الغيرة قاتلة: كيف تتحرر من غيرتك؟
كيف يمكننا فهم الغيرة وكيف يمكننا التأقلم معها؟
تنتهي العلاقات بسبب صراعات الغيرة والناس يقتلون بعضهم بسببها، تخيل أنك في حفل وهناك شخص ودود تبسمت له، سيظن شريكك أنك تخونه! أو كان شريكك يخبرك عن قصة مضحكة حصلت مع عشيقه السابق، ستشعر بالتخوف والغضب والقلق المتزايد في داخلك ولن تعرف ماذا ستفعل. حاولت سوزان التعامل مع ذلك، قالت أنها ستظهر سخطها على شريكها محاولةً إرسال رسالة له تحمل مضمونًا أنها منزعجة حقًا وأن شعورها قد جُرِح، وتمنّت أن يتلقّى الرسالة، وفي بعض الأحيان كانت تنسحب ولا تتحدّث محاولةً معاقبته عن طريق الاهتمام بشخص آخر لكن أيًا من ذلك لم ينجح؛ شريكها لم يشعر إلا بالارتباك. في أوقات أخرى كانت سوزان تسأل شريكها إن كان لا يزال يشعر بأنها جذابة، هل كان يشعر بالملل منها، أو هل كانت نوعه المفضل! في البداية كان يطمئنها، لكن لاحقًا مع المزيد من طلباتها الملحّة عليه لطمأنتها بدأ يتساءل عن سبب عدم شعورها بالأمان، ربما لم تكن مناسبة له! وعندما أصبحت الأمور لا تزداد إلا سوءًا كانت تصرخ به: “لماذا لا تذهب إلى المنزل برفقتها؟! من الواضح أنك تريد ذلك!”. هذا النوع من صراعات الغيرة قد يؤدي إلى إنهاء العلاقة. لكن إذا كنت تشعر بالغيرة، هل هذا يدل على أن هناك خطبًا ما بك؟
أنا و زميلي “دينيس تيرش” قمنا بنشر مقال عن الغيرة وكيف تتعامل معها، يمكنك إيجاده في مجلة (International Journal of Cognitive Therapy) نشرح فيه خطوة بخطوة كيف يمكن للناس أن يتأقلموا مع غيرتهم. دعنا ننظر إلامَ يحدث عندما تغار، وكيف يمكنك التعامل مع غيرتك؟
الغيرة هي غضب وقلق مضطرب:
عندما نغار نقلق حيال أمرٍ وهو خوفنا من أن يجد شريكنا شخصًا أكثر جاذبية منا، ونخشى من رفضه لنا. وبما أننا نشعر بخطورة أن يجد شريكنا شخصًا أكثر جاذبيّة، فقد نلجأ للغيرة من أجل التأقلم مع هذا الخطر؛ قد نظن أن الغيرة ستمنعنا من التفاجؤ وتساعدنا في الدفاع عن حقوقنا وإجبار شريكنا على التخلّي عن أي اهتمامات بأشخاص آخرين، وهذا مشابه للقلق. قد تكون الغيرة استراتيجية نستخدمها حتى نتمكّن من معرفة ما يحدث حولنا من أخطاء، أو معرفة حقيقة ما يشعر به شريكنا، وقد نعتقد أيضًا أن الغيرة تشجعنا للتخلّي عن العلاقة حتى لا نشعر بالتأذي أكثر من ذلك. إذا كنت تشعر بالغيرة فمن الضروري أن تسأل نفسك ما الذي ترغب في الحصول عليه من غيرتك هذه؛ فنحن نعتبر الغيرة استرتيجية للمواجهة. هذا مشابه تمامًا لأنواع القلق الأخرى، الغيرة تقودنا إلى التركيز فقط على الأشياء السلبيّة، فنترجم سلوك شريكنا على أنه يعكس فقدان اهتمامه بنا أو الاهتمام بشخص آخر مثل: “هو يجدها جذّابة” أو “إنه يتثاءب لأنني مملة”؛ الغيرة تقودنا إلى أخذ الأمور على نحو شخصي وإلى قراءة أفكار ومشاعر الآخرين على نحو سلبي، مثلًا: “إنها ترتدي ملابس جذّابة للفت انتباه الآخرين”!
الغيرة يمكن أن تكون عاطفة تكيُفيّة:
النّاس -على اختلاف حضاراتهم وثقافاتهم- لديهم أسباب مختلفة للغيرة، لكن الغيرة هي عاطفة عالميّة خطرة، يقدّم عالم النّفس “ديفيد بوس” تفسيرًا جيدًا وهو أن الغيرة تطورت كآليّة للدفاع عن مصالحنا، فقد كان أجدادنا الذين نجحوا في طرد االمنافسين أكثر قدرة على البقاء على قيد الحياة. ومن المعروف في الواقع أن الذكور المتطفّلين (سواء بين الأسود أو البشر) يقتلون الرضع أو أطفال الذكور المشردين؛ كانت الغيرة طريقة للدفاع عن المصالح الحيوية. نحن نؤمن أنه من الضروري جعل الغيرة تبدو طبيعية كشعور وذلك بإخبار الناس: “لابد أنك شخص عصبي إذا كنت تشعر بالغيرة” أو “لابد أن لديك احترام ذات متدنٍ” وكل ذلك لن يجدي نفعًا. الغيرة -في بعض الحالات- قد تعكس احترامًا ذاتيًا عاليًا: “لن أسمح أن يعاملني أحد بهذه الطريقة”.
قد تعكس الغيرة القيم العليا لديك:
نظر علماء النفس -بخاصة المحللين- للغيرة على أنها دلالة على انعدام الأمن الذاتي وعلى أنها عيوب في الشخصية، وتُعتبر الغيرة العاطفية الأكثر تعقيدًا على الإطلاق. وفي الواقع قد تعكس الغيرة قيمك المتعلّقة بالالتزام، والزواج من امرأة واحدة، والحب والصدق والإخلاص. فقد تشعر بالغيرة لأنك تريد علاقة لك وحدك دون غيرك، وتخشى أن تفقد ما هو قيّم في هذه العلاقة. ونجد أنه من الجيد التحقق من صحّة هذه القيم لدى مرضانا الذين يشعرون بالغيرة على شركائهم. قد يقول البعض: “أنت لا تتملّك شريكك”، بالطبع هذه هي الحقيقة، وأي علاقة حب فيها تبادل للعواطف تُبنى على أساس الحرّية، لكنّها أيضًا تُبنى على الاختيارات التي يقوم بها “كلا الطّرفين الحرّين”. إذا كان شريكك قد اختار أن يكون مع شخصٍ آخر اطمئن فلديك سبب وجيه لكي تشعر بالغيرة؛ نحن لا نمتلك بعضنا لكن يجب أن يكون لدينا تأكيدات حول التزاماتنا تجاه بعضنا البعض. لكن إذا كانت قيمك العليا تعتمد على الصدق والالتزام والعلاقة الأحادية فغيرتك قد تعرض العلاقة للخطر. أنت في مأزق؛ أنت لا تريد أن تتخلى عن قيمك العليا وأيضًا لا تريد أن تشعر بالإرهاق بسبب غيرتك.
شعور الغيرة يختلف عن سلوكيات الغيرة:
كما يوجد اختلاف بين الشعور بالغضب والتصرف بطريقة عدائيّة، هناك اختلاف بين الشعور بالغيرة والتصرف النّاتج عنها. إنّه لمن الضروري أن تدرك أن هناك احتمال لأن تتعرّض علاقتك للخطر الكبير بسبب سلوكك الغيور مثل: (الاتهامات المستمرّة، والسعي للاطمئنان، والعبوس، والتصرّف لجذب الانتباه). توقّف وقل لنفسك: “أعرف أنني أشعر بالغيرة، لكن يجب ألّا أتصرف بسلوكيّاتها”. لاحظ أنّ الغيرة شعور داخلي لكن لديك الخيار في أن تتصرف بسلوكيّاتها أو لا. إذًا ما هو الخيار الأفضل لمصلحتك؟
1- اقبل غيرتك وقم بمراقبة أفكارك ومشاعرك الغيورة:
عندما تلاحظ أنك تشعر بالغيرة خذ لحظةً تنفّس فيها بعمق وراقب أفكارك ومشاعرك، تذكّر أن مشاعر الغيرة ليست مطابقة للواقع؛ فقد تعتقد أن شريكك مهتم بشخص آخر لكن هذا لا يعني أن ذلك قد حدث فعلًا؛ التفكير في الشيء يختلف جدًا عن حدوثه.
2- يجب عليك ألّا تنصاع نحو مشاعرك وأفكارك الغيورة:
لاحظ أن مشاعر الغضب والقلق قد تزداد عند التنحّي جانبًا وتجاهُل تلك التجارب التي تمر بها، اقبل حقيقة وجود هذه المشاعر واسمح لها بالتواجد؛ فليس عليك أن تتخلّص منها. وقد وجدنا أن التنحّي جانبًا عقليًا (التجاهل) وعدم ملاحظة وجود الشعور قد يؤدي إلى الشعور بالضعف في كثير من الأحيان.
3- ادركْ أنّ عدم اليقين هو جزء من كل علاقة:
كالكثير من المخاوف، تؤدي الغيرة إلى عدم اليقين مثل: “أريد أن أتأكد أنه ليس مهتم بها” أو “أريد أن أتأكد أننا لن نترك بعضنا البعض”. من المضحك أن بعض الناس يعجّلون بحدوث المشكلة من أجل الوصول إلى ذلك اليقين فمثلا من تقول: “سوف أقطع علاقتي بها قبل أن تقوم هي بذلك!”. لكن عدم التأكد هو جزء من الحياة ويجب أن نتعلم كيف نتقبّله. عدم اليقين هو واحد من تلك القيود التي لا يمكننا أن نفعل شيئًا حيالها؛ فليس من الممكن أن تعرف حقًا أن شريكك لن يرفضك، لكن اتهاماتك ومتطلباتك ومعاقبتك له قد تخلق نبوءة تحقق ذاتها فيما بعد!
4- قيّم الافتراضات الخاصّة بك عن العلاقات:
قد تتغذى غيرتك على أفكار غير واقعيّة عن العلاقات، قد تشكّل المعتقدات التي لديك من العلاقات السابقة لشريكك تهديدًا لعلاقتك به. أو قد تؤمن أن: “لا ينبغي لشريكي أن ينجذب نحو أحد آخر”، وقد تؤمن أيضًا أن مشاعرك (من الغيرة والقلق) هي علامة أن هناك مشكلة. نحن نطلق على هذا “التفكير العاطفي” وهي في الغالب طريقة سيئة جدًا لاتخاذ القرارات. أو قد يكون لديك معتقدات إشكاليّة حول كيفية الشعور بالأمان، على سبيل المثال: قد تؤمن أنك تستطيع إجبار شريكك على أن يحبك أو أن تجبره على فقدان الاهتمام بالأشخاص الآخرين، قد تؤمن أن الانسحاب والتلاعب سيبعثان رسالة إلى شريكك تؤدي به إلى محاولة الاقتراب منك، لكن الانسحاب قد يؤدي به إلى فقدان الاهتمام بك بدلًا من التقرب إليك. في بعض الأحيان تتأثر افتراضاتك حول العلاقات بناءً على تجارب الطفولة أو العلاقات الحميميّة السابقة؛ إذا كان والداك قد عانيا من مشكلة الطلاق لأن والدك ترك أمك بسبب امرأة أخرى فقد تعتقد بأن هذا سيحدث معك، أو ربما تكون قد تعرضت للخيانة في علاقة سابقة فتعتقد بأن هذا سيتكرر في العلاقة الحاليّة. قد تعتقد أيضًا أن لديك القليل لتقدمّه فمن قد يريد أن يكون معك؟! إذا كانت غيرتك قائمة على هذا الأساس فعليك أن تفتّش عن الدليل المؤيّد أو المعارض لذلك، على سبيل المثال: اعتقدَت إحدى النساء أن لديها القليل لتقدّمه لكن عندما سُئلت عمّا تريده في الشريك المثالي لها كان الذكاء والدفء والتقارب العاطفي والإبداع والمتعة والكثير من الاهتمامات، ثم أدركت أنها كانت تصف نفسها! إذا كان غير مرغوب بها فلماذا تصف نفسها كشريك مثالي؟!
5- استخدم مهارات العلاقات الفعّالة:
لا يتعيّن عليك أن تعتمد على الغيرة وسلوكيّاتها لتجعل علاقتك أكثر أمانًا؛ يمكنك استخدام سلوكيّات أكثر فعاليّة، وهذا يتضمّن أن تصبحوا أكثر مكافأةً لبعضكما البعض كأن تراقب شريكك وهو يفعل شيئًا إيجابيًا، اثنيا على بعضكما البعض وخططا لخبرات إيجابيّة، وحاولا الامتناع عن النقد والسخرية والتوسيم والازدراء. تعلم كيف يمكن أن تتشاركا المسئولية في حل المشاكل كأن تستخدم مهارات حل المشكلات المتبادلة، قوما بإعداد “أيام المتعة” مع بعضكما عن طريق عمل لائحة تضم من السلوكيّات الإيجابيّة والممتعة لقضائها مع بعضكما البعض، على سبيل المثال: تستطيع أن تقول “دعنا نقوم باختيار يوم من أيام هذا الأسبوع ليكون ممتعًا لي ولك”، قم بعمل قائمة لسلوكيّات ممتعة وبسيطة تريدها من شريكك: “تحدّث معي عن عملي”، “لنقم بطبخ وجبة معًا” أو “لنذهب في نزهة إلى الحديقة”. الغيرة نادرًا ما تجعل العلاقات أكثر أمانًا، لكنّ ممارسة سلوكيّات فعّالة وإيجابية في العلاقة هو بديل أفضل بكثير.