التعليم في العالم العربي يتحسن، ولكن أمامنا الكثير لفعله

ظهرت أحدث نتائج النسخة السابعة من الدراسة العالمية “الاتجاهات في الدراسة العالمية للرّياضيات والعلوم – TIMSS” والتي تقام كل ثلاث سنوات في شهر ديسمبر 2020. وفي هذه النسخة تم اختبار أكثر من 580,000 طالب من 64 دولة، وثمانية كيانات إقليمية (مقاطعات وبلديات) بمعايير محددة. وجلبت لنا هذه النتائج معلومات قيمة عن أداء طلاب الصفين الرابع والثامن، وسلطت الضوء على العوامل المهمة في المنزل والمدرسة والفصول الدراسية.

شاركت 10 دول عربية في هذه الدراسة، هي البحرين ومصر والكويت والأردن ولبنان والمغرب وعمان وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات. وكان أداء الدول العربية جميعًا دون المتوسط العالمي في كل مجال ومستوى؛ ولكن تحسنت العديد من الدول بشكل ملحوظ واقترب بعضها من علامة المتوسط (500)، والبعض القليل الآخر كان أدنى من المتوسط بكثير. ومع ذلك من المهم أن نذكر التحسن الملحوظ في الوطن العربي والذي يُعدّ مؤشرًا محفز.

وكانت البحرين والإمارات هما الأفضل في المجموعة العربية، وأكبر التطورات كانت من نصيب البحرين أيضًا إضافة للأردن والسعودية والكويت. ولكن مع ذلك تظل آخر ثلاث دول مذكورة أقل من المتوسط. أما بالنسبة للقمة فكانت للدول المعتادة ذات الإنجازات العالية: سنغافورة، هونج كونج، اليابان، تايوان، كوريا الجنوبية، بالإضافة إلى روسيا والدول الإسكندنافية.

هذا التقرير مهم لدرجة أن المسؤولين في وزارات التعليم في جميع أنحاء العالم يترقبونه كل عام، كذلك الأمر بالنسبة لمعلمي العلوم وصانعي القرار. وبالنسبة للبلدان المشاركة فإن هذا التقرير بمثابة مقياس التقدم والنجاح في الإجراءات التي يتم اتخاذها. بل وربما الأهم من ذلك أنه يخبرهم بالعوامل الأكثر تأثيرًا وبالتغيرات التي يجب أن تتم لتحسين الوضع بكفاءة.

يقدم هذا التقرير-600 صفحة- نتائج متعلقة بسياقات تعلم الطلاب المنزلية والمدرسية مثل دعم البيئة المنزلية، وهيكل المدرسة والموارد المتاحة، والجو المدرسي والانضباط، والسلامة وما إلى ذلك. كما يقدم تقييمات للفصول الدراسية والعوامل المؤثرة على تعلم الطالب مثل إعداد المعلم، والتطوير المهني، والرضا الوظيفي، ومواقف الطلاب وآثار الجنس، والمناهج والتعليم والتكنولوجيا، وتحديات التدريس والتعلم.

إعلان

إذن ما الدروس التي يمكن للمرء استنتاجها؟

أولًا، سلط التقرير الضوء على أهمية الأنشطة التعليمية مبكرًا ودورها في التقدم حيث حقق تلاميذ المرحلة الابتدائية (الصف الرابع) نتائج أفضل بوضوح عندما شاركوا في مهارات القراءة والكتابة والحساب في سن مبكرة سواء في المنزل و/أو في رياض الأطفال وكذلك في بداية المدرسة الابتدائية.

ومع ذلك، لم أكن سعيدًا بمعرفة أن التوكيد على النجاح الأكاديمي تناسب مع الانجازات الأعلى لأن ذلك سيشجع الآباء والمسؤولين على دفع الطلاب للتفوق اكاديميًا على حساب النمو الأوسع للطفل.

على الجانب الآخر، كنت مسرورًا لمعرفة تأثير “الانتماء للمدرسة” الملحوظ على الطلاب ومستوياتهم في الرياضيات والعلوم مما سيدفع -نأمل- المسؤولين للاهتمام بالجانب النفسي والاجتماعي للطلاب في المدرسة. ولكن المشكلة أن أعداد الطلاب الذين يشعرون “بالانتماء للمدرسة” كان يبعث على القلق نوعًا ما حيث بلغ متوسط عدد طلاب الصف الرابع 58 في المائة وطلاب الصف الثامن 37 بالمائة.

في نصف عدد الدول، كانت نتائج الرياضيات والعلوم متساوية بين الجنسين ولكن النتائج في البلدان العربية كانت مذهلة، حيث تفوقت الاناث على الذكور في العلوم في الصف الثامن والرابع على مستوى البلدان الثمانية الأولى: عمان، الأردن، البحرين، السعودية، الكويت، قطر، مصر، والإمارات. أما بالنسبة للاختبارات الأخرى فكان الأمر مذهلًا ولكن بدرجة أقل وضوحًا، حيث احتلت دول الخليج العربي أربعة من المراكز الخمسة الأولى في العلوم في الصف الرابع، واحتلت خمسة مراكز من التسع الأولى في الرياضيات للصف الرابع أيضًا، كما احتلت خمسة مراكز من أصل ستة مراكز في الرياضيات للصف الثامن. هذا أمر مشجع لتعليم الفتيات ولكنه مقلق للغاية بالنسبة للأولاد.

تم تخصيص جزء من التقرير لتقييم مواقف الطلاب من الرياضيات والعلوم وكانت النتائج إيجابية والأهم انها كانت مرتبطة بالتحصيل الأكاديمي. ولكن عدد الطلاب الذين أحبوا هذه الموضوعات ودراستها انخفض بشكل ملحوظ بين طلاب الصفين الرابع والثامن، ومن غير المثير للدهشة ان أداء الطلاب في الرياضيات والعلوم ارتبط بمدى جودة تدريس المعلمين وتوقعاتهم، ولكن على الرغم من أن ثلاثة أرباع طلاب الصف الرابع قالوا ان إرشادات المعلم كانت واضحة، الا ان اقل من نصف طلاب الصف الثامن هم من شعروا بذلك حقًا.

ومن المعروف الآن ان الكفاءة التربوية للمعلمين تخطت أهمية معرفتهم بالمواد او حتى جودة المناهج الدراسية حيث أصبحت هي المفتاح لتقدم الطلاب ونجاحهم، سواء في الرياضيات أو العلوم أو حتى المجالات الأخرى. يحتاج المعلمون الآن إلى التدريب بشكل منتظم على تطوير أساليبهم المهنية على أحدث المعارف في علوم التربية، ويجب على مديري المدراس العامة والخاصة تدريب المعلمين وإعادة تهيئتهم على المهام المختلفة مثل: دمج التكنولوجيا في محاضراتهم، وتطوير مهارات التفكير النقدي لدى الطلاب، وتحديث أدوات وأساليب الاختبارات، إلخ، ولسوء الحظ، أوضح التقرير أن نصف عدد المعلمين فقط هم من شاركوا في مثل هذه التطورات وأن 70 في المائة منهم أعربوا عن حاجتهم لمثل هذه التدريبات.

تعليم الرياضيات والعلوم يتحسن في العالم العربي، ولكن جوانب مهمة لا تزال بحاجة إلى معالجتها، والأخص تنمية المعلمين وراحة الطلاب في المدارس وسلوكهم في التعلم.

نرشح لك: استراتيجيات التعليم التفاعلي

نضال قسوم
أستاذ الفيزياء وعلوم الفلك بالجامعة الأمريكية في الشارقة رابط المصدر

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: أحمد صفوت

ترجمة: أحمد صفوت

تحرير/تنسيق: زياد حسنين

اترك تعليقا