موسم صيد “القارئ” !

عن أحمد مراد وعالمه.
من السطر الأول أريد أن أقول – أو أؤكد قناعتى الشخصية – أن الرواية الوحيدة الحقيقية التى كتبها ” أحمد مراد ” هى رواية “1919”، ماقبلها ومابعدها ليست روايات بل مجرد ” أفكار مطرقعة” وضعها على الورق وطبعها وباعها، أفكار قد تكون جديدة، أو غريبة، أو مثيرة وملفتة، ضمنت له دوما – ككاتب ومؤلف – مركزا متقدما فى قائمة “البيست سيلر” لأسابيع أو شهور، لكن سرعان مايتم نسيانها أو إهمالها، لأنه دائما – وأبدا – يوجد “البيست سيلر”.
” مراد” هو ابن هذا العصر الذى نعيشه بإمتياز، يعرفه جيدا ويعرف أن أهم مميزاته (أو عيوبه) سرعة الملل، الزهق، عدم الصبر، لذلك فهو يختار موضوعات -كما سبق القول- غريبة ومثيرة ومختلفة، ويعرف تماما نوعية الجمهور الذى يتوجه له، هو جمهور سن المراهقة ومابعدها حتى أواخر العشرينات، المتمرد بطبعه، الثائر على كل شئ، الباحث عن “طرق أخرى” لفهم الحياة، ولا يكتفى بالتفسيرات القديمة والتقليدية، والمتعطش دائما لتجربة كل شئ، من أول تدخين السجائر وليس إنتهاءا بالإلحاد أو الإيمان بتناسخ الأوراح وإنتقالها من زمن إلى زمن.
وليس فى كل ذلك مايسئ إلى ” أحمد مراد ” ففهم طبيعة العصر الذى تعيشه والتواصل معه بلغته أمر مطلوب وضرورى، خصوصا من كاتب وروائى يهمه فى المقام الأول توسيع دائرة قرائه ومتابعي أعماله.
في البداية تحدثت عن أن رواية “1919” هى الرواية الوحيدة الحقيقية للكاتب، وهي فى نفس الوقت أقل رواياته مبيعا وأقل صخبا وبروباجاندا، فهي لم تعجب جمهوره نظرا لمباشرتها، وحكاياتها عن “ناس عادية” بلا خوارق أو معجزات أو ذكاء مدمر، وهي أيضا خالية تماما من المصطلحات المعقدة أو من الحديث عن علوم وأفكار “مطرقعة” ، وهو ما إستوعبه الكاتب فعاد لمنطقته المفضلة سواء فى رواية “أرض الإله” الذى عرض فيها تاريخا مغايرا لقصة “فرعون موسى”، ثم فى روايته الأحدث ” موسم صيد الغزلان” التى تقدم “كوكتيلا” من الأفكار: الإلحاد، علاقة الرجل بالمرأة، الشيطان، تناسخ الأرواح…إلى آخره.
إعلان
المشكلة الأكبر للقارئ مع كتابات “مراد” هو أنه – القارئ – الخاسر دائما(!)، فلو صدقت أو إقتنعت بما قرأته فأنت لا تعرف شيئا عن فن الرواية، وإذا رفضته أو كذبته فإنك تبخس الكاتب حقه ولا تقدر مجهوده فى جمع مادته، التى هى فى جزء منها “حقيقية” أو حقائق ثابتة لا شك فيها.
هذه لعبة ” أحمد مراد ” الدائمة، والمشوقة طول الوقت، فهو يقول مايقوله فى قالب روائى يسهل عليه نفيه لأنه – أولا وأخيرا – مجرد “خيال” كاتب، ولكنه في نفس الوقت يؤكده بكمية المعلومات الصحيحة والموثقة التى ينثرها في متن وحواشي رواياته.
يقول النقاد أن أي كتاب ليست لديه سوى فكرة واحدة يظل طول عمره يتناولها فى كتاباته بطرق مختلفة، وهو قول أظن أنه ينطبق تماما على ” أحمد مراد ” في كل رواياته (بإستثناء “1919”) : البطل الذى يعيش حياة تبدو طبيعية تماما، ثم يظهر أنها ليست كذلك بالضبط، فهي إما مزيفة مصطنعة، أو ناقصة مبتورة، وفجأة يحدث شئ طارئ، أو من تدبير ” أحدهم” ليقود البطل لإكتشاف ماضي مجهول عنه، تآمر الجميع عليه لإخفائه أو طمسه، حتى يصل ل “الحقيقة”، على أن أكثر مايحسب له هو ” لغته” القوية والسهلة فى آن واحد، يعرف – عن جدارة – كيف يوظفها وكيف ينتقى مفرادتها بعناية وبحذر شديدين.
…وتبقى “1919” هى الرواية الوحيدة الحقيقية حتى اللحظة!
في حالة أعجبك المقال، ربما ستعجبك مقالات أخرى، نرشح لك
مجموعة قيمة من الـ كتب .. لتكن ضمن خياراتك هذا الشهر!
إعلان