطروحته المهمة “الوجود والزمان” بعبارة أن مسألة الوجود أصبحت اليوم في طيِ النسيان؛ أراد بذلك أن يتصدّى لظاهرة تناسيه الأمر الذي يأزم من الوضع الإنساني؛ فدعا للعودة للفلسفة قبل السقراطية، وكان السفساطئيون المرجعية المثلى لأنهم أول تجربة فلسفية حولت اهتمام الأنطولوجيا من الوجود والطبيعة إلى الاهتمام باليومي وشروط معرفته، وأبعد من هذا أنها فلسفة تعير اهتمامًا بالغًا لمسألة نسبية المعارف والأخلاق وتأثيرها على اليومي مما فتح أفقًا جديدًا داخل الأنطولوجيا وجعل من الإنسان واليومي موضوعًا أصيلًا فيها.
والسفسطائيون من وجهة نظر كثير من الباحثين امتداد للإيليين؛ فقد انشغلوا بذات المسألة (الوجود) وبلوروها في سياق مختلف قليلًا، ولهذا السياق طابع نقدي أخذ على الإيليين عدة مآخذ، ومن بينها كما أوضحها جون بيار ديمون “ينحصر كنه الاختلاف مع الاليين في كونهم ظنوا أن الوجود هو الذي يضفي الحقيقة على القول في حين أن الكلمة تسبق الوجود، وأن فضائل القول هي التي تعطي الوجود ركيزة كيانه، وبذلك يبدو أن السفسطائية انطلقت من فكرة بارميندس التي تعالج المشكلة ذاتها أي علاقة الوجود بالقول مع منح المزية للقول الخلَاق وليس الوجود. (2)
يعني هذا أنّ القول الخلاق قرين الفعل والذي بدوره يجعل من ممارسات اليومي مبدأً عامًا لكل تفكير ممكن، وهذه الممارسات المرتبطة بفكرة التأرجح الآنف ذكرها هي ما يضفي الجوهر الحركي والمتغيِّر لليومي مما ينفي ويخالف نظرة الفلسفة النسقية لجوهر الوجود على أنه الثبات.
لقد أسَّست السفساطئية أنطولوجيا فريدة لليومي مقصدها توليد معرفة نافعة للإنسان في حياته اليومية أساسها القدرة على الكلام والفعل الخلّاق والتأقلم مع المتغيّرات.
ثانياً: المقاربة الاختلافية التنوعية
سأعمل على عرض هذه المقاربة انطلاقًا من فلسفة المفكر التونسي الدكتور فتحي التريكي، وهو أمر يدعو للاحتفاء أن تلمع وجوه تسهم في تطوير حركة الانتاج الفلسفي من داخل عوالم لا تنتمي للسياق الأوروبي المتصدر للمشهد الفلسفي، وهذا ليس بتحيُّز بل دعوة إلى الانفتاح على التنوع واستيعاب الاختلاف، والمغزى هو خلق موقع للجميع داخل عملية التفكير والإنتاج الفلسفي، وأن تغدو المعرفة قوة بيد الجميع، وأن نغرس روح الفلسفة في كل مكان. ولسبب ثانٍ وهو أنّ فتحي التريكي بإسهاماته المقدَّرة في إطار تقديم فلسفة التنوع للقارئ الناطق بالعربية قد ناقش الحاجة الإنسانية الملحة لاستيعاب التحولات، وقد طرح المقصد التنوعي للفلسفة بشكل رصين، وبالفعل من بعد هيغل ومع ما بعد الحداثة اتجهت الفلسفة نحو التخلّي عن انتاج السرديات الكبرى والأطروحات النهائية إلى جعل الثقافة موضوعًا ومجالًا للعمل الفلسفي محققة بذلك غايةً سامية وهي الاحتفاء بالتنوّع والدفاع عن حقّ الشعور الإنساني في التعبير عن ذاته، والاعتراف بالممكنات النقدية البناءة.
والمقاربة الاختلافية التنوُّعية تنطلق وتجمع بين المقاربتين الفينومينولوجية والأنطولوجية. بالنسبة لفتحي التريكي إن كنه الفلسفة بشكل عام هو تسرُب الوعي في الذات بضرورة انتصار الحياة والوجود على العدم. (3) وهو منظور محموم بنيتشه وملهم بواسطة مشروعه الداعي إلى الإقبال على الحياة، أي أنّ كنه الفلسفة نيتشويًا هو القبول الأعلى للحياة لا تصورًا مجرَّدًا بل الحياة في ظروفها وتحولاتها ونضالاتها وبهجتها ومعاناتها، وتتجسَّد هذه الطبيعة في اليومي؛ فهو الفضاء الذي تتجسّد فيه كل الحياة.
يمضي د. فتحي التريكي فيرى أنّ الفلسفة الحديثة هي إعادة ترتيب للأنطولوجيا القديمة بحيث لا يكون الوجود انغلاقًا على نفسه، بل انفتاحًا على الزمان والتاريخ والحياة، وبالتعبير الهايدغري وجودًا مع العالم ووجودًا مع الناس.
والمنظور التنوُعي لليومي هو أن تتشبّع الفلسفة بالوعي بالحاضر وأهمية البحث عن المعنى، وهي لحظة اصطدام الماضي بالإقبال والعمل على إقرار الاختلاف ونصر الإرادة، وبمعنى آخر إلصاق اليومي بقضايا الفرد المتنوعة تماشيًا مع التطورات العلمية والتكنولوجية فيقترن الفعل الفلسفي بالممارسة القولية ويحقق المهمة الإبداعية والخلاقة للفلسفة.
إنّ نظرة د. فتحي التريكي لمستقبل الإنسانية فلسفيًا وحضاريًا من خلال معطيات اليومي هي رؤية مستلهمة من رؤية ميشيل فوكو التي قدّمها في أطروحة تاريخ الجنسانية القائلة بأنّ قبول تاريخ وحاضر الإنسانية دون تجزئة هو شرط حاسم في عملية تحديد أفق التفكير الفلسفي المستقبلي والحياة ومستقبل الحضارة الإنسانية. بذلك فإنّ ذات الإمكانية الذي تجعلنا نعلن الانضباط والإذعان اتجاه ما تفرزه وتحدّده البنية المعرفية للسلطة من جهة والبنية السلطوية للمعرفة من جهة أخرى علينا أن نوظِّفها لنستوعب الاختلاف.
وهنا تتجسد معقولية اليومي من منظور فلسفة التنوع والاختلاف، والتي هي قبول المعاصرة وما يندرج تحتها من قيم وتصوّرات وأنماط مرتبطة بالحقبة الزمانية من وجودنا، دون الإغفال عن ضرورة التطوّر الحضاري والذي بدوره يتحدد بواسطة عملية مواجهة وإصلاح أعطاب معطيات الحاضر.
ومهمة الفيلسوف المهموم باليومي أن يجعل منه نقطة انطلاق نحو الكلي على نحو شامل لكل الناس؛ فعَبرهُ ثمة غاية إنسانية موحدة يصبو إليها الناس، وقد أجملها كانط في مسودات نشرت بعد وفاته مفادها أن المضمون والغاية الطبيعية للإنسان والتي تنمِّيه هي ملكة العقل.
فالإنسان كائن متعقّل بالإبداع والابتكار والتفكير والحرية لذاته وداخل المجتمع في إطار علاقته بالغير وتحت سلطة القانون وتنظيمها للمجتمع، والغاية الأخيرة هي أن ينشد الإنسان السعادة مؤسسًا إياها على مبادئ الخير والجمال،
ولكن الذي لا جدال فيه أنّ الإنسانية حتى يومنا هذا لم تحقق هذا المضمون، وتحقيقه مرهون بصياغة أخلاقيات تطبيقية تحسن من وضعية الإنسان الحضارية، وبالنسبة لكانط يمكن صناعة هذه الأخلاقيات عبر التربية؛ فغاية كل عملية تربوية تعليمنا كيف ندير الأيام وشؤونها وفقًا لأسس أخلاقية هي ضمان للرفاه والكرامة الإنسانية.
وبإجمال؛ فإنّ فلسفة اليومي هي فلسفة الإنسان التي ترمي إلى تحسين الوضع الإنساني دون إلغاء التنوع والحق في الاختلاف، والمقاربة التنوعية هي المثلى في فهم اليومي والأكثر نفعًا؛ فمن الأنطولوجيا قد أخذت مبدأ وحدة الوجود والقول والفعل ومن الفينومولوجيا فكرة وحدة النسق المولِّد للمعنى، وأضافت من عندها أن التنوع خاصية اليومي المميِّزة؛ مقرَّةً بأنّ بوسعنا أن نوجد تجربة العيش سويًا، أي العيش المشترك الذي طرحه المشروع الهايدغري وفقا لقواعد الأخلاق والخير.
المحور الثاني: اليومي والفلسفة التطبيقية – إريك فروم وفن الحب نموذجًا
يسرّني أن أقدِّم عبر هذا المحور قراءتي الخاصة لاريك فروم كفلسفة تطبيقية لليومي، وكما ذكرت آنفًا لم يسبق تقديم فروم بهذه القراءة فلطالما فهم بتوظيفه للتحليل النفسي لخدمة النظرية النقدية.
إنّ الإنسان وتشريح بناه النفسية الشعورية ولا الشعورية والحضارة هما القضية الجوهرية لمشروع إريك فروم، ولكن أطروحة ” فن الحب” تمثل أحد أذكى وأروع أعماله وهي خير تجسيد تطبيقي للمقصد التنوعي في الفلسفة الاختلافية.
لقد عرف فيها الحب هذا الشعور الإنساني النبيل والقابع بقلب أيامنا على أنه فن وكل فن هو سيطرة على النظرية والممارسة، والحب هو أكثر مسلَّمات حياتنا وضوحًا؛ فمنذ الطفولة نجده جوهر الأمومة والأبوة، وحين نكبر فنكتشف أنه جوهر كل شيء فنسعى لفهمه وتوجيهه نحو أنفسنا ونحو الآخر وننشد ممارسته دون ألم.
والسؤال الرئيسي هو ما العلاقة بين نظرية الحب لإريك فروم واليومي؟
يجيب فروم ببساطة أن كل نظرية عن الحب هي نظرية عن الإنسان ووجوده، ونعني بالوجود الوعي؛ فالإنسان يمتلك وعيًا بنفسه وميلاده وموته وبوحدته وبانفصاله وعجزه وكل سبب يسبِّب له الألم، ويأتي في المقابل الحب كجواب على مشكلة الوجود الإنساني.
ويفهم فروم الحب بوصفه حوجة ملحة لقهر الشعور بالانفصال، والانفصال هو منشأ كل يأس وعجز وقلق يعيشه الإنسان؛ فهو يعني الكفّ عن اللذة مما يبعث شعورًا بالإثم كالشعور الذي بدأت به التجربة الانسانية، فبالنسبة لفروم شعور آدم وحواء بالخجل الذي دفعهم الى مواراة أجسادهم من ورق الجنة هو وعي بالوحدة والاستقلال والانفصال عن كنف رحيم.
لذلك كان تاريخ الإنسان على الأرض وتشييده للحضارة في بعدها النفسي عملًا على قهر انفصاليته. في هذه اللحظة يفطم الطفل عن الرضاعة فتعلن الحياة التحاقه بركب الانفصالية فيتولد أول ألم دفين بداخله ناجم عن شعور الوعي بالكف والاستقلال عن الأم.
والحب هو أنفع طريقة لقهر هذا الشعور وفي الحقيقة هو القوة التي تبقي جنس الإنسان متماسكًا وبدون الحب ما كان للإنسانية ان تعيش يومًا واحدًا. (4) والحب عند فروم فن يحققه العطاء لا التلقي والعطاء ليس تخلٍ وتضحية وحرمان إنما تعبير عن الاتقاد بالحياة، (5) ويسانده الاحترام بوصفه منح الإنسان حقه في الاحساس بالتفرد دون التقليل من قدره وبوصفه الرعاية كدرء الأذى عن بعضنا.
والحب نزوع له مظاهر مختلفة وهي الحب الأخوي كأشد أنواعه أساسية ذلك الذي نمنحه للأخ، والصديق، والعائلة والغريب والقريب، وهناك الحب الأمومي بكونه عملية غرس حب الحياة داخل الطفل، ويوجد الأبوي والحب الشبقي بوصفه حوجة بيولوجية نفسية أساسها الوحدة بين الذكر والأنثى وثمة حب الذات.
هذا بايجاز فيما يتعلَّق بالبعد النظري لفن الحب أو فيما يتعلق بجانب السيطرة على الممارسة؛ فهناك عوامل تجعل من الحب فنًا ممكنًا وفي مقدمتها النظام وهو أزمة الإنسان الحديث؛ إذ يعتقد أنه بالالتزام بالروتين الصارم والهرب من ساعات العمل بالنوم والتشتُّت وسط الأمكنة وحياة الأضواء ووسائل صناعة المتعة والترفيه بأنه يمارس النظام. يجيب فروم بالنفي فالنظام يبدأ بترتيب الإنسان لعالمه الداخلي ومعرفة ذاته يليها التركيز. ويعاني الإنسان الحديث صعوبةً في الانفراد بذاته وبعده الصبر فنفس الإنسان له منطق معطوب يعتقد أنه يفقد شيئًا (الوقت) عندما يفعل الأشياء على مهل ومع هذا لا يعرف ماذا يصنع بالوقت الذي اكتسبه فيقتله. (6)
( 3 اريك فروم فن الحب ص99 )
وثمة شروط أخرى يمكن أن تحسِّن من ممارستنا لفن الحب من وجهة نظر فروم مثل الغياب النسبي للنرجسية والتواضع والموضوعية والعقل والايمان. ويقودني حديث إريك عن الإيمان إلى ختم حديثي الموجز بإزالة لبس يعتقده العامة إزاء الفلسفة، وهو أنها تعادي الايمان الفردي والذي يجسِّد جزءًا هامًا في حياته اليومية، وهو اعتقاد خاطئ؛ فالفلسفة يمكن أن تتعامل مع حياته اليومية بمعزل عن معاداة إيمانه أو أنماط عيشه وتفكيره لأنّ مبدأ الفلسفة المعاصرة هو الاعتراف الصريح بالتنوع والعمل على استيعاب معطياته. وهكذا بهذا المشروع القيم يدعونا فروم لممارسة الحب من خلال اليومي كفن وأن نطوِّر الحضارة وفقًا له.
وعليه بإيجاز؛ يمكننا القول إن فلسفة اليومي هي ثورة عظيمة نحت بالفكر الفلسفي إلى أفق جديد صميمه الإنسان ومقصده معالجة تجربته اليومية وفتحته أمام ممكنات فريدة لعل من أهمها أنه من خلال تحسين التجربة الوجودية للإنسان بوسع الفلسفة أن تغدو أكثر من محبة للحكمة، فبوسعها أن تكون أسلوبًا للعيش والتفكير والعمل الأمر الذي سيحفز البشر على العيش بأصالة دون استهلاك أيامهم سدى.
مراجع:
1 – فلسفة الحياة اليومية، فتحي التريكي، الدار المتوسطية للنشر _ بيروت /تونس، الطبعة الأولى 2009، ص60
2 – جون بيار ديمون ، الفلسفة القديمة، ترجمة ديمتري سعادة، المنشورات العربية الاصدار 1984، ص36
3 – فلسفة الحياة اليومية، فتحي التريكي، مرجع سابق، ص73
4 – فن الحب بحث في طبيعة الحب وأشكاله، إريك فروم، ترجمة مجاهد عبدالمنعم مجاهد، دار العودة بيروت، سنة النشر 2000م، ص26
5 – انظر مناقشة تفصيلية لاتجاهات الشخصية في كتاب الإنسان لنفسه لاريك الفروم، الفصل الثالث، ص54-117
6 – إريك فروم فن الحب، مرجع سابق، ص99
إعلان