مفاجآت من رحلة كاسيني الأخيرة

بعد أن أمتَعَنا على مدى ثلاثة عشر سنة بصوره للكوكب الحلقي، انتهت رحلة كاسيني في الخامس عشر من سبتمبر 2017.
فقبل أن ينفد منه الوقود، قام المسؤولون عن مهمة كاسيني في ناسا بتغيير مساره تكرارًا ليقترب أكثر من حلقات الكوكب، ثم ليدخل منطقة ما بين الكوكب والحلقات، دائرًا حوله اثنتين وعشرين دورة سُميت بالنهاية الكبرى “Grand Finale”، انتهت بدخول المسبار الملحمي للغلاف الجوي للكوكب واحتراقه فيه.

كانت رحلة كاسيني الأخيرة فرصةً عظيمةً لجمع الكثير من المعلومات عن الكوكب وخاصة المنطقة بينه وبين حلقاته. تلك المنطقة التي تبدو لنا من الأرض هادئة ساكنة، تبين للعلماء أنَّها ليست كذلك إطلاقًا. ففي 11 ورقة بحثية نشرت في دورية Science، قدمت معلومات جديدة حول النشاط الكهرومغناطيسي لتلك المنطقة وكذلك عن طبيعة المطر المتساقط من الحلقات نحو الكوكب.

تقول ليندا سبيلكر من فريق مهمة كاسيني أن الكثير لايزال يمكن الحصول عليه من تحليل البيانات التي زودهم بها المسبار، وأن ما توصلوا إليه إلى الآن يشكل البداية فقط لفهم الظواهر الحادثة على الكوكب. وأن الخطوة التالية هي جمع المعلومات إلى بعضها لتكوين صورة متسقة.

وإليك بعض ما توصل إليه العلماء من رحلة كاسيني إلى الآن:

إنها تمطر بكثافة من الحلقة الداخلية للكوكب.
أثناء رحلته الأخيرة تعرض كاسيني لوابل من الغبار المتساقط من الحلقة الداخلية لزحل (D ring). وأظهر التحليل الذي قام به جهاز (INMS:Ion and Neutral Mass Spectrometer) الموجود على المسبار أن ذلك الغبار المتساقط (Ring Rain) لا يتكون فقط من الهيدروجين والهيليوم كما كان متوقعًا، بل ظهر في تكوينه أول وثاني أكسيد الكربون، الميثان، والنيتروجين.

كما أظهرت أجهزة أخرى وجود حبيبات تحوي في غالبها الماء المتجمد (95%) وبعض السيليكات. وأن انهمارها ناتج عن التفاعل ما بين تلك الجسيمات والطبقات العليا من الغلاف الجوي لزحل. ووجد أن دوران الحلقة الداخلية D بمعدل أسرع بكثير من الغلاف الجوي للكوكب يتسبب بإلقاء كميات كبيرة من هذه الحبيبات تقدر بحوالي 10 طن في الثانية. وهو ما يعني أن الحلقة التالية C تقوم بتعويض الحلقة D. وأن هذه الأخيرة تلعب دورًا في تكوين كل من الغلاف الأيوني والغلاف الجوي للكوكب. كما أن ذلك قد يعمل على تغيير كيمياء الطبقات السطحية للكوكب. وهذه الجزئيات المتساقطة لا تنهمر بقوة كالمطر، بل إنَّها تسقط كرذاذ رقيق.

وتساعد هذه النتائج على فهم أكبر للحلقات؛ مِم تتكون؟ وكيف تتكون؟ وما هي مدة بقائها؟ ولماذا تتواجد في كواكب دون أخرى؟ وهي تلقي الضوء على عمر حلقات الكواكب، التي لا تدوم للأبد، كما نرى في الحلقات الخفيفة المتلاشية للمشتري ونبتون وأورانوس.

المجال المغناطيسي لزحل يختلف عن باقي الكواكب.

رغم أن العلماء قد درسوا المجال المغناطيسي لزحل سابقًا بناءً على المعلومات التي زودتهم بها المسابير فوييدجر 2،1، وبيونير، أثناء تحليقهم بالقرب من الكوكب. لكن رحلة كاسيني النهائية التي اقترب بها لمسافة غير مسبوقة من الكوكب، زودتهم بمعلومات جديدة.
نعلم أن محور المجال المغناطيسي للكواكب يميل عن محور الدوران. فمثلًا في الأرض ينحرف المجال المغناطيسي عن محور الدوران 11 درجة. وفِي نبتون 41 درجة. لكن الأمر ليس كذلك في زحل، حيث يتطابق المحوران. وأظهرت رحلة كاسيني الأخيرة أن هناك تطابقًا تامًا أكبر مما كان العلماء يتوقعونه.

ميشيل دويرتي عالمة الفيزياء من الكلية الملكية البريطانية والمعدة لورقة البحث، تعتقد وزملاؤها أن هناك أمرًا ما يعيق فهمهم لطبيعة المجال المغناطيسي للكوكب ويخلق وهم تصور التطابق التام بين محوري الدوران والمغناطيسية للكوكب. تقول دويرتي: “بعدم وجود ميلان، فإن المجال المغناطيسي سيبدأ بالتلاشي. ولكن هذا لا يحدث!” وتضيف “لم نصل للإجابة بعد، ولكن أي ما كانت النتيجة، فسوف تغير فهم الناس للتكوين الداخلي للكواكب.” وقد يعني هذا أن المجال المغناطيسي لزحل ينشأ بطريقة مختلفة عن بقية كواكب المجموعة الشمسية.
كما أن عدم فهم العلماء للمجال المغناطيسي للكوكب، ولكون زحل كوكبٌ غازي لا صخري (فلا علامات ثابتة على سطحه لتتبعها)، فإنه لم يتم تحديد زمن اليوم على زحل. بل يقدره العلماء ب10,7 ساعة “لفهم أكثر شاهد الفيديو”

نشاط كهرومغناطيسي بين الغلاف الجوي لزحل وحلقاته.

ظهرت بتحليل بيانات أجهزة كاسيني مفاجأة للعلماء، وهي وجود تيارات كهربائية بين حلقات الكوكب والغلاف الجوي العلوي له. ولم يتضح للعلماء سببها إلى الآن. لكنهم يأملون بمعرفة المزيد مع تجميع البيانات من أجهزة كاسيني المختلفة.

كما تبين وجود حزام إشعاعي ناتج عن وجود جزيئات نشطة عالقة بين الكوكب وحلقاته. وهو مشابه لحزام ڤان آلن حول الارض. ولا يعرف كيف يمكن تواجد تلك الجزئيات هناك بالنظر إلى كون النظام الحلقي للكوكب يجعل من الصعب عبور جزيئات نشطة من الفضاء الخارجي.
هناك الكثير الذي تمت معرفته عن الكوكب من خلال تحليل بيانات كاسيني. لكن لايزال هناك الأكثر الذي يعمل العلماء على دراسته في محاولة للوصول لإجابات.