العصر الذهبي لتتعلم كل شيء

مقدمة المترجم: في ظلّ الثورة المعرفية الهائلة التي يشهد نتائجها العالم في الوقت الحاضر، نعيش تطورًا متسارعًا في الثروة العلمية والتقنية؛ مما أدى إلى تفاقم الفجوة بين ما نتعلمه في المدارس والجامعات وما يتطلبه الواقع العملي. ولا يخفى على أحد ما أدى إليه هذا التفاقم من تردٍّ في نظام التعليم بالإضافة إلى ما يفرضه هذا النظام من قيود على هذا الفرد في اختيار التخصص. ولا ننسى الظروف الاقتصادية التي يعيشها الناس والتي بدورها تثقل كاهلهم بحمل الدين. لهذه الأسباب وغيرها اخترت أن أترجم هذا المقال الذي يعرج على التعلم الذاتي ؛ فيذكر بعض النقاط المهمة والاستراتيجيات المتبعة لممارسته هذا بالإضافة إلى ذكر تجارب بعض المتعلمين ذاتياً.

لم يعد هناك أسهل ولا أهم من تنمية مخزونك المعرفي؛ فهذا ما يعلمك إياه علم التدريس الموجّه ذاتيًا. من ذا الذي يستطيع معارضة إبداعية المنجزين المُدَرَّسين ذاتيًا؟ إذ أنهم لم يحتاجوا مدرسًة ولا نظامًا بل احتاجوا فقط شغفهم وموهبتهم لدفعهم إلى هذه الرفعة. يعتبر بيل جيتس الذي ترك الجامعة فأصبح تقنيًا بليونيرًا ومنقذًا للعالم نموذجًا عصريًا للإنسان المتعلم ذاتيًا. وممن سبقه على هذا  النهج: أبراهام لينكولن وفرجينيا وولف وليوناردو دافينشي وتشارلز داروين. وحتى لا نكون مثاليين، فليس هناك أحد متعلّم ذاتيًا بالمفهوم المحض؛ لأنه في حين لا يتطلب التعلم الذاتي مدرسة أو مؤسسة فإنه يتطلب دائماً مساعدة أو إرشادًا من الآخرين؛ يتم التحصل عليه بأشكال مختلفة، مثل المحادثات أو الكتب أو الأجهزة أو أقراص الفيديو الرقمية أو الكنوز الدفينة من الوثائق. وتطول القائمة لتشمل الصور ودروس الفيديو والتطبيقات التعليمية والكتب المرفوعة والمساقات المجانية المتوفرة على الإنترنت.

ولابدّ أن نكون متعلمين ذاتياً بغض النظر عما كان تعليمنا الرسمي أو سيكون لننجو في عصر اقتصاد المعرفة. إنّ عملية التعلّم يتمّ تعزيزها بـ التعلم الذاتي حتى في أقوى أنظمة التعليم. فتأخذ الراقصة، مثلًا، درسًا واحدًا في الأسبوع وتحتفظ باقتراحات المعلمة أو تقدمها بأي طريقة دون ممارسة فردية تتضمن تقييمًا وتصحيحًا ذاتيين دقيقَين. فهي بذلك ليست عصامية وإنما هي متعلمة موجهة ذاتيًا إذا أردنا استخدام المصطلح العصري. يمكنك أن تكون متعلمًا موجهًا ذاتيًا سواء كنت خريج مدرسة ما أو تبلغ الخامسة والثمانين من العمر وترغب بالخوض في اللعبة. ولكن، ما الذي ينقلك من باحث ضائع على جوجل لا يقوده إلا فضوله اللحظي إلى متعلم ذاتي حقيقي؟ هناك بالطبع عدة مكونات إلا أن الصدمة الحقيقية هي أن غالبيتنا لا يغتنم العصر الحالي للوصول إلى إتقان أي موضوع. بيد أن هذا ليس مفاجئًا؛ إذ أننا عُلِّمنا أن نكون طلاب خامدين ونجتاز المدرسة؛ إذ أنه من السهل أن تكون كسولا. ورغم ذلك، فإن جزاء أن تصبح متعلمًا ذاتيًا هو توقد نيران داخلية وإنشاء صلات جديدة بمهارات ومعرفة هي أصلًا موجودة لديك والتقدم في مهنتك ومقابلة ذوي الأرواح السامية وغرس الاستمتاع الشديد بالحياة وثرواتها.

إن السبب الذي يدفعك إلى الغوص في بحر التعلم الذاتي هو أن ما تعلمته لا ينفع؛ حيث يقول جيمس ماركوس بوك في كتابه أسرار الطالب المغامر:

إعلان

“إن نجاح العاملين بالمعرفة لا يعتمد على ما يعرفونه وإنما على الطريقة التي يتعلمون بها”.

ويجدر بنا أن نذكر أن جيمس ترك المدرسة وهو ابن أربعة عشرة سنة وثقف نفسه بما يكفي في الأيام الأولى من حساب المنزل ليصبح مختبِر برمجيات لدى شركة أبل. تعتبر فلسفة باك جامعة وثورية في الوقت ذاته؛ إذ يقول:

“إن القرصنة الفكرية تتجذر في التعلم الذاتي وفي التعليم المدرسي كذلك. لقد تعلمت من المدرسة ومن الذين تلقوا تعليمهم في المدرسة؛ إذ أنني ألتهم المعرفة أينما وجدتها. أنا لا أبتغي تدمير المدارس، وإنما أنا في الخارج بغية دحض الاعتقاد الشائع بأن التعليم المدرسي هو الطريق الوحيد للتعليم الممتاز وأن الطلاب الأفضل هم الذين يتقبلون عن عمى ما توفره لهم المدرسة.”

أما بليك بول فهومن جيل إكس1 وخريج جامعة كاليفورنيا بيركلي. فقد صمم تخصصه وهو مدافع عن التعلم الذاتي ويقود رحلات تعليمية للمراهقين، إذ يقول في كتابه فن التعليم الموجه ذاتياً: “يكمن الفرق بين المتعلمين الموجهين ذاتيًا وبين أقرانهم الآخرين هو أنغير المتعلمين ذاتيًا حالما تتوقف المدرسة أو العمل عن تلبية أهداف حياتهم لا يثبتون في مكانهم وإنما يُحفِرون الطرق المعبدة ويمحون الخريطة عن البوصلة ويتركون البلاد إلى أرض مهجورة. وأما المتعلمون الموجهون ذاتيًا، فيتحملون مسؤولية تعليمهم وحياتهم ومهنهم كاملة.

مسألة الذكاء:

إن من خير الأمثلة وأشهرها على التعلم عبر الإنترنت والتي تستهدف الأطفال والمراهقين بشكل أساسي هي أكاديمية خان، حيث بدأت عام 2006 على يد سلمان خان المحلل السابق لبيانات الأمن المالي والذي يملك أربع شهادات من جامعتي هارفارد ومعهد ماساشوستس للتكنولوجيا. فقد بدأ بإعداد الفيديوهات لتعليم ابن عمه الرياضيات ليكون مصيرها أن تنصهر في بوتقة مدرسة بلا حدود. ويشير موقع أكاديمية خان إلى أنه قدم أكثر من 580 مليون درسًا في مختلف المواضيع الأكاديمية وأن المتعلمين قاموا بحل 3.8 بليون تمرين أو ما يعادل 4 مليون تمرين في اليوم. وخمن خان في مقابلة أجراها مع سيكولوجي توداي Psychology Today أن موقعه هو الفردوس بالنسبة للفتيان اليافعين الذين تشرئب أعناقهم للتعلم. بيد أنه أشار إلى أن الموقع يمكنه زيادة مستوى الأطفال الأذكياء والمحفزين، إذ لا تقتصر رؤيتنا على الوصول إلى الذين يفتقدون إلى المصادر المثرية وإنما تتعدى ذلك إلى أن يستطيع الجميع التعلم بالسرعة ذاتها وأن تكون على أساس الكفاءة.

ويتابع قائلاً: “أعتقد في عالم كهذا أنك ستزيد عدد المتعلمين ذاتيًا وأن ندمج عددًا أكبر من الناس لأنه سوف تتاح لهم الفرصة ليملكوا زمام الأمور في عملية التعلم الذاتي ولا يشعرون بالملل أو الضياع.” وقد اضطلع خان قبل سنوات للقيام بمهمة إصلاح التعليم عن طريق تأسيس مختبر مدرسة خان على أرض الواقع [ليس على الإنترنت] في جبل كاليفورنيا فيو “Mountain View” حيث يعمل الفتيان حسب سرعتهم باستخدام برامج الإنترنت بما فيها برنامجه ويتعاونون في مشاريع المجموعات. لا يوجد هناك مستويات بدرجات أو واجبات، إذ أن التركيز الأساسي على الإتقان الموجه ذاتيًا. ويقول الدكتور جونوثون وايل الباحث والدارس للشباب الموهوبين في جامعة دوك أن المميزين من المتعلمين ذاتيًا يميلون إلى تحصيل أعلى المستويات في اختبارات الذكاء. وتظهر الكثير من الأبحاث أن الأذكياء هم من يحتمل انخراطهم في التعلم الموجه ذاتيًا، فإذا ركز الأذكياء في موضوع فسوف يتقدمون بسرعة أكبر، إلا أن عبر مستويات اختبارات الذكاء فإن الشغف يتشكل لدى الكثير منهم، فهناك أذكياء كسالى واختلافات فردية في كل جزء من توزيع الذكاء. ويقول بولز أنه لاحظ أن معظم المتعلمين ذاتيًا منعم عليهم بقابلية جينية للتفكير المستقل وحل المشاكل الإبداعية، بعبارة أخرى هم مبدعون. إلا أنه يؤكد في الوقت ذاته على أهمية العقلية التطور أكثر من الذكاء كما تفعل أكاديمية خان.

أسلوبك في التعلم:

ربما تعتقد أنك تصنف من المتعلمين الذين يحتاجون سماع محاضرة في علم الأحياء المجهري بدلا من قراءة كتاب أو القراءة لشخص لا يعرف كيف يكتب قصيدة خماسية. وفي تحليل دقيق قدمه كريستيان جاريت  المتخصص في علم النفس الإدراكي ومؤسس مدونة البحث السيكولوجية للمجتمع البريطاني وجد القليل مما يبرهن على تصديق بأنماط التعلم، حيث يقول:

“رغم أن كل واحد منا متفرد عن الآخرين فإن أكثر طرق التعلم تأثيرًا لا تعتمد على ما يفضله كل منا وإنما على طبيعة المادة التي يتم إعطاؤها لنا”

إذ أن المتعلمين الجدد يتعلمون من الأمثلة ويستفيد المتعلمون الأكثر خبرة من حل المشاكل. وما يحسن تعلم كل منا هو عمل الأنشطة مثل الرسم البياني لخلية ما بعد القراءة عنها. وتدور معظم الجدالات حول ما إذا كان ينبغي على الأطفال ببساطة اتباع ميولهم الفكرية أي أنهم لا يخضعون للمدرسة أو يجبَروا على تعلم حقائق أساسية ويكونوا معرفة ثقافية، حيث يضيف واي في هذا الصدد أن ما يقوله بيل جيتس بأنه يمكنك برمجة حاسوب دون معرفة أساسية في هذا المجال. ومهما يكن من أمر، فإن ضرورة وجود أساس لبناء المعرفة بشكل أساسي وظاهري وأن الاهتمامات الطبيعية هي أساسية أيضًا. بعبارة أخرى، فإن الجانبين مهمين.

وقد تم انتقاد أكاديمية خان بسخرية بدعوى ترويجها لنظام التعليم بالتكرار الذي يعتبر ميدان التعليم المؤسسي وليس إلى المتعلمين ذاتيًا الذين يشاهدون الفيديوهات. فرد خان رافضًا الفكرة قائلًا: “إن تركيز الفيديوهات هو على الفهم القائم على المفاهيم ولدينا تدريبات أسميها التطبيق المدروس، إذ أن التكرار يعني حفظ الصيغ بينما يعنى التطبيق المدروس بوجوب حلك لمجموعة من المعادلات التي يوصلك حلها إلى منطق المادة ونظامها. أعتقد أنه إذا عملت معظم الوقت بما يكفي فإن دماغك يبدأ بإنشاء روابط جديدة. ويوضح بولز أن التطبيق المدروس يشير إلى أنك اجتزت المستوى الحالي للأداء فهي بذلك تحليل لما تتعلمه في ذلك اليوم وتدفع نفسك إلى ذلك حتى تتقن هذا المفهوم البسيط الذي يعتبر تحديًا، ولكنه ليس كبيرًا. يميل المتعلمون الموجهون ذاتيًا كالبقية إلى تجنب التطبيق المدروس في بداية الأمر بسبب صعوبته، وكونه مخيفًا ومضيعًا للوقت. بيد أنك حالما تتذوق ثمرته وهي الإتقان الصحيح تعرف قيمته.

ما الذي يعيقك؟

ويوضح باك قائلاً: “ليست التقنية ولا الذكاء هما العائق أمام الناس عن النجاح في التعلم الذاتي وإنما هو انعدام الأمن، إذ أن الشعور بالنقص هو ما يوقف الفضول”. وفي مجال باك ذو المفكرين المنافسين، يتعلم أن غالبية الطموحين يتملكون خوف من افتقادهم إلى الذكاء والجودة الكافيين رغم كونهم جيدين، وذلك يعتبر أحد المعيقات ويرتبط بغرس عقلية النمو، إذ أن أناسًا بهذه العقلية لا يأبهون بشأن كم هم أذكياء وما يهمهم هو انفتاحهم نحو تطوير مهاراتهم ومواهبهم. إن امتلاك هدف أو معنى خلف مآربك يعينك على الإصرار، إذ يروي بولز في كتابه قصة فتاة تبلغ من العمر 16 سنة كانت شغوفة بفكرة بناء شيء ما إلا أنها مهتمة بشكل أكبر باكتساب استقلالية أكبر عن عائلتها. عملت أجيرة لدى أحد المهندسين المعماريين لمدة تسعة أشهر ثم ضمنت بعد ذلك إرشادات الآخرين وبنت بيتها الصغير بنفسها.

إن كل ما يساعدك هو اتخاذ قرار بما يهمك وتكون منفتحًا والتغلب على مخاوفك. لا يشترط فيك أن تكون صاحب عمل لتكون متعلمًا ذاتيًا؛ إذ كان باك مسوفًا إلا أنه خلص بعد سنوات من تحليل أساليب التعلم والعمل إلى أنه يجب أن يتبع رغباته وأنظمته ويثق أن ينتج عملًا جيدًا في النهاية. فعندما يتشتت انتباهه، فإن جزءًا من عقله على الأقل يحتمل أن يعالج العمليات التي يحاول جاهدًا تجنبها. ويوضح ذلك قائلًا: كان ينبغي أن أبتعد بذهني لفترات طويلة من الزمن حتى يستقر عقلي في مكان ما. فقد قضى ذات مرة شهرًا كاملا في التسويف لعمل مشروع أساسي وقد ساعده مشروع آخر على الوصول إلى نقطة البداية الصحيحة.

البنية والمساءلة.. دوا لينغو نموذجًا:

يبدو موضوع البنية مع الضغط الخارجي والتعزيز أمرًا حساسًا بالنسبة لكثير ممن يودون أن يصبحوا متعلمين موجهين ذاتيًا، حيث سيمضون وقتهم في مشاهدة التلفاز إذا تم تركهم مع أجهزتهم. لنأخذ مسألة تعلم اللغة التي يدعي الكثير رغبتهم بها والبعض الآخر ينبغي عليهم النجاح في عمل ما أو اغتنام فرص أخرى، إذ يشير الصحفي بينيديكت كاري في كتابه كيف نتعلم إلى أن متحدث الإنجليزية المتعلم يعرف ما يقرب من 20,000 إلى 30,000 كلمة ومئات التعابير الاصطلاحية واكتساب نصف هذه الكمية يأخذ تقريبًا ساعتي ممارسة بشكل يومي لمدة خمس سنوات، فهل يستطيع الشخص العامي جمع كل الوسائل الضرورية? بالطبع، فمن مميزات عصرنا وجود تطبيق أعد لذلك. إن تطبيق دوولينغو Duolingo الذي بلغ عدد مستخدميه لعام 2015 أكثر من 100 مليون يوفر دروسًا في الاستماع والتحدث والترجمة واختبارات اختيار متعدد لأكثر من 20 لغة. لن يقوم أحد بوضع التطبيق بين يديكو لا بفتحه لكن التركيب موجود داخل البرنامج وكذلك بالنسبة للتعزيز الإيجابي. تستطيع في الحال رؤية ما قد أجبت عليه إجابة صحيحة، وإذا أخطأت في اختبار يعلمك التطبيق بطريقة التي تتحسن بها. وتستطيع كذلك رؤية عدد الأيام التي قضيتها في تعلم لغة في صف ما، فهي أداة تشجعك على الاستمرار في التعلم. وفي إشارة إلى استخدام أسلوب اللعب، ستخسر قلوبًا عندما تجيب إجابة خاطئة، إذ أن وجود منطق الممارسة لديك في تعلم لغة ما يساعدك على تعلم هذه اللغة. ورغم ذلك، فقد خلصت دراسة لدوولينغو أجريت في جامعة ساوث كارولينا وكلية كوينز عام 2012 إلى أن تأثير التطبيق يتوقف على ما يحفز المشتركين، فهؤلاء الذين يتعلمون بدافع السفر يكتسبون الأكثر، وأولئك الذين يتعلمون بدافع شخصي يستفيدون أقل. فاشترِ تذاكر سفر وثبتها على مقعدك.

التعلم في الفراغ بين العالم الواقعي والعالم الافتراضي:

تنوه رغبتنا في السفر في العالم الحقيقي إلى محدودية التعلم عبر الإنترنت رغم وساع العالم الافتراضي. فعلى سبيل المثال، لنأخذ حالة المساقات الإلكترونية مفتوحة المصدر [MOOCS]. ففي عام 2013، يوضح بولز أن آلاف الأشخاص سجلوا في تعليم الموك ولكن 95% منهم تقريبًا لم يكملوا المساق، حيث أن نسبة الترك عن بعد هي أعلى منها في التعليم وجهًا لوجه. ويجادل بولز بأننا في بحر من المعلومات إلا أنه إذا لم نربط ما نتعلمه بالشكل الحالي للمعرفة فإننا سنضل في بحر البيانات ونفتقد إلى اللحظات التي نفهم فيها جوهر الأمور.

وهي رغم ذلك عقبة يمكن تجاوزها بشيء من التواصل البشري، حيث أن الآخرين يوفرون سياقًا ويربطون المفاهيم. ويتابع: “إذا صببت تركيزك على مهارات الحاسوب مثل التصميم أو البرمجة فسيأخذك الإنترنت إلى حيث تريد. وأما ما عدا ذلك، فإنك تحتاج مرشدين هذا إن لم تحتج معلمين تدفع لهم المال. ولكن بالنسبة للجدالات حول التعليم، يجب أن لا تكون إما هذا أو ذاك. أتقن مهارة التصميم على الإنترنت ثم التحق بمؤتمر لتتعلم أكثر، إذ ينصح باك المتعلمين الموجهين ذاتيًا بأن يبحثوا عن أشخاص بميول مماثلة ويوحدوا جهودهم.

إن كثيرا من نجاحاتي يأتي من شبكة الناس الكبيرة لإنجاز العمل وفحصه وتعاونهم معي. وإذا لم يكن لدي هذه الشبكة فسأبدو ظلًا لما أنا عليه. ولمَ العجب إذا كان التعليم الموجه ذاتيًا سيبقى تغييرًا حبيس الزوايا الصغيرة أو إذا كانت النخبة من كل مجال الذين التحقوا بالمؤسسات المعترف بها قانونيًا سيأخذون مبدأ الشهادات الإلكترونية على محمل الجد ويفتحون الأبواب. إنه تحدٍ ما زال المتعلمون ذاتيًا يواجهونه، إذ كيف سيظهرون مهاراتهم دون مسمى المدرسة؟ إن هذا سؤال يطرح نفسه. ولا يعتبر حلًا أن نبتعد عن العزلة ونتعلم شيئًا جديدًا.

قصص وتجارب:

ميلي بينينجتون:

هل تريدين تركيب الرموش المستعارة التي تباع في الصيدليات الكورية؟ إنكِ محظوظة، فهناك أكثر من سبعة مليون درس حول مستحضرات التجميل على محرك البحث يوتيوب. عندما دخلت فنانة المكياج ميلي بينينجتون عقد الثمانينات من عمرها في آلاباما لم تكن تملك سوى مجلات تنظر فيها. بيد أنها نافست في موضة صرعة جديدة، إذ رغم أن تطبيق هذا الأمر عليها يبدو منفرًا بالنسبة لأسرتها الكاثوليكية المتحفظة، نجدها تقول:

“لقد تقبلت أمي هذا الأمر لأني كنت فيما عدا ذلك فتاة جيدة”.

تخصصت بينينجتون في تاريخ الفنون أثناء الجامعة مما وسع آفاقها وأغنى أفكارها وآراءها حول الجمال حتى يكون بالنسبة لديها أعمق من المظهر الخارجي. تعلمت الكثير في عقد التسعينات عندما كانت تتدرب في صفحة ديك Dick وهو فنان تجميل بريطاني آية في الفن والمشرف على الأمور الفنية في شركة شوسيدو في الوقت الحالي. كانت هذه هي حقبة الجرونج. إنه معروف بوجهة نظره وهي أن التجميل يكون طبيعي بلا مستحضرات. ثم انتهجت صحبة الفنانين بغية إرشادها حيث تقول: “إذا أردت فهم تقنية معينة، أحاول العثور على من فعلها وأتعلم منهم”. وقد ساعدها المصورون كذلك على الإلمام بحرفتها، فتقول: “لقد أوضحوا لي الكثير على مدى السنوات الخالية”.

وذات مرة عملت مع المصور باتريك ديماركيليار، وبرز تصميمها في كل من مجلات فوج، وجلامار، وألوور، ونايلون مما جعلها تتربع على عرش النجاح في الموضة الراقية. إن البقاء على القمة ليس الغاية المثلى بالنسبة للمتعلمين الموجهين ذاتيًا، فهم يحبون الارتقاء إلى قمم أخرى. ففي عام 2011، بدأت بينينجتون مدونتها التي حملت عنوان: “الجمال الأخاذ”، حيث تستكشف هناك التفاعل بين الجمال والثقافة من منظور بدايته الإبداع ناظرة بذلك إلى ممارسة الغرور والتاريخ والفن والتكنولوجيا. وقد كتبت في مدونتها عن تبرج الأميرة السيبيرية في حقبة ما قبل التاريخ التي تعد النموذج الحقيقي وراء امرأة غوستاف كليمت في الذهب والصلة بين اهتمامنا بالجمال واشمئزازنا مما هو كذب. وتكتب قائلة:

“إننا نحب الجمال ولكننا وجلين من أن نخدع بسطوته”.

إن المتعلمين الموجهين ذاتيًا يعلمون أن توظيف الخبرات في أحد المجالات يمكن ترجمته إلى مجالات وتحديات جديدة ومختلفة، إذ أصبحت بينينجتون في عام 2014 مديرة  قسم فن التجميل التابع لشركة كوكو البادئة في مجال دقة الألوان، إذ تعمل الشركة على إنشاء تطبيق يعمل على اختيار ألوان تناسب جلد الزبائن بشكل تام بناء على صور السيلفي.

بابلو كيوبارل:

عندما بلغ بابلو كيوبارل التاسعة عشر من عمره، أصبح شغوفًا بآلة التشيلو وهي آلة وترية كبيرة، حيث يقول: “لقد أخبرني الجميع أنك تأخرت لتبدأ  فضربت بكلامهم عرض الحائط”. لقد وجد معلمًا في بوينس آيرس التي تبعد مسافة 12 ساعة في الحافلة عن بلده الأم قرطبة. لذلك كان يأخذ درسًا واحدًا في الشهر، ففي حين أن وجود معلم جيد هو عنصر أساسي في تعلم آلة موسيقية فإن مسألة كيف قضى كيوبارا بقية أيام الشهر كانت خيارًا موجهًا ذاتيًا، إذ فضل أن ينهض في الساعة الخامسة والنصف صباحًا ويمارس لمدة ثماني إلى عشر ساعات.

وبمضي ستة أشهر أصبح قادرًا على عزف آلة موسيقية مكونة من أربعة أوتار. سمع عازف الشيلو البارز وولفرام كويسل عزف كيوبارل عندما أتى إلى قرطبة لإعطاء محاضرة في الماجستير في ذلك الوقت. وعندما عاد بعد سنتين، أخذته الدهشة عندما أدرك مستوى التحسن الذي وصل إليه كيوبارل. ثم دعاه كويسيل ليدرس معه في نيو يورك لمدة شهر، حيث يقول كيوبارل: “أقمت في بيته أغسل الصحون”.

عندما بلغ الرابعة والعشرين واستقر في نيويورك أدرك أنه رغم كل ما أنجزه فإنه ليس متقنًا بمستوى من بدأ العزف وهو في سن الخامسة أو السادسة. ورغم أنه عزف باحتراف قرر أنه إذا أضاف إلى الموسيقى رونقه الخاص يمكنه حينها أن يكون متميزًا عن أقرانه. فشكل فرقة البوب البديل وسماها كونترومونو، حيث يقول: “لم آخذ درساً آخر”. ورغم ذلك، لم تفتر عزيمته في التعلم الذاتي، حيث لم يرغب كيوبارل بتوظيف أحد لإستوديو التسجيل وإنما قام بتعليم نفسه في برامج إنتاج الموسيقى. كان محترفًا في آلة الشيلو في غضون ستة أشهر واستمر في التحسن، حيث يقول: “دمجت أصوات أول ألبوم للكونترومونو 36 مرة فربما بدت كلها متطابقة إلا أن كل واحدة منها متميزة عن الأخريات وأريد الأفضل.” ولسوء الحظ، أن تكون موسيقيًا ليس كأن تدفع الفواتير. ولأنه تزوج مصورة تتطلب أن تهذب صورها بشكل منتظم فقد تعلم التصوير. بدأ يحصل على مهمات مدفوعة الأجربعد مشاهدته بعض الدروس على الإنترنت. لم يكن هناك رغبة متوقدة جامحة تشعل الحماس لإتقان التصوير كما هو الحال مع تعلم الشيلو أو إنتاج الأغاني، فهو فقط يرغب بجني المال. إنه يقدر أنه مسجل فيما يقرب من 10,000 ساعة. وفي الرابعة والثلاثين، عاد كيوبارل إلى هواه ثانية مع لعبة التنس. فاشترى أفضل مضرب وعشرة من أقراص الفيديو الرقمية، يغطي كل منها درسًا في ضربة منفصلة ومارس ما تعلمه على الحائط. يقول كيوبارل: “يحب الناس معلمًا يكون إلى جانبهم ليخبرهم ما ينبغي عليهم فعلهم إلا أن ما يتعلمونه يمضي بسرعة في هذه الحالة، فإذا أردت أن تعيد ما تعلمت فإن المعلم قد ذهب. لكن مع قرص الفيديو الرقمي، تستطيع إعادة الدروس مليون مرة حتى تتقنها جيدًا.” لقد كان شغوفًا، حيث لعب التنس ثلاث ساعات يوميًا لمدة سنتين. إن سيطرة كيوبارل المتسلسلة على الأحداث تثير في الذهن سؤالًا عن طبيعته: “هل هو عبقري أم شغوف بركوب الأخطار أم خليط من الاثنين؟

جوش كلاين:

يقول جوش كلاين: “لا أحد يعلم أنك ابن عشر سنوات على الإنترنت. لذلك عندما تعطي الناس إجابة غبية فسيقولون لك هذه إجابة غبية.” أذكت هذه القدرة المبكرة على تقبل النقد من أشخاص مجهولين ما يعتبره كلاين أحد مزيتين أساسيتين تقودانه وهي الفصل التحليلي, والأخرى هي الجرأة. بدأ كلاين بالفشل في مادة الرياضيات في المدرسة لأنه كان يفضل قضاء لياليه في اختراق محتوى مساق الجامعة لتعلم التشفير. ويقول: “إن التعليم بالمجمل لم يجدِ نفعاً بالنسبة لي. فقد كنت في الحصص المفيدة والحصص غير المجدية في آن واحد. فإذا كانت الحصص مملة, وأغلبها كذلك, فلن أقوم بالعمل. أكد المعلمون على الحقائق إلا أنه ومع نمو الإنترنت بدا التفكير النقدي أكثر أهمية من حفظ شيء يمكن الرجوع إليه في أي وقت رغب كلاين بالذهاب إلى الجامعة لكن عائلته عانت من عبء التكاليف. أمن منحة للكتابة في السنة الأولى لكنه لم يكن مؤهلاً لمساعدة مالية أخرى; فحدد أي التخصصات يمكن إتمامها في أقصر زمن ممكن, ودرس حوالي مساقات ب22 ساعة في الفصل, وتخرج في غضون سنتين ونصف. أهله اهتمامه بالحاسوب إلى وظيفة العمل في محرك التجارة الأول ثم منصب في شركة مايكروسوفت. ولذلك فقد طور مهنة متعددة الأوجه من مستشار تقني ومعلم بنظام ستيم1 ومرشداً ومستضيفاً على شاشة التلفاز. يمكن تسمية كلاين بالمتعلم الذاتي للسلوك; حيث درس سلوكياته لفهم مصادر تحفيزه وإدراكه. فعلى سبيل المثال, إنه يراقب كمية الأكل وطريقته ووقت التمرين واستهلاك الكافييم الذي هو من بين قياسات أخرى للحفاظ على الإنتاجية والأداء. اعتقد أن هذا القياس يساعده في إنجاز الكثير من أهدافه, حيث يقول: رغبت بتحدث الآيسلندية بشكل أفضل من ذي قبل, فأعد هدفاً لعشر دقائق في اليوم. فإذا تأملت عشر دقائق في اليوم فسيضاعف ذلك جهودي وأقرأ عدد أكبر من المجلات التقنية. كان قادرًا على الحفاظ على أهداف من هذا النوع لمدة خمسة أشهر قبل تدهور خطته; إذ يقول: “كان نمط التفكك ممتعًا، لأنني لم أكن أعيد توزيع المصادر وكنت أنام لوقت أقل حتى أشعر بتعب أكبر”. واكتشف كلاين أن التوقيت ودمج المهمات كانا أمرين مهمين, فيقول: “أستطيع عصف قوتي الذهنية في أمرين فكريين إضافيين وأمرين بدنيين يتطلبان جهدًا بدنيًا كبيرًا، إذ المسألة هي فهم كيفية إعادة الجدولة لأكون أكثر فاعلية.” يخطط كلاين لتطبيق نتائج الفاعلية لديه على موضوعات أخرى في  قائمة تعلمه، مثل: الذكاء الاصطناعي والتمويل والتزلج والطبخ الياباني واللغة الإسبانية والنجارة. إننا نحيا في عصر بدا فيه الوصول إلى المعلومات والتعليم أمرًا لانهائيًا وعدم التعلم يعتبر مضيعة لهذه السبل.

استعد: اجلس وطور استراتيجيات مفيدة للتعلم الذاتي:

مبادرتك الأولى نحو الإتقان الذاتي:

مهارات التعلم الأساسية مدى الحياة:

تحتاج كي تكون متعلمًا ذاتيًا ناجحًا ما يلي:
تحديد ما يجب تعلمه.
معرفة كيفية الوصول إلى المعلومات وتقييمها.
الوعي بمحدداتك.
تقبل الإحباط والحيرة كجزء من عملية التعلم.
تقبل الآراء الأخرى بصدر رحب.
جمع البينات حول أدائك عن طريق المراقبة الذاتية والتقييم.

أدوات لإثراءك كمتعلم موجه ذاتيًا:

ينصح بليك بولز، مؤلف كتاب فن التعلم الموجه ذاتيًا إتقان هذه المهمات للتعلم في بيئات معقدة وديناميكية، وهذه المهمات كما يلي:
رواية قصة محفزة.
تحدث أمام الناس.
اكتب شيئاً يرغب الناس بقراءته.
تولَ قيادة مجموعة.
انضم إلى مجموعة.
أنشئ فيلماً, أو موقعاً أو صورة فوتوغرافية.
سلط الضوء على المغالطات المنطقية بحجة.
التق بأي شخص وجادله.
اتصل بالغرباء بغية النصيحة أو المعلومة.

القوة الخارقة، أفضل سلاح للمتعلم ذاتيًا:

يؤكد جيمس ماركوس باك مؤلف كتاب أسرار  الطالب المغامر على القوة الخارقة لكيفية تحليل ما نتعلم. وفيما يلي بعض النقاط التي يعرج عليها:
من الجيد أن تكون شغوفاً بموضوع وتنسى قضاء وقتك فيه ثم تتركه بينما هو يأخذ بقلبك.
إن التعلم مسألة متكررة دوري، فاجتز شيئًا مما تريد تعلمه أولاً وراجعما تعرفه. توقف وقم بعمل آخر. واجتز شيئًا مما تتعلمه ثانية ثم توقف ثانيةً.
إذا كنت في صراع مع التسويف فقرر أن تقحم نفسك فيما تتعلم وتضع نهاية للتسويف. ينبغي أن لا تتورط، إذ ما عليك إلا أن تبدأ وتنظر إذا كانت طاقاتك ستتفجر.
عندما تبحث عن أفكار أو مجالات لاستكشافها فما يهم هو التمثيل الداخلي وليس الحقائق، إذ أن الهدف من النظر في كتاب ما هو بناء مخطط، أي خريطة عقلية أو ربطها بأخرى لديك.
وجه ذاتك في المكتب، حيث يقول باك: “قضيت كثيرًا من الوقت في القراءة في كافة المواضيع الممتعة أثناء عملي في شركة أبل “. ربما لا يكون مديرك متسامحًا كمدير باك لكن يمكنك مفاوضته لتحوز وقتًا تتعلم فيه أساليب جديدة أو وحدات عمل تعود على الشركة بالنفع.

إعلان

مصدر مصدر الترجمة
اترك تعليقا