عجلة الزمن: هل أفسد المسلسل جوهر الرواية؟

عند الإعلان عن مسلسل عجلة الزمن على منصة أمازون قررت مشاهدته والحديث لاحقًا عن الاختلافات ما بين الروايات والمسلسل – بصفتي مترجم الرواية الأولى من السلسلة – ولكن الحقيقة أن الاختلافات كانت كبيرة للغاية وجزء كبير من الرواية الأولى محذوف في الموسم الأول من المسلسل، حتى إنني فقدت الرغبة في الحديث عن كل الاختلافات ما بين العمل المكتوب والعمل المرئي.

ولكن هناك شيئًا واحدًا أشعر برغبتي في الحديث عنه، تجاه تغيير جوهري ما بين الروايات والمسلسل قد أثار حفيظتي للغاية، وخصوصًا أن هذا التغيير ينكشف في الدقائق الأولى من المسلسل.

الاعلان الرسمي لمسلسل عجلة الزمن

دور المرأة في الفانتازيا

في السنوات الأخيرة اتجهت المسلسلات المأخوذة عن روايات الفانتازيا نحو منح المرأة دورًا أكبر من دورها في النصوص الأصلية. مثال واضح على ذلك هو مسلسل خواتم السلطة المقتبس عن عالم سيد الخواتم لتولكين، حيث تعرضت روايات تولكين لاتهامات عديدة بأنها تركز فقط على البطولة الذكورية. هذا موضوع يستحق المناقشة لاحقًا، لكن إذا انتقلنا إلى عجلة الزمن لروبرت جوردان، نجد أن هذا الاتهام غير قابل للتطبيق.

إن عالم عجلة الزمن يعج بالشخصيات النسائية المؤثرة، مثل إيجوين التي تخوض رحلة مذهلة من فتاة بسيطة إلى واحدة من أقوى النساء في السلسلة، وناينيڤ التي تجمع بين القوة والصلابة والقدرة على القيادة، ومويرين التي تلعب دورًا رئيسيًّا في توجيه الأبطال وفهم العالم المعقد حولهم، بالإضافة إلى دور الآيز سيداي بشكل عام، اللواتي يمثلن قوة نسائية حقيقية في عالم السلسلة.
روايات جوردان لم تكتفِ بمنح النساء أدوارًا مساعدة، بل جعلتهن محور القصة في كثير من الأحيان، وخصصت لهن مسارات بطولية موازية للأبطال الذكور.

 

صورة لـ مويرين وحاميها لان

 

وهنا يجب أن نتحدث عن نقطة مهمة في عالم الرواية، وهي التفريق بين الذكور والإناث، حيث تنقسم القوة الواحدة – السحر في عالم عجلة الزمن – إلى نصفين وهما:

إعلان

السايدين: القوة الخاصة بالرجال، لكنها ملوثة بسبب قوى الظلام، مما يجعل استخدامها خطيرًا ويعرض الرجال للجنون.

السايدار: القوة الخاصة بالنساء، وهي نقية وخالية من الفساد.

وهذا يأخذنا إلى النقطة المهمة التي أود الحديث عنها، وهي شخصية “التنين العائد”، الشخصية المحورية في عالم عجلة الزمن وكل أحداث السلسلة مبنية عليها.

من هو التنين العائد؟

التنين هو لقب يطلق على شخصية أسطورية في عالم السلسلة، وهي تجسيد لشخصية ليوز ثيرين تيلامون، وهو بطل عظيم من الماضي قاد البشرية في معركة ضد الظل، لكنه تسبب في تحطم العالم بعد أن فقد عقله نتيجة الفساد الذي لحق بالسايدين.

أما التنين العائد فهو إعادة تجسد للتنين الأصلي، وهو الشخص الذي تقول النبوءات إنه سيعود لإنقاذ العالم أو تحطيمه مرة أخرى. يتمثل قدره في مواجهة سيد الظلام في معركة نهائية تُعرف باسم تارمون جايدون أو المعركة الأخيرة وهي نهاية العالم أو معركة نهاية الزمان.

 

كان باستطاعة (راند) أن يتذكر كل حكاية عن الرجال الذين يزعمون أنهم (التنين العائد)، وإن كانوا جميعًا قد أثبتوا أنهم (تنانين كاذبون) بموتهم أو بالاختفاء دون تحقيق أي من النبوءات، وما فعلوه كان سيئًا بما يكفي. أمم كاملة قد مزقتها الحرب، ومدن وقرى قد أحرقتها النيران. لقد تساقط الموتى كأوراق الخريف وتزاحم اللاجئون في الطرق كأغنام في حظيرة. هذا ما قاله الباعة الجائلون والتجار، ولم يكن هناك أحد في (النهرين) يشك في هذا أدنى شك. يقول البعض إن العالم سينتهي عندما يولد (التنين) الحقيقي من جديد.

– عجلة الزمن، عين العالم

النبوءات في الرواية تذكر بشكل واضح أن التنين العائد سيكون رجلًا، وهذا الرجل سيحمل عبئًا ثقيلًا، إذ يُنظر إليه على أنه مخلص البشرية لكنه أيضًا قد يجلب الخراب، وغالبًا ما يكون محاطًا بالخوف والرهبة بسبب النبوءات المرتبطة به.

لكن المسلسل قرر طرح تغيير جديد في الدقيقة الأولى من المسلسل، فقد ذكر على لسان مويرين أن التنين العائد قد يكون رجلًا أو امرأة، وهذا التغيير قد يبدو محاولة لجذب جمهور أكبر أو لإضفاء تنوع، لكنه في الواقع أضعف القصة الأساسية.

لماذا هذا التغيير؟

كما ذكرنا من قبل فإن السايدين – أو قوة الرجال – ملوث ويؤدي إلى الجنون، والسايدار – قوة النساء – نقي وخالي من الفساد، هذه القاعدة جعلت من “التنين العائد” شخصية تحمل عبئًا مزدوجًا؛ إنقاذ العالم مع مواجهة خطر الجنون بسبب القوة الملوثة. هذا الصراع النفسي يمثل عنصرًا محوريًّا في تطور شخصية الرجل الذي سنكتشف أنه التنين العائد، وجعل رحلته درامية ومؤثرة.

 

لوحة التنين العائد بريشة الفنان Ari Ibarra

 

إلغاء المسلسل لهذه القاعدة، وفتح الباب أمام احتمالية أن تكون امرأة هي التنين العائد، أدى إلى إضعاف التوتر الأساسي الذي ميز الرواية. الصراع الجندري حول استخدام القوى السحرية – حيث يمثل الرجال خطرًا دائمًا بسبب فساد السايدين – اختفى تمامًا. هذا التغيير لم يقلل فقط من الرهبة المحيطة بفكرة الرجل الذي يحمل خلاص العالم ودماره في آنٍ واحد، بل أضعف أيضًا العلاقات المعقدة بين الشخصيات، خاصة مع الآيز سيداي الحمراوات، اللاتي كان عداؤهن المبرر تجاه الرجال جزءًا جوهريًّا من الحبكة.

 

الملعونون، ثلاثة عشر من أقوى مسخري (القوة الواحدة) في عصر مليء بالمسخرين الأقوياء قد سجنهم في (شايول غول) – بصحبة (سيد الظلام) – (التنين) و(الرفاق المئة)، ورد الفعل على هذا السجن قد دنَّس النصف الذكوري (للمصدر الحقيقي)، وكل ذكور (الآيز سيداي) الذين يمتلكون هذه القوة الملعونة قد أصيبوا بالجنون وحطموا العالم، مزقوه كما لو أنه وعاء فخاري قد تحطم على الصخور، وأنهوا (عصر الأساطير) قبل موتهم، يتعفنون بينما لا يزالون أحياء.

– عجلة الزمن، الصيد العظيم

 

في عالم الرواية يكون الرجال الذين يستخدمون السايدين مصدر خوف ورهبة، إذ يمثلون خطرًا على أنفسهم وعلى من حولهم. نتيجة لذلك كان هناك عداء واضح بينهم وبين الآيز سيداي، وخصوصًا “الآجاه الحمراوات”، اللائي يكرسن أنفسهن لتعقب الرجال الذين يستخدمون القوة الواحدة لترقيقهم (عزلهم عن المصدر الحقيقي للقوة الواحدة) أو حتى قتلهم.

“التنين العائد” في الروايات ليس فقط مخلص العالم، بل هو أيضًا شخصية محاطة بالكراهية والخوف. الآيز سيداي الحمراوات يرينه تهديدًا مباشرًا بسبب كونه رجلًا يمكنه استخدام السايدين الفاسد.
النبوءة التي تؤكد أن التنين سيكون رجلًا تخلق حالة من التوتر والصراع بين الآيز سيداي وراند ألثور، بطل الرواية، إذ ينظر إليه الجميع كخطر محتمل حتى أقرب أصدقائه وداعميه.

أثر التغيير في المسلسل

عندما غيّر المسلسل هذه القاعدة وسمح بأن يكون التنين العائد امرأة، فقدت القصة هذا التوتر الأساسي النابع عن الصراع بين الرجال والنساء في استخدام القوى السحرية. إذا أصبح التنين العائد امرأة فإن هذا التوتر يختفي لأن النساء يستخدمن السایدار النقي. هذه الخطوة قد تضعف الجانب التراجيدي للشخصية الرئيسية.

إن رهبة الجنون التي كانت جزءًا من مأساة التنين العائد أصبحت أقل أهمية مع التغيير الذي أدخله المسلسل. في الرواية كان هذا الجنون جزءًا أساسيًّا من الصراع النفسي الذي يواجهه “التنين العائد” كونه رجلًا يستطيع استخدام السايدين الملوث. هذه الرهبة تضيف بعدًا مأساويًّا للشخصية، حيث يعيش “التنين العائد” في خوف دائم من أن يفقد السيطرة على عقله، مما قد يؤدي إلى تدميره لنفسه ولمن حوله.

 

غلاف النسخة العربية من رواية عبن العالم الجزء الأول من سلسلة عجلة الزمن

 

هذا الجانب كان يجعل الرحلة البطولية للتنين العائد أكثر تعقيدًا ومليئة بالتوتر، لأنه ليس مجرد بطل يحارب قوى الظلام، بل رجل يتصارع مع قوته الداخلية المدمرة.

في الروايات هناك صراع مستمر بين الرجال والنساء فيما يتعلق بالقوة السحرية والثقة. هذا التغيير قد يقلل من التوتر الاجتماعي والجنساني الأساسي في القصة، الذي يُبرز الحاجة إلى التعاون بين الجنسين لإنقاذ العالم.

 

إن أعظم إنجازات (عصر الأساطير) قد تطلبت أن يعمل الرجال والنساء معًا باستخدام (القوة الواحدة).

– عجلة الزمن، الصيد العظيم

 

إن عداء الآيز سيداي الحمراوات للرجال فقد مبرره القوي، مما أضعف ديناميكية العلاقات بين الشخصيات.
هل هذا التغيير كان ضروريًّا لإضافة التنوع أم أنه أضعف الصراعات العميقة التي جعلت الروايات فريدة؟

علاج لمشكلة غير موجودة

إن قرار المسلسل بزيادة التركيز على النساء أو تعديل دور “التنين العائد” ليصبح رجلًا أو امرأة يبدو وكأنه معالجة لمشكلة غير موجودة في الأصل. الروايات بالفعل منحت النساء مساحة واسعة للتأثير في العالم والحبكة، والصراع في النص الأصلي لم يكن حول تهميش المرأة، بل حول العلاقات المعقدة بين الرجال والنساء، وبين القوى التي يتحكم فيها كل منهما.

يبقى السؤال مطروحًا؛ هل كان هذا التغيير ضروريًّا لتحسين القصة، أم أنه أضعفها وأفقدها جزءًا كبيرًا من خصوصيتها؟ بالنسبة لي أرى أن الروايات الأصلية كانت متوازنة ومليئة بالبطولات النسائية دون الحاجة إلى تعديل جوهري كهذا.

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: أحمد صلاح المهدي

تدقيق لغوي: محمود المهدي

اترك تعليقا