الدكتور محمد مصدق
معظم شبابنا، أو أكثرهم، لا يعلمون من هو “محمد مصدق”، ولم يطّلعوا على تاريخ هذا الرجل الذي كان مثالًا للوطنية في الكثير من بلاد العالم الثالث. بل لا يعلم الكثيرون أنه كان ملهِمًا للوطنية المصرية في كفاحها ضدّ الاستعمار. ورغم أنّ محمد مصدق لم يتولَّ منصبا هامًّا إلا لمدة عامين فقط، إلا أنّ تأثيره لا يزال قويًا في دول العالم الثالث، وخاصة على كيفية رؤيتهم للعلاقة مع الدول الغربية.
تولّى محمد مصدق منصب رئاسة وزراء إيران عام 1951 وتركها عام 1953، تخلّلها انقلاب أبعده عن المنصب، ولكن لم يستمرّ إلا أيامًا قليلة ثمّ عاد لمنصبه، وفرّ شاه إيران إلى إيطاليا وظلّ بها حتى عاد إلى إيران بعد الانقلاب الهامّ الذي دبّرته أجهزة السي أي ايه الأمريكية من أجل إعادة الشاه إلى عرش إيران.
ولفهم ما وراء تلك الفتن والمؤامرات التي تحاك في منطقتنا حتى الآن، يجب إدراك ما سبق من أحداث، وقد أدركه محمد مصدق فى ذلك الحين.
وحيث أنّ إيران هي أول مصدر للبترول في العالم وثاني منتج، وحيث أنها تقع في منطقة تطلّ على الخليج العربي جنوبًا ومتاخمة لبحر قازوين شمالًا، على حدود دول الاتحاد السوفيتي سابقًا، فلا نستعجب أن تكون مطمعًا للدول الاستعمارية في الماضي والدول النامية في الحاضر. وقد وقعت إيران تحت الاحتلال البريطاني -خاصة في فترة الحرب العالمية الثانية- فرغم أنّ استخراج البترول بها كان يتمّ بمعرفة شركة بريطانية منذ 1913، ولم تكن تسدّد إلا الفتات نصيبًا لدولة المصدر، إلا أنّ ظروف الحرب العالمية واحتياج بريطانيا الشديد للبترول الإيراني وضرورة تموين الجبهة الروسية به، جعلت بريطانيا تمارس هذا الاحتلال بعنف غير مسبوق.
بدون الدخول في تفاصيل السيرة الذاتية للدكتور محمد مصدق المليئة بالمواقف المثالية شديدة الوطنية والرقي، يمكننا تلخيص أهم وأقوى موقف اتخذه، فأصبح بسببه شخصية عالمية مرموقة ومحترمة. وهذا الموقف هو قيامه بتأميم البترول الإيراني في مايو عام 1951 بعد تولّيه منصب رئيس الوزراء بثلاثة أيام. هذا التأميم الذي غيّر كروت اللعبة السياسية والاستراتيجية على مستوى العالم، فقامت الولايات المتحدة بالدخول بقوة على الساحة “البتروسياسية” في الشرق الأوسط بديلًا لبريطانيا، بل أضافت لدور بريطانيا الاستعماريّ البعد العسكريّ لتصبح القوة الإمبريالية العظمى.
ومثلما حدث بعد تأميم قناة السويس في مصر، بدأت بريطانيا تستعدّ لغزو إيران فمنعتها الولايات المتحدة، ثم سلّطت أجهزتها لاحتواء مصدق في بداية تدخلها، ولكنها انتهت بالإطاحة به نظرًا لتمسّكه بمواقفه الوطنية.
وفي شهر أغسطس من عام 2014، تمّ نشر اعترافات السي أي ايه بتدبير وتمويل الانقلاب على الدكتور مصدق والإطاحة به (عملية آجاكس)، اعترافات بعد ستّين عامًا.
فهل تغيّرت أساليب الولايات المتحدة للسيطرة على منابع البترول؟ والسيطرة على الطرق البرية والبحرية لنقله بعد كلّ هذا الوقت؟
ما رأيناه من مؤامرات تحت بند “الربيع العربي” يؤكد لنا أنّه لا مكان في بلادنا لأيّ دكتور مصدق طالما الصلف الأمريكي يتحكم في العالم. ما بالنا وقد احتلّ رئيس من عيّنة رعاة البقر المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض!