حين يصبح القلم ثائرا ضد الاستعمار والعنصرية

شهد القرن العشرون نشأة نوع أدبي جديد وهو أدب ما بعد الاستعمار، ويختص هذا النوع بمهاجمة استغلال الاحتلال للدول التي تفرض سيطرتها عليها. فظهر جيل من الكتاب في كل العالم ينتمون لهذا التيار الأدبي الذي فرضته قوى الاستعمار في العالم وأهمها بريطانيا.

الأدب الإفريقي

في كينيا، نجد الكاتب المسرحي والروائي “جوجي وا ثيونجو” الذي حارب ضد الاحتلال الإنجليزي لبلاده بقلمه فكتب عدة أعمال أدبية منها مسرحية “محاكمة ديدان كيماثي” البطل الكيني الذي أعدمته قوات الاحتلال عام ١٩٥٧ بتهمة الإرهاب، وقتل أكثر من أحد عشر ألفَ مواطنٍ كينيّ.  وثورة “ماو ماو” التي اندلعت من قبائل الجيكويو عن طريق مجموعة فلاحين بسطاء شكّلوا مجموعات مسلحة لمواجهة المستعمر الإنجليزي المستبد. لذا فإن ثورة الماو ماو تعرف أيضًا بثورة الفلاحين.
فمسرحية “محاكمة ديدان كيماثي” تهدف لخلق صورة جديدة للثورة وشعب كينيا على وجه العموم وللبطل الكيني “كيماثي” على وجه الخصوص بدلًا من الصورة السلبية التي رسمتها الحكومة البريطانية لهم بوصفهم إرهابيين. وبذلك هدف “جوجي وا ثينوجو” بمعاونة زميله “موجو” لتحقيق ما يسمى بالتعديل التاريخي، وهو إعادة تفسير الرؤى التاريخية المتوارثة والمتفق عليها.
في القرن العشرين سنت قوانين الفصل العنصري في جنوب إفريقيا بين أصحاب البشرة البيضاء والسوداء والملونين (الجنسيات المختلفة) والهنود. وفُعّلت هذه القوانين منذ العام ١٩٤٨ حتى ١٩٩٤ وعرفت باسم “الأبارتايد”. وكان من مظاهر العنصرية ضد السود أن كان عليهم أن يسيروا في طرق وشوارع مخصصة لهم فلا يصح أن يجتمعوا مع أصحاب البشرة البيضاء في نفس الشوارع أو أن يسكنوا في نفس المناطق ومنعوا من حق التصويت في الانتخابات.

فظهر مجموعة كتاب جنوب إفريقيين لينددوا بهذه العنصرية والقيود التي فرضها الأشخاص ذوي الوجوه البيضاء -الذين هم الأقلية- على السود -الذين هم الأغلبية-، فقدموا نوعًا أدبيًا يُعرف باسم أدب الأبارتايد وما بعد الأبارتايد، وهو نوع من أدب ما بعد الاستعمار.
نجد الشاعر “جيمس ماثيوس” يبدع في عدد كبير من القصائد التي تُظهر زيف وخداع الرجل الأبيض والقوانين التي تفصل الرجل عن زوجته بسبب اختلاف اللون. في أحد قصائده ينتقد معايير الغرب المزدوجة تجاه حقوق الإنسان، فهم يعتبرون النفوس الأوروبية أغلى كثيرًا من نفوس دول العالم الثالث. فيقول إن الغرب ثاروا عندما قُتل أحد عشر يهوديًا في ميونيخ بينما لم يهمسوا بشيء تجاه قتل الآلاف في جنوب إفريقيا، وبذلك يقدم انتقادًا غير مباشر لمنظمة الأمم المتحدة ومنظمة مراقبة حقوق الإنسان.

الأدب الإيرلندي

شيموس هيني هو أحد أعظم شعراء إيرلندا. حاز جائزة نوبل عام ١٩٩٥ لتعبيره عن معاناة الشعب الإيرلندي من الاستعمار البريطاني لبلادهم. ولد في أيرلندا الشمالية حيث الأغلبية بروتستانت إنجليز وهي طائفة المستعمر لكنه نشأ كاثوليكيًا مثل الإيرلنديين، فكانت هويته ثنائية، جزء يمثل الثقافة الإنجليزية والجزء الآخر يمثل الثقافة الإيرلندية، فكان يمثل مزيجًا مدهشًا من التراث الأيرلندي والإنجليزي معًا.
في بداية مسيرته شاعرًا، قرأ هيني كتاب “أجسام المستنقعات” لجلوب وهو يحكي عن الضحايا البشرية للإلهة “نرثوث” في شمال أوروبا. وبذلك يربط “هيني” جرائم القتل الوحشية في العصور الغابرة بالجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال البريطاني في الشعب الإيرلندي المدافع عن حقوقه وهويته.

قصيدة “هرقل وأنطايوس” هي قصيدة رمزية مستوحاة من أسطورة إغريقية تعبر عن العلاقة بين إنجلترا وإيرلندا. هرقل وهو ابن كبير الآلهة زيوس فهو من سلالة ملكية، يمتلك قوة خارقة بينما أنطايوس يستمد قوته فقط من أمه إلهة الأرض “جايا”. ومن الواضح أن هرقل يمثل المستعمرَ الإنجليزي القوي ذا الحكم الملكي أمام الشعب الإيرلندي التي يستمد قوته فقط من أمه إيرلندا. وهنا يوضح الشاعر الإيرلندي “هيني” أنه يجب على الشعب الإيرلندي أن يتحدوا ويتمسكوا بإخلاصهم لوطنهم إيرلندا حتى يتمكنوا من مواجهة العدو الإنجليزي. فإخلاص أنطايوس لأمه جايا في القصيدة هو انعكاس لإخلاص الإيرلنديين لبلدهم.

إعلان

كان ولا يزال الأدب هو مرآة الشعوب، وهو قادر دائمًا على إحداث تغييرات في المجتمع لدرجة أنه قادر على إقامة ثورات ضد كل من هو مستبد.

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: أبانوب وجدي

تدقيق لغوي: ندى حمدي

تدقيق علمي: نهال أسامة

تحرير/تنسيق: نهال أسامة

الصورة: نهى محمود

اترك تعليقا