رحلة البطاطس من محلات البقالة لمنافذ بيع الشرطة
التغيّر الاقتصادي الذي يحدث في مصر.. لماذا؟
ألِيعتاد الناس غلاء الأسعار عامة؟ أم هو لافتعال أزمات لظهور جهات ما لحلّها؟ أم هو نتيجة للسببين معًا؟ تساؤلات كثيرة مطروحة في هذا الأمر الذي يظهر على فترات ليست بعيدة.
دعونا أولًا نتساءل: هل غلاء البطاطس هو أزمة للجميع أم أنّ هناك من يتمنى ارتفاع سعرها إلى خمسين جنيهًا مثلًا؟
أسباب ارتفاع سعر البطاطس
أسئلة كثيرة تدور في ذهن المواطن البسيط عن أسباب ارتفاع أسعار البطاطس، وحتى نجيب عليها دعونا نبدأ من العام الماضي.
في خطوة غير محسوبة بالمرة أو كانت محسوبة لغرضٍ ما، قامت الدولة باستيراد كمية من البطاطس، بينما كان المحصول على وشك أن يجنيه المزارع. تسبب ذلك في انخفاض سعر البطاطس الذي تمّ جنيه ما بين شهري نوفمبر وديسمبر، وبالتالي خسارة المزارع كبيرة. فقد تعرض مزارعو البطاطس حينها لخسارة فادحة في عام 2017؛ أدت إلى تراكم الديون على الفلاحين سواء للبنوك أو لتجار الأسمدة والمبيدات؛ مما جعلهم يتجنبون زراعة هذا المحصول في شهر فبراير.
دعونا نفهم أولًا أن شهر فبراير -الذي تتمّ فيه زراعة محصول البطاطس- يصل فيه سعر الكيس لـ700جنيهًا تقريبًا، ثمّ يتم جني المحصول في مايو وتُطرح كميات منه في السوق وتُخزّن كميات أخرى في الثلاجات لزراعتهِ في شهر أغسطس ويتم جنيه في نوفمبر وديسمبر وهكذا تدور الدائرة…
لذلك يتمنى المزارع أن يظل سعرها مرتفعًا حتى وقت الجني لكي لا ينخفض سعرها إلى البخس ويتعرض لخسارة كما حدث العام الماضي. والحقيقة أن هذه ليست أنانية من المزارع ضد المستهلك، لكن -للأسف- عدم التنسيق بين الجهات ككل جعل الجميع يستغل الفرصة لكسب نقطة لصالحه، وقت حدوث الأزمات.
كيف تعاملت الدولة مع الأزمة؟
وكما تابعنا جميعًا تدخّل الدولة لحلّ الأزمة.. وهنا نطرح سؤالًا مهما، هل تدخلت الدولة سريعًا لتخلق التوازن بين الأمور؟ أم أن الأمور تطورت، وأصبحت أزمة أدّت إلى التذمر العام والشكوى والتأفف، فما كان للدولة إلا أن تتدخل وتحلّ الأزمة وتظهر الحلول من حيث لا ندري؟ فجعلت البعض يسخر قائلًا: “هل قامت الدولة بزراعة البطاطس بين ليلة وضحاها؟ أم أنه نزل مارد من السماء وقال “شبيك لبيك البطاطس بين إيديك”!
بالطبع لم يرد أحد ولم يقدّم المسؤولون أيّ ردّ مقنع. وكالعادة، فرِح الشعب لحل الأزمة وسارع بالوقوف في الطوابير لشراء كيلو بطاطس.
طوابير البطاطس وسيكولوجية المواطن
عقب تبنّي الجيش والشرطة حلّ الأزمة بطريقة هستيرية، وهي عمل منافذ لبيع البطاطس في مختلف المحافظات وبسعر قد يصل لنصف ثمن أسعار التجار، رأينا طوابير فيها مئات -وربما لا أبالغ- إن قلت آلاف المواطنين لشراء كيلو بطاطس.. فما الذي يجذب المواطنين للوقوف في طابور مهين لساعاتٍ طويلة في سبيل الحصول على محصول ليس بهذه الضرورة، وبالتأكيد هناك الكثير من البدائل له؟ إنه الخوف من فقدان الشيء.
فبالرغم من أننا جميعًا على عِلم بأنها أزمة وستأخذ وقتًا قصيرًا وسيتم حلها، إلا أنّ الكثير من الناس يصابون بالخوف من أن يفقدوا السلعة أو ما يعرف بـ “fear of missing out” فنلجأ لمحلات الملابس، ولا تكفينا قمصاننا الموجودة بالمنزل حينما نعلم أن قميصًا ثمنه 100 جنيه قد أصبح بخمسين جنيه، كما أنّ وجود الطوابير يثير الفضول لدى الناس ويجعلهم يبادرون في حجز مكانهم بالصف.
إن ما يجعلنا نتساءل كثيرًا هو العشوائية التي تُدار بها الأمور، والتي بالطبع تؤدي إلى الفشل في كل مرة. ونعود لنتساءل: في مصلحة من تصبّ كل هذه الأزمات؟ نحن شعب عشوائي أيضًا وكأنه يعيش في منطقة باردة آمنة يجد دائمًا من يحنو عليه بالفتات فيرضى، وعلينا أن نعترف بذلك فنحن شعب جُبل على المسارعة وراء القيل والقال ولم يهتم بمعرفة الحقيقية فضاع وتاه وسط هذا وذاك. والنتيجة أن الأغلبية تطلب الطاعة لبعضها البعض، ولكن هناك فئة تُشاهد من بعيد كل ما يحدث لتنقض فجأة وتتناول الأمور.
إلى متى كلّ هذه الأزمات؟!