الصياد فيما وراء الزمن: مطاردة كونية في الأبعاد الأربعة

جاردنر فوكس هو كاتب أمريكي متخصص في كتابة الكومكس (القصص المصورة)، حيث كتب أكثر من 4000 قصة كومكس، منهم أكثر من 1500 قصة لشركة دي سي كومكس الشهيرة. ومن أشهر الشخصيات التي ابتكرها فوكس شخصية فلاش Flash أو البرق، البطل ذو السرعة الخارقة الذي ظهر أول مرة سنة 1940، وشخصيات أخرى شهيرة مثل هوكمان Hawkman ودكتور فيت Doctor Fate وشخصية ساندمان Sandman الأصلية. صنع فوكس العديد من العلامات الفارقة في عالم الكومكس والأبطال الخارقين، فكان هو أول من جمع الأبطال الخارقين في فريق واحد معًا بتشكيل فريق العدالة الذي كان يحمل في البداية اسم جمعية العدالة، كما كان أول من قدم فكرة العالم متعدد الأكوان Multiverse إلى عالم دي سي كومكس سنة 1961 بقصة فلاش من عالمين Flash of Two Worlds، والتي استخدمت فيها فكرة الأرض اثنين Earth-Two والتي تفسر الفارق بين أبطال العصر الذهبي والعصر الفضي للكومكس، وصارت بعدها ركيزة في العديد من أعمال دي سي كومكس.

 

الكاتب الأمريكي جاردنر فوكس

من الكومكس إلى الخيال العلمي

ولكن جاردنر فوكس لم يكتفِ بكتابة قصص الكومكس والأبطال الخارقين، بل كتب أيضًا العديد من الروايات والقصص القصيرة في الخيال العلمي والفانتازيا. ومن روايات الخيال العلمي التي كتبها فوكس هي رواية “الصياد فيما وراء الزمن” التي نشرت سنة 1965 ونشرت ترجمتها إلى العربية هذا العام دار أدباء 2000 من ترجمة محمد فايز.

القصة تدور حول عالم آثار يدعى كيفين كورد من الزمن الحاضر أي عام 1965 وهو زمن كتابة الرواية، يلتقي برجل يشبهه تمامًا، نسخة طبق الأصل منه حتى في بصمات الأصابع، رجل يدعى تشان دال، الفارق هو أن هذا الرجل قادم من المستقبل البعيد، من سنة 121345 بعد الميلاد بالتحديد. هذا الرجل هو كرونوماد، وهم في المستقبل المسموح لهم بالسفر عبر الزمن، ولكن هناك خطًّا أحمر لا يمكن تخطيه عند العودة للماضي وهو عند العام 51789، لذا فتشان دال ارتكب شيئًا محظورًا بعودته إلى عام 1965 وهو زمن كيفين كورد، ولكنه كان يخطط لقتله وتقمص شخصيته وعيش بقية حياته في هذا الزمن، خوفًا ممن أسماهم الألطار، ولكنه يصاب ويموت أمام كيفين كورد، ثم تأتي كرونوماد أخرى من المستقبل تدعى جلينا لإعادة تشان دال إلى المستقبل، ولكنها تأخذ كيفين كورد بدلًا منه إلى المستقبل اعتقادًا منها بأنه تشان دال وأنه قد قتل كيفين كورد. باصطحاب رجل من الماضي إلى المستقبل تكون جلينا قد ارتكبت أمرًا محظورًا بدورها.

أزمنة وعوالم غريبة

أثناء رحلتهما معًا إلى المستقبل يستطيع البطل -كيفين كورد- أن ينظر إلى أزمنة مختلفة عبر كبسولة الزمن، وتشرح له جلينا ما حدث في تلك الأزمنة وكيف تطور البشر عبر أحقاب عديدة، حتى يصلا إلى الزمن الذي جاء منه تشان دال، ثم تبدأ مجموعة من الصيادين في تعقب كيفين كورد ومطاردته عبر أزمنة وعوالم مختلفة، بينما يحاول هو معرفة السر وراء القوى المخيفة التي تتحكم في الكون، وما الرعب الشديد الذي شاهده تشان دال في المستقبل وجعله يهرب إلى الماضي ويخرق قوانين عدم تخطي الخط الأحمر، كل هذا يتكشف في رحلة مثيرة عبر الزمان والمكان، أو عبر أبعاد الزمان الأربعة.

غلاف الترجمة العربية لرواية الصياد فيما وراء الزمن

أرى أن جارندر فوكس هو حائك عوالم بارع، وخصب الخيال إلى حدٍ بعيد، وكما يتجلى هذا في قصص الكومكس التي ابتكرها، فإنه يتجلى أيضًا بوضوح في هذه الرواية. فأثناء الرحلة الزمنية إلى المستقبل نرى أزمنة عديدة وأحداثًا مختلفة؛ مثل ذوبان الجليد وغرق الأرض بالمياه مما يجبر البشر على الانتقال إلى كوكب آخر، بينما يحيا بعضهم على الأرض في مدنٍ طائرة، فيقول الكاتب على لسان البطل: “خارج الحائط الزجاجي كان هناك شيء عملاق يسير في السماء فوق المياه الرمادية المتدفقة. اقتربت من الجدار محدقًا، إنه يمتلك قاعدة مسطحة وقبة مستديرة ولكني لم أستطع أن أرى سوى شكلٍ ضخم غير واضح”.

إعلان

ثم تشرح له جلينا قائلة: “هذه مدينة طائرة، المحركات وآلات التشغيل توجد في القاعدة السوداء، ويعيش الناس في الجزء العلوي بما يقرب من مليون شخص في كل مدينة. ويوجد مائتان من هذه المدن في سماء الأرض في هذا الوقت”.

وكذلك عند وصولهم إلى زمن جلينا وهو عام 121345 بعد الميلاد يرى كيفين كورد جنة من الأشجار والرمال المتموجة والمياه الزقاء، كانت حديقة تمتد لأميال وأميال، وتشرح له جلينا أن البشر في زمنها يعيشون تحت الأرض، في مدن منتشرة في القارات ومتصلة ببعضها البعض بأنفاق ذات قضبان مضادة للجاذبية تجعل المركبات تسافر لمئات ومئات الأميال في باطن الأرض بأمان، بينما يحفظون سطح الأرض للطبيعة.

ومن العوالم الغريبة الأخرى التي وصفها الكاتب في روايته: “رأيت المزيد من تلك الكائنات المجنحة تطير هنا وهناك بين مباني تلك المدينة العملاقة، كانوا رجالًا ونساءً يشبهون البشر في الشكل على الأقل ولكن أصغر. وفي السماء رأيت ثلاث شموس يدور ون حول بعضهم ببطء وأصغرهم له لون أخضر”.

وسيجد القارئ نفسه في مواجهة المزيد من الأزمنة والعوالم الغريبة والعجيبة، والأدوات التكنولوجية التي ابتكرها الكاتب من أجل عالم روايته، وهو ما يذكرنا بالأدوات التي ابتكرها الكاتب لأبطاله الخارقين.

مأخذي الوحيد على رواية “الصياد فيما وراء الزمن” هو أن الشخصيات كانت تحتاج لعمقٍ أكبر، والبطل كان بحاجة إلى دافع أكبر من محاولة الفوز بقلب الحسناء جلينا، كما أن فكرة الخط الأحمر كانت مشوقة حقًا ولكن الكاتب لم يتعمق فيها أكثر، وكنت أتمنى أن يتحدث عنها بمزيد من التفصيل، وأن يستكشف هذه الفكرة أبعد من هذا. ولكن هذا لم يقلل استمتاعي بالعمل، فهناك من العوالم والتفاصيل الغريبة ما يكفي لكي يظل القارئ متعلقًا بالأحداث حتى النهاية.

الترجمة العربية كانت جميلة وسلسة، وسعيدٌ لاهتمام الدار بالخيال العلمي -وهو اللون الأدبي الذي لا يلقى الاهتمام الكافي في مصر- وأنتظر المزيد من روايات الخيال العلمي الأصلية والمترجمة من الدار.

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: أحمد صلاح المهدي

تدقيق لغوي: رنا داود

اترك تعليقا