ما بين الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية
في الوقت الذي تعيش فيه البلاد العربية تحت تهديد التقسيم إلى دويلات، وفي ظلّ انقسامات عالمنا العربي أمام مؤامرات الخارج، وغياب أيّ ردّ فعل جماعي من قِبَل جامعة الدول العربية، قد نحتاج للحظةِ تأمّل لنقارن بين ما آلت إليه فكرة الوحدة العربية، وما وصل إليه الاتحاد الأوروبي فى نفس الحقبة التاريخية منذ 1945 وحتى اليوم.
سبعون عامًا من التوجه الوحدويّ الأوروبي
• أثناء قيام مصر بتأسيس جامعة الدول العربية، عام 1945، بين سبع دول عربية مؤسسة، كانت دول أوروبا تخرج جريحة من الحرب العالمية الثانية، وكانت أول خطوة لها هي الاتجاه لتوحيد بعض القرارات، خاصة في أسلوب توزيع مساعدات خطة مارشال لإعادة بناء أوروبا.
الوعي بالحاجة للوحدة الاقتصادية كان دافع الدول الأوروبية نحو الاتحاد، رغم عدم وجود مقوّمات ثقافية أو حتى لغوية بين دول متحاربة بالأمس القريب، في حين أنّ الدول العربية كانت تمتلك من المقومات التاريخية والثقافية ما يجعلها تضع آليات اقتصادية للوحدة، لكن عدم تخلّصها من النفوذ الاستعماري جعلها تغرق فى مستنقع خلافات الأحلاف والأحلاف المضادة (مشروع حلف بغداد برعاية بريطانيا).
• أُولى الخطوات الفعالة في بناء الاتحاد الأوروبي، وضعها الفرنسيّ روبير شومان عام 1950 بإنشاء “التجمّع الأوروبي للفحم والصلب”، فكان هذا التوجّه نحو الاتفاق على جزئية اقتصادية يسهل الاتفاق عليها هو العمل الأكثر تأثيرًا في إرساء دعائم الوحدة الأوروبية. وكان هذا التجمّع الذي تمّ تفعيله في 1952، يضمّ ستة دول فقط هي الدول المؤسسة للاتحاد الأوروبي (فرنسا، ألمانيا الغربية، ايطاليا، بلجيكا، هولندا، لوكسومبورج). فكان هذا التجمع هو نواة السوق الأوروبية المشتركة التي اتفق عليها عام 1957 في اتفاقية روما.
• من طرائف تاريخ إنشاء الاتحاد الأوروبي، والتي لها دلالة هامة، هو لقاء تم عام 1958 بين أعداء الأمس (فرنسا وألمانيا) من خلال لقاء شخصي بين الرئيس دي جول والمستشار كونراد اديناور بمنزل الأوّل في فرنسا. هذا اللقاء الذي تأسست فيه صداقة شخصية عميقة بين الرجلين أثّرت في بناء جسور الثقة بين الدولتين وسرّعت من إجراءات إنشاء السوق الأوروبية المشتركة. وفي نفس السنة، كانت مصر وسوريا تتّحدان في دولة واحدة (الجمهورية العربية المتحدة) ولكن مع الفارق في أسلوب التقارب الذي افتقد الدراسة وتميَّز بالتسرّع، رغم أنه أعطى أملًا كبيرًا للشعوب العربية العاطفية من الخليج إلى المحيط.
• رغم أنّ دي جول كان يقود المقاومة الفرنسية أثناء الحرب العالمية من مقرّ إقامته بلندن، إلا أنه رفض طلب بريطانيا الانضمام للسوق الأوروبية ومشروع الاتحاد الأوروبي مبررًا ذلك بالتوجه البريطاني نحو الولايات المتحدة أكثر من توجّهها نحو الاتحاد الأوروبي، وأن دخولها عضوًا في أوروبا سيجعل من الاتحاد الأوروبى تابعًا للولايات المتحدة الأمريكية. وكان أول رفض سنة 63 ثم تكرر سنة 67. ولم تنضمّ بريطانيا إلا عام 72 بعد وفاة دي جول سنة 70.
في هذه الأثناء، اتسعت عضوية جامعة الدول العربية لتضم البلاد العربية التي نالت استقلالها، فوصل عددها إلى 22 دولة عربية، ولكن لم يتفق أعضاؤها على أي إجراء اقتصادي أو سياسي خلال سنوات طويلة من الاجتماعات على كل المستويات. فظلت أداة غير فعالة، منبرًا للخطابة العاطفية وملتقى للمتناحرين.
• عبرت أوروبا بالتدريج إلى الوحدة وإزالة الفواصل الجمركية ثم إزالة الحدود الداخلية من خلال اتفاقية شنجن (بدون بريطانيا) ثم إنشاء عملة أوروبية موحدة “اليورو” (بدون بريطانيا أيضًا)، ووصل عدد الدول المنضمة للاتحاد الأوروبي إلى 27 دولة، خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وعودة دول المعسكر الشرقي إلى السياسة الأوروبية الموحدة. فبعد تجنيب الخلافات العرقية والدينية والثقافية، تبقت المصالح الاقتصادية التي اجتمع عليها الأوروبيون ليصبحوا أول تجمع اقتصادي عالمي يشغل المرتبة الأولى للدول المصدّرة للسلع والخدمات. بحار بترول العرب لم تشفع لنا كي نتحول إلى دول نامية لها وزن اقتصادي على الساحة العالمية، فبترولنا يتحول إلى دولارات مُودعَة في بنوك الولايات المتحدة لدعم الاقتصاد الأمريكي ويحظر الاقتراب منها، أما الدول المنتجة فتعيش ببعض من فوائد تلك الثروات، وإن كان صرفها غالبًا ما يكون في غير ما يفيد التنمية أو سدّ احتياجات فقراء العرب.
نعم، فقد نجح الأذكياء في الوحدة، أما الأغبياء… فلا زالوا في خلافاتهم الزعامية!