لماذا لا يُسمح لك باستخدام هاتفك الذكي أثناء المحاضرات ؟
يفرِضُ العديد من الأساتذة الجامعيين سياسة منع استخدام الأجهزة الإلكترونية أثناء المحاضرات، الأمر الذي يستهين به معظم الطلابُ ويضربون به عُرض الحائط بكل استهتار، لكن دراسةً حديثة تدعوكَ لتجنب استخدام هاتفك الذكي أثناء المحاضرات وذلك لأنك تُلحق الضرر بسلاسة التعلم لديك ولدى زملائك.
منع استخدام الأجهزة الإلكترونية أم السماح باستخدامها بلا حدود؟
في تجربة عُنيت بقياس تأثير التكنولوجيا تمَّ تقسيم طلاب يدرسون مادة علم النفس إلى مجموعتين لحضور المحاضرات في أوقاتٍ مختلفة ويُدَّرِسها نفس الأستاذ في جامعة “روتجرز”، حيث منع الباحثون استخدام الأجهزة الإلكترونية في إحدى المجموعتين بينما سمحوا للمجموعة الأُخرى باستخدام الأجهزة الإلكترونية خلال المحاضرات (بما في ذلك الهاتف الذكي والجهاز اللوحي والكمبيوتر المحمول بالطبع). ثمَّ طلب الباحثون من كِلا المجموعتين مِلء استبيان عند انتهاء الفصل الدراسي لتحديد ما إن كان استخدامهم للأجهزة الإلكترونية خلال المحاضرات لأهداف أكاديمية أم لأهداف أُخرى. ولرصد استيعاب الطلاب للمعلومات التي شرحها الأستاذ قام الباحثون بقياس أداء الطلاب من خلال:
- تقييم أدائهم أثناء المحاضرات.
- قياس نتائج الاختبارات النهائية.
وخلصت الدِراسة إلى أن التأثير السلبي لاستخدام الأجهزة الإلكترونية خلال المحاضرات لم يظهر بشكل فوري؛ فقد كان أداء المجموعتين متساوٍ تقريبًا عندما تم تقييم نشاطهم أثناء المحاضرات. أما عندما تقدَّم الطلاب للامتحان النهائي، وجد الباحثون أن أداء المجموعة التي سُمح لها باستخدام الأجهزة الإلكترونية كان أسوء بنسبة 5% مقارنةً بالمجموعة الأُخرى؛ فأدت هذه النسبة إلى تراجع تقدير الطالب من A (أي ما يُعادل 4 من 4) إلى +B (أي ما يُعادل 3.3 من 4). أو بعبارة أُخرى يؤثر استخدام الهاتف الذكي لأهداف غير أكاديمية أثناء المحاضرة على قدرة الطلبة على استذكار المعلومات على المدى البعيد.
وجديرُُ بالذكر أن أداء جميع الطلبة في المجموعة التي سُمِح فيها باستخدام الأجهزة الإلكترونية (بما في ذلك اولئك الذين امتنعوا عن استخدام أجهزتهم الإلكترونية بمحض إرادتهم) كان أسوأ بمراحل عِدَّة من أداء الطلبة في المجموعة الثانية، أيّ أنّ استخدام الأجهزة الإلكترونية أثناء المُحاضرات يُشتت تركيز جميع الطلبة؛ فتواجد جهاز إلكترونيّ مُتّصل بشبكة الإنترنت بجوارك يجعل محاولاتك في الحفاظ على تركيزك تحديًّا شديد الصعوبة.
وفي بيان أدلى به البرفيسور “Arnold Glass” (المؤلف الرئيسي للدراسة) صرَّح قائلًا: “لضبط استخدام الأجهزة الإلكترونية داخل الغُرف الصفية يجب أن يوضِّح المعلمون الأثر السلبي الذي يُخلِّفه تشتت تركيز الطلبة على احتفاظهم واحتفاظ زملائهم بالمعلومات التي يتمُّ شرحها في الغرف الصفيّة.”
الانتباه الكامل لمحتوى المحاضرات من المهارات التي يستهين الطلبة بأهميتها:
تتأثر الذاكرة طويلة المدى بشكل كبير باستخدام الطلبة للأجهزة الإلكترونية في الغرف الصفية بينما لا تتأثر الذاكرة قصيرة المدى بذلك، مما يُفسر شعور الطلبة بأن جميع المعلومات لا تزال متاحة لذاكرتهم عندما يتابعون العرض المُباشِر لمباراة كرة القدم أثناء المُحاضرة. فيتجلى الفرق واضحًا بين الانتباه الكامل والإنصات الجُزئي لمحتوى المحاضرات بعد أسابيع أو أشهر عندما تقترب الامتحانات النهائية ككُرةٍ تتدحرج من أعلى التل.
ينبع مكر التكنولوجيا وخداعها لعقولنا من أنها لا تبدو كوسيلة تؤدي إلى تشتت الانتباه، إلا أن تواجد الأجهزة الإلكترونية في مرمى بصرك يؤدي إلى تصدع انتباهك وتركيزك مما يؤثر بدوره على الذاكرة طويلة المدى. كذلك وجد الباحثون أن التقاط الصور ومقاطع الفيديو لموقف يمر فيه شخص ما يجعل ذكريات ذلك الموقف مشوشة في ذاكرته، مما يشير إلى أنَّ توجيه كامل انتباهك لتفاصيل حياتك بدلًا من توثيقها بالصور ومقاطع الفيديو يؤدي إلى بقائها حاضرةً في ذاكرتك إلى الأبد. إلا أن المعضلة تظهر عندما تدرك صعوبة توجيه كامل انتباهك وتركيزك على ما يحدث أمامك حتى بعد إغلاق هاتفك؛ فوفقًا لإحدى الدراسات يؤثر وجود هاتفك الذكي بالقرب منك على أدائك المعرفي حتى وإن كان مُغلقًا، مما يعني أنّك ستكون مُتاحًا بشكل كلي من الناحية النفسية عندما يكون هاتفك مغلقًا وبعيدًا كل البعد عن مرمى بصرك.
يشير ما سبق إلى أنَّ الدماغ البشري بُنْية شديدة التعقيد يصعب عليك توقع حدود قدراتها؛ فحتى عندما تظن أنك تولي كامل انتباهك لما يحدث أمامك فإنَّ بعض تركيزك ينسل نحو الإيميلات الواردة وإشعارات الرسائل النصية وتسجيلات الإعجاب على صورك المنشورة على حساب الأنستغرام. فيجدر بك تجربة توجيه كامل انتباهك وتركيزك للمهمة التي بين يديك متى ما سنحت لك الفرصة وذلك لأن التركيز المُتكامل من أكثر المهارات تأثيرًا على حياة من يمتلكها.