مربَّع اللذة والمعرفة: عن حاستي السمع والبصر والجنس والله
لن أرضى هنا بمقدِّمات مملَّة تشعرك بالبؤس، ولا منهجيات تتصف بالعقلانيَّة أو تهذيب في تناولي للكلمات والأحداث، أريد خرق كل هذا، أن أتحدث كالسِّهام الموجَّهة للعدو على نحو مباشر مع اعتباركم أصدقاء لا أعداء، راغبة في اضمحلال كل الدوافع التي يقودها التحفُّظ والصرامة.
السَّمع:
كم يبدو وقع كلمة أذن التي تحيل إلى حاسَّة السمع ساخرًا، لكن لا تستغربوا حين أرى في الأذن أهمية بالغةً في ترويض الإنسان واستعباده، أو في إذعانه وتمرُّده. فـ بفضل الأذن نحن نسمع من دون ارادتنا للواقع والخيال ولِذَواتنا المشتَّتة وللآخرين أيضًا سواءً وجَّهوا لنا المدح أم القدح، والنصح أو العتاب والأوامر أو النواهي، فكل ذلك مهم بقدر ما تهمنا الحياة. إنّ سماع صوت الصديق أو العدو ليس كقراءة رسائله التي تصرخ بالصمت. إنَّ المسألة برمتها إذن ترتكز على الأذن وقواها الطبيعية والخارقة معًا.
دعونا ننطلق إلى أحد الأمثال والحِكم الإغريقيّة النابعة من فِكر أحد الفلاسفة حول الأذن وأهمية السَّمع في قراءة كلماتها القائلة:
“لدينا أذنان وفم واحد، وذلك حتى نسمع أضعاف ما نتكلَّم”. (1)
فبواسطة الأذن يحدَّد مصير الإنسان، وباستطاعتك أن تكون الفاعل والمفعول به كما أردت، أن تُشعر من يصغي إليك بالسعادة أو الإهانة، أو أن تكون أنت السعيد والمُهان. إنَّ الأذن هي من بين بعض الوسائل في حيازة العلم والمعرفة وحتى الذعر؛ فهاهما آدم وحواء مذعورين من سماع خطوات يهوا تأتي بعد العصيان الأول.
“وسمعا صوت الرب الإله ماشيًا في الجنة عند هبوب ريح النهار، فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة فنادى الرب آدم وقال: أين أنت؟ فقال آدم: سمعت صوتك في الجنة فخشيت، ولأني عريان فاختبأت”. (2)
وها هو أحد آلهة الرافدين المعروف بالإله إنكي المسؤول عن الحكمة والفهم والسحر يعلن في أحد النصوص السومرية:
“أنا الأذن والعقل في كل البلاد، أنا الذي أصدر الحظوظ في جبل الحكمة”. (3)
إنَّه يساوي الأذن مع أعظم شيء خلب لبَّ الفلاسفة وكل التاريخ العقلي للبشر.
قد يغفر البعض للآخرين ضربهم على قفاهم أو لكمهم على وجوههم باستثناء أن يأتي شخص ويجرُّهم من آذانهم أو كما يحلو القول “عقولهم”، فـ حين تجعل أصابعك تُطبق على أذن امرئ ما؛ أنت هنا تُوجِّه له رسالة مبطَّنة تقول: أصغي إليّ جيدًا أيها الأخرق، أيها العبد . فتبعًا لما سبق أنت تعلمه ببساطة أنك سَّيِّده، والمسيطر على كيانه أي حياته كلّها، والمسألة بالقدر ذاته عند قيام الأم بامساك أذن ولدها الشقيّ جدًا مقتادة إياه إلى غرفته فيا للإهانة والذُّل!.
وعلى نقيض الأذن، كان الأنف عند العرب وشعوب أخرى، مدعاة للعزّة والقوة والقدرات وهو تعبير عن علاقاتنا مع الآخر، وبذلك نحن نجد الفيلسوف فريدريك نيتشه يثني على أنفه مرارًا و تكرارًا ويوليه مع عمله في التقاط الروائح والحقائق مكانة هامة. غير أنَّي أرى الأذن لا تقل أهمية عن هذا الأخير في شيء. إنَّها صامتة وهادئة تصغي فقط للعالم بالرغم من تعرُّضها الدائم إلى العقاب.
هل أروي لكم قصص عقوبات جدع الأذن أو قطعها المنتشرة في قوانين وشرائع الحضارات القديمة لاسيما عند خروج المرأة والعبد عن طاعة الزوج والسَّيِّد (4)، فأي كلام أكثر من كل كلام قلته؟.
من الغباء أن أقول أننا نحتاج إلى الأذن لسماع كل شيء فهذا ما تعرفه حتى الحيوانات، لكني أود الاعلان أنه مهما أحببنا أفلام تشارلي شابلن الصامتة ومستر بين الأبكم فلا شكَّ أنّ هناك شيئًا ناقصًا دومًا في غياب الكلام والسَّمع.
حتى الفضاء والفراغ أبى إلَّا أن يصمت وكأنه مدركٌ لنقطة الضعف التي تتملَّك البشر، أما نحنا فعاندناه عن طريق اختراع أدوات تستطيع التقاط أصواته عبر الموجات. نحن نعشق الصخب والفوضى، وحتى الأصوات والموسيقى التي نفضِّلها حين نكون في ذروة استمتاعنا وبهيميَّتنا الطبيعيَّة، نريد منها أن تخترق قلوبنا من الصياح و العلوّ.
تخيٌَل… عالم أصم، هذا يعني أنك لن تستطيع الإصغاء إلى الموسيقى بكل أنواعها.. والترانيم الصوفيَّة والدينيَّة، وموسيقى المهرجانات والطقوس القديمة، وألحان البيانو، وأصوات الحياة المتمرِّدة، كل صوت جديد يخترعه الانسان بأصابعه.
هذا يعني أنَّك لن تستطيع سماع صوت الأرض، الأمطار حين تتناثر والسماء حين تزئر، وضحكات الخشب والنار وهما يتجامعان معًا، وهمسات الرياح في البرد والنَّسمات في الصيف، تذمر أمواج البحر وتعنيفها للرمال.
هذا يعني أنك مضطر لمشاهدة الحياة كفيلمٍ صامت والتحدُّث مع غيرك بلغة الإشارة، حتى اللحظات الحميميَّة معه ستكون صماءً وجوفاءً فارغة من الدفء والصرخات الرومانتيكية، فأنتَ في هذه الوضعية غير قادر حتى على الإصغاء لنفسك.
البصر:
هل ستكون أوَّل صورة تتبادر إلى الذهن هي شكل العين؟ وهل التصوِّر الثاني هو لغة العيون؟، اللّغة التي يفهمها الجميع قبل تطوِّر الإنسان ليصبح ناطقًا ، فلا يحتاج المرء أن ينطق بالحروف أو يكون متعلِّمًا أو مثقفًا ليفهمها.
إنَّ لغة العيون لا تبصر الظواهر ولا تتفحّص الجسد وتتذوَّق الجمال فحسب، بل ترصد تحرُّكات الشخص المقابل لك، وبوسعها أيضًا التخمين بدواخل النفس وما يفكِّر فيه مثل إله يقرأ الأفكار، وإذا لم أُتَّهم بالهرطقة فربما علم الإله الكلِّيّ ذاك لم يكن إلَّا عن طريق هذه اللّغة. حتى لغة العيون مع نفسك التي تراها مطولًا بانعكاس المرآة قد تنحو بك إلى الفلسفة الوجوديّة فلسفة من أنت، من تكون حقًا، أجسد فقط أم شيء ما؟ ومن هذا الآخر ولم الكل هنا؟ وما مآلنا؟ وما معنى كل هذا؟.
في تأمُّل جسد شريكك من البديهي أنَّ الأمر يحتاج لعينيك، من البديهي أنَّ إطفاء النور هو محض سخافة وهراء. فمن المعروف أنَّ لغة العيون ومنعرجات الأذن ستكون مهمّةً جدًا.
من المهم للمرء رؤية من يحب يمارس كافة وضعيات الجنس معه ويكشف له عن عريه لكن لا أظنه بالأمر المحبب عند رؤية من يكن لهم الاحترام و التقدير من معارفه، يمارسونه وحيدين أو معًا، فمن دون شك ستتحوَّل مشاعر التقدير إلى خجل وشعور بالحرج عند التقاء الأنظار لأوَّل مرَّة بعد هذه الجريمة، ومن سعادة حظنا أنَّ هذا الحرج سيزول مع مرور الساعات والأيام فلا خوف على علاقاتنا المشبَّعة بقيم الاحترام.
ولنعد إلى موضوع الذعر والخشية، تلك الخشية التي تكون بسبب عيون الآخرين عندما يتوقَّفون على حافات عيوبنا أو مظهرنا وسقطاتنا فحتى آدم خشي عيون الإله وهو يراه عريانًا بعد الخطيئة الأولى، وهل لنا إلَّا تذكر قصة أوديب؛ ذاك البائس الذي فقأ عينيه بمجرد اكتشافه حقيقة قتله لوالده وزواجه بوالدته؟ (5)، العينين ذاتهما اللتان عاشا بهما مقترفًا أفعاله والعينين ذاتهما اللتان عوقبتا، ربما أيضًا حتى يبقى الإبن الملعون بمنأى عن عيون المحتقرين والشامتين، لا يبصرهم فذاك أفضل.
فكم من شخص منعزل يختبئ عن عيون الناس والحياة كما فعل الزوجين في الجنة وأوديب حين حرم نفسه من البصر، الشيء الذي يجعله يساوي العدم. وكم من شخص يشعر بالقرف منهم محاولًا التجاهل عن طريق تجنّب التقاط عينيه لأجسادهم القادمة؟.
ألم تجسَّد العيون منذ القديم كرمز البصيرة والحقيقة والفهم؟ فكُرِّست عند المصريّين القدماء رمزًا مقدّسًا في مصر القديمة بعين أودجات، وكانت في التراث الديني لعدة حضارات تجنب من يرتدي قلادتها الحسد والأذى (6)، لتجعلها جمعية المتنوِّرين نخبة المجتمع رمزًا لهم وتعبيرًا عن الحكمة والمعرفة التي تكتنف أعضائها وأهدافها.
قال الشاعر: “وأجروا بالفراق دموع عيني وزاد بهم حنيني وانتظار، إذا ما اشتقت يومًا أن أراهم فأدمعها تجاريها البحار”. (7)
إنَّ رؤية الغير تعبِّر عن الوجود دومًا، أليس الغياب كذلك؟ البعيد عن العين مهما كان قريبًا من القلب كما يزعمون لا يكون كاملًا في عين الآخر إلَّا بالحضور ورؤيته، حسبي أنَّ كل شخص لا تراه بالنسبة لك هو غير موجود أو عدم.
وعلاوة على ذلك فالدموع التي تأتي من العيون لهي الفلسفة المادية للعين وما تحتويه من صور وأشكالٍ للغير، وعالم الطبيعة، تستخدم أحيانًا كسلاح وفي أحيانٍ أخرى تعبيرًا عن السعادة أو البؤس، حتى عالم الخيال وأحلام اليقظة لا يستقيم إلَّا بالصور التي تجتاح عين الرائي، وإننا اليوم بتنا نفهم رؤيا الأنبياء، نصف الحقائق تلك التي لا تقبل المجادلات والشك، مهما رآها الغير محض أساطير.
علينا أن نشكر العالم أنه مبصر لا أعمى، ففقدان هذه الميزة سيجرك إلى فقدان المزايا من الأمور، والتضحية بالعديد من الأشياء مجبرًا، فأي جمال يمكن لملامحك أن تلتقطه من دون إبصار عينيك، وأي توق لتأمِّل الكون ستفتقده، أي أجساد جميلة ستحرم من تقييمها والثناء عليها حتى تتلمس وجود الله وأكثر من ذلك.. شهواتك، إنَّ رؤية أجساد الآخرين أيضًا هي عملية أنانية ذلك لأنَّها رؤية لأجسادنا نحن أيضًا.
الجنس:
أليس أكثر منطقة تستطيع أن تُحفَّز و تنتشي من خلال لمسها هي الأذن. هل هذه صدفة؟ أن تخدم قريبًا منك بالجنس وتمنحه الإثارة والنشوة ليشعر أنه سيد من خلال لمسها أو أن يهتز طربًا لصوتك أو أن تجعله يُثار من خلال كلمات رومانسية وبذيئة تعبر إلى الموجات الصوتية؟ كذلك التقزُّز من الآخر، إنَّ كل صورة مقدَّسة عن شخص ما تتلاشى وقتيًّا بمجرد مشاهدته وهو في وضع جنسيّ كما أسلفت الذكر، ولربما سيوران الذي يوافقني الرأي أصاب حين قال:
“ثمة إنجازات لا يمكن أن نغفرها إلَّا لأنفسنا: لو تصوَّرنا الآخرين في ذروة نوع معين من الشهقات، لتعذَّر علينا أن نمد يدنا لمصافحتهم”. (8)
هل تنكرون أنَّ أول صورة تتبادر إلى أذهانكم وعيونكم هي الصورة الجنسيّة عند مشاهدة العروس والعريس للمرة الأولى أم بعد زفافهم بفترة معينة؟، هل تنكرون أنَّ جنس المولود هو مهم عند الكثير من الأشخاص التقليدييّن حتى تُحدد أدوار أعضائه التناسليّة في الجنس وبذلك مصيره في المجتمع الأنثى والذكر؟ هل أنتقل الآن إلى الحديث عن موت الإنسان وعزاءه؟ أليس السؤال الثاني بعد استفهام عمر الشخص المتوفى يكون “هل هو متزوج؟ ، خاصة إذا كانت امرأة، وهل يمكننا أن نسأل لم المرأة دائما تستعبد؟ أليست الطاعة الناتجة عن فلسفة الأذن وإرادة استعبادها جنسيًا لأسباب بيولوجية هرمونية تقلِّل من شأنها هو من بين الأسباب كذلك؟ أو نمطية النظرة القديمة السائدة في زمنٍ ما إلى كونها مجرد وعاء جنس يجب أن يصغي ويطيع.
ولنعد إلى قصة الموت ألم تدركوا الحقيقة وراء سؤال البعض عن عزوبة الميت أو زواجه؟ فأوَّل شيء يفكِّر الناس دومًا به هو الجنس ناهيك عن الشعور بالشفقة ثم العتاب والقسوة عليه برفق. فكم يشفقون عليه! هذا الذي لم يتزوج لحد السخط إذا ما كان ذلك عن إرادة حرة منه. هنا يُحكَم عليها بجريمة سخيفة يمكن أن نصفها بـ عدمية تجربة متعة الجنس. الجنس هو ما يشغل بالهم وليس الاستفسار عن مصير أطفاله بعد وفاة ولادهم. أي لغز يمتلكه الجنس، الظاهرة الغريبة التي تجعل غيرك يشفق عليك إذا لم تجرِّبه، واهتمام وقح بأعضائك التناسلية حتى وأنت ميت.
إنَّ الجنس من يبني إمبراطورية الإنسان، كما يجعل من يعوزه مصابًا بخيبات الأمل، إنه يحوِّل العدم إلى وجود. لقد قيل لكم أنها غريزة البقاء أما أنا فأقول غريزة الجنس ولا شيء غيرها، فإذا كانت الطبيعة تسعى إلى البقاء من خلال الجنس فعالم الإنسان أي الثقافة يسعى إلى البقاء من أجل الجنس.
الله:
لا أوَّد أن أتوقّف في الحديث عن الثالوث السابق فقط -الأذن-العين- الجنس، فأنا أعلم أنَّ الله حاضر، هو ليس إله فجوات لكنه كامل يكمل النقص وحتى الكمال نفسه، أنا لا أتحدَّث عن إله مقيِّد في مذهب ما حتى لا أنال غضب العالم، بل الإله الذي في كامل أذهان البشر ولا شكَّ أنه كامل عند كل مؤمن به، إنَّ الله يُربِّع هذا الثالوث في آخر ضلع.
-الإصغاء إلى الله ووحيه منحنا تجربة الشرائع والقوانين الأولى للمؤمنين به مع تعدُّد الحضارات وتقادم الزمن سواء كانت شرائع تُنسب إليه لتعزيزها أم لا فذلك لا يهم ما دام الله فيها، فكم يكتسب الاصغاء إلى صوت الله أهمية كبرى حتى حين لا نسمعه! إنه ينادينا من الأعماق والأعالي والفراغ.
-إنَّ تأمِّل الطبيعة بالعين قد منحنا مفاهيمًا لعدة فلسفات وفرضيات، من السببية والحتمية إلى الإيمان بنظام العالم والآلهة، حتى النخبة من البشر لم تستطع مقاومة سحر لغة عيون الإنسان مع الطبيعة والله.
– إنَّ الحالة الجنسية للشخص حسبما يشرِّعه الله لهي من أرقى الحالات عند الكثيرين، بحيث تبلغ حد طهارة النفس بطهارة هذا الجسد المدنس، ولقد خصَّ الله الجنس بالإهتمام من دون تجاهله رغم تفاهة ذلك عند البعض.
-إنَّ الله يضمّ كل شيء إلى صدره، على الأقل كما تقول كل تقاليد البشر الدينيّة والكتابيّة، إنه يظهر لك نفسه مع أنه لا يظهرها، فأنتَ تحتاج دومًا أن تكون طالبًا نجيبًا ليمكنك الإمساك به، صوفيًا على سبيل المثال أو يعقوب الذي عاركه حين تجلى له بصفته ملاكًا.
– أليس عدم سماعنا له مباشرة إلَّا من خلال آذان الأنبياء عبر الكتب المقدّسة والأساطير الشفويّة لهو سبب كذلك؟ رغم زعم موسى أنه سمعه ورآه.
“ناداه الله من وسط العليقة، وقال: موسى موسى فقال: ها أنذا”.(9)
-أليس اختفاء الله بعيدًا عن عيوننا عكس كل النجوم والكواكب التي نراها لهو سببٌ من أسباب الإلحاد ورفض لكل فلسفات الإحساس الفطري به أو القلبي التي تجعله محل العين؟ قال الحلاج:
“رأيت ربي بعين قلبي فقلت من أنتَ قال أنتَ”. (10)
-أليس تحكُّم الله في أمورنا الجنسية أو فضوليته اتجاه عقلنا الجنسي يجري في نفس التيار، ففي فلسفة التانترا المهتمة بالجنس والروحانيات والإلهيات تعبيرٌ واضح. وفي الدعارة الدينية القديمة والجنس المقدّس المتعلق بالآلهة بعض الأجوبة كذلك؟ إنَّ الكاتب هربرت جورج ويلز لم يكن مخطئا حين قال:
“إن الله والجنس هما الشيئان الوحيدان اللذان أثارا اهتمامي”. (11)
-أليس الله هو مطلب النفس البشرية وغاية الغايات وسبب كل غموض الكون وكذلك سبب إيضاحه؟ يقول آينشتاين:
“كلنا نرقص على أنغام لحن غامض يعزفه من بعيد عازف لا نراه”. (12)
عالم من دون الله، كم هذه العبارة تبدو متناقضة! سيقول لي المؤمن أو الفيلسوف اللاهوتي أنني لن أوجد حتى لطرح هذا السؤال إذا كان الله غير موجود ففكري وكينونتي دليل على أنطولوجيا الله، أما الملحد أو اللأدري فلا شكّ أنه سيضحك قائلًا: من قال أنَّ الله موجود أصلا لتجعله مسلّمة؟.
فسواء سمعنا الله أو رأيناه وسواء لم نسمع وقع خطواته أو نراه، فهو يظل دومًا موجودًا؛ في صلوات المؤمنين، في الفكر العالمي وفي التقاليد والفلسفات وفي صراع الأديان التي كل واحدة منها تغار عليه، يقول الله عن نفسه: ماذا بقي بعد وأنا موجود في كل شيء؟.
مربَّع من المعرفة يبدو عليه التناقض، غير أني أرى اتساقًا وانسجامًا في أضلاعه، ورغم تذمري من الهندسة والرياضيات لكنه باعترافي مربّع رقيق يحتاج فقط أن تعامله بجسدك كاملًا، فالعقل ليس بمصدر الزعامة ولا الروح والقلب بل كل الجسد.
كم أود لو كل ما قلته صحيح، فأنا في النهاية مثلكم لدي نشازُ آراءْ وأفكارٌ هوجاءْ في رأسي تحب أن تجهض. فـ كم الإجهاض صعب كما الولادة.
هوامش ومصادر: 1- تنسب للفيلسوف الرواقي "إبيكتيسوس". 2- سفر التكوين [03: 08 -10]. 3- الحكمة السومرية في العراق القديم، الأب سهيل قاشا، دار بيسان، الصفحة 36. 4- القوانين البابلية، عبد الحكيم الذنون، دار علاء الدين. 5- تراجيديات سوفوكليس، لسوفوكليس، مسرحية أوديب ملكا، ترجمة عبد الرحمن بدوي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر. 6- موسوعة الأساطير والرموز الفرعونية، روبير جاك تيبو، المجلس الأعلى للثقافة. 7- ألف ليلة وليلة، المجلد الأول، منشورات الشهاب، الصفحة 116. 8- المياه كلها بلون الغرق، إيميل سيوران، منشورات الجمل، الصفحة 141. 9- سفر الخروج: [03: 04]. 10- ديوان الحلاج، الحسين بن منصور الحلاج، منشورات الجمل، الصفحة 38. 11- أديان العالم، هوستن سميث، دار الجسور الثقافية، الصفحة 221. 12- المسألة الدينية عند أينشتاين أو الدين الكوني، عبد اللطيف الصديقي، منشورات ضفاف منشورات الاختلاف، الصفحة 37.