التعلق بالأشخاص ونظرة العلم
يتردد على مسامعنا في الكثير من الأوقات وصف التعلق بالأشخاص أو بالمكان أو بالأشياء ومفهومنا عن التعلق كما تم تكوينه هو التمسك والارتباط المعنوي القوي بأشخاص معينين أو أماكن معينة أو أشياء قد تكون جمادات أيضاً لها في نفوسنا قيمة عليا ومجرد فقدانها يشكل خوف دائم نخشى منه.
ما سبب اعتمادنا بشكل كبير نفسياً وعاطفياً على وجود هذه الكيانات المتعلق بها كجزء مهم وأساسي من حياتنا وقد يسبب الابتعاد عن هذه الكيانات الضعف والمرض الجسدي والنفسي؟
وهل التعلق بالأشخاص يحدث فقط لتوافقنا روحياً معهم أم اعتماداً على مصلحة نخشى فقدانها ؟
وما مصدر ذلك التعلق ومن أين بدأ الأنسان يرتبط بالكيانات التي اعتاد على وجودها وهل هنالك سبب بيولوجي فطري في ذلك؟
نظرية التعلق للعالم جون بولبي Attatchment theory
تؤكد هذه النظرية على وجود علاقة بيولوجية انفعالية تولد نوعاً من الارتباط بين الطفل بدايةً ومقدم الرعاية وفسر ذلك بولبي بوجود دافع فطري في الإنسان للاتصال مع الاخرين وسمي هذا الدافع التعلق .
وجاءت هذه النظرية لاختبار الدافع البشري للسلوك ولم تكن فقط مختصة بالعالم بولبي بل بالكثير من علماء النفس وكان السؤال الذي يشغل بال الكثيرين ومنهم سيجموند فرويد ( لماذا يتصرف الناس على النحو الذي يتصرفون عليه ؟) وكانت نظرية التحليل النفسي تبعاً لذلك .
واذا أردنا الرجوع لبدايات نمو الإنسان في الخمس سنوات الأولى لبناء الشخصية ، فالإنسان يولد بقابليات للاتصال ويتم البناء على هذه القابليات حتى يصبح الاتصال الإنساني مكتسب و هنا أذكر الأية التي تم تفسير ذلك فيها ( والنَفسُ وما سَواها فَألهمَها فُجورَها وَ تَقواها ) أي أن النفس كيان يتم بناء الصفات السلبية والإيجابية فيها فيما بعد ، فكيفية الاتصال أيضا تُكتَسب.
والفكرة ليست مختلفة فيما يقوله بولبي هنا أن بداية الاتصال الأنساني يتم عادة بين الأم وطفلها على الأغلب أو بين الطفل ومُقدم الرعاية فيحدث التعلق تبعاً لهذه العلاقة بينهم وتستمر تلك الالية في الحدوث مع أشخاص اخرين في حياة الفرد لاحقاً .
مراحل التعلق بالأشخاص كما وصفها بولبي تتم على النحو الاتي :
1.مرحلة ما قبل التعلق : تبدأ من عمر الولادة الى ست أسابيع وفي هذه المرحلة ييبدأ الرضيع بعدم الاستجابات الواضحة الواضحة المحددة نحو مقدم الرعاية لكن يوجد استجابات لمثيرات عشوائية .
2.مرحلة تكوين التعلق : تبدأ من 6 أسابيع الى 8 شهور تتميز هذه المرحلة بظهور أحداث جديدة جديدة عند الطفل في التمييز للأشخاص والافراد ويستجيب للأصوات كصوت الأم والأب .
3. مرحلة التعلق الواضح : تبدأ من عمر 8 شهور الى عمر سنتين وهنا يسعى الطفل الى البقاء بالقرب من مقدم الرعاية و أي تباعد أو سحب من عملية الاتصال المباشر يعاني الطفل من قلق الانفصال .
4.مرحلة تشكيل العلاقة التبادلية بين الطفل ومقدم الرعاية و يظهر تطور سريع عند الطفل بكافة مراحل النمو تبدأ من سنتين و تصبح تبادلية بعد ذلك .
وقياساً على ذلك في حياة الإنسان يسير التعلق بنفس المراحل التي حدثت في بداية حياته لكن مع أشخاص اخرين ارتبط معهم في مصلحة فاصبحو بدور مقدم الرعاية فتعلق بهم على هذا الأساس ويتغلب على شعور التعلق هذا وقلق الانفصال عنهم اما في اختفاء هذه المصلحة أو التخلى عنها أو بارادة نفسية ذاتية , قد يكون من الصعب علينا تقبل فكرة أن كل من نتعلق به غالباً تربطنا بهم مصلحة فقد تكون تلك المصلحة تقديم الحنان أو العاطفة أو حتى الحاجة لرفيق أو الحاجة لشخص يكون ذلك السند الذي نشكي له الهموم فنتعلق به و نعاني من قلق الانفصال عنه للعواقب التي سنعانيها بعده من عدم وجود مقدم للرعاية أو الحنان أو السند .
قد يكمن السبب الكامل وراء هذا التشابك العاطفي بين الناس هو حاجة الانسان للاخر وعدم مقدرته في العيش لوحدة , فنحن نحتاج لبعضنا بالفطرة .
في حالة أعجبك المقال، ربما ستعجبك مقالات أخرى، نرشح لك