التخطيط المؤَسَّسي لفعل الترجمة ضروري لمعرفة الذات وتمثُّل الآخر/ لـ حجاج سلامة

في حوار مع المترجم المغربي “نبيل موميد”:
بدأت علاقة العرب بالترجمة فيما يسمي بـالحقبة المأمونية (نسبة إلى الخليفة المأمون)، وهي الحقبة التي ازدهرت فيها الترجمة إلى العربية، وانتشرت فيها الآداب والعلوم.

وبعد قرابة 1200 عام مضت، يتجدد الجدل بين فترة وأخرى حول الترجمة بالعالم العربي، وقضاياها، ومشكلاتها، ومعوقات تقدمها… وسط مطالب بتعظيم دور الترجمة، والنهوض بها بوصفها ضرورة لتحقيق التقدم، والاطلاع على علوم الشعوب الأخرى وآدابها وثقافاتها… مع تزايد الاتهامات بتراجع حركة الترجمة عربيا.

حول حاضر ومستقبل الترجمة في العالم العربي، ومدى مسايرتها لحركات الترجمة في بلدان أوروبا والعالم، كان لنا هذا الحوار مع المترجم المغربي نبيل موميد؛ وهو أحد المترجمين العرب الناشطين في مجال الترجمة إلى العربية في مجالات العلوم والآداب، الذين يثرون الساحة الثقافية العربية بترجماتهم على الدوام. وبجانب اشتغاله في الترجمة، فهو أيضا دارس للغة العربية، وللآداب العصرية، وله أيضا دراسات ومؤلفات عديدة، كما أشرف على إصدار الكثير من الكتب المترجمة، ومراجعتها وتدقيقها… وهو يعمل حاليا أستاذا مُبَرَّزا في اللغة العربية بمركز أقسام تحضير شهادة التقني العالي بأكادير، كما عمل أستاذا زائرا بعدد من المعاهد العليا في المملكة المغربية.

الحوار:

  • هل الترجمة في العالم العربي تواكب الترجمة عالميا؟ وهل الترجمة من العربية إلى لغات أخري تجري بحجم ما نترجمه للعربية من لغات وثقافات أخرى؟

من الضروري أن ندرك، أولا، أن الترجمة من لغات أخرى إلى العربية (التعريب) تبقى ضعيفة في الوقت الراهن رغم كل ما نراه من ترجمات تصدر هنا وهناك. ودعني أخبرك ببعض الأرقام التي لا ريب أنها ستثير اهتمامك، إن لم تثر دهشتك، فحسب إحصائيات اليونسكو لسنة 2016، لم يترجم العرب عن بكرة أبيهم منذ عصر “المأمون” سوى عشرة آلاف كتاب، وهو يعادل ما تترجمه إسبانيا لوحدها في سنة واحدة؛ هل تدرك حجم الكارثة؟! فإذا كان الأمر هكذا بالنسبة إلى التعريب، فكيف ستكون حركة نقل الثقافة العربية إلى لغات أخرى (التعجيم)؟ لا شك أنها ستكون ضعيفة وهزيلة للغاية؛ وجولة بسيطة بين رفوف المكتبات ستؤكد لك هذا الأمر.

إعلان

  • هل يهتم الغرب بنا بقدر ما نهتم به نحن؟

أنا أميز في تعامل الغرب مع الدول العربية بين نوعين من التعامل: التعامل المعرفي، والتعامل البراغماتي.

أما بالنسبة إلى النوع الأول فقد يكون التعامل المعرفي تعاملا خالصا لا غاية من ورائه سوى خدمة المعرفة، والرقي الحضاري، والازدهار الثقافي. وقد ارتبط هذا التعامل مع بعض المستشرقين الأوائل (دون استحضار أطروحات “إدوارد سعيد”)، لاسيما منهم الألماني “كارل بوكلمان”، والألمانية “زيغريد هونكه” والروسي “إغناسيو كراتشكوفسكي” وغيرهم ممن كانوا يقبلون على دراسة اللغة العربية وآدابها، وينفضون الغبار الذي تراكم فوق مخطوطاتها، ويحللونها، قبل نقلها إلى لغاتهم. كما قد يكون هذا التعامل المعرفي تعاملا إيديولوجيا يبغي خدمة أغراض معينة؛ فمن المستشرقين من كان يخدم العربية والتراث العربي لأغراض استعمارية، وتجسسية، وتبشيرية…

وأما التعامل البراغماتي فينحصر في الروابط الاقتصادية والسياسية والعسكرية بين الدول؛ ومعلوم في هذا الإطار أنه لا وجود لصداقة مستمرة، ولا لعداوة أبدية؛ فصديق اليوم قد يتحول إلى عدو في الغد، والعكس صحيح بالطبع.

فإذا كنا نهتم نحن بالغرب باعتباره نموذجا نقتدي بصالحه وطالحه (تبعية عمياء للأسف)؛ فالغرب لا يقتدي بنا بقدر ما يحاول خدمة مصالحه من خلال الارتباط بنا، وفي نفس الآن طمس معالم هويتنا لجعلنا ننخرط في النسق العالمي (العولمة).

  • هل نحن قادرون على إنجاز مشروع حضاري للترجمة؟ 

قبل أن أجيب عن هذا السؤال، اسمح لي أن أشير إلى نقطة من الأهمية بمكان في اعتقادي؛ فالتاريخ العام يخبرنا أن الترجمة ازدهرت في عدد من دول العالم وكان لها دور محوري في تقدمها وإرساء مشاريعها الحداثية؛ ولم يكن لذلك أن يتحقق لولا “التخطيط المؤسسي طويل المدى للفعل الترجمي”. فلا يمكن لعمل ترجمي يتأسس على أن يترجم المترجم بمفرده، وعلى هواه ما يريد ترجمته أو ما يبدو له ملائما للترجمة، بدون برنامج زمني ولا خطة فعلية، (لا يمكن) أن يكون له أثر فعلي على مستوى البنية المجتمعية لبلد معين. لذلك فمن اللازم أن تضع الدول، من خلال المؤسسات الحكومية المختصة، برنامجا ترجميا واضحا، يقوم على تحديد الأهداف والأولويات، والآماد الزمنية، والموارد البشرية المؤهلة والمتخصصة في المجال، مع وضع آليات للمراقبة والتتبع والتقويم، لضمان التحقيق الفعلي لأهداف الترجمة؛ وعلى رأسها في نظري “النهوض بالبنية المجتمعية لبلد ما ووضعها على سكة التحديث والتقدم”. ويسعفنا التاريخ بعدد من النماذج التي أبان فيها التخطيط الترجمي عن أهمية بالغة في البناء الحضاري؛ وسأكتفي بنموذجين اثنين معاصرين:

  1. عندما انطلقت الثورة البلشفية سنة 1917، وتأسس على إثرها الاتحاد السوفياتي سنة 1922، تبنت الدولة خطة تطويرية تقوم على ترجمة عشرات الآلاف من الدراسات والكتب العلمية إلى اللغة الروسية؛ وبذلك تكون قد حددت أولوياتها في الجانب العلمي بغية ربح رهان التنافس، آنذاك بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية. ولم تكتف روسيا بهذا، بل انحرطت في ترجمة عكسية، نقلت بموجبها أمهات الفكر الماركسي اللينيني من الروسية إلى مختلف لغات العالم، لنشر عقيدتها الفكرية وبثها في مختلف بقاع المعمور؛
  2. بعد انهيار الإمبراطورية اليابانية على إثر هزيمتها في الحرب العالمية الثانية سنة 1945، لم تضيع الوقت في ندب الحظ أو في التحسر على ما فات، بل إنها وضعت برنامجا يقوم على ترجمة مائتي ألف كتاب، في فترة زمنية محددة، وفي المجالات العلمية والتقنية، ومن مختلف لغات الأرض، لاسيما اللغات الأوروبية، وكذا الأمريكية. وقد مكنها هذا – من ضمن أشياء أخرى – من أن تصبح ما أصبحت عليه اليوم: من مستهلك للمعرفة إلى منتج لها، ومن تابع إلى متبوع.

الأمثلة كثيرة في الحقيقة، ولكن النتيجة المستفادة واحدة (وهنا أجيب عن سؤالك) إن السبيل الأنجع لتحقيق رخاء المجتمع ورفاهه هو التخطيط المحكم والحكومي للترجمة؛ ونحن قادرون على هذا ولا تنقصنا سوى الإرادة، وكذا الوعي بأهمية الترجمة في تطوير المجتمع. الغريب أن أجدادنا قد أدركوا هذا الأمر ابتداء من القرن الثالث الهجري (الإمبراطورية العباسية) وطبقوه، بينما لا نزال نحن اليوم نتخبط بدون بوصلة ولا هدف، للأسف.

  • ما الذي تقدمه الترجمة للقراء العرب وللمجتمعات العربية؟

تقدم الكثير:

  • فعلى مستوى التعريب (أي النقل من لغات أخرى إلى العربية) تُمكِّن الترجمة من نقل المفاهيم الأساسية من ثقافات متعددة (وبالتالي من لغات متعددة) إلى لغتنا/ ثقافتنا؛ وهو ما سيتيح من جهة تعميق فهمنا لهذه المفاهيم، وضمنيا تعرفنا على كيفية اشتغال العقل الغربي ومختلف بنياته التصورية، ومن جهة ثانية سيتيح هذا النقل تحقيق تلاقح ثقافي، يسمى أيضا مثاقفة، تمكن من التعارف والتفاهم بين المختلف (أي الثقافات المتباينة) ورده إلى دائرة المؤتلف.

ولو أننا كنا نمارس الترجمة من داخل مؤسسات حاملة لبرامج ترجمية واضحة؛ فستمكن الترجمة من تَمَثُّلٍ حقيقي لمعرفة الآخر، وليس مجرد الاطلاع البسيط عليه، بشكل سيمكن من إنتاج معرفة ذاتية أولية، يمكن أن يُبنى عليها لتحقيق نهضة علمية وتقنية… حقيقية.

  • وأما على مستوى التعجيم (أي النقل من اللغة العربية إلى لغات أخرى)، فالترجمة تضع أمام المجتمعات العربية فرصة هامة لجعل الآخر يتعرف على الذات وعلى طريقتها في التفكير، وعلى خصوصية بنيتها المجتمعية… وهو ما سيمكن – ولو نسبيا – من ردم الهوة بين الأنا والآخر، وتحقيق تفاهم أولي، سيتحول بمواصلة العمل إلى تواصل فعال وخلَّاق يزيل كثيرا من أسباب الفرقة والخلاف الواهية أساسا من حيث أسسها غير المتينة.
  • هل أنت راضِ عن حركة النشر بالعالم العربي؟

بالطبع لا، لا يمكن – في نظري – لباحث ما أن يرضى عن حركة النشر في بلده؛ فنحن نطمح دائما إلى الإنتاج – تأليفا وترجمة – بغرض تحقيق الريادة المعرفية، وفي نفس الآن تدارك ما فاتنا وتنبَّهَ له الآخر. وفي حالنا نحن يكون عدم الرضا مضاعفا؛ بالنظر إلى أن العرب لا يصدرون سوى أقل من 7000 كتاب سنويا مقارنة بحوالي 90 ألف كتاب في الولايات المتحدة الأمريكية. لا مقارنة – في الحقيقة – مع وجود الفارق.

  • ما المشكلات التي تواجهها حركة الترجمة عربيا؟

في الحقيقة سيصعب عليَّ أن أحيط في هذه العُجالة بكل حيثيات الإجابة عن هذا السؤال؛ وذلك لأن المشكلات التي تواجهها الترجمة بصفة عامة، والترجمة العربية خاصة، عديدة ومن مستويات مختلفة. غير أنني سأحاول أن أقصر كلامي على أهم هذه المشكلات بدون الدخول في كثير من التفاصيل التقنية:

  • عدم إتقان اللغة العربية (ما زلنا نرى كلمات مثل “الاجتماع، والاقتصاد…” تكتب بهمزة القطع، وبدء الجمل بضمائر لا تعود على أي شيء “في زيارتــــه إلى…َ!”، وعدم احترام الرتبة الأساس في لغتنا “ف-فا-مف”، وتعريف الكلمة بأكثر من وسيلة تعريف وغيرها كثير)؛
  • ضعف المستوى الثقافي والمعرفي للمترجم (لا يعقل أن نترجم الأمثال – مثلا – من لغة إلى أخرى ترجمات حرفية، ولا العبارات المسكوكة…)؛
  • غياب خطة واضحة المعالم تُمَأْسِس الترجمة، وتجعلها مهنة لخدمة المجتمع؛
  • لا نلمس في الترجمات الحالية تركيزا على الأولويات؛ وأقصد بهذا المجالات العلمية والتقنية والاقتصادية الضرورية لتحقيق الإقلاع الاقتصادي والنهضة العلمية. إلا أن مشكلة تبرز هنا لتعترض على هذا المأخذ؛ وهي أن المعرفة في الدول العربية حاليا لا تنتج باللغة العربية، بل أساسا بالفرنسة والإنجليزية (والإسبانية والإيطالية بدرجة أقل)؛ بالنظر إلى أن التعليم العالي يولي هذه اللغات أولوية على حساب اللغة الوطنية (العربية)؛ وبالتالي يُطرح السؤال: هل سيكون من داعٍ لترجمة العلوم الغربية في ظل مجتمع مرتبط أشد الارتباط في واقعه المعيش بلغات المستعمِر؟ مجتمع لا ينتج المعرفة بلغته، بل يستهلكها من منبعها مباشرة؟
  • جل الكتب المترجمة إلى العربية تعتمد أساسا على اللغتين الإنجليزية والفرنسية، أما باقي اللغات فتبقى الترجمة منها ضعيفة؛
  • من الضروري أن تعتمد دور النشر نظام مراجعة الترجمات – بالإضافة طبعا إلى التدقيق اللغوي – لضمان تجنب الهفوات والأخطاء؛ وهو ما لا نجده لدى كثير منها؛
  • لا يحظى المترجم بالتقدير اللازم على ما يبذله من جهد وعمل، ويظل عمله بالنسبة إلى كثيرين عملا من الدرجة الثانية، في حين أنه يقتضي مجهودا كبيرا، ومشقة كبيرة، ووقتا غير محدود… بل إن بعض دور النشر لا تثبت أصلا اسم المترجم على صفحة الغلاف، وأحيانا حتى داخل الكتاب؛ وهذا مما يحز في النفس…

هذه أمثلة عن بعض المشكلات التي تواجهها حركة الترجمة في بلداننا العربية.

قد يعجبك أيضًا
  • هل تقتل الترجمة روح النص؟

يرتبط الجواب بالإيجاب أو بالسلب عن هذا السؤال بعدة اعتبارات، لعل أهمها:

  • من الضروري أن نضع في اعتبارنا أن الترجمة ساهمت في عدة مناسبات في إحياء النص – بعد موت لغته – وضمان استمراريته في التأثير؛ ومن ذلك، على سبيل التمثيل لا الحصر، أن الكتاب المقدس المتداول في مختلف دول العالم الآن لا يحيا بلغته “الميتة”، بل عبر لغات العالم الوطنية. ومن ذلك أيضا أن ملحمة جلجامش لم يُعثر البتة على أصلها السومري، بل وجدت ترجماتها إلى عدد من اللغات المعاصرة، كالأكادية مثلا. ومن هذا المنظور، تكون الترجمة بمثابة إكسير حياة للنص بعد انقراض لغته وانعدام تداولها؛
  • لا مراء في أن من أهم أسباب قتل الترجمة لروح النص الأصل هو افتقار المترجم إلى شروط أعتبرها محورية، وهي:
  • إجادة اللغة المصدر إجادة تامة؛
  • إجادة اللغة الهدف إجادة تامة؛
  • الإلمام بالمنظومتين الثقافية والمعرفية للغتين الهدف والمصدر؛
  • التخصص في المجال المعرفي للكتاب المترجَم.

 فغياب شرط واحد فقط من هذه الشروط سيُسقط المترجم، وبالتالي العملية الترجمية ككل، في الابتعاد عن روح النص، وأحيانا الخطأ في نقل المعنى المراد، والنقل الحرفي الذي لا يحترم بنية اللغة المنقول إليها، ولربما حتى الحذف (في حال عدم قدرة المترجم على ترجمة مقاطع معينة من النص)، دون أن ننسى الاختلال الذي يطال العبارة، وعدم القدرة على اختيار الكلمة الملائمة للمعنى المراد داخل سياقه الجُمْلي والثقافي. من هذا المنظور، إذا اطَّلع بالترجمة مترجم اختلت فيه الشروط، سنحصل على ما أسميه بـ “النص – الخديج”؛ أي أنه ميت قبل ولادته/ إنتاجه وإصداره. ومن أمثلة هذه الترجمات، يمكن أن نذكر: ترجمة “ريتشارد بيرتن” لـ ألف ليلة وليلة رغم ضعف إلمامه باللغة العربية، وعددا من الترجمات الخاطئة لـ مقدمة ابن خلدون، ومنها ترجمة الفرنسي “البارون دي سلان”، وترجمة الأمريكي “فرانز روزنتال”؛ بحيث تَقَوَّلا على “ابن خلدون” ما لم يقله. ولا ننسى أن الأمريكي “سكوت فيتزجيرالد” ترجم رباعيات الخيام بالرغم من عدم إجادته للفارسية، و”المنفلوطي” ترجم عن الفرنسية رغم أنه لا يتقن سوى العربية…

  • تعددت النظريات التي تحاول تحديد روح الترجمة من “الجاحظ”، إلى “والتر بنيامين”، و”هنري ميشونيك”، و”أنطوان بيرمان” وغيرهم كثير، بين مَن يؤكد استحالة الترجمة – أو على الأقل ترجمة بعض الأشكال الكتابية (استحالة ترجمة الأوزان الشعرية العربية إلى لغات أخرى، واستحالة نقل الجناسات من لغة إلى أخرى كما هي، على سبيل المثال) – وبين مَن يستدل على إمكانها. بالنسبة إلى هذا الفريق الأخير فقد اختلف منظروه بين من يدعو إلى الوفاء التام للأصل، ومن يدعو إلى “الجميلات الخائنات” وهكذا.

وعلى العموم، لا تقتل الترجمة روح النص إلا إذا كُنَّا أمام مترجم اختلت فيه الشروط، ولم يستطع استيعاب روح النص. أما مسألة نقله – مثلا – إلى اللغة العربية بحيث يشعر القارئ العربي وكأنه يقرأ كتابا عربيا ففيها نظر؛ حيث اختلف المنظرون مرة أخرى بين من يدعو إلى هذه الفكرة، ومن يقول بضرورة أن يحمل النص المترجم آثارا من اللغة المصدر تدل على أنه مترجم، حتى يحافظ على هويته. غير أنني لا أميل إلى هذا الرأي في الحقيقة؛ لأنه سيجعل المتلقي أمام متن مختل التراكيب، ركيك الصياغة، وضعيف بسبب عدم وجاهة اختياراته المعجمية.

هل سنترجم الجملة البسيطة: «La pomme a été mangée par Jean» 

 بـ: “أُكِلت التفاحة من قِبل جون”؟

هذه ترجمة حرفية تبدو فيها آثار النص الفرنسي؛ لأنه لا وجود في اللغة الفرنسية للمبني للمجهول؛ بل لديهم ما يسمى بـ «la voix passive» التي يعتبرها عدد من المترجمين مقابلا للبناء لغير الفاعل في العربية؛ وهذا أمر مجانب تماما للصواب؛ لأن الأسلوب الفرنسي يقتضي تحديد الفاعل (جون)، بينما الأسلوب العربي يقوم أساسا على جهلنا بمن قام بالفعل؛ وبالتالي تغذو جملة “أُكلت التفاحة من قبل جون” غريبة؛ لأن التعبير الأصح في هذه الحالة هو “أَكل جون التفاحة”؛ أي اعتماد المبني للمعلوم، أما إن كنا نجهل الفاعل فنقول: “أُكلت التفاحة”. مثل هذه الأساسيات – رغم بساطتها – نجد خرقا لها في عدد من النصوص المترجمة بشكل يدعو للكثير من الأسف.

  • رسالة توجهها للمترجمين العرب..

بل هي، في الحقيقة، رسالة أوجهها إلى الجهات الحكومية القائمة على الشأن الثقافي في بلداننا العربية: لقد ضيَّعنا الكثير من الوقت في جهود ترجمية فردية لا يكاد يستفيد منها المجتمع، ولا تحقق النهضة الحضارية المرجوة؛ فالمعول عليه حاليا أن نقتدي بما قام به “المأمون” في عصر الدولة العباسية، وما قام به الاتحاد السوفياتي عند تأسيسه، وما قام به الكيان الصهيوني سنة 1948 من إحياء للغته بالترجمة – وسبل أخرى – وما قامت به اليابان وغيرها. لقد حان الوقت لنعيد النظر في ممارساتنا الثقافية، وعلى رأسها الفعل الترجمي، حتى تتحقق الغاية، ونبلغ المراد.

إعلان

اترك تعليقا